إيضاحٌ لا بد منه١

رءوف عباس

عندما كتبتُ مقالَ — الأسبوع الماضي — «هذا الدور المريب للجامعة الأمريكية»، تصدَّيت لظاهرة ملحوظة منذ عام كامل، لفتت أنظار كل المهتمِّين بالحرص على استمرار التقاء الجامعة الأمريكية بالأوساط الأكاديمية المصرية، ممن اتصلوا بتلك الجامعة، وشاركوا في نشاطها العلمي، من هيئة التدريس بالجامعات المصرية، ومن تولَّوا التدريس فيها بعض الوقت، أو من انتُدِبوا ندبًا كاملًا للتدريس فيها لسنوات (وصاحب هذا القلم من بينهم)، والعناصر الوطنية من الأساتذة العاملين بالجامعة الأمريكية.

هذه الظاهرة بدأت منذ عام، وعكسها التوجُّه الجديد لبرنامج الدراسات الشرق أوسطية بالجامعة الذي ركَّز على إبراز وجهة النظر الإسرائيلية وحدها، كما لاحظت من تتبُّعي للنشرات التي يُصدِرها مدير المركز الجديد؛ الدكتور جويل بينين، والتصريح الملفت للنظر لرئيس الجامعة الجديد عن فتح الباب على مصراعَيه أمام الأكاديميين الإسرائيليين للمشاركة في أنشطة الجامعة. وما نقلته الدايلي ستار عن مُداخلة بينين في الندوة التي أقيمت بمناسبة مرور ثلاثين عامًا على صدور «أوراق القاهرة للعلوم الاجتماعية» التي كانت قناة التواصُل المتميزة بين الجامعة الأمريكية والأكاديمية المصرية والحركة السياسية الوطنية إلى ما يجري في الخفاء لتسويق المشروع الصهيو-أمريكي الخاص بالشرق الأوسط (بمختلف قياساته).

لم يكن في الأمر موقفٌ شخصي من جويل بينين، ولكني استنتجت من أدائه على مدى عام، ما يكشف حرص الجامعة الأمريكية على تمرير التوجُّه الجديد دون لفت الأنظار إليه إلا بعد أن يصبح «حقيقةً على الأرض»؛ فالرجل له صلاتٌ قديمة بمصر واهتمام بها، ومعرفة بأحوالها، وله قبول عند بعض فصائل اليسار المصري، وله مواقف سابقة في اتجاه دعم توجه السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكان أحد الموقِّعين على بيان أصدره الأكاديميون الإسرائيليون قبل عامين، طالبوا فيه حكومتهم بأن تتجه إلى حل الصراع مع الفلسطينيين سلميًّا؛ لأن المواجهة العسكرية تعود بالضرر على المواطنين الإسرائيليين، وأن تمادي الحكومة الإسرائيلية في المواجهة العسكرية يعرض الإسرائيليين للخطر، وبذلك تفرط الدولة الإسرائيلية في حمايتهم، ومن بين ما لا يزيد على ١٥ أكاديميًّا إسرائيليًّا جاء توقيع جويل بينين، ومريام بينين (زوجته) ضمن الأسماء الخمسة الأولى من الموقِّعين على البيان.

أعرف ذلك كله ولا أنكره، ولكن شتَّان بين هذا النشاط الأكاديمي والسياسي الذي قرَّب بينين إلى بعض الأكاديميين العرب وبعض شخصيات اليسار العربي، وذلك الدور الذي يقوم به في الجامعة الأمريكية، وما أراه هو توظيف لهذا الخلفية الأكاديمية والسياسية لتمرير التوجُّه الجديد للجامعة الأمريكية دون إثارة الانتباه، فوجوده يضمن استكمال الخطة دون لفت أنظار الرأي العام المصري والعربي إلى ما يجري، وما كان مثار قلق كل من يعنيه أمر استمرار التعاون بين الأكاديميين المصريين والجامعة الأمريكية، لأن احتضانها للمشروع الصهيو-أمريكي، وتعاونها التام مع الأكاديميين الإسرائيليين سيؤدي إلى مقاطعة الأكاديميين المصريين لها، ما في ذلك شك.

ومن عجبٍ أن د. جويل بينين اعتبر مقالي يهدف إلى الهجوم عليه شخصيًّا، وسارع بكتابة رسالة إلكترونية طيَّر فيها خبر المقال إلى جميع أصدقائه وزملائه في أمريكا وأوروبا، ضمَّنها ملخصًا لفحوى المقال، ناكرًا أن له هوية إسرائيلية (رغم توقيعه البيان سالف الذكر بتلك الصفة)، لافتًا أنظارهم إلى أن «الشائعات والافتراءات» سرعان ما يتم قبولها في مصر كحقيقة، ولم ينسَ أن يشكِّك في فهم المثقفين المصريين للأمور، ونبَّه «الأصدقاء والزملاء» إلى أنه يحرص على معرفتهم الأمر حتى يستعين بهم في مرحلة تالية لمساندته إذا دعت الحاجة إلى ذلك. ولم يكتفِ بتضمين الرسالة موضع المقال على موقع «العربي» الإلكتروني، بل عمَّم على الشبكة ترجمة إنجليزية للمقال (زعم أن صديقًا مصريًّا قام بالترجمة، وأنه تولَّى مراجعتها).

حوَّل رسائل بينين هذه إليَّ أحد تلاميذي الأمريكان، وتعجَّب لما أصاب بينين من ذعر، واتهامه لي بإخراج كلامه عن سياقه، بينما سمح لنفسه بأن يُخرِج مقالي عن سياقه، ويعتبر انتقادي للجامعة الأمريكية ودورها الجديد في تسويق المشروع الصهيو-أمريكي يقصده وحده! ألا يعني ذلك أن المقال قام بتعرية ما أرادت له إدارة الجامعة أن يُستَر؟! ألا يعني ذلك أن تقديري لاختيار بينين لتنفيذ جانب مهم من السياسة الجديدة كان صائبًا؟! وأن الهدف من تحويل القضية برُمَّتها إلى موقف شخصي من جانبه هو مجرد ستار من الدخان تخفي وراءه الجامعة الأمريكية سياستها الجديدة؟!

ليس من حقنا أن نتدخل في سياسات إدارة الجامعة الأمريكية، وليس من حقنا أن نزكي أو نعترض على اختيارها للعناصر التي تسند إليها تنفيذ سياستها، ولكن من حقنا أن ننتبه إلى ما يدور على أرضنا، وأن ندخل الجامعة الأمريكية في دائرة المقاطعة إذا أصرَّت على مواصلة سياستها الجديدة.

١  جريدة العربي، ٢٠ من مايو ٢٠٠٧م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥