الخطر الإسلامي أسطورة أم حقيقة؟
شهد العَقدان الأخيران فيضًا من الكتابات التي سطَّرتها أقلام كُتاب من الغرب بمختلف اللغات، تُعنى برصد ظاهرة «الإسلام السياسي»، أو «الإحياء الإسلامي»، أو «المد الأصولي الإسلامي»، أو «الخطر الأخضر»، وتحليلها إلى غير ذلك من مسميات تداوَلها أولئك الكُتاب على اختلاف مواقعهم السياسية وانتماءاتهم الفكرية، وحظِّ كلٍّ منهم من المعرفة بالظاهرة التي يتصدَّى لدراستها، ومدى علمه بالثقافة التي تعبِّر عنها هذه الظاهرة.
وبين هذا الفيض الزاخر من الكتابات الغربية عن الإسلام عامةً، وحركة الإحياء الإسلامي خاصةً، يقف جون إسبوسيتو نموذجًا فريدًا لعالِم ضالته الحقيقة، وأمله إقناع قومه بها، وتجاوز اهتمامه بالقضية الحدود الأكاديمية التقليدية؛ فاستطاع أن يُنشئ بجامعة جورج تاون بالولايات المتحدة «مركز التفاهم الإسلامي-المسيحي»، وأصبح مديرًا له، ووقف جهده على تبنِّي النشاط البحثي الذي يخدم التقارُب بين الإسلام والغرب، وإبراء ساحة الإسلام من الطبيعة العُدوانية التي يصِمه بها الكثير من كُتَّاب الغرب.
وجون إسبوسيتو — أستاذ الأديان والعلاقات الدولية بجامعة جورج تاون — قسٌّ كاثوليكي يسوعي (جزويت)، تخصَّص في دراسة الإسلام؛ تاريخه، وحضارته، وشعوبه، نُشر له — على مدى ما يزيد قليلًا على عَقدين من الزمان — ستة كتب عن الإسلام هي: «الصراط المستقيم» الذي يُلقي فيه نظرةً شاملةً على الإسلام كدينٍ وحضارة، و«الإسلام والسياسة» الذي حلَّل فيه ظاهرة الإسلام السياسي، وصحَّح الكثير من المفاهيم الغربية الخاطئة حولها، و«الإسلام في آسيا» تناول فيه ظاهرة الخصوصية والتنوع التي تميِّز الثقافة الإسلامية، ثم «دعاوى الإحياء الإسلامي» وهو كتاب يضم بحوث ندوة عُقدَت في أوائل الثمانينيات، وشارك فيها إسبوسيتو، وتولَّى تحرير الكتاب، وكذلك كتابه «المرأة في الشريعة الإسلامية» الذي ألقى فيه الأضواء على ما تميَّز به الإسلام مقارنةً بالثقافة الغربية في القرون الوسطى، وصحَّح الكثير من الأخطاء التي شاعت في الغرب حول هذه القضية، وأخيرًا وليس آخرًا، كتابه «الخطر الإسلامي: أسطورة أم حقيقة» الذي نعرض لأبرز أفكاره اليوم، وهو محاولة صادقة من المؤلف لتفريغ مقولة المواجهة الإسلامية المرتقَبة مع الغرب من محتواها، على أسسٍ علمية، تقوم على الفهم العميق لمختلف أبعاد ظاهرة الإحياء الإسلامي. وقد نُشر الكتاب عام ١٩٩٢م، وقوبل في الدوائر العلمية والسياسية الغربية باهتمامٍ شديد، وما لبثت أن صدرت طبعته الثانية المنقَّحة في عام ١٩٩٥م، وهي التي نعرض لها في هذا المقال. بقي أن يعلم القارئ الكريم أن المؤلف من بين مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية فيما يتصل بشئون العالَم الإسلامي.
بين الأصولية والتعصُّب
ويستهل إسبوسيتو كتابه بطرح عددٍ من الأسئلة: هل يتجه الإسلام والغرب إلى مواجهة لا مفرَّ منها؟ هل يُعَد المسلمون الأصوليون متعصبين تعصُّب أهل العصور الوسطى؟ هل يتعارض الإسلام مع الديمقراطية؟ هل الإسلام الأصولي يهدِّد الاستقرار السياسي في العالم الإسلامي ومصالح الولايات المتحدة في الإقليم؟
وبعدما يُعدِّد ما يُروَّج في الإعلام الغربي من أفكارٍ مبالغ فيها (على حد تعبيره) عن الخطر الإسلامي، والصراع المتوقع بين الإسلام والمسيحية كحضارتين متناقضتين، يعلن المؤلف لقرَّائه أن الهدف من الكتاب وضع ما يُسمَّى بالتحدي أو الخطر الإسلامي في إطاره الحقيقي، ومناقشة حيوية الإسلام كقوة دولية، وتاريخ علاقته بالغرب، ويبيِّن أن البلاد الإسلامية — وكذلك الحركات الإسلامية — تتسم بالتنوُّع والتبايُن في سياساتها وأيديولوجياتها وتوجُّهاتها التنظيمية، وخططها وسياساتها الخارجية فيما يتصل بالإحياء الإسلامي، كذلك يهدف الكتاب إلى دراسة القضايا التي تواجه الإسلام والغرب في التسعينيات، والتحدي أو التهديد المحتمَل للغرب من جانب الإسلام، على ضوء مسألة سلمان رشدي، وحرب الخليج ١٩٩٠-١٩٩١م، والنظام العالمي الجديد، وتحديات التحوُّل الديمقراطي في العالم الإسلامي، لنتبيَّن حقيقة احتمالات الصراع أو التعاون بين الإسلام والغرب.
ولما كان الكتاب موجَّهًا إلى القارئ الغربي؛ فقد اهتم المؤلف بشرح أبعاد الحركات الإسلامية المعاصرة باعتبارها حركاتٍ نبعت من عجز البلاد الإسلامية عن حل مشكلات التنمية، بما ترتب على ذلك من أزمات اجتماعية، جعلت فكرة طرح البديل الإسلامي واردةً، ولكن منظور تلك الحركات للبديل الإسلامي تنوَّع من الإصلاح إلى الثورة. وتتبَّع المؤلف جذور علاقة الإسلام بالغرب في التجربة التاريخية، وكيف تأرجحت تلك العلاقة بين الصراع، والتعاون، والمواجهة (كما حدث في الحروب الصليبية) ثم ما ترتب على الهيمنة الغربية في عصر الاستعمار من رد فعل من جانب المسلمين، الذين رأوا في الاستعمار الغربي لونًا جديدًا من ألوان العدوان الصليبي.
وانتقل المؤلف من تلك الخلفية التاريخية الطويلة إلى الحديث عن الحركات السياسية الإسلامية وجذورها الفكرية عند السيد جمال الدين الأفغاني، والاتجاه الإصلاحي عند الشيخ محمد عبده وتلاميذه، ثم دعوة محمد رشيد رضا، وتأثُّر حسن البنَّا بها، وتأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر، وحركة الجماعة الإسلامية في باكستان، ثم ألقى نظرة بانورامية على الحركات الإسلامية من المغرب إلى جنوب شرق آسيا (إندونيسيا وماليزيا) مرورًا بإيران والثورة الإيرانية.
فقدم رؤيةً كاشفة استغرقت خمسة من فصول الكتاب الستة، تدرَّجت بالقارئ من هامش القضية إلى قلبها، ومن ظاهرها إلى جوهرها، ليصل المؤلف به إلى فهم محدَّد للظاهرة يؤكد اتِّسامها بالتنوع، فلا توجد صيغة واحدة للإسلام على نحو ما يشيع في الغرب، بل هناك صيغٌ مختلفة، ولا توجد حركة موحَّدة للإحياء الإسلامي، وإنما هناك حركات عدة، تتباين مع بعضها البعض بتبايُن ظروف بلادها، فتعبِّر كلٌّ منها عن واقعها الوطني، وتجتهد للبحث عن حلولٍ لقضاياها، بل تتنوَّع الحركات الإسلامية في البلد الواحد وتتصارع فيما بينها.
كما يخلص القارئ إلى أن كوادر الحركات الإسلامية جاءت — في الغالب — من المتعلمين تعليمًا حديثًا (غربيًّا) من أبناء الطبقة الوسطى، وأن معظمهم يتبع تكتيكات سياسية ذات أصولٍ غربية، ولا يتردَّدون في التعاون مع قُوى المعارضة العلمانية في بلادهم في حالة الأزمة. ورغم اتسام بعض تلك الحركات بالعنف والإرهاب — كما هي الحال في إيران والجزائر وأفغانستان وباكستان — فإن ذلك العنف يعبِّر عن ظروف تلك البلاد في مراحل معينة من تاريخها المعاصر؛ فهناك إلى جانب الجماعات التي تمارس العنف والإرهاب، جماعات أخرى تتخذ طابعًا اجتماعيًّا-سياسيًّا، وتستخدم أدوات الصراع السياسي المعروفة في الغرب.
الإسلام والغرب
ويصل المؤلف بنا إلى الفصل السادس والأخير، الذي يجيب فيه عن الأسئلة التي طرحها في مطلع الكتاب، وهو أكبر فصول الكتاب (٧٥ صفحة، يمثِّل نحو ٣٠٪ من حجم الكتاب)، واختار له عنوان «الإسلام والغرب: هل هو صراع حضارات؟» وهو فصل مهم يعكس رؤية إسبوسيتو للحركة الإسلامية المعاصرة وفكره، ولما كان الرجل — على نحو ما رأينا — من مستشاري الخارجية الأمريكية في شئون العالم الإسلامي، فإن هذا الفصل يستحق منا أن نقف أمامه وقفةً طويلةً في هذا المقال.
ينتقد المؤلف منهج الغرب (يقصد أمريكا طبعًا) في التعامل مع الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة باعتباره «إمبراطورية الشر»، وما ترتَّب على ذلك من تحمُّل الاقتصاد الغربي تكاليف باهظة لمواجهة الخطر السوفييتي، الذي اتضح — فيما بعد — أنه كان وهمًا؛ فقد جعلت تلك النظرة الأُحادية ساسة الغرب وخبراءه يعمون عن رؤية عوامل التفسُّخ والتحلُّل، ليتبيَّن في نهاية الأمر أن «إمبراطور الشر» كان عاريًا تمامًا.
ويحذِّر إسبوسيتو قومه من أن تجرَّهم أحداث العالم الإسلامي إلى الموقف السابق نفسه، فيتصورون الاسلام خطرًا مُحدقًا بالغرب، ويرَون في الإحياء الإسلامي تهديدًا بقيام جامعة إسلامية عالمية موحَّدة تحيي العداء التاريخي للغرب، وتسعى إلى مواجهته، ومن ثَم يندفع الغرب إلى تأييد النظم العلمانية في العالم الإسلامي ودعمها مهما كان الثمن، ومهما بلغت درجة استبداد تلك الأنظمة السياسية وفسادها، بدلًا من تحمُّل مخاطر قيام أنظمة جديدة بتلك البلاد ذات توجُّه إسلامي، ويؤدي ذلك — في رأي المؤلف — إلى النظر إلى الاستقرار السياسي في العالم الإسلامي من خلال الحفاظ على الأوضاع الراهنة فيه، مهما تناقضت مع القيَم الديمقراطية، وحق تقرير المصير، والمشاركة السياسية، وحقوق الإنسان.
ويرى المؤلف أن مزيجًا من الجهل والمبالغة، واستدعاء إحَن الماضي والإرث التاريخي المُشرَّب بالتعصُّب الديني-الثقافي يُعمي أبصار ساسة الغرب وعلمائه — حتى من كان منهم حسن النية — عند التعامُل مع العالم العربي والعالم الإسلامي، وكذلك الحال بالنسبة لكوادر الحركات الإسلامية عند تعامُلهم مع الغرب.
هذا الموقف الانتقائي من جانب معظم الكُتَّاب والساسة والأكاديميين الغربيين عند تحليل الحركة الإسلامية يستبعد الدوافع التي تشير إليها عناصر الحركات الإسلامية (ومعهم أغلب العرب والمسلمين) عند انتقادهم للغرب ورفضهم له، مثل الإمبريالية، وتحيُّز أمريكا لإسرائيل، ودعم الحكومات الغربية للأنظمة الاستبدادية (شاه إيران، تونس، نظام النميري في السودان، لبنان). ويركز هؤلاء على القول بأن الحركات الإسلامية نتاجٌ للصراع الحضاري والتعصُّب الديني الغاشم.
التخلُّص من الهيمنة الإمبريالية
كذلك تحرص إسرائيل على إقناع الغرب بقُدرتها على دفع الخطر الإسلامي المرتقَب عنه، بعد ما سقطت حُجتها السابقة بأنها تقف سدًّا منيعًا ضد انتشار الشيوعية بالشرق الأوسط بعد سقوط الشيوعية، وبذلك تلتقي مصالح بعض الدول الغربية مع إسرائيل في التضخيم من (الخطر الإسلامي)، وإضفاء الصفة (العالمية) عليه استدرارًا لمعونات الغرب، وجذبًا لدعمه السياسي.
ويرى المؤلف أن مقولة «الجامعة الإسلامية» أسطورة أثبت التاريخ عدم صحتها؛ فالبلاد التي يضمُّها ما يُعرَف بالعالم الإسلامي تتنوَّع، وتتباين، بل وتتناقض عن بعضها البعض، وعوامل التفكُّك في العالم الإسلامي تفوق عوامل الوحدة. ويضرب مثلًا لذلك بما تتمتع به الولايات المتحدة من علاقاتٍ طيبة حميمة مع السعودية ومصر والكويت وباكستان ودول الخليج العربي، رغم علاقاتها السيئة مع ليبيا وإيران، وكذلك عجز منظمة المؤتمر الإسلامي عن التوصُّل إلى موقفٍ موحَّد في قضايا: فلسطين، وأفغانستان، وحرب الخليج، والبوسنة؛ فالمصالح الوطنية والأوضاع السياسية الإقليمية تلعب دور المحدِّد الرئيس للسياسات الخارجية لبلاد العالم الإسلامي، وليس الأيديولوجية أو الدين، وهي بذلك عامل فُرقة لا اتحاد؛ مما يُسقِط أسطورة «الجامعة الإسلامية» التي تثير مخاوف الغرب.
ويتنقل المؤلف بعد ذلك إلى مناقشة مقولة «صراع الحضارات» فيرى أن النظرة إلى الإسلام باعتباره نقيضًا للحضارة الغربية، وأن الصدام محتومٌ بينهما، إنما تتصوَّر أن الإسلام أُحادي الصيغة، وتعمى عن طبيعته التعدُّدية، وعن التنوُّع الذي يميز العالم الإسلامي؛ فهي تنظر إلى الإسلام والمسلمين من خلال منظار آية الله الخميني والثورة الإيرانية التي أثَّرت تأثيرًا بالغًا على رؤية الغرب عامة، والشعب الأمريكي خاصةً للإسلام والعالم الإسلامي، ومن ثَم النظر إلى الصراعات السياسية في السودان، ولبنان، والبوسنة، وأذربيجان، على أنها صراعات إسلامية-مسيحية بالدرجة الأولى، وإغفال القضايا السياسية التي تكمن وراء تلك الصراعات (القومية، حق تقرير المصير، الاستقلال)، والقضايا الاجتماعية المرتبطة بها.
وبعد مناقشة مستفيضة لفكرة «صراع الحضارات»، كما طرحها هنتنجتون، يدحض مقولة الأخير عن الاختلاف في العقائد والقِيَم بين الحضارات الإسلامية والحضارات الغربية (المسيحية-اليهودية) كأساسٍ للصراع المرتقَب، وأكد أن الإسلام والمسيحية واليهودية تحمل الكثير من القسمات المشتركة بغض النظر عن اختلاف العقائد والقيم، وأنه رغم الصراعات التاريخية التي اتَّسمت بالعنف والمواجهة، فإن ذلك يمثِّل جانبًا واحدًا من الصورة، وليس الصورة كلها؛ إذ كان التداخُل الإيجابي والتأثير المتبادَل قائمًا على قدمٍ وساق بين الإسلام والمسيحية واليهودية على مر تلك العصور، وأن الغرب مدينٌ للحضارة الإسلامية بالكثير من المعارف والعلوم التي انطلقت منها نهضته الحضارية لتُخرجه من ظلام العصور الوسطى، كما يَدين العالم الإسلامي للغرب بالدرجة نفسها بالكثير من المعارف والعلوم والخبرات التي انتقلت إليه في العصر الحديث من المغرب.
التغيير في القرن ٢١
وتقدِّم التسعينيات — في رأي المؤلف — اختبارًا لقدرة المحلِّلين السياسيين وصُناع السياسة على التمييز بين الحركات الإسلامية التي تمثِّل تهديدًا للغرب، وتلك التي تمثِّل محاولات إصلاحية وطنية شرعية تعمل لإعادة توجيه مجتمعاتها، والتمييز بين أهداف السياسة الخارجية قصيرة المدى، والمصالح بعيدة المدى، وبين مخاوف التهديد الإسلامي والحقائق التي تنافي ذلك.
ويرى إسبوسيتو أن صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومصداقيتها سوف تتأثر في العقد القادم (العقد الأول من القرن ٢١) بقدرة الحُكام المسلمين على الاستجابة للأصوات الداعية للتغيير في بلادهم بدعم الثقافة السياسية، والقيم والمؤسسات التي توسِّع دائرة المشاركة السياسية، وتُقوِّي دعائم المجتمع المدني، كما تتأثر بقدرة صُناع السياسة في الغرب على الأخذ بالرُّؤى المقارنة، التي تعترف بتعددية صِيَغ الإسلام السياسي، وتحرص على التعامل معها بطُرقٍ مختلفة.
فالحركة الإسلامية المعاصرة تمثِّل تحديًا وليس خطرًا، تحديًا يدعو الغرب إلى تفهُّم التعددية والتنوع في التجربة الإسلامية، ويدعو الحكومات في البلاد الإسلامية إلى الاستجابة للمطالب الشعبية بالليبرالية السياسية، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية الشعبية، والقبول بحركات المعارضة السلمية بدلًا من قمعها، وبناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية، كما يدعو الدول الغربية إلى الوقوف إلى جانب القيم الديمقراطية؛ فتميز بين الحركات الشعبية الأصيلة، والحركات الثورية العنيفة، والاعتراف بحق الشعوب في تقرير طبيعة حكوماتها، واختيار حُكَّامها؛ فالخلافات بين المجتمعات الغربية والمجتمعات الإسلامية ترجع إلى تبايُن المصالح السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، ولا ترجع إلى مقولة «صِدام الحضارات».
ويذهب المؤلف إلى أن الكثير من المسلمين يرَون في الإحياء الإسلامي حركاتٍ اجتماعيةً أكثر من كونها سياسية، هدفها إقامة مجتمع ذي توجُّه إسلامي، ولكنها لا تسعى — بالضرورة — إلى إقامة دولة إسلامية، بينما يرى آخرون أن إقامة المجتمع الإسلامي تقتضي قيام دولة إسلامية، وعلى حين يدعو البعض إلى العنف والثورة يرى الآخرون عكس ذلك.
والإسلام ومعظم الحركات الإسلامية ليست مُعادية، بالضرورة، للغرب أو أمريكا أو الديمقراطية، وإذا كانت الحركات الإسلامية تمثِّل تحديًا للنظام القائم، وللأنظمة الأوتوقراطية، فهي لا تهدد — بالضرورة — المصالح الأمريكية. ويرى المؤلف أن التحدي الحقيقي الذي يواجِه الغرب هو السعي لفهم التاريخ، وحقائق العالم الإسلامي فهمًا صحيحًا، وأن يعترف بالتعددية وتنوُّع أشكال الإسلام وصِيَغه، فذلك كفيلٌ بتقليل مخاطر الوقوع في أوهام النبوءات التي صنعها البعض، (مثل مقولة صدام الحضارات) لتأجيج نيران الحرب بين الغرب والإسلام الراديكالي.
•••
تُرى هل كان لجون إسبوسيتو دور في إقناع حكومة بلاده بفتح حوارٍ مع فصائل الحركات السياسية الإسلامية في العالَم الإسلامي عامةً، والعالم العربي خاصةً؛ تحسبًا لما قد تأتي به رياح المستقبل؟ وهل كان ذلك يتمشَّى مع دعوته للتعامُل مع كل حركة على حدة، وفي إطار الظروف الإقليمية، ومن منظور مصالح الغرب والولايات المتحدة تحديدًا؟ إن ما يتواتر من أخبارٍ عن الحوار الأمريكي مع فصائل حركة الإحياء الإسلامي الذي أثار ثائرة نُظم الحكم المتعاونة مع أمريكا يوحي بأن تلك الحوارات تسترشد بالكثير مما طرحه المؤلف في هذا الكتاب.