أربعة … ضد ثمانية
تأكَّد الشياطين أن الصدام لا بد أن يحدث، وكان لا بد أن يُواجهوا أحد الخطرَين؛ إمَّا الثعابين السوداء في الداخل، أو رجال العصابة في الخارج … ولكنهم اختاروا الدخول في مواجهة الثعابين؛ فقد كان لدى «أحمد» فكرة أُخرى يُريد أن يُواجه بها العصابة … غير أن الثعبان أخذ يفح فحيحًا مزعجًا أرعب «ريما». أسرع «بو عمير» بإطلاق إبرة مخدِّرة، جعلت الثعبان يقفز ناحيته، إلا أنه تفاداه، فسقط الثعبان على الأرض وكأنه نمر شرس … لم يتحرَّك الثعبان من مكانه؛ فقد أثَّرت فيه الإبرة تأثيرًا سريعًا وقويًّا …
كان «أحمد» و«قيس» يرقبان باب المغارة … أخرج «أحمد» رأسه قليلًا في اتجاه الرجال الأربعة. كانوا يقفون في حالة استعداد، كان واضحًا أنهم يتحدَّثون وإن كان الشياطين لم يسمعوا شيئًا … أخرج «أحمد» جهاز الاستقبال وبدأ يستمع إلى كلماتهم، وبرغم أن الكلمات لم تكن واضحةً تمامًا، إلا أن «أحمد» استطاع أن يفهم ما يُريدون … نظر إلى الشياطين وقال: يجب مغادرة المغارة فورًا … إننا قد ننتهي!
بو عمير: ماذا حدث؟
أحمد: سيقومون بتفجير المنطقة … لقد قرَّروا الإسراع بخطتهم اليوم بدلًا من الغد!
فكَّر «بو عمير» قليلًا … ثم قال: دعوني أتصرَّف لحظة.
أخرج «بو عمير» رأسه من فتحة المغارة فرأى الرجال، واضطُر أن يُلقي بنفسه داخل المغارة؛ فقد دوَّت بجواره طلقة … قال «أحمد»: يجب قتل الثعابين أولًا؛ فقد نحتاج المغارة فيما بعد!
مال «بو عمير» بجسده على الأرض، فسأله «أحمد»: ماذا تفعل؟
بو عمير: يجب أن يشغلهم أحد حتى نستطيع الخروج من المغارة.
تدحرج «بو عمير» إلى خارج المغارة، وترك نفسه لانحدار الجبل، غير أن طلقات الرصاص كانت تُدوي حوله.
بدأ «أحمد» و«قيس» يشتبكان مع العصابة بالرصاص؛ حتى يعطيا «بو عمير» فرصةً للإفلات. ظلَّت طلقات الرصاص تُدوي في المنطقة المرتفعة، ثم بدأَت تتباطأ حتى توقَّفَت. مرَّت لحظات صمت ثقيلة، ثم فجأةً سُمع انفجار غريب، جعل «أحمد» ينظر خارج المغارة … كانت هناك سحابة من التراب تنتشر في الجو، ولم يكن للرجال أثر … عرف «أحمد» ماذا فعل «بو عمير»، قال: هيا نخرج بسرعة.
أسرع الشياطين بالخروج وداروا حول الجبل، لكن فجأةً صرخ «قيس»، ثم وقع على الأرض وهو يمسك كتفه اليسرى. أسرع «أحمد» إليه. كانت الدماء تنزف من كتفه. أمسك بقميصه ثم مزَّقه وهو يقول: لا شيء، إنها إصابة سطحية. وأخذ يُطهِّر له الجرح، بينما كانت «ريما» قد اشتبكَت مع العصابة التي اختفَت. كانت هناك طلقات أُخرى في الجانب الآخر.
قال «أحمد»: هيا ننسحب من هنا. يجب أن نُغيِّر مكاننا.
بدأ الشياطين ينسحبون. فجأةً شعر «أحمد» بدفء في جيبه الداخلي … عرف أن هناك رسالةً من مكانٍ ما … أخرج الجهاز، ثم بدأ في تلقِّي الرسالة: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: موجود في اتجاه اليمين.» عرف «أحمد» أن الرسالة من «بو عمير»، رد: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: نحن في الطريق.» عكَس الشياطين اتجاههم إلى اليمين كما قال «بو عمير»، وظلُّوا يتقدَّمون … سمعوا صوت محرِّك سيارة يدور … قال «أحمد»: إنهم يُغادرون المكان. فجأةً وقعَت صخرة صغيرة بجواره، نظر إلى الاتجاه الذي نزلَت منه، رأى «بو عمير» يُشير بيدَيه أن يقتربوا … كان «بو عمير» قريبًا من الطريق، أسرع الشياطين إليه، وما هي إلا لحظات حتى كانت السيارة تمر بجوارهم. كانَت السيارة تنطلق بسرعة جنونية، خصوصًا وأنها تندفع من أعلى إلى أسفل … أخرج «بو عمير» من حزامٍ حول وسطه قنبلةً صغيرةً في حجم البندقة، وعندما اقتربَت السيارة قذف بها أمامها بمترَين. انفجرَت القنبلة وتصاعد دخَان كثيف، ثم سُمعَت فرملة قوية، وسكتَ مُحرِّك السيارة. ارتفعَت نوبات السعال من اتجاه السيارة، قال «أحمد»: إنها فرصتنا … هيا بنا.
أسرع الشياطين في اتجاه السيارة، وكان الرجال لا يزالون يسعلون … اقترب الشياطين منهم في هدوء، وعندما بدءوا هجومهم صاح «ماكسيم»: انتبهوا! التفت الرجال ناحية الشياطين، لكن قبل أن يستطيع أحدهم سحب مسدَّسه، كان الشياطين قد اشتبكوا معهم بالأيدي. طارت «ريما» في الهواء، وضربَت أقرب أفراد العصابة إليها بقدمها؛ فهوى الرجل إلى الأرض … غير أن آخر، عاجلها بلكمة قوية جعلَتها تنطرح أرضًا، ثم تتدحرج مع انحدار الجبل. صاح «قيس»: أمسكي في الصخور و…
ولم يكَد يُتم جملته حتى نزلَت ضربة قوية على رأسه جعلَته يتهاوى ويسقط على الأرض … في نفس اللحظة كان «أحمد» قد أمسك بذراع «ماكسيم» ولفَّها خلفه، ثم ضربه! أمَّا «بو عمير» فقد اشتبك مع اثنَين منهم في عراك انتهى بأن سقطا فوق نتوء صخري دون صوت.
اقتربَت «ريما» بسرعة، فرأَت «قيس» فاقد الوعي، فأخذَت تعمل على إفاقته بينما كانت المعركة لا تزال مستمرَّةً بين «ماكسيم» و«أحمد»، وبين «بو عمير» ورجل آخر، بينما كان اثنان من الأربعة قد تكوَّما على الأرض.
فجأةً رأى «أحمد» طلقة نار حمراء ترتفع في الفضاء، وعرف مصدرها؛ إنه أحد الرجلَين الراقدَين على الأرض. قفز في اتجاهه فتدحرج الرجل، غير أن «أحمد» كان أسرع منه. أمسكه من قدمه، فاصطدمَت رأس الرجل بصخرة، ثم هدأ … أسرع «أحمد» فأوثق يدَيه، ورجلَيه، ثم ظل يجذبه حتى أخفاه خلف صخرة عالية.
عاد بسرعةٍ إلى بقية الشياطين … كان «قيس» قد أفاق، وكان «بو عمير» قد أوثق الرجل الذي اشتبك معه. انتهَت المعركة، وانهزم فيها الرجال الأربعة … أخذ الشياطين يوثقون الاثنَين الباقيَين، ثم سحبوا الثلاثة قريبًا من رابعهم … قال «أحمد»: إن المعركة لم تنتهِ. هناك آخرون في الطريق.
بو عمير: كيف عرفت؟
أحمد: لقد أعطاهم «ماكسيم» إشارةً ضوئية.
ريما: إذن علينا أن نستعد.
قيس: يجب أن ننقسم اثنَين اثنَين؛ حتى نستطيع التصرُّف.
انقسم الشياطين إلى مجموعتَين، وأخذوا طريقهم إلى حيث توجد السيارة … أشار «أحمد» إلى «بو عمير» و«ريما» أن يتجها إلى الشمال، واتجه هو و«قيس» إلى السيارة. قاما بإفراغ إطاراتها من الهواء، فاستقرَّت على الأرض؛ حتى لا يستعملها أحد … انحرفا جهة اليمين، ورأى «أحمد» مكان الحفريات … كانت الحفريات عميقةً تمامًا …
قال «قيس»: هل تذكر تلك الحكاية عن الثعابين السوداء؟
أحمد: لقد تركناها في المغارة، هل تظن أن الكنز هناك؟
هزَّ «قيس» رأسه وقال: استمع، أظن أن هناك صوت سيارة في الطريق.
أنصت «أحمد» باهتمام، ثم قال: نعم … إنه صوت أكثر من سيارة!
قيس: علينا أن نستعد.
أخرج «أحمد» جهاز الإرسال، ثم أرسل رسالةً إلى «بو عمير»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: هل تسمع؟» ردَّ «بو عمير»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: نعم. هناك سيارة في الطريق. نحن على استعداد.» أرسل «أحمد» رسالةً أخرى: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: لا تبتعد عنَّا كثيرًا.»
أخذ صوت السيارات يقترب … كانت الشمس قد بدأَت تميل إلى الغرب، وتنكسر حدة حرارتها. ربض الاثنان في ظل صخرة، في انتظار اقتراب السيارات. ارتفع الصوت أكثر، بدا واضحًا أنهم قد اقتربوا تمامًا … ثم فجأةً توقَّف صوت السيارات، وبدأَت كلمات غير واضحة تُقال.
أخرج «أحمد» جهاز الاستقبال، وبدأ يسمع ما يُقال … كان رجال السيارات يقولون: ألَا يوجد أحد؟ ولكن يبدو أنه كانت هناك معركة، لكن لا أثر لأحد! هل تظن أنهم أُسروا؟ ولماذا؟ ومن الذي يأسرهم؟ هل تعتقد أن الشرطة تشك في شيء، أم أن هناك عصابةً أخرى؟
نظر «أحمد» إلى «قيس» وهمس: هل سمعت؟ ثم أدرك أن «قيس» لا يستطيع سماع كلماتهم بالتفصيل، فشرح له ما سمعه. قال «قيس»: إذن هي عصابة!
زحف «أحمد» و«قيس» في اتجاه العصابة حتى أصبح كلامهم مسموعًا، قال أحدهم: لا بد من اكتشاف هذه العصابة وإلا هلكنا! قال آخر: إنهم يمكن أن يكشفونا … قال ثالث: لا بد أن نبدأ التفجير، هنا وهناك في نفس الوقت، وبسرعة … إن أي تأخير ليس في مصلحتنا.
نظر «قيس» و«أحمد» لبعضهما، وقال «قيس»: هل نشتبك معهم؟ إننا يجب أن نُحدِّد الموقف!
فكَّر «أحمد» قليلًا، ثم قال: ينبغي أن نتركهم حتى آخر الشوط.
رفع «أحمد» رأسه في حذر، ونظر في اتجاه العصابة، كان رجالها يقفون، وقد أعطَوا ظهورهم في اتجاه «أحمد» و«قيس» … قال «أحمد»: إنهم ثمانية.
ابتسم «قيس» وقال: هذه معركة غير متكافئة.
أحمد: وهل هي الأولى من نوعها؟ إننا لها!
صمت «قيس» قليلًا، ثم قال: ينبغي أن نتفرَّق حتى لا يعرفوا عددنا … أرسل رسالةً إلى «بو عمير» حتى يفترق هو و«ريما» فنُصبح في أربعة اتجاهات … إن هذا يمكن أن يُربكهم تمامًا.
أرسل «أحمد» رسالةً إلى «بو عمير» شرح له فيها ما اتفق عليه هو و«قيس»، وردَّ «بو عمير» بالموافقة. انسحب «قيس» في اتجاهٍ آخر، وبدأَت الاتصالات بين الشياطين عن طريق اللاسلكي. كان «أحمد» هو مركز الاتصال بينهم جميعًا. استقبل «أحمد» أوَّل رسالةٍ من «ريما»، قالَت: «نحن على خط ٢ شمالًا.» وجاءَت رسالة «بو عمير»: «إنني على خط ٥ شرقًا.» وجاءَت رسالة «قيس»: «إنني على خط ٣ غربًا.» أرسل لهم «أحمد» رسالةً تُحدِّد مكانه: «إنني على خط ٤ شمالًا.»
كان على «أحمد» أن يُفكِّر في خطة هجومية قبل أن يتصرَّف أفراد العصابة. أرسل للشياطين رسائل متتاليةً يُحدِّد لهم خطة الهجوم قبل أن تغرب الشمس. كانت اللحظة عندما تكون الساعة الخامسة والنصف تمامًا.
كان الشياطين يختفي كلٌّ منهم خلف صخرة، وهم يُتابعون حركة العصابة التي التفَّت حول مُقدَّم إحدى السيارات … كان يبدو أنهم يرسمون خطةً ما.
نظر الشياطين في ساعتهم، كانت لا تزال الخامسة والربع … كانت لحظةً حرجةً فعدد أفراد العصابة كبير، والاشتباك معهم مواجهةً يُصبح مسألةً صعبة؛ ولذلك فإن خداعهم مسألة ضرورية. بدأ أفراد العصابة يتحرَّكون. شاهد الشياطين بعضهم يمد سلكًا حول أماكن محدَّدةٍ في الجبل … نظر «أحمد» في ساعته، كانت الدقائق تمر … اقتربَت العقارب من الخامسة والنصف، ثم فجأةً انطلق الرصاص.