مثيرة … تلك المغامرة
عندما تحرَّكت عقارب الساعة معلنةً الخامسة تمامًا، كان هذا إيذانًا للشياطين الثلاثة عشر بالتجمُّع في هذه الغرفة الكبيرة بالمقر السري، وتعلَّقَت العيون بالحائط السميك …
قال رقم «صفر»: أظنكم جميعًا في شوق إلى معرفة السبب العاجل الذي دعاني إلى طلب هذا اللقاء، ولكن عمليتنا هذه المرة تحتاج إلى السرعة والدقة، وأيضًا ولعلها المرة الأولى تحتاج إلى الخيال.
ولم ينطق واحد منهم بحرف، ولكن عيونهم كانت تلمع بالتساؤل والفضول، وأكمل رقم «صفر» حديثه قائلًا: إن عمليتنا هذه المرة بها جانب كبير يفوق الخيال … فحولها تدور حكايات كثيرة، البعض يقول إنه شاهد أحداثها، والآخر يقول إنه سمع عنها.
صمت رقم «صفر» قليلًا، ثم سمع الشياطينُ صوتَ أوراق تُقلب، وأخيرًا قال: إن مغامرتنا هذه المرة تدور حول أربعة آلاف طن من الذهب!
سكت رقم «صفر»، ونظر الشياطين إلى بعضهم بدهشة؛ فإن أربعة آلاف طن من الذهب شيء مذهل رهيب … وقبل أن ينطق أحد منهم كان رقم «صفر» يقول: إن مكان مغامرتنا هو قارة الهند. هي ليست قارةً كما تعلمون، ولكنهم يُطلقون عليها هذا الاسم نظرًا لاتساعها … وأنتم طبعًا تعرفون مشاكل الهند؛ فهي تتعرَّض لمجاعات كثيرة، بجوار أنها دولة فقيرة؛ ولذلك فهي تضع آمالًا كبيرةً على الأربعة آلاف طن من الذهب … إنها يمكن أن تحل مشاكلها إذا عثرت على هذه الكمية الضخمة. وكما تعلمون فإن الهند بلد صديق، يقف دائمًا مع قضايانا العربية؛ ولذلك فإن من الواجب، بل ومن الضروري أن نُساعده في هذه الأزمة.
صمت رقم «صفر» وأخذ يقلب بعض الأوراق أمامه. كان الشياطين يُتابعون بانتباهٍ شديد كلمات رقم «صفر»، قال: سوف أترككم قليلًا، وأمامكم الآن جانب من المعلومات التي يجب أن تعرفوها.
أُضيئت لوحةٌ أمام الشياطين، بينما كانت خطوات رقم «صفر» تبتعد، وأخذ الشياطين يقرءون ما هو مكتوب على اللوحة.
«عُرفت الهند منذ أكثر من ألف سنة بأنها أرض الأسرار. ولعل كنوز «جابور» تكون واحدًا من أعظم تلك الأسرار في العالم كلِّه، على مر العصور. إن هذه الكنوز لم تعُد مجرَّد قصة يسمعها الصغار من جداتهم قبل النوم؛ فقد اهتمَّت حكومة الهند وعدد كبير من علمائها بتلك القصة، وأجرَوا بالفعل محاولات كثيرةً للعثور على أحد هذه الكنوز تحت أسوار قلعة «جايجار» الصخرية المرتفعة، التي تُشرف على مدينة «جابور» القرمزية، التي بناها وشيَّد القلعة لحراستها «الراجاجاي سينج» عام ١٧١١م … ويبدو أن «الراجا» لم يُشيِّد قلاعه العديدة إلا لحراسة كنوزه الهائلة.
ويبدو أن هذه الأساطير والأسرار تحمل قدرًا كبيرًا من الحقيقة؛ فقد علمَت حكومة الهند أن هناك كثيرًا من العصابات قد اتَّحدَت مع بعضها لتكوين قوًى ضاربةٍ تتمكَّن من الوصول إلى هذه الأطنان الأربعة من الذهب، قبل أن يصل إليها أصحابها الشرعيون … ولذلك فنحن مُطالَبون بأن نُقدِّم يد المعونة، وفورًا إلى أصدقائنا في الهند.»
أُطفئت اللوحة، فنظر الشياطين إلى بعضهم، لكن ما كادوا يلتفتون حتى أُضيئت اللوحة مرةً أخرى، وظهرت عليها معلومات جديدة.
كانت المعلومات تقول:
«بدأت الحفريات حيث تحدد المكان، واستمرَّت مائة يوم حتى وصلت إلى عمق ٩١٠ أقدام تحت القلعة. وامتدَّ الحفر إلى مسافات بعيدة دون العثور إلا على بعض العملات القديمة … وكان وجود هذه العملات يعني أملًا جديدًا في أن البحث قد يصل إلى شيء.»
سمع الشياطين صوت أقدام رقم «صفر» تقترب، في نفس الوقت الذي كانوا يُتابعون فيه قراءة هذه المعلومات، ويُحاولون استيعابها جيدًا. لحظة، ثم جاءهم صوت رقم «صفر» يقول: جاءتنا معلومات جديدة من عملائنا في الهند … هذه المعلومات عبارة عن خريطة مرسومة على رق غزال، وهي تحمل أيضًا رسمًا كروكيًّا للقصر والقلعة.
صمت رقم «صفر» قليلًا، وأُطفئت اللوحة التي تحمل المعلومات، ثم جاء صوت رقم «صفر» يقول: لقد استطاع معمل الأبحاث عندنا أن يُحدِّد عمر العلامات التي وُجدت على الخريطة بالضبط؛ وهي «ثلاثمائة عام» … وقد أرسل إلينا عملاؤنا معلومات تقول: إن أحد الرجال المتقدِّمين في السن قد تقدَّم بهذه الخريطة إلى حكومة الهند، وأنه ورثها أبًا عن جد، وهذا الرجل من قبيلة «مينا» الهندية، وهذه القبيلة يقال إن «الراجا الأول» قد كلَّفها بحماية كنوزه وقلعته.
أُضيئت لمبة صفراء، فتوقَّف رقم «صفر» عن الاسترسال في الكلام، ولم تمضِ سوى لحظة حتى قال: سأترككم قليلًا. ثم أخذت أقدام رقم «صفر» تبتعد، حتى اختفت تمامًا.
قالت «زبيدة»: مغامرة مثيرة، خصوصًا وأن الخيال فيها أكثر من الواقع!
قال «أحمد»: إن الأعمال العظيمة تبدأ دائمًا بالخيال.
هدى: المهم أنها مسألة مثيرة.
باسم: أربعة آلاف طن من الذهب! هذه حكاية قد تتجاوز حتى الخيال نفسه!
قيس: ليس هذا هو المهم … إن المهم أننا أمام مغامرة مثيرة، والهند قارة مليئة بالأسرار والإثارة أيضًا!
تناهى إلى أسماعهم صوت أقدام رقم «صفر» تقترب فصمتوا، وتركَّزَت أبصارهم في نفس الاتجاه الذي يُحدِّثهم منه رقم «صفر»، حتى قال: يقول معمل الأبحاث عندنا إن الخريطة تحمل شفرةً خاصةً تُؤدِّي إلى الكنز، وما زال معمل الأبحاث يُحاول فكَّ رموز هذه الشفرة.
أُضيئت اللوحة وقال رقم «صفر»: هذه هي صورة الخريطة التي وصلتنا، وقد جاءتنا رسالة عاجلة من عملائنا في «الهند» تقول: إن الخريطة تدل على مكان معبد قديم مفقود، وكان «الراجاوات» يتعبَّدون فيه قبل خروجهم للحرب، ثم يعودون إليه بغنائمهم، ولم تكن هذه الغنائم في معظمها سوى الذهب والأشياء الثمينة … ويقال إن هناك عشرات الغرف المحفورة في الصخر، وعلى أعماقٍ بعيدة، هي التي تحوي هذه الكنوز، وأن الخريطة تدل فقط على الغرف العلوية التي تحتوي على المفاتيح، وشفرة الكنز.
كان الشياطين في حالة تركيز شديد حتى لا يفوتهم كلمة أو معلومة؛ ولذلك لم يكن أحدهم يتحرَّك من مكانه. ثم قال رقم «صفر»: غير أن الطريف في هذه المسألة كلها، تلك الحكاية التي يُؤكِّدها كثيرون هناك كما قال العملاء؛ إنه عندما كانت أعمال الحفر دائرةً للوصول إلى الكنز، خرجَت من شقوق الصخور ثعابين سوداء كثيرة، لم يتمكَّن أحد من قتلها؛ إذ كانت تختفي على الفور في الرمال. ويقولون إن أسطورةً قديمةً تُؤكِّد أنه حينما يوجد ثعبان واحد أسود؛ فلا بد أن يكون في مكانه كنز واحد على الأقل، وأن الثعبان يحرسه!
أُضيئت اللمبة الصفراء، وبدأت أقدام رقم «صفر» تبتعد، فركَّز الشياطين أنظارهم على الخريطة المضاءة على اللوحة … كان يبدو عليها القِدم الشديد، بجوار أنها كانت غامضةً تمامًا.
قال «رشيد»: أسطورة غريبة تلك التي تتحدَّث عن الثعابين السوداء!
أحمد: دائمًا تحتل الأساطير مثل هذه الحكايات. ومن يدري؟ قد تكون مجرَّد أوهام.
ريما: لكن لنفرض أنها صحيحة، خصوصًا وأن «الهند» منطقة استوائية تكثر فيها الثعابين الضخمة. ونحن نقرأ كثيرًا عن هؤلاء السحرة الذين يتعاملون مع الثعابين الهندية.
بو عمير: المهم أنها مغامرة مثيرة … أساطير، وثعابين سوداء، وأربعة آلاف طن من الذهب، كلها مسائل مثيرة للغاية!
اقتربَت أقدام رقم «صفر»، فصمت الشياطين في انتظار أنباءٍ جديدة. كانوا يتمنَّون في هذه اللحظة أن ينطلقوا إلى مغامرتهم.
رقم صفر: لقد سمعتُم كلَّ ما وصَلنا من معلومات، وإذا كانت هناك أشياء جديدة فسوف تصل إليكم، والآن أترك لكم حرية الحركة، واختيار الطريقة التي تعملون بها، ومناقشة القضية بينكم؛ للتفريق بين الحقيقة والخيال … ولكن المطلوب وبشدة أن تُمنع العصابة المتحدة من الوصول إلى الكنز، ونُعيده لأصحابه الشرعيين … أدعو لكم بالتوفيق.
أخذت أقدام رقم «صفر» في الابتعاد، ثم أُطفئت اللوحة المضيئة … ظلَّ الشياطين في أماكنهم، كانوا يستعيدون تلك الكلمات الأخيرة التي تُحمِّلهم مسئوليةً شاقة، حتى قطعت «إلهام» الصمت قائلة: من يدري؟ … قد تكون كلها حقيقة.
فهد: لكن الأهالي يُؤكِّدون، كما قال رقم «صفر»، أنهم لم يسمعوا عن كنوز اكتُشفت، وإن كانوا قد سمعوا الحكايات نفسها!
أحمد: لقد قال رقم «صفر» إن حكومة «الهند» قد اهتمَّت بهذه المسألة، والآن علينا أن نستعد.
أخذ الشياطين يتحرَّكون ويُغادرون أماكنهم الواحد بعد الآخر، وعندما غادر القاعة آخر واحدٍ منهم، أُغلقت الأبواب في هدوءٍ شديد.
كانوا يجتازون الطرقات الطويلة في هدوء، وقد غرق كلٌّ منهم مع أفكاره … وعندما تجمَّعوا في الصالة الفسيحة التي تضم أبواب الحجرات، قال «أحمد»: لقد وقع الاختيار على «بو عمير» و«قيس» و«ريما»، بالإضافة إليَّ؛ للانطلاق كمرحلة أولى في هذه المغامرة، وأمامنا نصف ساعة حتى ننطلق.
كان الشياطين الأربعة يركبون سياراتهم، وما إن وضع «أحمد» يده على عجلة القيادة في السيارة، حتى فُتحت الأبواب الصخرية، وانطلقَت العربة في سرعة الصاروخ، وكأنها تعرف إلى أين ستتجه …