لقاء … مع الثعابين السوداء
ظلَّ «أحمد» يُراقب السيارات الرسمية التي تقف قريبةً منه، ولم تطُل فترة الانتظار؛ فقد امتلأَت السيارة بالركَّاب، وبدأَت تأخذ طريقها إلى «جايجار».
خرجَت السيارة من الطريق الرئيسي، ودخلَت منطقةً جبليةً تمامًا. كان الطريق صاعدًا … حتى إن الإنسان يظن أن السيارات الأمامية تصعد إلى السماء، ومع صعود الطريق كان يلتف حول الجبل … وقال المرشد السياحي: إن هذا الجبل أحد سلسلة جبال «هملايا»، وهو يرتفع حتى القلعة المشهورة، غير أن هناك طريقًا آخر يربط بين هذا الجبل وجبل آخر من نفس السلسلة، هذا الجبل الآخر الذي يبدأ فيه البحث الآن عن الذهب، حسب دراسات البعثة الدولية التي وصلَت «الهند» مؤخَّرًا … إن الجبل الذي نصعده، والذي يُقال إن القلعة عند نهايته، قد توقَّفَت فيه أعمال البحث، وانتقلَت إلى الجبل الآخر.
صمت المرشد قليلًا، فسأله أحد الركَّاب: ولماذا لا نذهب إذن إلى الجبل الآخر، ما دام هذا الجبل لا يعني شيئًا؟
قال المرشد: إن أعمال البحث تقتضي تفجير شحنة كبيرة من الديناميت، ولا أظن أننا يمكن أن نُجازف بكم أمام تلك الانفجارات.
سأل نفس الراكب: وما قيمة أن نذهب إلى مكان ليس فيه شيء؟!
المرشد: سوف نرى أعمال البحث القديمة … فهناك عثر الباحثون على بعض القطع المعدِنية القديمة، وسوف نُشاهدها أيضًا.
سكت «المرشد» فسكت الآخرون … وظلَّت السيارة في تقدُّمها إلى أعلى الجبل، حتى وصلت إلى الطريق الواصل بين الجبلَين … ولم يستمرَّ تقدُّمها بعد ذلك، فقد اعترضها أحد ضُبَّاط الشرطة فاضطُر السائق إلى التوقُّف. قال الضابط: عُد من حيث أتيت. لقد أُغلقَت كل الطرق.
فتح المرشد السياحي الباب ونزل، بينما كان الشياطين يُراقبون ما يحدث، كان الضابط و«المرشد» يقفان تحت النافذة التي يجلس عندها «أحمد»؛ ولذلك فقد سمع كل الحوار الذي دار.
قال الضابط: لا بأس … ربما بعد أيام.
المرشد: هؤلاء سائحون جاءوا ليرَوا القلعة.
الضابط: وأين هي القلعة؟
المرشد: على الأقل، يرَون أعمال الحفر.
الضابط: إنها مناطق خطرة الآن، وهذه تعليمات من قيادة الشرطة.
المرشد: إن المكان القديم بعيد كل البعد عن مكان الانفجارات، بجوار أن أعمال الحفر آمنة.
الضابط: ليسَت لدينا تعليمات بدخول أحد.
المرشد: إنهم جميعًا يحملون تصاريح دخول.
الضابط: دعني أرى بعضها.
عاد المرشد إلى السيارة، فأخذ بعض التصاريح من الركَّاب، ثم عاد إلى الضابط فقدَّمها إليه. قرأ الضابط بعض التصاريح، وظهرَت على وجهه علامات الرفض، حتى قبل أن يتحدَّث إلى المرشد، وفي النهاية أعادها إليه قائلًا: آسف جدًّا، إن هذه تصاريح عادية، وليس من حق أحد أن يقترب من هذه الأماكن إلا بتصاريح خاصة.
استمع «أحمد» إلى هذه الكلمات، فقام ونزل إلى ضابط الشرطة فقدَّم إليه التصريح، قرأ الضابط التصريح، ثم ظهرَت على وجهه الدهشة، فقال مخاطبًا «أحمد»: كيف حصلتَ على هذا التصريح؟ إنه لا يُعطى إلا للرسميين فقط!
ابتسم «أحمد» وقال: هل نمر نحن؟
الضابط: من تقصد بنحن؟
أحمد: أنا والأصدقاء.
الضابط: أي أصدقاء؟
أشار «أحمد» إلى الشياطين، فقال الضابط: أنتم تستطيعون بالتأكيد … أمَّا باقي التصاريح فليس من حقها المرور.
شعر «المرشد» بخيبة الأمل، فعاد إلى السيارة، وفي نفس الوقت أشار «أحمد» إلى الشياطين فنزلوا … استدارَت السيارة وعادَت من حيث أتت … قال الضابط: كيف ستصعدون والمسافة طويلة؟
قال «أحمد»: إننا من فرق الكشَّافة ونستطيع السير.
فكَّر الضابط لحظة، ثم نظر مرةً أُخرى في التصريح الذي كان لا يزال في يده، ثم قال: سوف أُعطيكم السيارة لتوصيلكم.
شكره «أحمد»، وتقدَّمَت سيارة جيب، فركبها الشياطين. انطلقَت السيارة في طريقها إلى القمة … كان الطريق يزداد وعورة.
أخذ الشياطين يُراقبون الطريق بإمعان، حتى يعرفوا دقائقه. نظر «أحمد» إلى السائق وسأله: هل مرَّت سيارات اليوم؟
السائق: نعم …
أحمد: أكثر من سيارة؟
السائق: ثلاث سيارات.
أحمد: من الذي كان فيها؟
السائق: أفراد البعثة.
أحمد: هل ذهبوا إلى الجبل الآخر؟
السائق: سيارتان ذهبتا إلى الجبل الآخر، وسيارة اتجهَت إلى القمة التي سنذهب إليها.
صمت «أحمد» قليلًا … ثم سأل: هل تعرف أعضاء البعثة؟
السائق: لا … فمعهم سائقون خاصون بهم.
صمت «أحمد» مرةً أخرى، وظلَّ يرقب الطريق هو الآخر، ثم بعد قليل قال: أرجو أن تخبرني عندما نقترب من القمة.
السائق: ألستُم ذاهبين إليها؟
أحمد: نعم … غير أننا نُريد أن نذهب إليها سيرًا، حتى تكون لدينا فرصة أكبر لمعرفة طبيعة المكان.
صمت السائق واستمرَّ في قيادته، غير أن «أحمد» عاد إلى أسئلته مرةً أخرى: هل هناك حراسة خاصة؟
السائق: كانت هناك حراسة غير أن البعثة الجديدة طلبَت سحبها إلى أول الطريق حيث قابلناكم.
أحمد: هل تعرف السبب؟
السائق: سمعتُ أنهم خافوا على أفراد الحراسة من تناثر الصخور؛ بسبب الانفجارات في الجبل الآخر؛ ولهذا منعوا المرور إلى القمة إلا بتصاريح خاصة.
استغرق «أحمد» في التفكير … كانت هناك أسئلة كثيرة تدور في رأسه.
بعد ربع ساعة قال السائق: أمامنا خمس دقائق أخرى، ثم نصل إلى القمة.
قال «أحمد»: إذن ينبغي أن ننزل هنا.
أوقف السائق السيارة فنزل الشياطين. شكروه، ثم ودَّعوه … وعندما كان السائق يدور بسيارته، توقَّف لحظةً وقال: احترسوا من الثعابين … فقد سمعنا أن هناك ثعابين سوداء ضخمةً تخرج في الليل، ثم تختفي!
هزَّ «أحمد» رأسه شاكرًا، فانطلق السائق بالسيارة.
ظلَّ الشياطين يُتابعون السيارة وهي تدور حول الجبل وتختفي، ثم تظهر، ثم تختفي، حتى أصبحَت مثل نقطة تتدحرج من فوق الجبل.
بدأ الشياطين يصعدون. كان الطريق شاقًّا أمامهم، لكن ذلك لم يكن يثنيهم عن صعودهم … نظر «بو عمير» إلى «أحمد» وسأل: لماذا جعلتَ السيارة تعود؟
أحمد: أعتقد أن «ماكسيم» هناك.
بو عمير: وماذا في ذلك؟
أحمد: أعتقد أن البعثة الجديدة ليسَت سوى عصابة.
توقَّف الشياطين عند سماع هذه الجملة، ونظروا إلى «أحمد» في دهشة. قال «أحمد» في هدوء: إن «ماكسيم» قد أنكر معرفة «راج»، وقد لاحظتُ تردُّده عند دخوله قاعة «الجبل»؛ ولذلك سألت السائق إذا كانت هناك سيارات رسمية قد مرَّت في هذا الطريق. ولقد تمَّ طلبهم سحب الحراسة إلى مواقع بعيدة، بالإضافة إلى الانتقال إلى منطقةٍ أخرى للبحث … كل ذلك يُثير شكوكي. ثم إنني رأيتُ «ماكسيم» في موقف السيارات، في «جابور»!
كان الشياطين يستمعون ﻟ «أحمد» وهم يتقدَّمون في بطء، غير أن المسافة لم تكن بعيدةً تمامًا؛ فقد ظهرَت أضواء مؤخِّرة سيارة سوداء، أشار إليهم «أحمد» بالتوقُّف، ثم رفع إصبعه يُشير في اتجاه السيارة. نظر الشياطين، ثم بدءوا يُشكِّلون صفًّا واحدًا … كان «أحمد» يسير في المقدمة، ثم خلفه «بو عمير»، ثم «ريما»، وأخيرًا «قيس». أخذوا يتسلَّقون الجبل، حتى وصلَت إلى أسماعهم أصوات بعض الرجال، غير أن الكلمات لم تكن واضحةً تمامًا … أخرج «أحمد» جهاز الاستقبال الصغير، ثم وضع سمَّاعتَين في أذنَيه، وبدأ يستمع إلى الأصوات التي أصبحَت واضحةً في الجهاز … كان الحديث يدور بين الرجال: يجب أن نسرع. هل اتفقتم على الموعد؟ نعم … سوف يكون الانفجاران في وقتٍ واحد.
هذه هي الخطة! إننا نخشى ذلك العالِم الذي اسمه «كويتا». إنه يُؤكِّد أن الكنز موجود هنا، وأن القلعة هنا أيضًا.
هزَّ «أحمد» رأسه في سعادة. إن ما فكَّر فيه هو نفسه، ما يحدث الآن … صمت الرجال الذين كانوا يتحدَّثون، فخلع «أحمد» السمَّاعتَين، وأخذ يشرح للشياطين ما سمعه … وتقدَّم الشياطين أكثر، ثمَّ بدأَت أصوات الرجال مرةً أخرى.
قال واحد منهم: «ماكس»، إننا نُريد بعض المعدات هنا، وخيمة.
نظر الشياطين إلى «أحمد». لقد حدث ما قاله. وردَّ «ماكس»: لقد جهَّزتُ كل شيء، وغدًا سوف يُقام معسكرٍ في مكان اخترته، لا يصل إليه الانفجار.
لقد وضح الموقف تمامًا الآن، ولم يعُد أمام الشياطين إلا أن يبدءوا العمل. تقدَّموا أكثر، ثم فجأةً شاهدوا أربعة رجال، وكان من بينهم «ماكسيم».
انبطح الشياطين على الأرض … كان الرجال يقتربون من مكانهم، وعندما أصبحوا في نفس الاتجاه، دار الشياطين إلى الاتجاه المضاد حتى لا يظهروا، غير أن صخرةً تدحرجَت من تحت قدم «ريما» فصرخَت، وضع «بو عمير» يده على فمها، في نفس الوقت الذي أمسك بها «قيس».
التصق الشياطين بالأرض، وسمعوا أحد الرجال يقول: هناك أحد!
قال آخر: إنها صرخة فتاة!
ثالث: ربما يكون صدى صوت بعيد.
صمت الرجال قليلًا، غير أن صوت أقدامهم كان يقترب، ومع اقترابهم كان الشياطين يدورون في الاتجاه المخالف. قال أحد الرجال: لا أظن أنه صدى صوت. إنه صوت قريب!
قال آخر: لا بد من التأكُّد، قد يكون هناك أحد فعلًا!
قال ثالث: علينا أن ننقسم حول الجبل!
نظر الشياطين إلى بعضهم، وهمس «أحمد»: علينا أن ننزل بسرعة، إننا لا نريد أن نصطدم بهم الآن.
بدأ الشياطين ينزلون في خفة. فجأةُ قال «قيس»: انتظروا. إنني أرى مغارةً قريبة … رفع يده وأشار إلى اليمين … كان هناك فتحة سوداء في جانب الجبل، وقال «بو عمير»: نعم، إنها مغارة!
أسرع الشياطين في خفةٍ في اتجاه المغارة، بينما كانَت قطع الصخور الصغيرة تتدحرج حولهم من أثر تقدُّم الرجال الأربعة … اقتربوا من باب المغارة، فتقدَّم «قيس» الأقرب إليه، لكنه ما كاد يخطو إلى الداخل، حتى ارتدَّ صارخًا: ثعبان أسود!
توقَّف الشياطين في أماكنهم. أخرج «قيس» خنجره، ثم قفز في اتجاه الثعبان. كان ثعبانًا ضخمًا تمامًا، التف الثعبان حول نفسه دون أن يتحرَّك. اقترب «بو عمير» بسرعة هو الآخر، وهو يمسك خنجره بيد، ومسدَّسه باليد الأخرى. همس «أحمد»: لا تُطلق المسدَّس حتى لا تُحدِث صوتًا، غير أن «ريما» صرخَت: ثعبان آخر!
نظر «أحمد» حيث أشارَت «ريما»، فرأى ثعبانًا ضخمًا. أخرج مسدَّسه، ثم أطلق إبرةً مخدِّرة، أصابت الثعبان في رأسه.
قفز الثعبان قفزةً هائلة، ثم نزل على الأرض بلا حركة … وعندما صوَّب مسدَّسه إلى الثعبان الآخر دوَّت طلقة رصاص، اصطدمَت بصخرة قريبة من قدم «أحمد».