هكذا … قال الدكتور «كوتيا»
انبطح أفراد العصابة على الأرض، غير أن الطلقات كانت تأتيهم من كل جانب … قال واحد منهم: إنهم عدد كبير فيما يبدو!
أرسل «أحمد» إشاراتٍ سريعةً إلى الشياطين: توقَّفوا.
ساد الصمت مرةً أخرى. زحف أفراد العصابة حتى اجتمعوا خلف صخرة وبدءوا يتهامسون، عرف «أحمد» مكانهم، فزحف في اتجاههم حتى اقترب منهم، وبدأ يسمع أحاديثهم، قال واحد: ينبغي أن يبدأ «جون» أي حركة، حتى يبدءوا إطلاق الرصاص.
قال آخر: إنهم يُحاصروننا من أربعة اتجاهات، ويبدو من كمية الطلقات أنهم ليسوا عددًا كبيرًا.
قال ثالث: لكن … كيف وصلوا إلى هنا؟
قال آخر: إن ما يُحيِّرني هو اختفاء «ماكسيم» ومن معه!
قال خامس: علينا أن نتفرَّق في مساحة واسعة حتى نكتشف وجودهم.
كان ضوء المساء قد بدأ، وأخذَت تفاصيل الأشياء تختفي شيئًا فشيئًا … أرسل «أحمد» رسالةً سريعةً إلى الشياطين: التجمُّع سريعًا عند السيارات.
بدأ «أحمد» زحفه بعيدًا عن العصابة، متجهًا إلى حيث تقف السيارات. كان يدور دورةً واسعةً حتى لا يصل إليهم أي صوت، وعندما اقترب من السيارات، كان بقية الشياطين قد وصلوا أيضًا. التقى الأربعة واختبئوا خلف السيارة المعطَّلة.
زحف الليل بسرعةٍ أكبر حتى أخذ الظلام ينتشر … سمع الشياطين صوت أقدام تقترب من اتجاه واحد، كان صوت الأقدام يأتي من أمام السيارات، قال «قيس»: يجب أن نُضيء أنوار السيارة؛ إن هذا يكشفهم أمامنا.
قفز بسرعة داخل السيارة، ثم أضاء أنوارها. كان الضوء قويًّا فكشف مساحةً كبيرة … في نفس الوقت تقدَّم صوت الأقدام، ولكنهم كانوا قد ظهروا أمام الشياطين … وفي اللحظة التي انطلقَت فيها رصاصات «أحمد» و«بو عمير»، ألقى أفراد العصابة بأنفسهم إلى الأرض، واندفعوا في التدحرج حتى اختفَوا خلف الصخور.
نزل «قيس» وترك النور مضاءً، قال «أحمد»: لقد حدَّدنا موقفنا بالنسبة لهم. يجب أن ننسحب ونترك الأنوار مضاءة.
زحف الشياطين مبتعدين قليلًا، لكن فجأةً دوَّت طلقة في الصمت أصابت فانوس السيارة؛ فانطفأ واحد … ثم تلَتها طلقة أخرى، أطفأَت الفانوس الآخر. غرق الجبل في الظلام والصمت، وسكنَت كل حركة، لم يعُد هناك ما يُحدِّد مكان أحد. فجأةً سمع الشياطين صوت موتور سيارة، ثم اندفاعها بطريقة جنونية. كان الصوت يُحدِّد مكان السيارة.
وقف «أحمد» في الظلام، ثم أطلق طلقةً سُمعَت على أثرها فرقعة، ثم عدة اصطدامات، وقال «أحمد»: لقد أصبتُ الكاوتش. لحظة، ثم سُمع صوت تهاوي السيارة إلى الوادي البعيد أسفل الجبل، وتردَّد صدى صوت سقوط السيارة، ثم حطَّ الصمت من جديد … غير أن طلقةً رنَّت في الفضاء بجوار «أحمد»، فقال: يبدو أنهم لم يكونوا جميعًا في السيارة، ولقد حدَّدوا أماكننا … يجب أن ننسحب من هنا فورًا!
انسحب الشياطين زحفًا، بينما كانت طلقات الرصاص تُدوِّي بعيدًا عنهم.
خلف صخرة عالية توقَّف الشياطين، ثم جلسوا يتصنَّتون، لكن لم يكن هناك صوت … مرَّ وقت، ثم بدأ القمر يظهر في السماء، كان قمرًا شاحبًا لا يكاد يُضيء، لكن كتل الصخر كانت تبدو سوداء بلا تفاصيل. ومن بعيد شاهد الشياطين أشباحًا تتحرَّك، ثم دوَّت صرخة في الصمت … وسُمعت كلمة ثعبان.
أسرع الشياطين في تحرُّكهم نحو الأشباح التي كانت تتحرَّك في اتجاه السيارات … ثم اختفَت … استمرَّ الشياطين في تقدُّمهم … فجأة … سُمع صوت تحرُّك سيارة، ثم بدأَت تتحرَّك في الضوء الشاحب، قال «بو عمير»: لا بأس … ولا أظن أنهم جميعًا قد هربوا.
كانَت السيارة تتحرَّك حركةً بطيئة. قال «قيس»: ينبغي إيقاف السيارة، ربما كانوا جميعًا فيها.
وقف «بو عمير» وصوَّب مسدَّسه في اتجاه السيارة، ثم أطلق طلقةً رصاص؛ سُمعت فرقعة عالية، ثم ثبتت الكتلة السوداء في مكانها. قال «قيس»: لقد أصبتَ الهدف.
في نفس اللحظة انهالَت طلقات الرصاص على الشياطين، فانبطحوا أرضًا … قالت «ريما» بصوتٍ هامس: أظن أننا يجب أن نشتبك معهم مباشرة.
أحمد: لا يوجد حل آخر … علينا أن ننقسم. «ريما» تظل هنا وتستمر في إطلاق الرصاص، ونحن الثلاثة سوف نزحف إليهم.
توقَّف رصاص العصابة، وبدأ الشياطين يتحرَّكون. عندما ابتعدوا قليلًا بدأَت «ريما» إطلاق الرصاص، فردَّت عليها العصابة. كانت «ريما» تتحرَّك في دائرةٍ واسعة، وتُطلق الرصاص من كل مكان، حتى إن أحد أفراد العصابة قال: يبدو أنهم متفرِّقون في أماكن كثيرة.
اقترب الشياطين من مكان العصابة. أصبحوا خلفهم مباشرة. تقدَّموا في هدوء حتى أصبح أفراد العصابة على مسافة قفزة واحدة … كانت «ريما» ما زالت تُطلق الرصاص. نظر الشياطين إلى بعضهم، ثم أشار «أحمد» إشارةً فقفزوا قفزةً واحدة، حتى إنهم أوقعوا أفرادها، وفي لمح البصر كان الشياطين يضربون في كل اتجاه، حتى إن العصابة ظنَّت أنهم مجموعة كبيرة، وهرب اثنان من العصابة وبقي خمسة.
طار «أحمد» في الهواء، ثم فتح ساقَيه، وضرب اثنَين منهم في وقتٍ واحد، فاصطدما برأسَيهما وتعالت الصيحات، ثم وقعا على الأرض، واستدار «أحمد» في حركة «كاراتيه» ليضرب آَخر بظهر يده … في نفس الوقت كان «بو عمير» قد ضرب أحدهم ضربةً جعلَته يطير في الهواء، ثم يقع مصطدمًا بصخرة، وانشغل في ربْط يدَيه خلف ظهره … وكان «قيس» يربط آخر … انتهى «بو عمير»، وعندما التفتَ كان أحد الرجال الثلاثة يمسك صخرةً ويرفعها ليضرب بها «أحمد» فوق رأسه … قفز «بو عمير» قفزةً واسعة، ثم ضرب الرجل في بطنه لكمةً قوية، جعلته ينحني ويئن، فتقع الصخرة على رأس الذي وقع أمامه إثر ضربة قوية من «أحمد» … وقف الشياطين يرقبون الموقف … كان القمر قد ارتفع في السماء أكثر، وبدأَت تفاصيل الأشياء أكثر وضوحًا، قال «أحمد»: ينبغي أن نبحث عن الهاربين، إنهما قد يُسبِّبان لنا مشكلة.
لم يكد «أحمد» يُنهي جملته حتى ارتفع صوت أحد الرجلَين قائلًا: فعلًا … لقد جئنا بسبب المشكلة.
ظهر الآخر، وكلٌّ منهما يحمل رشَّاشًا في يده. قال الثاني: فلْيلقِ كلٌّ منكم بما معه. لم يتحرَّك أحدٌ من الشياطين، فصرخ فيهم: ألقوا سلاحكم!
أخرج «أحمد» مسدَّسه، ثم ألقاه على الأرض … صرخ الرجل: اقذفه أبعد! ضرب «أحمد» مسدَّسه بقدمه بعيدًا … صرخ الرجل: وأنتما … ألقيا سلاحكما.
حاول «بو عمير» أن يستخدم مسدَّسه، إلا أن الرجل أسرع بإطلاق طلقة أصابت فُوَّهة مسدَّس «بو عمير»، فأسرع بإلقائه بعيدًا … ولم يكن أمام «قيس» إلا أن يُلقي مسدَّسه هو الآخر دون مقاومة.
صاح الرجل: ارقدوا أرضًا!
رقد الشياطين في هدوء، وقال الرجل: اجعلوا وجوهكم في الأرض.
رقد الشياطين كما طلب، لكن في نفس الوقت كان «أحمد» قد استدار دورةً كاملةً وهو راقد وقذف خنجره بدقةٍ ليصيب يد الرجل، وسقط يتلوَّى من الألم … وفي اللحظة التي نظر فيها زميله إليه، طار «قيس» في الهواء ضاربًا رشَّاش الرجل الآخر، الذي وقف مذهولًا، فطار الرشَّاش ووقع الاثنان في قبضة الشياطين … رفع «أحمد» إصبعَيه يرسم علامة النصر، في نفس الوقت الذي ظهرَت فيه «ريما» وبيدها مسدَّسها، وقالت: خفت أن أُطلق الرصاص فيُصاب أحدكم.
بو عمير: لا داعي … لقد انتهى الأمر.
تقدَّم «قيس» و«أحمد» إلى الرجلَين فأوثقاهما.
وقال «بو عمير»: ينبغي أن يذهب واحدٌّ منا إلى ضابط الشرطة؛ فإننا لا نستطيع أن نتركهم، ولا نستطيع أن ننقلهم جميعًا.
أحمد: تذهب «ريما» معه أيضًا؛ فقد يحتاج الموقف عملًا آخر.
تحرَّكا «قيس» و«ريما» في اتجاهٍ السيارة الوحيدة الباقية الصالحة للاستعمال. كانا كشبحَين وسط ضوء القمر، يبتعدان قليلًا قليلًا حتى اختفيا.
سمع «أحمد» و«بو عمير» صوت محرِّك السيارة يُدار، ثم ظهر ضوء السيارة، وتحرَّكت.
قال «بو عمير»: إنها مغامرة كبيرة!
أحمد: ساعَدَنا الحظ فيها كثيرًا! ولكن هل تعتقد أنها تنتهي هكذا؟
جلس الاثنان وبيد كلٍّ منهما مسدَّسه، بينما كانت أنَّات أفراد العصابة تصدر منهم … ولم يمضِ وقت طويل حتى تعالَت أصوات سيارات الشرطة وهي تقترب، وشمل الجبلَ ضوءٌ ممتد، يظهر ثم يختفي … قال «أحمد»: يبدو أنها سيارات كثيرة ويبدو أن شيئًا قد حدث.
ظلَّا يرقبان حركة السيارات المتقدِّمة في اتجاههما، حتى توقَّفَت في نفس المنطقة التي كانَت تقف فيها سيارات العصابة. فجأة … أضاءت السماءَ قنبلة ضوء جعلَت الجبل كأنه النهار، ووضح في الضوء رجال الشرطة. نظر «أحمد» قليلًا، ثم قال مبتسمًا: إنه الضابط «كابور»! يبدو أن شيئًا ضخمًا قد حدث!
بو عمير: ربما يكونون قد اكتشفوا سرَّ العصابة.
وفي الضوء القوي وقف «أحمد» ينظر إلى إحدى الحفريات العميقة، وظهرَت الدهشة على ملامحه، حتى إن «بو عمير» سأله: ما الخبر؟
أحمد: اقترب بسرعة! …
أسرع «بو عمير» في اتجاه «أحمد»، ونظر حيث أشار، وقال: شيء مدهش! يبدو أن الكنز هنا فعلًا!
أحمد: هكذا تقول الأساطير؛ إنه حينما يظهر ثعبان أسود، فلا بد أن يوجد كنز، وهذا ثعبان ضخم!
ولم يكَد يُتم جملته حتى ظهر عددٌ من الثعابين تتلوَّى داخل الحفرة، التي كان يُضيئها الضوء المنبعث من القنبلة الضوئية التي تظل في السماء وقتًا.
اقترب رجال الشرطة، وتقدَّم الضابط «كابور» مبتسمًا وقال: للمرة الثانية تُقدِّمون لنا عملًا جليلًا … لقد اكتشفنا أن مجموعة الخبراء الأخيرة لم تكن سوى عصابة دولية، وها أنتم قد أدَّيتم عملًا رائعًا!
وقال «أحمد» ﻟ «كابور»: ألَا تقول الأسطورة إنه حيث يوجد ثعبان أسود يوجد كنز. يبدو أن الأسطورة صحيحة. هل تُريد أن أفتح لكَ باب الكنز؟
سأله الضابط «كابور» في دهشة: ماذا تقول؟! هل أنت جاد؟!
قال «أحمد» مشيرًا إلى الحفرة: طبعًا … أؤكد لكَ أن هنا مكان الكنز، وليس عليكم الآن إلا التخلُّص من هؤلاء الحُرَّاس الأشداء … ثم، مبروك عليكم كنوز أجدادكم العظماء.
ونظر الضابط «كابور» في دهشة وقال: إن الدكتور «كوتيا» يُؤكِّد أن الكنز هنا، وأعتقد أن الحكومة الهندية سوف تُقدِّم لكم شكرها رسميًّا … ثم مرَّت لحظة صمت، حتى قال الضابط «كابور»: إن السيارة في انتظاركم.
أشار «أحمد» إلى حيث يوجد «ماكسيم» وزملاؤه، وقال: هناك مجموعة أخرى.
تحرَّك الشياطين في اتجاه السيارة فركبوها وانطلقَت بهم؛ فقد انتهَت مُهمَّتهم، ولكن كان عليهم الآن أن يُقدِّموا تقريرهم إلى رقم «صفر» قبل العودة … من يدري؟ فربما كانت هناك مغامرة أخرى وسط بلاد السحر والأساطير … والثعابين السوداء!