مصر على أعتاب انفجارٍ يفُوق «تسونامي»١
حذَّر المؤرخ الدكتور رءوف عباس من انفجارٍ يفُوق في قوته إعصار «تسونامي» بسبب الأوضاع التي تعيشها مصر حاليًّا، مؤكدًا أن السيطرة على هذا الانفجار أمر مستحيل.
وقال عباس — الذي يعمل أستاذًا للتاريخ بجامعة القاهرة، ويرأس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية: إن تفاقم الأزمات التي تعيشها مصر على الصعيدَين الداخلي والخارجي نتاجٌ لسياسات النظام الخاطئة على مدار أكثر من عَقدَين، الأمر الذي يؤكد — حسب اعتقاده — أن الثورة قادمة لا محالة لإزالة النظام القائم الذي يفتقد الرؤية لعلاج أزماته، مما جعله يسند الملفات الساخنة لجهاز الأمن، كما أكد أن الشواهد تؤكد أن النظام يخطط لتوريث السلطة، وإن كان لا يُتوقَّع قبوله بسهولة قائلًا: إن حدوثه سيكون الِمعوَل الأخير في هدم النظام بأكمله.
واعتبر أيضًا في هذا الحوار مع «المصري اليوم» أن النظام يضبط حركته على إيقاع واشنطن، وأنه يتجاهل سلاح إسرائيل، في حين يحذِّر من البرنامج النووي الإيراني … وفيما يلي نص الحوار:
– نحن نعيش الآن أعراض نهاية عصر، تتبدَّى ظواهره في الكثير من الأزمات المستحكمة، فعندما يستنفد عصرٌ ما كل إمكاناته، ويغيب فيه الإبداع الذي يقدِّم حلولًا للمشاكل تحدث مثل هذه الأزمات، والأمر لا يقتصر على أزمة القُضاة والصحفيين، وأساتذة الجامعات، فمصر كلها في حالة قلق شديد، ليس ناتجًا فقط عن أزمات فئوية، وإنما عن أزمة مجتمع بشكلٍ عام، جاءت نتيجة لتراكم سياسات غير موفَّقة على مدار أكثر من عَقدَين من الزمان؛ فالأزمة الاقتصادية — على سبيل المثال — والتي فشلت كل الاجتهادات في حلها ترتبت عليها أزمات اجتماعية، مثل البطالة، أزمة الإسكان، ارتفاع تكاليف المعيشة، وقفز خط الفقر إلى أعلى، مرورًا بنظامٍ تعليمي فاشل، ودور إقليمي تآكل وعفا عليه الزمان، فلم تَعُد مصر حتى مجرد لاعب ثانوي.
– لا يوجد نظام فردي أوتوقراطي يترك السلطة «بمزاجه»، فهذا النوع من الأنظمة لا يتخلَّى عن السلطة طواعيةً؛ بمعنى أن هناك آليات لتغييره، إما أن يتحرك الشارع والناس، أو أن تتحرك قوًى معينة وتحلها، أو يحلها «ربنا»، أما النظم الديمقراطية التي يوجد بها تبادل للسلطة، فنجد الشعب يضع ثقته في فصيلٍ سياسي معين، وإذا لم يُوفَّق تُحجب عنه هذه الثقة، ويأتي غيره ببرنامجه، عكس النظم الفردية التي تقوم على سلطة الفرد، وعندما تضيق بها الأمور تبدأ في استخدام العِصِي، ثم تغلظ العصي وتتجه إلى القمع أكثر مما تتجه إلى الحوار.
– هناك أشياء تُولَد رغمًا عنا، هناك أشياء تُخلَق، فأنت لم تعِش ثورة ٥٢، أما أنا فعشتها، ولم أكن صغيرًا، بل كنت مستوعبًا للأحداث، ووقتها وصل النظام إلى المأزق الذي نعيشه حاليًّا ذاته، وأصبح القمع هو الأداة، ولم يكن أحد يعرف أين المخرج وفجأة تحرك الجيش، أنت لا تستطيع أن تضمن ماذا سيحدث غدًا، وإن كان المرجَّح حدوثه غدًا هو ثورة شعبية أو انفجار شعبي، لأن قوانين الحركة والسكون في هذا البلد غريبة جدًّا، فدائمًا يُقال إن الشعب سلبي، وإن الناس لا تتحرك، وأنها استمرأت ما يحدث، لكن كلما زادت السلبية كان هذا نذيرًا بانفجارٍ غير محسوب العواقب، أو محدَّد الاتجاه؛ ولذلك لا بد أن تكون هناك أُطروحات للخروج من الأزمة، وقد اقترحت قبل ذلك وجود جماعة وطنية من القُوى المعارضة تناقش كل شيء، ويكون هدفها المصلحة العامة، وليس تولِّي «س أو ص» السلطة.
– الجبهة الوطنية عبارة عن تجمُّع اتجاهي، وأنا على سبيل المثال عضو في حركة كفاية، و٩ مارس، وهم أُناس مخلصون، ولكن لا يوجد لديهم دليل عمل عنوانه: ماذا بعد التغيير؟ وما أُطالِب به أن يكون هناك ميثاق عمل وطني جديد تضعه النخبة، على أن يكون معبِّرًا عن نبض الشارع ومشاكل الجماهير، ويقدِّم أُطروحةً جديدةً لحل كل المشاكل التي تغرق فيها مصر سياسيًّا واجتماعيًّا، هذه الأمور تحتاج إلى ما يمكن أن نسمِّيه دليل العمل بدلًا من الميثاق الوطني حتى لا يتذكر أحد ميثاق الاتحاد الاشتراكي ويأخذه الغضب، نحن نحتاج لهذا الدليل حتى إذا حدث الانفجار يكون الناس على دراية بالطريق الذي يذهبون إليه، لأن الانفجار سيكون له تأثير إعصار «تسونامي» أو تأثير «بركان»، ودائمًا الكوارث الطبيعية يكون التحكُّم فيها صعبًا بل مستحيلًا أحيانًا.
– نعم فأنا أكاد أشاهده وأشعر به، وأي دارس تاريخ لا بد أن يشعر به.
– أنا لا أتوقعه، بل أشاهده أيضًا، فهم يسيرون فيه بالفعل بدايةً من تأجيل انتخابات المحليات لعامين، ومد الطوارئ للمدة نفسها، مرورًا بعملية تلميع جمال مبارك، الأمر الذي جعله يتكلم عن القُضاة، على سبيل المثال، كلام «واحد حاكم»، وليس كلام عضو لجنة في حزب، وعندما قرأت حديث أسامة الباز وهو يقول إن دوره يقتصر على تعريف جمال بالوجوه الشابة، أدركت أن هذا الحديث يعكس فهمًا خاطئًا، يتصور أن الحل في تغيير الوجوه، على الرغم من أن الحل في تغيير السياسات؛ فهذا النظام أفلس ولم يعُد في جعبته شيء يقدمه.
– مصر لم تعقم؛ مصر طَوال عمرها ولَّادة، وفيها كفاءات كثيرة، ولكن مشكلة هذه الكفاءات أنها لا تسير في ذيل السلطة، وهم لا يعرفون هذه الكفاءات، ويعرفون فقط طلاب المصالح وعصابات التهليب الذين يسيرون في ذيلهم، وحتى لو عرفهم النظام فإنه لا يستمع إليهم، إنه نظام يستمع فقط إلى الذين يزيِّنون له ما يدور في رأسه، وكلام الباز قاله من قبل مصطفى الفقي، حينما كان يشغل منصب سكرتير الرئيس للمعلومات، وسُئِل في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في ندوة حضرتها: لماذا لا يعيِّن مبارك نائبًا له؟ فقال: إن مشكلة النائب أنه يصبح الرئيس المُقبِل، ولا يوجد في مصر من يصلح لذلك، وهذا الكلام يعكس قصر نظرٍ شديدًا، فهناك الكثير من الكفاءات في مصر.
– أنا لا أتوقَّع قبوله بسهولة، بل أتوقع أن حدوثه سيكون المِعوَل الأخير في هدم هذا النظام بأكمله؟
– الرؤى السياسية لدينا، أصابها العُقم والجمود، وهذا شيء طبيعي، لأن هناك حدودًا لقدرات البشر والأشخاص الذين تجمَّدوا في أماكنهم، ولم يعُد بوسعهم مواكبة التطورات، وبالتالي أصبح النظام يتصرَّف وفقًا لسياسة ردود الأفعال، وسياساته الدولية والإقليمية هي ردود أفعال لسياساتٍ أخرى، وهناك فارق بين أن تكون فاعلًا وأن يكون تصرُّفك مبنيًّا على أفعال الآخرين؛ ولذلك من الطبيعي أن يتولَّى الأمن ملف القضية الفلسطينية خارجيًّا وداخليًّا، ويتولَّى الأمن ملف الأقباط، وملف الأحزاب السياسية، وتلك أمور لا يختلف علاجها عند الأمن، عن علاجه لقضية ارتفاع أسعار «الباذنجان».
– المسئول محدودية فهم النظام للتفاعلات الدولية والإقليمية، بل والداخلية أيضًا، وبعيدًا عن الطعن في وطنية أحد، فإن وظيفة العسكري تختلف عن وظيفة السياسي، ومهما كان أفق رجل الأمن فإن السياسة لها رجالها ولها حساباتها.
– ليست لديَّ معلومات كافية، لكن يبقى أن نقول إن النظام يضبط حركته على إيقاع واشنطن، وهذا أمر واضح جدًّا في حديث النظام المتكرر عن أن مصر لن تسمح بوجود قوة نووية ثانية في المنطقة، وأنا أسأل هذا النظام: ماذا فعلت ﻟ ٢٠٠ قنبلة نووية وضعتها إسرائيل في أحضانك؟ لا يمكن القول غير أن النظام لم يعُد له وزنٌ إقليميٌ، والعالم بمراكز دراساته يعرف أن الأرض تميد من تحت قدميه؛ فكيف يقيم له وزنًا إقليميًّا أو عالميًّا، في السياسة يتعامل معك الآخرون من منطلق ماذا تمثِّل أنت؟ وما هو تأثيرك في المنطقة؟
– ما دامت إسرائيل تمتلك سلاحًا نوويًّا فأي بلدٍ عربي أو إسلامي يمتلك هذا السلاح يجعل ورقة المطالبة السياسية بإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل ورقةً لها قيمة، ويجعل للكلام مصداقية.
– لم تكن لدينا مشكلةٌ طائفية في وقتٍ سابق، وإنما نحن الذين صنعناها، بمعنى أننا لم يكن لدينا طائفية بالمفهوم الشائع عند غيرنا؛ فالطائفة تعني أناسًا مختلفي العقيدة وفي الوقت نفسه مختلفي الثقافة، ولهم نمط حياة مختلف، أما بالنسبة لمصر فالوضع مختلف، الأقباط ليس لهم ثقافة مختلفة عن ثقافة المسلمين المصريين، بل إن هناك قاسمًا مشتركًا، وهذا أمر راجع إلى أن المسلمين لم يأتوا إلى هذا البلد من خارجه، على الرغم من قدوم بعض القبائل العربية، ولكن بموازين القُوى السكانية كانوا قلائل، وفي الوقت نفسه لم يحدث في مصر مثلما حدث في أمريكا من إبادة للسكان الأصليين، بل إن المسلمين أصبحوا أغلبية بتحوُّل المصريين الأقباط إلى الإسلام، وهم تحوَّلوا ومعهم موروثهم الثقافي، فليس هناك تمايُز ثقافي يجعلك تستطيع التمييز بين المسلم والمسيحي.
– هذه الأزمة صنعها الركود السياسي، وهي ليست وليدة اليوم؛ فهذا الركود يعود إلى ثورة يوليو، ونظام الحزب الواحد، فقبل الثورة كانت العناصر الفاعلة في الحركة السياسية هم أعيان الأقباط الموجودين في الأحزاب السياسية، وكان طبيعيًّا أن يرشِّح أحد الأعيان الأقباط نفسه في دائرة أغلبها مسلمون، ورغم ذلك ينجح لأنه لم يكن ينجح على أساس أنه مسلم أو مسيحي، ولكن لأنه المالك الكبير أو صاحب «العزوة» أو العزبة، وكان من يمثِّل مصر في البرلمان هم ممثِّلو طبقة كبار المُلاك ورجال «البيزنس»، وعندما جاءت ثورة يوليو وضربت هؤلاء، وأقامت نظام الحزب الواحد أصبح الأقباط أقلية، وتراجعت فاعليتهم سياسيًّا، وعلى الرغم من حل المشكلة جزئيًّا بعدم التمييز في الوظائف فإنه ظل لديهم إحساس بأنهم بعيدون عن صُنع القرار، وزاد من ذلك أن حكومة الثورة استوزرت شخصياتٍ قبطية لا صِلة لها بالكنيسة، ولا تمثِّل الأقباط، وعندما انتهى عصر عبد الناصر اتجه الأقباط إلى الكنيسة لقضاء حوائجهم بدلًا من الدولة.
– هناك تمييز في الوظائف وفي الجامعة بدون مبرر، وفي الأمن لا يوجد أي ضابط قبطي في موقع قيادي مؤثر، كما تم تسليم ملف الأقباط إلى الأمن وهذه كارثة، وفي الوقت نفسه جاءت الفرصة لرأس الكنيسة، وهو البابا، لتدعيم مؤسَّسته والاستفادة من هذه الظروف.
– لأنه لا توجد مؤسسات تمارس السياسة، فلدينا أحزاب وهميَّة لا تعمل وسط الجماهير، وعلى الرغم من تحجُّجها بالأمن، لكن يبقى أنها لا تتبنَّى مشاكل الجماهير، ولا تقوم بتوعيتها بمشاكلها، ولذلك لا يتعاطف معها أحد عكس الإخوان المسلمين الذين يتعرضون للاعتقال، ويتعاطف الناس معهم، لأنهم يرَون أنهم أناس طيبون يتواجدون بينهم، ولكن مشكلة الإخوان أنهم يقدِّمون هذه الخدمات للمسلمين فقط، وعلى النظام أن يزيل أسباب الفتنة بإخراج الأقباط من أحضان الكنيسة إلى رحاب العمل السياسي، أما الاكتفاء بالعلاج الأمني فإنه يزيد الأمر تفاقمًا.
– هناك مسلمون — أيضًا — يعترضون على المادة الثانية في الدستور، أما بناء الكنائس فهو «خيبة» كبيرة لأن الممنوع مرغوب؛ فلماذا الالتزام بالخط الهمايوني الذي وضعه السلطان العثماني عام ١٨٥٦م على الرغم من أننا نضع تشريعاتٍ جديدة كل يوم، فلماذا لا نضع تشريعًا للمسجد والكنيسة، وقتها لن نجد أحدًا يريد بناء كنيسة انطلاقًا من أن الممنوع مرغوب.
– الأزهر منذ عهد محمد علي تحوَّل إلى أداة في يد الدولة، وكان قبل ذلك له أوقافه وكان مستقلًّا، وعندما جاء محمد علي ضم هذه الأوقاف، يعني أخذ «الكيس» عنده، وأصبح الحاكم هو من يُعيِّن شيخ الأزهر، وهو من ينفق عليه، ولذلك أصبح هناك تفاوت بين شيوخ الأزهر؛ فنجد أحدهم على استعدادٍ للاستقالة لأنه يرفض الانصياع للحاكم أو لأنه كثير الانتقاد للسلطة، وآخر مستعد أن يبرر كل شيء، مثل الشيخ طنطاوي، فهو مستعدٌّ لأن يقول الشيء ونقيضه ما دام أنه باقٍ في منصبه، وقديمًا كان الأزهر هو الذي يحرِّك الشارع لأنه لم يكن تابعًا للحكومة، وعندما أصبح تابعًا انحسر دوره فيما تريده الدولة، وإصلاحها في استقلاله، مثل الجامعة أو أي مؤسسة أخرى.
– لا … مذبحة جديدة على طريقة «اضرب المربوط»، أمر غير ممكن الآن، وعبد الناصر كان يريد إدخالهم الاتحاد الاشتراكي ولم يدخلوا، وكان من الممكن تكرار ما حدث لو أن النظام الحالي قوي، والنظام الحالي ظهره للحائط، لهذا لا يستطيع تكرار ما حدث، لأن المشهد الداخلي تغيَّر كثيرًا وموقف القضاة شجَّع قوًى أخرى؛ لذلك فالاتجاه الأمثل هو التسوية، والنظام لا يستطيع أن يفعل غير ذلك.
– أنت تتكلم عن أربع مراحل: المِلكية، وثورة يوليو، والسادات، ومبارك، أما عن ثورة يوليو فقد أخذت كل الأُطروحات التي كانت موجودة في الأربعينيَّات لحل مأزق النظام المَلكي الفردي؛ فثورة يوليو لم تبتدع الإصلاح الزراعي، فهو مطروح على الساحة المصرية منذ ثورة ١٩١٩م، وأصبح ملحًّا في الأربعينيات، وبالمثل تأميم قناة السويس، وحتى على مستوى العلاقات الإقليمية أخذت الثورة الأفكار المطروحة وطبَّقتها، والمهم إلى مَن يكون التوجُّه، فثورة يوليو اتجهت لرفع مستوى الكادحين، وإقامة قاعدة علمية واقتصاد وطني، ودعم مشروع الاستقلال إقليميًّا وعالميًّا، ولذلك كان لا بد أن يتم التخلُّص من هذا النظام، وعندما تورَّط عبد الناصر في حرب اليمن ضُرِب في ١٩٦٧م.
– السياسة الإقليمية لها حسابات مختلفة؛ فاليوم تشاهد بنفسك عندما تحاول إيران أن تلعب دورًا إقليميًّا تُهدَّد بالضرب، وعندما تم توظيف العراق لضرب الثورة الإيرانية وتوريطه في الكويت انتهى دوره، وكان لا بد من التخلُّص منه، وبالنسبة لعبد الناصر فإن مناصرته لثورة اليمن وتورُّطه هناك، جعل الغرب يشعر بأن طريق إمداده بالبترول بات مهدَّدًا بسيطرة النظام المصري، فكان لا بد من التخلص منه.
– معالجة الأمور بشكلٍ أخلاقي في السياسة أمر غير قائم؛ فالإخوان في كتاباتهم يقولون إن عبد الناصر كان يتحرك لحسابهم، لكنه خلا بهم وتخلَّص منهم، وهذا غير صحيح، لأنه «لف» على كل القُوى السياسية، ثم اجتهد بمفرده، وعندما تم تصفية الساحة السياسية، ولم يبقَّ سوى الإخوان والشيوعيين، كان هناك خياران؛ إما أن يعملوا لحساب النظام أو ينسحبوا، وهم اتَّبعوا أسلوب الصدام معه، وما دام أنهم بدءوا بالصدام فأي نظام كان لا بد أن يدافع عن نفسه ويتخلَّص من خصومه، وأنا غير موافق تمامًا على طريقة التخلُّص من الخصوم؛ فقد يحدث عزل سياسي، أما حشد السجون بالمعتقلين لسنواتٍ طويلة لمجرد أنهم خصوم، فهو أمر يُفقِد الوطن والنظام المرآة، التي يرى بها صورته.
– كانت ضرورةً، ولكن كان هناك إفراطٌ في التجنِّي على حقوق الإنسان مع الإخوان والشيوعيين.
– السادات فهم ما حدث لمصر في ١٩٦٧م، من منظور أن مصر عُوقبت لأنها اختارت أن تقف ضد سياسات أمريكا في المنطقة، وأن مصر ستكسب أكثر لو عملت لصالح أمريكا، ورأى السادات في تحليله الشخصي، أن ما يربط أمريكا بإسرائيل هو مصالحها في المنطقة، وأنها تريد حارسًا لهذه المصالح، وأنها لو وجدت في مصر الاستعداد ستُلقي بورقة إسرائيل للأبد، وعندما قال السادات هذا الكلام لكيسنجر أثناء زيارته لمصر، وطلب عقد تحالف معه، ردَّ عليه بقوله: أمريكا تعتمد على المؤسسات، أما في مصر فلا نضمن من يأتي بعدك.
ولذلك أدار الجانب السياسي من ١٩٧٣م إدارة سيئة، قامت على تقديم التنازلات المسبَقة، وعلى مستوى السياسة الداخلية، جاء السادات بالتصريح الغريب والخطير: «إن الصناعة هبل» وأن الدنمارك — وهي دولة في حجم محافظة البحيرة — تكفي العالم جبنة وزبدة، وأن علينا أن نعتمد على الزراعة دون الصناعة، ثم جاء بالانفتاح الاقتصادي والخصخصة، والنظام الحالي يعمل على استكمال هذه الأجندة، لأنه لا يملك أجندةً خاصة به، ونحن نظلم «حسني مبارك» عندما نظن أنه صاحب رؤية؛ إنه منفِّذ أكثر منه مبدعًا، وعندما ننظر إلى سياسته من البداية نجده يعيش على تراث السادات، وقد ظل يحتفل ﺑ ١٥ مايو لفترة طويلة ثم توقف، ربما بعد أن نصحه أحد المحيطين به بالتوقف، ولم يبقَ من مايو سوى مدينة ١٥ مايو.
والسادات كانت لديه قدرة محدودة على المساومة نسبيًّا رغم تنازلاته، وكان لديه قدرة على أن يكون له خط سير، أما النظام الحالي فمشكلته أنه بلا رؤية، وجالس في التركة، وفتح الأمور على «البحري»، انفتاح على «البحري»، وخصخصة على «البحري»، دون وجود أي «كونترول» على الاقتصاد.