الطبقة الوسطى المصرية بين الوعي الطبقي والوعي الاجتماعي١

يتطلَّب الوعي الطبقي عند طبقة ما؛ إحساسًا وإدراكًا جمعيًّا لمصالحها، يدفعها إلى التضامن للدفاع عن تلك المصالح في مواجهة الطبقات الأخرى التي تنازعها تلك المصالح، أو حمايةً لمصالحها تلك، وحرصًا على تنميتها على حساب غيرها من الطبقات. أما الوعي الاجتماعي فنقصد به إدراك الطبقة لأهمية الاستقرار الاجتماعي للحفاظ على بِنية المجتمع التي حقَّقت، من خلاله، وجودها ومصالحها؛ حتى تتجنَّب تعريض تلك المصالح للخطر. ولعل الطبقة الوسطى المصرية — عبر تاريخها الذي قارب القرنين من الزمان — كانت من الطبقات الاجتماعية التي انفردت بوعي طبقي غريزي، ولكنها افتقرت — على نحو ما سنرى — إلى الوعي الاجتماعي.

وقد تكوَّنت الطبقة الوسطى المصرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر نتيجة تطوُّر المِلكية الزراعية تدريجيًّا، حتى استقرت المِلكية الفردية قبيل نهاية القرن؛ فكانت زراعيةً أساسًا، تستمد مصالحها من المِلكيات التي حصلت عليها في ظروف التطور السياسي والاقتصادي الذي شهدته مصر في تلك الحقبة، وتمتعت بنفوذٍ كبيرٍ على الفلاحين، بحكم امتلاكها لأداة الإنتاج الزراعي (الأرض)، وإن سكنت المدن إلى جِوار الأرستقراطية الحاكمة؛ ممثَّلة في أسرة محمد علي، ومَن لاذ بها من كبار الموظفين ذوي الأصول التركية والشركسية.

وانضمَّت إلى تلك الطبقة شريحةٌ أخرى تمثَّلت في أولئك الذين أُتيحت لهم فرصة التعليم الحديث في مدارس محمد علي وإسماعيل. والذين جاءوا من بين صفوف الفلاحين (حيث كان التعليم مجانًا حتى بداية عصر إسماعيل)، والذين دعت الحاجة إلى تعليمهم لتوفير الكوادر اللازمة للإدارة المصرية؛ فاتَّسع التعليم حينًا، وانكمش حينًا آخر في حدود حاجة دواوين الحكومة إلى الموظفين، وهي سياسة استمرت تحت حكم الاحتلال البريطاني، وإن فقد التعليم مجَّانيَّته عندئذٍ، فسدَّ الطريق أمام فرصة الحراك الاجتماعي لأبناء الفلاحين، على كلٍّ أصبح المتعلمون من موظفي الحكومة (كبارهم وصغارهم) يعبِّرون عن الطبقة الوسطى المصرية، واستطاع بعضهم أن يدخل شرائحها العُليا عن طريق هِبات الأراضي التي منحها إسماعيل على وجه الخصوص للبارزين منهم، وعن طريق المُصاهرة، وغير ذلك من روابط جعلت شريحة المتعلمين (أو الأفندية) تلتصق بالطبقة الوسطى، وتتنكَّر لأصولها الفلاحية.

مواجهة الهيمنة الأجنبية

ولمَّا كانت الطبقة الوسطى المصرية قد تكوَّنت في مرحلة تاريخية اتَّسمت بالهيمنة الأجنبية على الاقتصاد المصري، وربطه بالاقتصاد الأوروبي بروابط التبعية، فقد برز وعيها الطبقي في وقتٍ مبكر، عندما كوَّنت الجبهة الوطنية التي تصدَّت للتدخُّل الأجنبي في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، تلك الجبهة التي ساندت ثورة ١٨٨١م (التي عُرفَت بالثورة العرابية).

غير أن وقوع الاحتلال البريطاني، وهزيمة الثورة عام ١٨٨٢م، جعلها تتراجع عن مواجهة الهيمنة الأجنبية، دفاعًا عن مصالحها وحرصًا عليها؛ وخاصةً أنها بحكم كون رجالها من كبار مُلَّاك الأراضي، كانوا كبار منتجي القطن الذي لا تشتريه إلا بريطانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى، ومن ثَم مالوا إلى التعاون مع الاحتلال ما دامت سياساته لا تمس مصالحهم، وإنما تعمل على تنميتها من خلال سياسة زراعية وضعها الاحتلال لخدمة مصالحهم ورعايتها.

ولذلك صرفوا جهودهم في المجالس النيابية — التي أقامها الاحتلال — إلى الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية في حدود الإطار الذي رسمه الاحتلال البريطاني. ولكن شريحة «الأفندية» المتعلمين الذين تلقَّوا تعليمهم في أواخر عهد إسماعيل ومطلع عهد الاحتلال، كانوا أكثر معارضةً للاحتلال البريطاني، غير أن هذه المعارضة لم تتخذ شكلًا واضحًا إلا في أعقاب أزمة ١٩٠٧م الاقتصادية، التي أضرَّت بالشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى؛ فأصبحت معارضة الأفندية الذين التفُّوا حول الحزب الوطني بزعامة محمد فريد تتخذ طابعًا احتجاجيًّا واضحًا.

وقد ترتَّب على نمو المدن المصرية، ونشوء مدن جديدة بمنطقة قناة السويس، والتوسُّع النسبي في التعليم بعد صدور دستور ١٩٢٣م، والظروف الاقتصادية التي شهدتها مصر في الحربَين العالميتين، والتي أتاحت الفرصة أمام صغار التجار وبعض أصحاب الحرف لتحقيق قدرٍ محدودٍ من الثراء، أدَّى ذلك كله إلى اتساع قاعدة الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، وجاء الكساد العالمي الكبير في مطلع الثلاثينيات؛ وما ترتَّب عليه من آثار أضرَّت بتلك الشريحة الاجتماعية بقدر ما زادت من بؤس الطبقة الكادحة من العمال والفلاحين، ليقع التناقض الكبير بين شريحة كبار المُلاك المحدودة التي استأثرت بجانبٍ كبيرٍ من الدخل القومي، وبين الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى ممثَّلة في الأفندية وصغار التجار وصغار المنتِجين الحرفيين (أصحاب الورش).

وأصبح هؤلاء دِعامة حركات الرفض السياسي والاجتماعي التي عرفتها مصر منذ أواخر العشرينيات؛ فجاءت من بين صفوفهم كوادر الحركة الشيوعية المصرية والإخوان المسلمين ومصر الفتاة، كما خرجت من صفوفهم جماعة «الضباط الأحرار»، التي أشعلت ثورة يوليو ١٩٥٢م، وأدَّت سياستها التعليمية والاجتماعية إلى توسيع نطاق قاعدة الطبقة الوسطى المصرية، وخاصة الشريحة الدنيا منها.

وعلى مَر تاريخ الطبقة الوسطى المصرية كانت تعبِّر عن وعيها الطبقي بالدفاع عن مصالحها عن طريق التشريع بحكم وجودها وسيطرتها على المجالس النيابية، وتربُّع ممثِّليها على كراسي الحكم، كما أقامت الهيئات التي ترعى مصالحها؛ مثل الجمعية الزراعية الخديوية (السلطانية ثم المَلكية فيما بعد) التي وقفت حارسًا على مصالح كبار المُلاك، وراعيًا للإنتاج الزراعي، ثم اتحاد الصناعات الذي تولَّى رعاية مصالح القطاع الصناعي، وتولَّى رئاسة الهيئتين بعض الشخصيات المهمة المعروفة بدفاعها عن مصالح مُلاك أدوات الإنتاج، سواء في الزراعة أو الصناعة.

افتقار الوعي الاجتماعي

ورغم وعي الطبقة الوسطى بمصالحها وتصدِّيها للدفاع عنها، إلا أنها كانت تفتقر إلى الوعي الاجتماعي؛ من حيث إيجاد الضوابط التي تكفل تحقيق الاستقرار الاجتماعي الذي يضمن — بالضرورة — استمرار وجودها، وتنمية مصالحها. ويتجلَّى ذلك في عزوفها عن تبني السياسات الاجتماعية التي تخفِّف من وطأة المسألة الاجتماعية التي تمثَّلت في ثالوث: الفقر، والجهل، والمرض، والتي كانت ترجع إلى سوء توزيع الملكية الزراعية، وتدني الأجور في قطاعَي الزراعة والصناعة على السواء، وارتفاع إيجارات الأراضي الزراعية، وعدم الاهتمام بمحو الأمية، وانتشار الأمراض المتوطِّنة، وغياب السياسات الخاصة بالرعاية الصحية، وانتشار البؤس والفاقة في الريف والمدن على السواء.

ومن عجبٍ أن سلطات الاحتلال البريطاني — وهي تتحمَّل جانبًا كبيرًا من مسئولية صياغة النظام الاقتصادي، الذي استمر، بصورة أو بأخرى، حتى قيام ثورة يوليو ١٩٥٢م — كانت تعي تمامًا خطورة استمرار ظاهرة سُوء توزيع الثروات بين المصريين من زاوية سياسية محضة؛ فقد كانت تنظر دائمًا بعين القلق إلى ما قد يترتب على استمرار تلك الظاهرة من قلاقل اجتماعية، قد تتخذ طابع العمل السياسي المعادي للوجود البريطاني في مصر. لذلك تبنَّت سياسة ترمي إلى توسيع نطاق المِلكيات المتوسطة وتشجيعها، وتثبيت المِلكيات الصغيرة، والحيلولة دون استمرار تفتُّتها، فحاولت أن توفِّر مصادر الائتمان لصغار المُلاك ومتوسطيهم، وتدخَّلت بالتشريع في محاولة لحل مشكلة ديون الفلاحين بإصدار قانون الأفدنة الخمسة (١٩١٣م)، وإذا كانت تلك المحاولات قد باءت بالفشل، فإن ذلك يرجع إلى عدم المساس بالبنية الاقتصادية التي أفرزت الظاهرة المطلوب علاجها.

وفيما عدا تلك المحاولة، التي تمَّت على يد الاحتلال البريطاني، لا نجد اهتمامًا من جانب السلطات الحاكمة برسم سياسة اجتماعية تهدف إلى تخفيف أعباء الحياة عن عاتق الطبقة الكادحة الفقيرة، وبالتالي التخفيف من حدَّة التناقضات الاجتماعية، فترك الحبل على الغارب لرأس المال الزراعي والصناعي دون ضابطٍ أو رابط، فإذا تدخَّلت الحكومة بالتشريع كان ذلك لمصلحة الأغنياء وحمايةً لمصالحهم، كما حدث بالنسبة لتدخُّل الحكومة لتنظيم تجارة القطن خلال الحربَين العالميتين، وهي السياسة التي أنقذت كبار المزارعين من خسائر محقَّقة كانوا عُرضةً لها، لولا تدخُّل الحكومة لحمايتهم.

ظلم الفقراء

أما بالنسبة للفقراء، فلا تتحرك الحكومة إلا إذا احتدمت الأمور، وهدَّدت بالانفجار أو كادت، عندئذٍ تضع النظم التي تفتقر إلى القوة الرادعة التي تضمن تنفيذها لصالح الفقراء، مثلما حدث بالنسبة للأوامر العسكرية التي صدرت خلال الحرب العالمية الثانية، ووضعت حدودًا لإيجارات الأراضي الزراعية، ولكنها لم تنص على عقاب المُلاك الذين يخالفونها، فلم يلتزم بها أحد.

ولعل لجان التوفيق والتحكيم التي شُكِّلت عام ١٩١٩م لفض المنازعات بين العُمال وأصحاب الأعمال تقدِّم نموذجًا آخر للاستهانة بمصالح الطبقة الكادحة، والاهتمام بمصالح رأس المال؛ فلم تكن تلك اللجان مُلزِمةً لأحدٍ، ولم تصدر التشريعات العمالية التي صيغت على مدى النصف الأول من القرن العشرين إلا تحت ضغط الحركة العُمالية، وبصورة تقل كثيرًا عمَّا كان يطمح إليه العُمال.

وحتى هذه التشريعات — الهزيلة — فإنها تضمَّنت النص على عدم سريانها على عُمال الزراعة زيادةً في الحرص على مصالح كبار المُلاك الذين يجلس ممثِّلوهم في سُدة الحكم، ويشغلون مقاعد النيابة عن الشعب في البرلمان، دون أن يعُوا أن استمرار تفاقُم التناقضات الاجتماعية يهدِّد تلك المصالح بالخطر.

وقد يتبادر إلى أذهان البعض أن السلطة الوطنية كانت عاجزةً عن التدخل بالتشريع لوضع السياسات الاجتماعية الواجبة، بسبب الامتيازات الأجنبية، وضرورة تصديق الجمعية العمومية للمحاكم المختلطة على التشريعات حتى تسري على المؤسسات الأجنبية والمُلاك الأجانب (وما أكثرهم!).

ولكن ذلك لم يكن واردًا عند صُناع القرار في مصر، فهناك سياسات اجتماعية كان يمكن رسمها دون المساس بمصالح الأجانب، ودون حاجة إلى المرور عبر المحاذير التي تمثِّلها الامتيازات، مثل مشروع تزويد القُرى بمياه الشرب النقية، ونشر التعليم الأساسي، وتوفير الرعاية الصحية للمواطنين، والاهتمام بالإسكان الصحي في الريف والمدن، وكلها مطالب رفعتها فصائل مختلفة داخل الحركة السياسية، ونادت بها أقلام الكُتَّاب الذين كانوا ينشدون الإصلاح من أبناء الشريحة العُليا من الطبقة الوسطى مثل مريت غالي، وإبراهيم مدكور، وغيرهما.

ومن يتتبَّع المناقشات التي دارت في المؤتمر الزراعي الثالث الذي عقدته الجمعية الزراعية المَلكية بالقاهرة (مارس-أبريل ١٩٤٩م) يدرك مدى غياب الوعي الاجتماعي عند نخبة الطبقة الوسطى المصرية. ففي محاضرة ألقاها حامد جودة بك — رئيس مجلس النواب السعدي، وأحد كبار المُلاك — أمام المؤتمر، طالب زملاءه كبار المُلاك بتحسين أحوال عُمال الزراعة بإقامة مساكن صحية لهم كتلك التي يعنون بإقامتها لمواشيهم، وأن يهتموا بعلاج الفلاح كما يهتمون بعلاج مواشيهم إذا أصابها المرض.

وطرح الفكرة نفسها في مجلس النواب؛ فلم يلقَ آذانًا صاغيةً، بل اتهموه بأنه يريد أن يفتح الطريق أمام أصحاب المبادئ الهدَّامة، ولم يستمعوا لتحذيره لهم من أن استمرار البؤس والشقاء في الريف هو الذي سيفتح الطريق أمام المبادئ الهدَّامة، وليس الإصلاح الاجتماعي.

وحدث الشيء نفسه عندما تقدَّم بعض من توافر لديهم الوعي الاجتماعي من أبناء الطبقة الوسطى بمشروع تحديد المِلكية الزراعية إلى البرلمان، مثل محمد خطَّاب عضو مجلس الشيوخ (عام ١٩٤٤م)، وإبراهيم بيومي مدكور الذي تقدَّم لمجلس الشيوخ (عام ١٩٤٥م) بمشروع قانون تنظيم المِلكية والإيجار والعمل في الزراعة، وإبراهيم شكري الذي تقدَّم لمجلس النواب (عام ١٩٥٠م) بمشروع قانون للإصلاح الزراعي؛ فقد وُوجهَت كل تلك المحاولات الإصلاحية بموجة عارمة من المعارضة من جانب النواب والشيوخ، وكان مصيرها الرفض.

وراح مريت غالي — عضو مجلس النواب — يدق ناقوس الخطر في كتابه «الإصلاح الزراعي» (١٩٤٤م) داعيًا البرجوازية المصرية إلى التضحية من أجل وطنهم ومواطنيهم، وعدَّد تجارب الإصلاح الزراعي التي عرفتها الأمم الأخرى، وأشار إلى التجربة الروسية التي رأى أن فيها نذيرًا بالخطر «إذا أهملنا الإصلاح اللازم، أو تغلَّبت علينا نظريات سياسية لا قِبَل لنا بها».

ونظرةً إلى المناقشات التي دارت بالبرلمان عند نظر مشروع قانون التعليم الأوَّلي (مايو ١٩٣٣م)، حيث اعتبر بعض النواب أن تعليم أبناء الفقراء (خطرٌ اجتماعي هائل لا يمكن تصوُّر مداه؛ لأن ذلك لن يؤدي إلى زيادة عدد المتعلمين العاطلين، بل يؤدي إلى ثورات نفسية). وطالبوا بأن يقتصر التعليم على أبناء المُوسرين من أهل الريف، وعبَّر نائبٌ آخر عن خشيته من أن يُفسِد التعليم أبناء الفلاحين، ويجعلهم يعتادون حياة المدينة، ويخرجون إلى حقولهم بالبلاطي والأحذية، ويركبون الدراجات، ويتطلَّعون إلى ركوب السيارات.

وعندما طُرح قانون التعليم الإلزامي للمناقشة بالبرلمان (١٩٣٧-١٩٣٨م) تجدَّد الحديث حول خشية إفساد التعليم للفلاح، وعدم جدوى تعليم أبناء الفلاح الجغرافيا والتاريخ، وأبدى أحد النواب مخاوفه من أن يجد الفلاحين وقد ارتدوا «جلاليب مكويَّة، أو طواقي بالآجور وأحذية ملونة»، حتى «لا يتحوَّل أصحاب الجلاليب الزرقاء إلى أصحاب جلاليب مكوية».

وضع المسكنات

وتكشف تلك المناقشات عن مدى غياب الوعي الاجتماعي عند نخبة الطبقة المتوسطة المصرية الذي جعلهم يرَون في إبقاء الطبقات الكادحة تعيش في فقرٍ وجهلٍ ومرض أضمن لمصالحها، وبالتالي وقفت ضد كل علاج يُطرَح لحل بعض جوانب المسألة الاجتماعية من خلال وضع مسكناتٍ لها، فضلًا عن التفكير في الحلول الجذرية. وزاد من حدة هذا الاتجاه أن الأحزاب السياسية التي تعاقبت على الحكم — على اختلاف اتجاهاتها — كانت ترى أن أمامها مسألةً تفوق ما عداها أهميةً؛ هي المسألة المصرية، ونعني بها تحقيق الاستقلال التام، وإجلاء قوات الاحتلال عن أرض الوطن، أما المسائل الأخرى — اجتماعية وغير اجتماعية — فعليها أن تنتظر حتى تحين ساعة الاستقلال، عندئذٍ يبحث القوم عن حلٍّ لها.

وهكذا تقاعست كل تلك الأحزاب عن محاولة إيجاد حلول للمسألة الاجتماعية التي ازدادت تفاقمًا؛ ولكن ذلك لم يمنع الفصائل السياسية المعبِّرة عن الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى من أن تستجيب للرفض الاجتماعي من جانب الطبقات المسحوقة، وتطرح تصورات لحل بعض جوانب المسألة الاجتماعية قبل ثورة يوليو ١٩٥٢م، ساهمت في صياغتها الجماعات الشيوعية وحزب العمال المصري سنة ١٩٣١م، وحزب الفلاح ١٩٣٨م، وجماعة النهضة القومية ١٩٤٤م، واستفادت «مصر الفتاة» من كل ما طُرح من أفكار عند صياغة برنامج الحزب الاشتراكي سنة ١٩٤٩م، وشكَّل ذلك كله الإطار المرجعي للسياسات الاجتماعية التي تبنَّتها ثورة يوليو ١٩٥٢م.

١  مجلة الهلال، سبتمبر ١٩٩٢م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥