أزمة الأحزاب١
كشفت الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن وجود أزمة حقيقية تعاني منها الأحزاب المصرية جميعًا، وعلى الرغم من السلبيات الخطيرة التي كشفت عنها الانتخابات، فهناك تصلُّب في شرايين التواصُل بين الأحزاب والجماهير، وقطيعة بين الأحزاب والقواعد الشعبية، أو حتى غياب تام لتلك القواعد.
ولعل جذور هذه الأزمة تعود إلى ميراث التجربة الحزبية منذ نشأتها في ١٩٠٧م، فقد كانت الأحزاب نخبوية لها قيادات، ولكنها ليست تنظيمات قاعدية تسمح للعضو بالصعود من القاعدة إلى القيادة، بما في ذلك «الحزب الوطني» (قبل الحرب الأولى) والوفد المصري (في ظل دستور ١٩٢٣م). وكانت صحف الأحزاب هي أداة التواصُل مع الجماهير، ناهيك عن الحملات الانتخابية، وما تتطلَّبه من تحرُّك «موسمي» بين صفوف الجماهير، واعتمدت الأحزاب على الزعامة الكاريزمية لكسب تأييد الجماهير للحزب: مصطفى كامل، ومحمد فريد (بالنسبة للحزب الوطني)، وسعد زغلول ومصطفى النحاس (بالنسبة للوفد).
ومن اللافت للنظر أن التجربة الحزبية المعاصرة أعادت إنتاج هذه المساوئ التنظيمية البنيوية؛ فقد ورث «الحزب الوطني الديمقراطي» هيكل التنظيم الواحد في المرحلة الناصرية وأداءه، حيث الشِّللية والانتهازية، والصفة البيروقراطية، والاعتماد في التواصُل مع الجماهير على قياداتٍ للجماهير موقفٌ منها. أما أحزاب المعارضة، فقد غرقت في ميراث ما قبل الثورة، وكأن شيئًا في مصر لم يتغير، لا من حيث الأطروحات السياسية (كحالة الوفد والأحرار) فحسب، بل من حيث تأكيد «الزعامة» والاعتماد على الصحيفة كأداة تواصُل مع الجماهير، وعدم الاهتمام الكافي ببناء الهيكل التنظيمي وتربية الكوادر حتى في ظل سلبيات ظروف العمل السياسي طوال ربع القرن الأخير، فشاخت قيادات الأحزاب في مواقعها، وعجزت عن طرح برامج تعبِّر عن ظروف المرحلة الراهنة، وتمثِّل بديلًا لأُطروحات النخبة المهيمنة على حزب السلطة.
ولعل ذلك يفسر الأزمة التي تعاني منها الأحزاب المصرية الآن، فهل وعت الأحزاب درس الانتخابات البرلمانية الأخيرة؟ سؤال مشروع يبحث عن إجابة منطقية مقنعة.