البداية … فندق «الهملايا»
دخل «أحمد» بسرعة، واقترب من الضابط الموجود، ثم حكى له ما حدث في إيجاز … قفز الضابط من خلف مكتبه، ثم أسرع إلى خارج الحجرة … كان الرجلان والضابط على وشك الركوب في سيارة، وعندما نادى الضابط كانت السيارة قد انطلقَت. أسرع الضابط الآخر إلى سيارة اللاسلكي الواقفة خارج المطار، ثم تحدَّث بسرعة إلى سيارة شرطة لا سلكي تقف في مكانٍ آخر غير واضح، وتحرَّكت سيارة الشرطة.
في نفس الوقت استقلَّ الشياطين تاكسيًا، وأسرعوا خلف السيارة التي انطلقَت، كان واضحًا أن هناك شيئًا غامضًا.
قال «قيس»: ينبغي أن نستمرَّ في طريقنا؛ فلا يجب أن يشغلنا شيء عن مهمَّتنا الأساسية.
أحمد: هل يمكن أن نبدأ شيئًا ثم لا نُكمله، بجوار أنه يمكن أن يكون مفتاحًا لمغامرتنا؟
ظلَّ التاكسي منطلقًا وأعين الشياطين على المطاردة التي بدأَت، فعندما أُغلقَت الإشارة، وظهر الضوء الأحمر، كانت سيارة الرجلَين قد تعدَّتها، غير أن سيارة الشرطة تعدَّت الإشارة هي الأخرى، وتوقَّف التاكسي.
فقد الشياطين أثر السيارات الأخرى. فكَّر «أحمد» قليلًا، ثم قال: أعتقد أننا يجب أن نذهب إلى أقرب قسم شرطة.
وفجأةً سُمع صوت طلقات، وقال «بو عمير»: هناك شيء بالتأكيد! هيا إلى مصدر الطلقات.
أسرع التاكسي في اتجاه المصدر، غير أنه فجأةً انحرف يمين الطريق وتوقَّف، ثم قال السائق: إلى أين؟
أحمد: هناك أحداث يجب أن نحضرها.
السائق: هذه مسألة لا تُهمُّني. إن ورائي عملي، ولا أستطيع أن أتدخَّل في أمورٍ لا علاقة لي بها.
شرح «أحمد» للسائق تفاصيل الموقف. فكَّر الرجل قليلًا، ثم أدار محرِّك السيارة وانطلق.
كانت أصوات الطلقات قد توقَّفَت، غير أن ازدحام الناس في مكان ما جعل الشياطين يتجهون إليه.
هناك رأى الشياطين ضابط الشرطة الثاني، وقد قبض على الرجلَين ومعهما ضابط الشرطة الأول. اقترب «أحمد» منه وسأله: هل حدث شيء؟
ابتسم الضابط وقال: إننا نشكرك كثيرًا، لقد تبيَّن أن الضابط مزيف.
أحمد: هل تحتاجنا في شيء؟
الضابط: أشكركم، وهذا رقم تليفوني إن احتجتم شيئًا.
أخذ «أحمد» رقم تليفون الضابط، ثم عاد إلى التاكسي. في الطريق إلى الفندق، شرح «أحمد» ما حدث للشياطين، وعندما احتواهم فندق «هملايا»، كانوا يُعِدون أنفسهم لبداية مغامرتهم الجديدة.
رنَّ جرس مرتفع، جلس «قيس» ينظر في ساعة يده، ثم يقول: إنه وقت الإفطار.
أسرعوا إلى المطعم، حيث التفُّوا حول منضدة الطعام.
جاءهم الشاي، وأخذ العامل يصبه في الفناجين … ابتسمت «ريما» وقالت: نحن في بلاد الشاي.
انهمك الشياطين في تناول إفطارهم … حتى انتهَوا منه.
قال «بو عمير»: هناك قاعة في نهاية الممر، ما رأيكم؟ … هل نجلس قليلًا؟
قيس: أعتقد أننا يجب أن نعقد اجتماعًا لنُحدِّد خطوات اليوم؛ فأمامنا سفر طويل إلى منطقة القلعة.
ولكن الشياطين الأربعة فضَّلوا الاتجاه إلى حيث حجرة «أحمد»، وعندما استقرُّوا داخلها، ألقى كلٌّ منهم نفسه فوق مقعد … قالت «ريما»: هل نُسافر اليوم إلى «جابور»؟
قيس: أعتقد أننا يجب أن نقوم بجولةٍ في «بومباي» سريعة، في محلَّات العاديات … إننا يمكن أن نلتقط خيطًا، أو نسمع شيئًا.
بو عمير: الأفضل أن نُسافر حتى لا نُضيع وقتًا.
صمت الجميع قليلًا ينتظرون رأي «أحمد» الذي كان يُفكِّر، ثم قال: أعتقد أن «قيس» على صواب، وإن كنا لسنا في حاجة إلى الاعتماد الكامل على زيارة محلَّات العاديات.
عندما دقَّت الساعة العاشرة، كان هناك تليفون في حجرة «أحمد» يرن، رفع «أحمد» السمَّاعة فجاءه صوت من الطرف الآخر: شرطة «بومباي»!
ابتسم «أحمد» وقال: أهلًا سيادة العقيد.
ظلَّ «أحمد» يستمع لكلمات ضابط الشرطة، ثم أخيرًا قال: خلال بضع دقائق سأكون في الطريق إليك. ثم بعد لحظة قال: إذن سوف ننتظر وصول السيارة.
وضع «أحمد» سمَّاعة التليفون، ثم التفت إلى الشياطين.
نزل الشياطين بسرعة، وما إن وصلوا إلى باب الفندق حتى كانت سيارة شرطة تقف أمام الباب، نزل منها ضابط صغير وحيَّاهم، ثم دعاهم إلى ركوب السيارة، وما إن أغلق الباب حتى انطلقَت بهم إلى مقر قيادة شرطة «بومباي».
هناك كان العقيد «كابور» في انتظارهم … ابتسم ابتسامةً طيبةً وهو يلقاهم، وشدَّ على أيديهم شاكرًا لهم الخدمة التي قدَّموها لشرطة «الهند»، ثم دعاهم إلى الجلوس، وطلب لهم مشروبًا وطنيًّا … ولم تمرَّ لحظة حتى دخل الرجال الثلاثة المقبوض عليهم؛ رجلا الذهب، والضابط المزيف، وقال الضابط: أظن أنكم تعرفونهم؟
بدأ الضابط يسأل الشياطين عمَّا حدث في الطائرة، وتولَّى «أحمد» الرد … قال «أحمد»: إن صديقه «بو عمير» قد سمع بعض كلماتهم عن كمية الذهب داخل حقائبهم، ثم شاهد معهم خريطة، فأعتقد أن هناك عملية تهريب. ثم أنهى «أحمد» كلامه: إننا نعرف أن ذلك يضر باقتصاديات البلاد، وهذا ما جعلنا نحرص عليه.
قال الضابط «كابور»: إن التحقيق أثبت لنا أن كمية الذهب هذه سوف تُصنع هنا وتُطعَّم بألماس، ثم تُهرَّب مرةً أخرى إلى خارج البلاد … إننا لم ننتهِ من كل التحقيق بعد، غير أن الواضح أن هناك عصابةً كبيرةً تعمل في تهريب الذهب … ونحن نشكركم؛ فيبدو أن هؤلاء المهرِّبين أول الخيط!
أمضى الشياطين بعض الوقت في ضيافة الضابط «كابور»، ثم استأذنوا للانصراف.
عندما أصبحوا في الشارع، لفت نظرهم الأعداد الكبيرة من البقر وهي تعبر الشوارع في هدوء يجعل المرور صعبًا. ظلُّوا يجوبون الشوارع حتى اقترب موعد الغداء …
أسرعوا إلى الفندق عندما كان جرس الغداء يدق، ولمَّا دخلوا اتجهوا مباشرةً إلى قاعة الطعام، حيث التفُّوا حول منضدة، وُضعَت عليها بعض الزجاجات ذات الألوان. ابتسمت «ريما» وقالت: حذارِ من اللون الأصفر! إنه «الكاري» الحار الذي تُشتهر به «الهند».
قال «بو عمير»: إنه رائع!
جاء الطعام، وبدأ الشياطين يأكلون، فأخذ «بو عمير» زجاجة الكاري ووضع منها فوق طعامه، ثم بدأ يأكل … غير أنه فجأة كاد يصرخ وهو يُردِّد: نار! نار! ضحكت «ريما» وقالت: لقد حذرتك.
ضحك الشياطين، بينما كان «بو عمير» لا يزال يعاني من آلام فمه الذي التهب نتيجة «الكاري»، لاحظ جرسون المطعم ما فيه «بو عمير»، فأسرع إليه بزجاجةٍ حمراء اللون وقال: اشرب قليلًا من الزجاجة، إنها تنهي مفعول «الكاري» فورًا.
أخذ «بو عمير» الزجاجة بسرعة، ووضعها في فمه؛ كان الألم يزداد، إلا أن «أحمد» أمسك بها، ثم أخذها وصب منها قليلًا في كوب وقدَّمه ﻟ «بو عمير» الذي شربه، وأخذت آلام «الكاري» تخف … قال «بو عمير»: ياه! هذا شيء قاتل.
أحمد: إن أهل المناطق الحارة يُفضِّلون الطعام الحار، حتى يتغلَّبوا على الحرارة.
عندما انتهى الشياطين من تناولهم طعامهم، اقترب الجرسون محييًا، وسأله «أحمد»: كيف الوصول إلى مدينة «جابور»؟
ابتسم الجرسون وقال: لا بد أنكم تُريدون مشاهدة قلعة «جايجار»، لقد أصبحَت المنطقة سياحية منذ بدأ الحديث عن كنوز «الراجا» …
أحمد: بالضبط … إننا نُريد أن نرى القلعة.
الجرسون: إنها لم تظهر بعد. إن هناك حديثًا عنها فقط، ومؤخَّرًا جاءَت بعثة آثار عالمية للاشتراك في البحث، وقد قالت البعثة إنها بعد دراستها الطويلة قد تأكَّدَت أن مكان القلعة ليس كما تصوَّر البعض، ولكنها في مكانٍ يبعد حوالي ثلاثة كيلومترات … وقد بدأَت البعثة الجديدة حفائرها.
كانت فرصة أن يستمع الشياطين إلى بعض التفاصيل الجديدة، غير أن الجرسون قال: إن موعد عملي هنا ينتهي بعد ساعة، ويمكن أن نتحدَّث بعدها، موعدنا في قاعة «الجبل» بعد ساعة.
سأله «أحمد»: وأين توجد قاعة «الجبل»؟
أشار الجرسون إلى قاعة في نهاية الممر وقال: هذه هي.
شكره الشياطين، ثم أخذوا طريقهم إلى القاعة.
كانت قاعة «الجبل» محلَّاةً برسوم شرقية بديعة، جعلَت الشياطين يستغرقون في مشاهدتها … خصوصًا تلك النافورة الأنيقة التي تتوسَّط القاعة، وتجري فيها شلَّالات صغيرة ملوَّنة … وفي الحوض الكبير حول النافورة كانت بعض أسماك الزينة تمرح في الماء.
استغرقَت مشاهدة القاعة معظم الساعة، وعندما اقترب الوقت، كان الجرسون يدخل من الباب وقد أبدل ثيابه، أصبح أنيقًا في ردائه الهندي الأنيق، حتى إن الشياطين لم يتعرَّفوا عليه وإن كان «أحمد» قد التفَت إليه لحظة، ثم قام يستقبله، ابتسم الجرسون عندما رأى «أحمد» يتجه إليه، ثم قدَّم نفسه؛ «راج هار»، وقدَّم «أحمد» نفسه، ثم قدَّم بقية الشياطين.
جلس الجميع في شِبه دائرة حول «راج هار» الذي أخذ يتحدَّث إليهم. قال «راج»: إنني مهتم تمامًا بهذه المسألة؛ فقد حكى لي جدي عن هذه الكنوز المختفية في أرض «الهند»، ومعروف أن الهند القديمة كانت غنيةً تمامًا؛ فقد كان حُكَّامها من «الراجاوات» يميلون إلى اقتناء الأشياء الثمينة من الذهب والألماس، وما إليها.
صمت «راج» قليلًا كأنه يتذكَّر شيئًا قديمًا، ثم استرسل في كلامه: عندما كنتُ صغيرًا كنتُ أسمع عن كنوز كثيرة في الأماكن المهجورة، حتى إننا كصغار كنا نقوم بالحفر؛ طمعًا في أن نجد كنزًا! وعندما كان يجد أحدنا قطعةً من الخزف الملوَّن، كنا نعتبر ذلك جزءًا من الكنز.
ابتسم «راج»، ثم قال وهو يخلع طاقيته البيضاء ويحني رأسه أمام الشياطين: انظروا، هذه نتيجة معركةٍ دخلتها وأنا صغير، حول قطعة من الخزف.
كان في رأسه جرح كبير قديم، لبس طاقيته، ثم أخذ يُكمل كلامه: وعندما أعلنَت الحكومة عن مشروع البحث عن كنوز «جايجار» اهتممتُ بالمسألة.
كان الشياطين يُتابعون حديث «راج» باهتمامٍ شديد. أكمل كلامه: ومن حسن حظي أن البعثة نزلَت عند قدومها هنا، في فندق «هملايا».
اهتمَّ الشياطين أكثر؛ فقد يكون «راج» دليلهم إلى مغامرتهم الجديدة.
قال «أحمد»: هل تناقشتَ مع البعثة؟
أجاب «راج»: في البداية ضربَت البعثة حولها ستارًا من السرية، حتى إنها كانت تتنقَّل في حراسة الشرطة، غير أن لي صديقًا حميمًا في الشرطة اسمه العقيد «كابور» أخبرني بكل شيء …
أحمد: إنني أعرفه!
ظهرَت الدهشة على وجه «راج» وقال: إنه ضابط ممتاز، كيف عرفته؟!
لم يقُل «أحمد» كل شيء، قال إنه تعرَّف إليه في حادثةٍ ما، وإن الضابط قد أعطاه تليفونه ليتصل به إذا احتاج شيئًا.
صاح «راج»: رائع! … إذن عليك به. إنه الذي يستطيع أن يستخرج لكَ تصريحًا لزيارة تلك المناطق التي أصبحَت ممنوعةً الآن.
فجأةً توقَّف «راج» عن الكلام وهو ينظر إلى الباب، وصاح: واحد من البعثة!
توقَّف الرجل في تردُّد، في نفس اللحظة التي كان الشياطين ينظرون في اتجاهه … قام «راج» إليه مرحِّبًا، إلا أن الرجل تجاهل معرفته به تمامًا وقال له باستياء: من أنت وماذا تريد؟ …
راج: ألَا تعرفني؟ … لقد تعرَّفت عليك مع أفراد البعثة!
الرجل: أي بعثة؟
راج: بعثة البحث عن كنوز «جايجار»!
هزَّ الرجل رأسه في سخرية، ثم قال: كنز؟! … وهل توجد كنوز الآن؟! ثم إني لا أعرف شيئًا عمَّا تتحدَّث عنه.
ظلَّ «راج» يُحدِّق فيه، والشياطين يُتابعون ما يدور أمامهم. أخيرًا قال «راج»: إنني متأكِّد أني رأيتكَ هنا بين أفراد البعثة، وأذكر أنني تحدَّثت إليك، بل لقد كنتُ مهتمًّا تمامًا بالبحث … والكنز!
قال الرجل في سخرية: لا بد أن الأمر قد اختلط عليك …
انسحب الرجل حتى اختفى، قال «راج» بدهشة: شيء غريب! إنني متأكِّد منه تمامًا، إن ذاكرتي قوية لا تختلط بها الأشياء!
قيس: هل تذكر اسمه؟
أخذ «راج» يُردِّد: اسمه، اسمه، ماك، ماكس، «ماكسيم». نعم، نعم، «ماكسيم» … إن اسمه «ماكسيم».
نظر «أحمد» إلى الشياطين، ثم استغرق في التفكير لحظة … لقد كان هناك شيء جديد.