صوت الجماهير١

صدر — الأسبوع الماضي — العدد الألف من «الأهالي» دون أن نشعر بأهمية هذا الحدث المهم، الذي تحتفي به الصحف عادةً، فتُعد العُدة لتَخرج إلى القراء بمظاهر احتفالية ذات طابعٍ خاص؛ فقد شُغلَت «الأهالي» في عددها الألف بمتابعة المعركة الانتخابية التي استطاع فيها «التجمُّع» أن يحقق مكاسب مهمة، رغم ما تعرَّض له مرشَّحوه من حصار، وما شاب المعركة من تجاوزات حالَت بين الناخبين وبين ممارسة حقهم الدستوري في انتخاب من يرَون فيه الأهلية لتمثليهم.

شُغلَت «الأهالي» — كعادتها — بالدفاع عن حق الجماهير في اختيار ممثِّليهم باعتباره متطلبًا أساسيًّا للديمقراطية، وشُغلنا معها بمتابعة إصرار الحكومة على بيع الترام للجماهير، لتعزِّز سيطرتها على مجلس الشعب بدعوى فوز حزبها بالأغلبية، رغم ما مُني به مرشَّحوه ورموزه من هزائم مُهينة في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات، بضم من لم يرشحهم الحزب أصلًا، وتقدَّموا كمستقلين، وانتُخبوا على هذا الأساس، وبذلك قاموا — عيانًا جهارًا — بأكبر عملية «نصب» في تاريخنا السياسي المعاصر، باركتها الحكومة.

ولكن حق «الأهالي» علينا يُلزمنا بأن نقدِّم لها باقةً من التقدير والعرفان بمناسبة صدور العدد الأول بعد الألف، ﻓ «للأهالي» علينا — باعتبارنا جماهير هذا الشعب الصابر الصامد — حقُّ العرفان بالفضل، فمنذ صدورها الأول قبل ٢٢ عامًا عبَّرت «الأهالي»، بصدقٍ وأمانة ونزاهة، عن مصالح الجماهير العريضة؛ العُمال والفلاحين والرأسمالية الوطنية، في مواجهة سياسة «الانفتاح» الخرقاء التي فرضها أنور السادات، وما ترتَّب عليها من أزمةٍ اجتماعية، لا تزال تتفاقم مع استمرار السياسات الاقتصادية الرامية إلى وأد القطاع العام، والتخلُّص منه لصالح الرأسمالية العالمية — وليس الوطنية — تحت مختلف الدعاوى والتبريرات.

ورغم الحصار الذي ضربه السادات حول «الأهالي»، وضربات المُصادَرة التي تعرَّضت لها، وتعرُّضها للتوقُّف عن الصدور، ظلَّت «الأهالي» صوتًا للجماهير يعبِّر عن آمالها وآلامها؛ تناضل ضد تبديد الثروة القومية، وضد تبديد المكاسب التي تحققت للجماهير على يد ثورة يوليو، وتقف في وجه سياسة إفقار المصريين، وتعمل على حماية مصالح المستضعَفين، في وجه موجة الفساد التي أصابت بالتلوث الشديد حياتنا الاجتماعية والسياسية؛ فألقت أضواءً كاشفةً على مختلف مظاهر الفساد، وفضحت أساليبه وأدواته وأصحابه دون مواربة أو مداراة.

ولم تكتفِ «الأهالي» بذلك الدور المهم في تاريخنا السياسي المعاصر، فحملت راية الدفاع عن المصالح القومية، وناضلت على صفحاتها أقلام المناضلين الشرفاء ضد الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية، وتعاملت معها باعتبارها قضية الأمن القومي العربي، كما حملت شُعلة الدفاع عن الثقافة الوطنية بإيمانٍ وإصرارٍ في وقت تعرَّضت فيه الثقافة الوطنية للتشويه الذي يخدم الحلول التصفوية للقضية القومية.

وناضلت «الأهالي» نضالًا متصل الحلقات ضد الإرهاب الذي يُداري سوءاته وراء شعاراتٍ إسلامية، وبيَّنت لقرائها فساد دعواه، وكشفت دوافعه وروابطه وأهدافه المشبوهة، وأقامت الصحيفة من نفسها قلعةً حصينةً للدفاع عن الوحدة الوطنية، ومقاومة كل المحاولات الرامية إلى العبث بها، وكشف كل من يحاول التفرقة بين المصريين على أساس الدين، والتمسُّك بالوحدة الوطنية تعبيرًا عن مصالح شعبنا، واستنادًا إلى تاريخٍ متصل الحلقات من العمل الوطني، والنضال الشعبي، والثقافة الوطنية التي تعبِّر عن تلاحم المصريين؛ بغض النظر عن الدين، فالمعتقد الشعبي واحد، عبَّر عنه المصريون في إطار المسيحية والإسلام على السواء.

تحيةً «للأهالي» — صوت الجماهير — بمناسبة صدور العدد الواحد بعد الألف، وتحيةً خاصةً لرؤساء التحرير الذين حملوا عبء إصدارها، والأقلام الحرة الشريفة التي عبَّرت على صفحاتها عن آمال الجماهير وآلامها، من أجل مستقبلٍ أفضل لوطننا العزيز.

١  الأهالي، ٢٢ من نوفمبر، ٢٠٠٠م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥