أحمد طه
فقدت مصر، بل فقد النيل أحد أبنائه المناضلين من أجل حياة حرة كريمة للكادحين من أبناء وادي النيل، ومن أجل رفع راية الاستقلال الوطني على مصر والسودان. فقدت مصر وفقد النيل أحمد طه المناضِل النقابي، والنائب المُدافع عن قضايا وطنه وقضايا جماهيره. ارتبط بالنيل وواديه منذ مولده في منتصف عشرينيات القرن العشرين. والده الريس طه أحمد الذي عاش حياته على صفحة النهر المبارَك، يقود المراكب الشراعية التي تقطع النهر صعودًا وهبوطًا، كما كانت تفعل منذ كانت الحضارة لا تزال في مهدها، وقدَّم هذا الإنسان المصري البسيط — لوطنه — ولدَين تعلَّما تعليمًا فنيًّا، التحق أكبرهما «عبد القادر طه» بخدمة الجيش المصري، وأصبح ضابطًا من الضباط الأحرار، واغتاله «الحرس الحديدي»، قُبيل قيام ثورة يوليو. وكان ولده الثاني «أحمد طه» مناضلًا وطنيًّا يعمل بين الجماهير، ويعيش قضاياهم وقضايا الوطن، حتى وافاه الأجل في نهاية الشهر الماضي.
عرفتُ أحمد طه في شتاء عام ١٩٦٥م، كنت — عندئذٍ — أعد أطروحة الماجستير حول «الحركة العُمالية المصرية»، واستطعت خلال عام ١٩٦٤م أن ألتقي النبيل عباس حليم، وأن أضع يدي على الخيوط التي قادتني إلى مجموعة النقابيين الذين تعاونوا معه، وكانوا يمثِّلون «اليمين» في الحركة العُمالية. أما اليسار؛ فلم يكن هناك سبيل للتعرُّف على أقطابه، فقد كان معظمهم قد خرج من المعتقل قبل شهور معدودة، ولم يطمئن أولئك الذين طرقت أبوابهم إلى ذلك الشاب المجهول الهوية، الذي يطرح الكثير من الأسئلة، ويستعلم عن كيفية الوصول إلى دوريات الجناح اليساري في الحركة العُمالية وأوراقه.
وشاءت الصدفة أن ألتقي زميلًا قديمًا بكلية الآداب جامعة عين شمس؛ هو الصديق سعد صمويل، بينما كنتُ أتفحَّص الكتب على سور الأزبكية، وكنت لم أسمع عنه منذ سنوات، وعندما علم بموضوع أُطروحتي وما أعانيه من صعوبة العثور على مادة عن الجناح اليساري في الحركة العُمالية، رحَّب بمساعدتي على الفور، وتقديمي لبعض الشخصيات المهمة في هذا الفصيل من الحركة العُمالية.
لم أكن أعرف أن غيبة الزميل التي طالت لسنواتٍ كان سببها الاعتقال ضِمن الموجة الشهيرة التي وقعت عشية ختام عام ١٩٥٨م، وجمعت كل نشطاء التنظيمات الشيوعية وكوادرها. وبعد أن سرنا معًا إلى إحدى العمارات القديمة بالقرب من حديقة الأزبكية، صعدنا إلى إحدى الشقق التي تُؤجِّر غرفها كمكاتب، وفي إحدى تلك الغرف كان مكتب «دار الجماهير للنشر»، وهناك قدَّمني سعد صمويل إلى أحمد طه، الذي قدَّمني — بدوره — إلى محمد يوسف المدرك، ومحمود العسكري، وعن طريق هؤلاء المناضلين الثلاثة، استطعت أن أتعرَّف إلى الدور البارز الذي لعبه اليسار في الحركة العُمالية.
وقد فتح لي «أحمد طه» بيته (رقم ١، شارع طاهر، قسم الساحل) حيث كنت ألتقيه عدة ساعات صباح الجمعة في الأسبوع الأول من الشهر، ولمدة أربعة شهور، قدَّم لي فيها معظم ما حصلت عليه من معلوماتٍ حول «مؤتمر نقابات عُمال الشركات والمؤسسات الأهلية» الذي تأسَّس في أواخر الحرب العالمية الثانية، «واللجنة التحضيرية لمؤتمر نقابات عُمال مصر» التي شُكِّلت في ١٩٥٠م، والجهود التي بُذلت لتمثيل مصر في المؤتمر التأسيسي لاتحاد النقابات العالمي عام ١٩٥٤م؛ مما شجع المدرك والعسكري على مدِّي بالمعلومات وبعض الأوراق الخاصة «بلجنة العُمال للتحرير القومي»، وأتاح لي فرصة إبراز دور اليسار في الحركة العمالية. وتبيَّن — من خلال حديثي مع آخرين من مختلف فصائل اليسار — أن الرجل كان موضوعيًّا، أمينًا، في كل ما قدَّمه لي من معلومات، لم يحاول خلالها أن يبالغ في الدور الذي لعبته كوادر «الحركة الديمقراطية للتحرُّر الوطني (حدتو)» في الحركة العُمالية على حساب غيرهم من المنتمين إلى الفصائل الأخرى، رغم انتمائه إلى الفريق الأول.
•••
جاء أحمد طه إلى الحركة العُمالية من خلال نضاله شابًّا في مطلع العَقد الثالث من عمره من خلال نقابة عُمال ماركوني، وهي شركة الاتصالات التليفونية الدولية التي احتكرت هذه الخدمة في مصر وغيرها من بلاد البحر المتوسط لنصف القرن، قبل أن يلتحق أحمد طه بها كفنِّي اتصالات، فلا غرابة أن يتفتَّح وعيه على هيمنة رأس المال الأجنبي على الاقتصاد المصري في مختلف القطاعات، وما تعرَّضت له الطبقة العاملة المصرية من أسوأ ظروف العمل وشروطه في تلك الشركات الأجنبية، التي مارست كل أشكال التمييز بين المصريين والأجانب من ناحية، وبين المصريين وبعضهم بعضًا، أي بين العُمال والفنيِّين المصريين، والنفر القليل من موظفي الإدارة من مواطنيهم، وكان ذلك التمييز واضحًا في الأجور، وساعات العمل، ونظام الإجازات على وجه الخصوص.
وعندما نزل أحمد طه سوق العمل — في نهاية الأربعينيَّات — كانت مصر تمُوج بحركة سياسية وطنية ناشِطة، تطالب بالتخلُّص من رِبقة معاهدة ١٩٣٦م، التي وضعت مصر ومواردها وشعبها في خدمة «الحليفة» بريطانيا في حربٍ عاد غُنمها على الحلفاء، وبقي غُرمها للمصريين.
ولذلك نشطت التنظيمات السياسة الرافضة للممارسات السياسية للأحزاب الليبرالية التقليدية التي تقلَّبت على الحكم في ظل دستور ١٩٢٣م، تجاه القضية الوطنية (الاستقلال الوطني)، وقضية الإصلاح الاجتماعي، ونعني بها المنظمات الشيوعية، ومصر الفتاة، والإخوان المسلمين. فما إن وضعت الحرب أوزارها في ١٩٤٥م، حتى عمَّت مصر — من أقصاها إلى أقصاها — حركة تطالب بالاستقلال التام، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وكانت حركات الرفض السياسي والطليعة الوفدية في مقدمتها.
وهكذا أضاف أحمد طه إلى وعيه بما لهيمنة رأس المال الأجنبي من خطرٍ على مصر، وعيًا أعمق بأصل هذه الظاهرة، وهو الوجود الاستعماري البريطاني في مصر، وكان طبيعيًّا أن يختار الوقوف في خندق اليسار، ورغم اختياره النضال في صفوف الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني، إلا أنه كان حريصًا على الالتحام بالجناح اليساري للحركة العُمالية، والتعاون مع النقابيِّين من الفصائل الشيوعية الأخرى من أجل تحقيق الأهداف المشتركة للحركة العُمالية المصرية.
ولا أعرف — تحديدًا — متى انضم أحمد طه إلى «حدتو»، فلم أسأله عن ذلك — وكان الرجل لا يحب الكلام عن نفسه — ولكننا نجده بين الكوادر الناشِطة التي شاركت في تأسيس «مؤتمر نقابات عُمَّال الشركات والمؤسِّسات الأهلية» الذي تكوَّن في ديسمبر ١٩٤٥م، فقد كان قانون الاعتراف بنقابات العمال الصادر في ١٩٤٢م يحرِّم تشكيل اتحاد عام لنقابات العُمال، ومن ثَم كان التحايُل على القانون بإطلاق اسم «مؤتمر» على تجمُّع ما يزيد على ٢٥ نقابة من نقابات عُمال القاهرة في قطاعات النقل والصناعة والخدمات في شكل اتحاد هدفه المطالبة بتحسين أحوال العمل والعُمال، وخاصةً مواجهة مشاكل الغلاء وانخفاض الأجور والبطالة، وعدم توافر التشريعات التي توفر الحماية للعُمال، وتؤمِّنهم ضد مختلف الأخطار.
•••
وتم اختيار محمد يوسف المدرك عضوًا بمجلس الاتحاد العالمي للنقابات، كما تجدَّد انتخابه — مرة أخرى — في المؤتمر الثاني الذي عُقِد بميلانو في يوليو ١٩٤٩م، رغم غيابه وعدم وجود غيره ممثِّلًا لمصر في ذلك المؤتمر، أما المؤتمر الثالث الذي عُقد في برلين عام ١٩٥١م فقد شارك فيه أحمد طه وحسن عبد الرحمن ممثِّلَين «للجنة التحضيرية للاتحاد العام لنقابات عمال مصر».
وخلال تلك السنوات الست (١٩٤٥–١٩٥١م) كان أحمد طه — الشاب الذي بدأ نضاله النقابي مع عُمال ماركوني — قد أصبح كادرًا نقابيًّا متميزًا بفضل الخبرات التي اكتسبها من العمل النقابي والسياسي في تلك الفترة.
لم يقتصر دور «مؤتمر نقابات عُمال الشركات والمؤسسات الأهلية» — الذي كان أحمد طه من بين قياداته — على تبنِّي المطالب العُمالية فحسب، بل شارك في العمل السياسي المُطالِب بتحقيق الاستقلال الوطني، وانضم «المؤتمر» إلى «اللجنة الوطنية للعُمال والطلبة»، ومن ثَم اشترك في تنظيم الإضرابات التي دعت إليها اللجنة، ومن بينها إضراب «يوم الجلاء» (٢١ فبراير ١٩٤٦م)، وطالب المؤتمر من خلال نشرته التي كان يُصدرها تحت اسم «المؤتمر» بتحقيق الجلاء عن وادي النيل، وتخليص الاقتصاد الوطني من السيطرة الأجنبية، وبيَّن للعُمال أن الكفاح ضد الاستعمار يؤدي إلى تحقيق المَطالِب الاقتصادية والاجتماعية لهم، وأن «انتصار قضية الوطن انتصارٌ لقضية العمال».
وكان التحام «مؤتمر نقابات عُمال الشركات والمؤسسات الأهلية» بالنضال السياسي الوطني عام ١٩٤٦م، مشجعًا لتوسيع نِطاقه، وتحويله إلى تنظيمٍ يضم جميع نقابات العُمال في مصر؛ فأعلن «المؤتمر» عن تنظيم احتفالٍ كبير بعيد العُمال في الأول من مايو ١٩٤٦م، يعلن فيه تأسيس «مؤتمر نقابات عُمال مصر» وعبثًا حاولت الحكومة إجهاض المحاولة بمحاصرة مقر الاجتماع، ومنع العُمال من دخوله، فتم عقد الاجتماع في مكانٍ بديل؛ حيث أُقرَّت لائحة التنظيم الجديد، وبدأ المؤتمر ينظم حركةً للمطالبة بتحقيق الجلاء التام «سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا عن وادي النيل»، والمطالبة بتحسين الأجور، ومكافحة البطالة والتأمين ضدها، والإفراج عن المعتقلين من القادة النقابيين.
وسعت اللجنة التنفيذية للمؤتمر لتنفيذ إضرابٍ عام (في ٢٥ يونيو ١٩٤٦م) إذا لم تستجِب حكومة إسماعيل صدقي باشا لمطالبهم، ولكن الحكومة نجحت في إقناع عُمال النقل بالعدول عن فكرة الإضراب، على وعدٍ ببحث مَطالِب العُمال والاستجابة لها، وبذلك فشلت محاولة الإضراب العام. ثم جاءت ضربة ١١ يوليو ١٩٤٦م عندما ألقت حكومة صدقي القبض على كل العناصر الناشطة في الحركة السياسية من المثقفين والطلبة والعُمال على اختلاف انتماءاتهم وتوجُّهاتهم السياسية، وكان قادة «مؤتمر نقابات عُمال مصر» من بين المعتقلين، وبذلك تم القضاء على تلك المحاولة التي استهدفت إقامة تنظيمٍ موحَّد لقيادة الحركة العُمالية.
كان أحمد طه — المناضل الشاب — طرفًا في تلك الأحداث، شريكًا فيها في حدود موقعه بين عناصر الصف الثاني من القيادات النقابية، ولكنه برز إلى الصف الأول في المحاولة الثانية التي تزعَّمتها كوادر «حدتو» لتأسيس اتحاد عام للعُمال، فكان من قيادات «اللجنة التحضيرية للاتحاد العام لنقابات العمال بالقطر المصري» التي شُكِّلت عام ١٩٥١م، ورفعت المطالب المزمنة للعُمال، والمتعلِّقة بالأجور وساعات العمل، وتشريعاته، إضافةً إلى الاعتراف القانوني بحق الإضراب العام باعتباره حقًّا مشروعًا، والاعتراف بحق العُمال في إقامة اتحادٍ عام يجمع شمل النقابات، ويدافع عن مصالحهم.
وكان أحمد طه من بين القيادات التي نشطت لحشد النقابات وراء هذه اللجنة، فتم ضم أكثر من مائة نقابة إليها، وتحدَّد مساء الأحد ٢٧ من يناير ١٩٥٢م لعقد مؤتمر عام بمقر نقابة عُمال ترام القاهرة، لتبادُل الرأي حول النظام السياسي، وكانت النيَّة متجهةً إلى إعلان تأسيس «الاتحاد العام لنقابات عُمال القُطر المصري».
وكانت الأحداث تخبِّئ ما لم يكن في الحسبان، فقد شبَّ حريق القاهرة في صباح السبت ٢٦ من يناير عام ١٩٥٢م، وأُعلنت الأحكام العرفية، وبذلك أصبح انعقاد المؤتمر مستحيلًا، وخاصة أن السلطات ألقت القبض على معظم زعماء النقابات وقادة اللجنة التحضيرية، وأفلت أحمد طه من الاعتقال ليُشارك بعض زملائه إصدار بيان باسم «اللجنة التحضيرية» وتوزيعه، يستنكر فيه حريق القاهرة، وينبِّه إلى أن أعمال التخريب والشغب لا تخدم إلا الاستعمار، وأنه «لا سبيل إلى إجلاء الاستعمار إلا بالكفاح الإيجابي والمحدَّد الأهداف، وبتوحيد الصفوف.»
•••
قامت ثورة يوليو ١٩٥٢م، وكان من بين المحاكمات التي تمَّت في شهورها الأولى محاكمة قتلة «الشهيد عبد القادر طه» الملازم الفني، عضو الضباط الأحرار، وشقيق أحمد طه، وجاءت الإنجازات الأولى للثورة، وما أعلنته من مبادئ محقَّقة لمَا كافح مِن أجله أحمد طه وجيله من المناضلين النقابيين، ولكنَّ الطريقة التي عُومِل بها عُمال كفر الدوار عام ١٩٥٣م، وإعدام خميس والبقري، وتغيُّر موقف «حدتو» من مساندة «حركة الجيش» إلى اتهامها بالفاشية، وارتباط أحمد طه بالتنظيم؛ جعله يتعرض للاعتقال طَوال عَقد الخمسينيات، لا يترك المعتقل إلا هاربًا تارة، ومفرجًا عنه أخرى، حتى كانت سنوات الاعتقال الخمس التي التقيتُ به بعدها بشهورٍ قلائل.
•••
ولكن سنوات السجن لم تزِده إلا صلابةً، واستمرارًا في النضال الوطني بطريقته الخاصة، وعندما بدأ مشروعه الصغير الذي لم يُقدَّر له النجاح أو الاستمرار، وهو «دار الجماهير للنشر» بدأ بكتابَين؛ أحدهما بعنوان «المرأة: كفاحها وعملها»، تناول فيه قضية المرأة ودورها في العمل الوطني، ونصيبها من سوق العمل ونضالها النقابي. والكتاب الآخر شاركه في تأليفه بعض زملائه من «حدتو»، وحمل عنوان «الطبقة العاملة والكفاح السوداني المصري المشترك».
ولا أعرف شيئًا عن الظروف التي دفعته إلى التوقُّف عن المُضي قُدمًا في المشروع، ولكني أستطيع أن أتصوَّر المضايقات التي قد تتعرَّض لها مثل هذه الدار، وخاصة أنها كانت مُلتقى رِفاق نضال الأربعينيات.
وتمضي السنوات، وأحمد طه لا يكفُّ عن العمل العام، فكان من بين المؤسِّسين الأوائل لحزب التجمُّع، ثم فترت علاقته به لظروفٍ ما، وظهر اسمه بين مؤسِّسي «الوفد الجديد»، ولعل ذلك يرجع إلى وجود بعض كوادر «الطليعة الوفدية» بين المؤسِّسين، وعندما اختلفوا مع فؤاد سراج الدين حول طريقة إدارته للحزب تركوه، وكان أحمد طه في مقدِّمتهم.
وأخيرًا، رأى الرجل أن يعمل مستقلًّا في خدمة أبناء حي الساحل الذي قضى حياته كلها فيه، وعندما رشَّح نفسه في أول انتخاباتٍ تعدُّدية تم إجراؤها في عهد أنور السادات؛ اختار أن يرشِّح نفسه مستقلًّا، ولكنه ظل ينسِّق مواقفه داخل المجلس مع ممثِّلي اليسار، وخاصة في معارضة كامب ديفيد، ومعاهدة السلام مع إسرائيل والتطبيع، وضاقت الحكومة ذرعًا بمواقفه واستجواباته، فلفَّقت له قضية تخابُر مع بلغاريا، ووقف وزير الداخلية ليعلن بيانًا زعم فيه أن لدى الحكومة أدلة دامغة على الاتهام، وتم القبض عليه، وإلقاؤه في سجن القلعة مع بعض رِفاقه حتى تكتمل ملامح القضية.
ولم تهُن عزيمة أحمد طه، فرشَّح نفسه في الانتخابات بدائرة الساحل وهو في السجن، واكتشف بعد خروجه من السجن — عندما برَّأ القضاء المصري النزيه ساحته، وساحة زملائه — أنه نجح في المرحلة الأولى، وأنَّ النتيجة زُوِّرت لتتم الإعادة بالدائرة، وهو الهدف الحقيقي من تلفيق قضية التخابر له، لإبعاده عن مجلس الشعب.
ولكن النفس التي جُبلت على النضال جعلته يخوض الانتخابات معتمدًا على رصيده الكبير في خدمة الجماهير، الذين عاش بينهم طَوال حياته؛ فاستعاد مقعد الدائرة بمجلس الشعب، وظل يلعب دور المعارِض الوطني الملتزم بقضايا أمَّته طَوال وجوده بالمجلس.
وعلى صعيد العمل العام أسَّس «جمعية الشهيد للإسكان التعاوني» وقام ببناء عمارات سكنية تعاونية حقة، ولم يتخذ منها — كما فعل غيره — وسيلة للإثراء غير المشروع، بل اتخذ منها رسالة لخدمة أبناء دائرته؛ ولذلك خرج أبناء الساحل عن بكرة أبيهم لوداعه يوم الرحيل، تاركًا ذكرى عطرة لإنسانٍ نبيل، أوقف حياته لخدمة جماهير شعبه بإخلاصٍ.