مغامرة … في الهواء
وصل الشياطين الأربعة إلى المقر السري في القاهرة، وجلس «بو عمير» و«قيس» و«ريما» في انتظار «أحمد»، الذي ذهب إلى شركة الطيران الهندية. كان الثلاثة يبسطون أمامهم خريطةً ﻟ «الهند»، وبدأ «قيس» يقرأ أشياء عن المنطقة التي تقع فيها مدينة «جابور»، وحيث توجد المنطقة التي جرى فيها البحث عن تلك القلعة المفقودة قلعة «جايجار».
عرف الشياطين أن تلك المنطقة معتدلة المناخ؛ فهي تقع على قمة جبل مرتفع.
وقالت «ريما»: هذا شيء رائع؛ فأنا أخاف المناطق الاستوائية، و«الهند» فيها مناطق استوائية كثيرة.
واستمرَّ الحديث بينهم حتى نظر «بو عمير» إلى ساعة يده، ثم قال: يبدو أننا لن نرحل إلا في الصباح.
لم يكَد «بو عمير» يُنهي جملته حتى فُتح الباب، ودخل «أحمد» صائحًا: هيا بسرعة! لا بد أن نكون في المطار في خلال ساعة …
أسرع الشياطين في تجهيز حقائبهم، ولم تمضِ ربع ساعة حتى كانوا جميعًا على استعدادٍ للرحيل. قفزوا في السيارة التي انطلقَت بهم في الطريق إلى المطار … لم يكن أحدٌ منهم يتحدَّث، كانوا صامتين تمامًا، حتى إن «أحمد» قال: هل شغلَتكم المغامرة إلى هذا الحد؟
قال «قيس»: إنها ليست أول مغامرة …
ريما: إنني أستمتع فقط بالتفكير فيها.
ومن جديد هبط الصمت حتى وصلوا إلى المطار، فنزلوا بسرعة، ثم أخذوا طريقهم إلى الداخل. كانت صالة المطار مزدحمةً بالمسافرين والعائدين، والذين يُودِّعون، والذين يستقبلون، ووقفوا يُراقبون الحركة النشيطة … ودوَّى صوت مذيعة المطار تُعلن عن وصول طائرة الخطوط الهندية … أسرع الشياطين في اتجاه باب الدخول إلى أرض المطار، وعندما استقروا في أماكنهم تنفسَّوا بعمق …
ثم طارت الطائرة حتى وصلت إلى مطار «بيروت».
كان «قيس» و«بو عمير» هما اللذان يريان الركَّاب الجُدُد في الطائرة.
جلس اثنان من الركَّاب بجوار «قيس» و«بو عمير» في الكرسي الموازي لهما، وعندما أقلعَت الطائرة، انهمك الاثنان في الحديث، برغم أن التصنُّت على إنسان لم يكن من طبيعة الشياطين، إلا أن كلمةً واحدةً جذبَت سمع «بو عمير» … لقد كانت الكلمة «ذهب». ركَّز سمعه إلى حديث الرجلَين … ورغم أن أزيز الطائرة حال دون أن يتسمَّع جيدًا، إلا أنه كان يستطيع أن يلتقط بعض الكلمات. سمع: حقيبة. رقائق. عربة. عودة. حشو. وفكَّر «بو عمير»: إن الحقيبة لا يمكن أن تستوعب كميةً كبيرةً من الذهب، وكلمة بطان، ورقائق، تعنيان أن هناك كميةً من الذهب. وكلمة بطانة، حقيبة، وعودة، وعربة، قد تعنيان أن العربة التي سوف تحمل الحقائب سيكون فوقها أيضًا حقيبة الذهب. وعودة تعني عودة الرجل.
ظلَّ «بو عمير» في محاولة استماع ما بينهما من حوار. صمت الرجلان لحظة، كان يبدو أنهما اكتشفا أن صوتَيهما أعلى ممَّا ينبغي.
مال «بو عمير» في اتجاه «قيس»، ثم بدأ يتحدَّث إليه عن الرجلَين … استمع «قيس» في اهتمام، وفكَّر لحظة، ثم قام من مكانه، بينما «بو عمير» يتتبَّع حديث الرجلَين قدر استطاعته … اتجه «قيس» إلى «أحمد» وتحدَّث إليه، ثم عاد. أخرج «أحمد» من حقيبته الصغيرة جهازًا مُكبِّرًا للصوت، ومستقبِلًا للموجات، وضبطه على المنطقة التي يجلس فيها الرجلان، ووضع سمَّاعتَين صغيرتَين في أذنيه، وبدأ يستمع، كان يبدو وكأنه يستمع إلى راديو، بالرغم من أن الطائرة كانت تُدير موسيقى للركاب … ابتسم «أحمد» فنظرَت له «ريما» وسألَته: ماذا هناك؟! لم يسمع «أحمد» كلمات «ريما»؛ فقد كانت السمَّاعتان تسدان أذنَيه، في نفس الوقت الذي كان تركيزه كله لذلك الحوار الذي يدور بين الرجلَين. أعادت «ريما» سؤالها، فالتفتَ إليها «أحمد» وقد رأى تعبير السؤال على وجهها، فأشار إليها أن تنتظر قليلًا.
ظلَّ «أحمد» يستمع إلى حوار الرجلَين، ثم في النهاية عندما صمتا ابتسم وخلع السمَّاعتَين ونظر إلى «ريما» قائلًا: ماذا؟
ريما: هل هناك شيء؟
ابتسم «أحمد» وقال: إنها مغامرة عابرة في الطريق. ثم بعد لحظة: يبدو أن المغامرات هذه المرة كلها ذهب!
لم تفهم «ريما» بالضبط ماذا يعني «أحمد»، فنظرَت له في تساؤل … أخذ «أحمد» يقول لها ما سمعه، فضحكَت «ريما» وقالت: إننا محظوظون جدًّا؛ فالمغامرات تأتينا حتى دون أن نبحث عنها.
شعر «أحمد» بحرارة جهاز الاستقبال، فأخرجه، ثم وضع السمَّاعة في أذنَيه … كان الحوار متقطِّعًا، وكانت معظم الكلمات تضيع، وحاول «أحمد» أكثر، إلا أنه في النهاية لم يستطع، فأرسل رسالةً سريعةً إلى «قيس» حيث يجلس: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: هل صمتا؟»
استقبل «قيس» الرسالة، ثم ردَّ على الفور: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: إنهما يستخدمان الورق والقلم.»
أرسل «أحمد» رسالةً أخرى إلى «قيس»: «حاول معهما.»
كان «بو عمير» يُراقب الرجلَين اللذَين كانا يستخدمان ورقًا وقلمًا، ونادرًا ما يقولان كلمة، فأخرج «بو عمير» نظارةً مكبرةً عاكسة، ثم نظر من نافذة الطائرة … كانت النظارة تنقُل له صورة الرجلَين مكبَّرة، غير أن الأوراق كانت في مستوًى منخفض. وكان يبدو على وجهَي الرجلَين الاهتمام. ووقف «بو عمير» وهو ينظر في النظارة، فوضحَت الأوراق أمامه، غير أن الكلمات لم تكن واضحةً تمامًا، كانت تبدو خطوطًا متقاطعة، كأنها خطوط المواصلات على خرائط، وكانت هناك دوائر وأسهم تُشير إلى أماكن، وأماكن عكسية.
جلس «بو عمير»، ثم تحدَّث إلى «قيس»، يشرح له ما رآه، ثم أرسل «قيس» رسالةً إلى «أحمد»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: هناك ما يبدو أنها خريطة.»
ردَّ «أحمد» على الرسالة: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: هل يمكن تصويرها؟»
ردَّ «قيس»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: مسألة صعبة.»
استخدم «أحمد» جهاز الاستقبال، حاول أن يستمع، إلا أن الرجلَين كانا قد صمتا تمامًا …
فكَّر «أحمد» … «يجب مراقبة الرجلَين، خاصةً عند النزول من الطائرة؛ فيبدو أننا نُواجه عملية تهريب منظمة.»
قالت «ريما»: هل تتصل بطاقم الطائرة؟
فكَّر «أحمد» قليلًا … ثم قال: لا داعي لذلك؛ فربما تصرَّف أحدهم تصرُّفًا يكشف كل شيء … إننا نستطيع أن نتصرَّف.
صمتَت «ريما» وألقَت نظرها ترقب النجوم اللامعة، بينما «أحمد» كان لا يزال يُحاول الاستماع، فأرسل رسالةً إلى «قيس»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: هل هناك جديد؟»
ردَّ «قيس» بسرعة: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: لا جديد.»
ظلَّ «قيس» في حالة مراقبة للرجلَين، بينما كان «بو عمير» يُحاول عن طريق المنظار المكبِّر كشف أي شيء، غير أن الرجلَين طويا أوراقهما … ثم صمتا، واستغرق كلٌّ منهما في تفكيره …
ظلَّ أزيز الطائرة هو المسيطر على كل الأصوات، وخفتَت الموسيقى في الطائرة، وبدا أن الجميع أخذ يخلد إلى النوم.
انقضَت الساعات، كان «بو عمير» و«قيس» قد قسما الوقت بينهما في شكل نوبتجية؛ كلٌّ منهما ينام ساعة، في نفس الوقت تصرَّف «أحمد» و«ريما» نفس التصرُّف على جهاز الاستقبال، وعندما طلع النهار، لم يكن قد جدَّ جديد، سوى صوت مذيعة الطائرة يُلقي على الركَّاب تحية الصباح … نظر «أحمد» في ساعته، ثم قال لنفسه: لقد غادرنا القاهرة في العاشرة مساءً، وتوقَّفنا في «بيروت» وقتًا. نحن قضينا في الهواء ثماني ساعات، بجوار الفارق الزمني بين البلدَين.
كانت الشمس لم تظهر بعد، غير أن ضوء النهار كان يُعطي للأشياء لونه الصافي. قالت مذيعة الطائرة: بعد قليلٍ سوف نهبط … في مطار «بومباي» … لاحظ «قيس» أن أحد الرجلين قد غادر مكانه، وانتقل إلى مكانٍ آخر؛ فالطائرة لم تكُن ممتلئةً بالركَّاب … وعندما كانت تأخذ طريقها إلى الأرض، كان الرجل الآخر يُعِد حقيبته استعدادًا للنزول … أرسل «قيس» رسالةً سريعةً إلى «أحمد»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: إنهما يستعدان.»
ردَّ «أحمد»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: ونحن أيضًا.»
استقرَّت الطائرة على الأرض، وبدأ الركَّاب يأخذون طريقهم إلى الباب. اجتمع الشياطين عند الباب وظلُّوا في حالة متابعةٍ للرجلَين … ألقى «أحمد» نظرةً سريعةً على المطار، رأى أحدَ الضبَّاط يقف عند الباب المؤدِّي إلى صالة الوصول، وكان الرجلان قد نزلا السلَّم، وأخذا طريقهما إلى باب الخروج.
أسرع «أحمد» خلفهما متجهًا إلى الضابط، في نفس الوقت الذي كان فيه بقية الشياطين يسيرون متمهِّلين وهم يُراقبون الموقف. اقترب «أحمد» من الضابط الذي كان يتثاءب، وألقى عليه تحية الصباح، ثم أكمل حديثه قائلًا: يبدو أن هناك حالة تهريب في الطائرة.
نظر الضابط له بدهشة، ثم قال: كيف عرفت؟!
أحمد: سمعتُ حديثًا يدل على ذلك.
الضابط: من بالتحديد؟
نظر «أحمد» في اتجاه الرجلَين، ثم قال: هذان.
هزَّ الضابط رأسه، ثم قال: لا بأس، سوف نتبعهما …
خرج الرجلان من الباب إلى الصالة الخارجية للمطار، في نفس الوقت الذي كان فيه الشياطين يمرُّون أيضًا وهم يراقبونهما.
اقترب ضابط الشرطة من الرجلَين، ثم تحدَّث إليها.
راقب الشياطين ما يدور … كان يبدو الحديث وديًّا بين الضابط والرجلَين … بدَت الدهشة على وجه «قيس» وقال: إنه يُصاحبهما!
قالت «ريما»: ربما يكون قد قبض عليهما دون ضجة.
فكَّر «أحمد» قليلًا، بينما كان الرجلان والضابط يأخذون طريقهم إلى الخارج، ثم جرى مسرعًا إلى نقطة الشرطة الموجودة في المطار.