معنا … إلى «جايجار»
خيَّم الصمت على القاعة التي لم يكن بها سوى الشياطين، ومعهم «راج» … كان «أحمد» لا يزال مستغرقًا في تفكيره، عندما قال «راج»: يا عزيزي … وماذا يهم؟
قال «أحمد» مبتسمًا: يهم في ماذا؟
راج: سوف تذهبون إلى المنطقة؟
قال «بو عمير» مبتسمًا: هذه ليست مسألةً صعبة.
قال «أحمد»: إننا نشكرك كثيرًا يا سيد «راج»، ونرجو أن نلتقي مرةً أخرى …
حيَّا الشياطين «راج»، ثم أخذ طريقه إلى خارج القاعة. قال «أحمد»: سأذهب إلى الضابط «كابور».
قال «قيس»: خذني معك.
عندما بدأَت «ريما» و«بو عمير» يأخذان طريقهما إلى الدور العلوي، حيث توجد قاعة التليفزيون، كان «أحمد» و«قيس» يأخذان طريقهما إلى مكتب قيادة «بومباي» في مكتب «كابور». جلس «أحمد» و«قيس» في انتظار وصوله. لم يكن الضابط «كابور» قد وصل بعد، فظلَّ «أحمد» يتأمَّل مكتبه الذي كان يُبرزه الطابع الهندي، غير أن شيئًا لفت نظر «أحمد» وهو خريطة لمدينة «بومباي»، والمناطق القريبة منها … أخذ «أحمد» طريقه إليها، فتبعه «قيس».
وقف الاثنان أمام الخريطة. كان «أحمد» يمشي بإصبعه متتبِّعًا خطوطًا متعرِّجةً حتى توقَّف عند دائرة حمراء، وقال دون أن ينظر إلى «قيس»: هذه «جابور».
لم يكَد «أحمد» ينطق جملته حتى سمع وقع أقدام عسكرية، نظر خلفه؛ كان الضابط «كابور» يقف عند الباب مبتسمًا … قال: أهلًا بالصديقَين العزيزَين. إنني أستطيع تبَعًا لخبرتي الطويلة في مجال الشرطة أن أُخمِّن أنكما من هواة الرحلات.
ابتسم «أحمد» قائلًا: هذا صحيح، ولهذا أيضًا جئنا إليك.
تقدَّم الضابط «كابور» وهو يقول: على فكرة، إنني أصلًا من مدينة «جابور»، وقد تحرَّف الاسم، أقصد اسمي، حتى أصبح «كابور».
ضحك بعمق، ثم قال: يبدو أنكما تُريدان الذهاب إلى هناك.
قبل أن يرد أحد الشياطين قال «كابور»: وأين بقية الأصدقاء؟
شرب الشياطين الشاي مع «كابور» الذي أخرج دفترًا صغيرًا، وكتب فيه بعض الكلمات، ثم ختم الورقة الأولى بخاتم، ونزعها من الدفتر، وقدَّمها إلى «أحمد» قائلًا: هذا التصريح يُعطيكما الحق في التجوُّل في كل المناطق، داخل «بومباي»، وخارجها، وحولها … في نطاق مسئوليتي، وفي أي وقت تشاءون. إنني تحت أمركما، ولن أنسى لكما تلك الخدمة العظيمة التي قدَّمتموها إليَّ …
شكَر الشياطين الضابط «كابور»، ثم استأذنا في الانصراف.
عندما احتواهما الشارع، قال «قيس»: يبدو أنه صاحب سلطة واسعة!
ردَّ «أحمد» في هدوء: هذا واضح تمامًا.
أسرعا إلى الفندق، حيث وجدا «بو عمير» و«ريما» في قاعة التليفزيون يُشاهدان عرضًا استعراضيًّا، من تلك العروض التي تشتهر بها «الهند».
جلس «أحمد» وهو يقول: إنني أشك في هذا الرجل، المدعو «ماكسيم».
نظر إليه الشياطين قليلًا، ثم سألَت «ريما»: كيف؟
أحمد: إن «راج» يُؤكِّد أنه يعرفه، حتى إنه يذكر اسمه، وقد تردَّد «ماكسيم» عند دخوله، عندما رأى «راج» … وهذا يعني أنه لا يُريد أن يعرفه أحد، ومن هنا يبدأ الشك.
صمت الشياطين … قام «أحمد» واتصل باستعلامات الفندق، وسأل عن المواصلات إلى «جابور»، فعرف أن هناك قطارًا يبدأ سيره عند منتصف الليل، ويصل في الصباح. عاد إلى الشياطين وأخبرهم، فنظروا له دون أن يُبدي أحدهم رأيًا … أخيرًا قال «أحمد»: ما رأيكم؟ إنني أرى أن نرحل فورًا … إن وجودنا في موقع العمل مهم جدًّا … وهناك أسباب لذلك.
ودون أن يسأل الشياطين عن الأسباب، قفزوا من أماكنهم لتجهيز حاجيَاتهم، ولم تمضِ نصف ساعة حتى كانوا يأخذون طريقهم إلى الخارج.
كانوا يبدون كأربعةٍ من الكشَّافة في طريقهم إلى رحلةٍ سياحية، ومن يراهم لا يستطيع أبدًا أن يُدرك أن هؤلاء الكشَّافة الأربعة ليسوا سوى مجموعة من حاملي الأسلحة الصغيرة والخطيرة، والتي أخفَوها حولهم بمهارة؛ حتى لا يشك أحد في هذه الترسانة المتحرِّكة … فقد كانوا على وشك الذهاب إلى عالم المجهول والتعامل مع الأسرار والأساطير … ومن يدري ما الذي يُخبِّئه لهم هذا العالم الغامض؟ …
ظلوا واقفين فترة، حتى ظهر أول تاكسي لينقلهم إلى محطة سكك حديد «بومباي». كان الوقت لا يزال مبكِّرًا عندما وصلوا إلى المحطة … اتجه «أحمد» إلى شباك التذاكر وحجز أربع تذاكر، ثم سأل موظَّف الشباك: متى بالتحديد يقوم القطار؟
نظر الموظَّف في ساعة حائطية أمامه، ثم قال: الثانية عشرة إلا عشر دقائق.
قال «بو عمير»: يجب أن نُسرع … لم يعُد أمامنا وقت طويل.
أسرع الشياطين إلى رصيف المحطة. كان القطار قد بدأ يقترب من الرصيف … بحثوا عن أرقام كراسيهم، وكان البرد قد بدأ يتسلَّل إلى عظامهم … وعندما ألقى كلٌّ منهم نفسه في مقعده شعروا بالدفء؛ فقد كانت العربات مكيَّفة.
دقَّ جرس المحطة، ثم بدأ القطار يُرسل صفيره في الليل الهادئ … أخذت حركة القطار تهز الركَّاب حتى انتظمَت وبدأَت حركة القطار الرتيبة.
كانت العربة طويلةً طولًا غير عادي، لفت الأنظار، وكان الركَّاب من جنسيات كثيرة … ويبدو أن الجميع كان في طريقه إلى نفس المنطقة، التي يدور البحث فيها عن كنز الأربعة آلاف طن ذهب.
لم يكن هناك غير صوت القطار، حتى الكلمات القليلة التي كانت تُقال بين الركَّاب بدأت تنسحب، وشيئًا فشيئًا بدأ الجميع يتركون أنفسهم للنوم الذي كان يتسلَّل إليهم. عندما فتح «أحمد» عينَيه كان كمساري القطار يقف أمامه يطلب التذاكر، وبصوت نائم سأل الكمساري: هل لا يزال أمامنا وقت طويل؟
ابتسم الكمساري وقال: بالعكس، نحن نقترب من مدينة «جابور». إنها المحطة القادمة مباشرة.
لم يُكمل جملته فقد رفع يده ينظر في الساعة وقال: أمامنا نصف ساعة.
عندما انصرف الكمساري، رفع «أحمد» ستارة النافذة، فأغرق ضوء النهار العربة من الداخل، وشيئًا فشيئًا، بدأَت الأصوات ترتفع؛ فقد أخذ الركَّاب يستيقظون.
فتحَت «ريما» عينَيها وتساءلَت: هل وصلنا؟
أحمد: أوشكنا على الوصول.
استيقظ بقية الشياطين، وزادَت حركة النشاط داخل العربة، وبدأَت الخطوات تغدو وتروح إلى حمَّام العربة.
أخذَت ملامح المدينة تظهر من خلال زجاج النافذة، ومن بعيد، ظهرت جبال «الهملايا» المرتفعة تمامًا. كان المنظر ساحرًا، فوقف الشياطين في النافذة يرقبون الطبيعة في الصباح … وشيئًا فشيئًا أخذت سرعة القطار تتباطأ، وبدأ بعض الناس يظهرون، وعندما توقَّف القطار تمامًا، كانت جلبة المحطة تُغطِّي كل شيء.
نزل الشياطين واتجهوا إلى الخارج مباشرة، غير أنهم توقَّفوا عند باب الخروج حيث يجمع أحد الموظَّفين تذاكر الركَّاب. ملأَت الدهشة وجه «أحمد»؛ لقد رأى شيئًا، غير أنه لم ينطق. قدَّم التذاكر للموظَّف، وعيناه متجهتان نفس الاتجاه الذي أدهشه، حتى إن الموظَّف أعاد له كلمة: تفضل! تفضل!
نظر «قيس» إلى «أحمد» وقال: ماذا هناك؟
لم يردَّ «أحمد»؛ فقد اتجه إلى خارج المحطة بسرعة، وتبعه الشياطين. على الرصيف الخارجي ظلَّ «أحمد» ينظر في اتجاهٍ محدَّد، ومن بعيد سمع صوتًا يُنادي «جايجار» … «جايجار».
قال «أحمد»: هيا بنا، يبدو أن المواصلات إلى «جايجار» قريبة منا. برغم أن «أحمد» كان يتحدَّث إلى الشياطين، إلا أن عينَيه كانتا لا تزالان في نفس الاتجاه … تقدَّم الشياطين حيث الصوتُ الذي يُنادي، وهناك وجدوا سيارة أوتوبيس سياحية … اقترب «أحمد» من أحد الرجال وسأله: هل هذه السيارة متجهة إلى قلعة «جايجار»؟
قال الرجل: نعم، بشرط أن يكون لديك تصريح بالذهاب إلى هناك.
أخرج «أحمد» التصريح، فقرأه الرجل، ثم قال باهتمام: تفضلوا! تفضلوا! الكراسي الأربعة في الأمام.
صعد الشياطين بسرعة، وأخذوا أماكنهم كل اثنَين في جانب … استغرقت «ريما» في مشاهدة ما حولها من زجاج النافذة، وبجوارها «قيس»، بينما كان «أحمد» يرقب من النافذة الأخرى شيئًا، و«بو عمير» يُحاول أن يفهم ما الذي جعل «أحمد» يهتم كل هذا الاهتمام؟
سأله «بو عمير»: ماذا هناك؟
لم يلتفت «أحمد» إليه وإنما قام من كرسيه، ونزل من السيارة متجهًا إلى حيث الرجل الذي سأله. قال «أحمد» مشيرًا إلى سيارات صغيرة تقف قريبةً منهما: هل هذه السيارات تتجه أيضًا إلى «جايجار»؟
هزَّ الرجل رأسه قائلًا: نعم؟
أحمد: هل هي بالأجرة؟
ابتسم الرجل قائلًا: لا … إنها للوفود الرسمية، وهذه السيارات بالذات، للبعثة المكلَّفة بالبحث عن الذهب.
هزَّ «أحمد» رأسه شاكرًا الرجل، ثم عاد إلى السيارة. أخذ مكانه بجوار «بو عمير» الذي سأله: ماذا هناك؟
قال «أحمد»: «ماكسيم»!
علت الدهشة وجه «بو عمير» وسأل: أين؟!
أحمد: إنه معنا، في الطريق إلى «جايجار»!