عن تحوُّلات الجامعة الأمريكية بالقاهرة

شاهدةٌ من أهلها١
فريال غزول

التزامًا بالشفافية، وحرصًا على الحقيقة، لا بد من أن نعترف أن هناك تغيُّرًا في مسيرة الجامعة الأمريكية بالقاهرة بالنسبة للتطبيع مع إسرائيل، واستقبال الأكاديميين الإسرائيليين في حرم الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بدءًا من صيف ٢٠٠٦م، وذلك عندما شارك إسرائيليون في مؤتمرٍ لقسم الإعلام في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وقد قرأنا تنديدًا بهذه الخطوة في الصحف؛ فحاول بعض الأساتذة المهتمين بسُمعة الجامعة الأمريكية ودورها التأكُّد من هذا الخبر قبل الاحتجاج، وذلك بسؤال الإدارة مباشرةً.

فقيل لنا إن هناك حوالي سبعة أساتذة إسرائيليين شاركوا في هذا المؤتمر. طلبت مجموعة من هيئة التدريس ممثِّلة لغيرهم مقابلة رئيس الجامعة، وحرصت هذه المجموعة أن تشمل أساتذةً من جنسيات متعددة، بما في ذلك الجنسية الأمريكية، وأبدت المجموعة اعتراضها على هذا التوجُّه الجديد الذي لا يتفق مع ما مارسته الجامعة الأمريكية لعقود، ومع ما أقرَّته إدارة الجامعة منذ معاهدة كامب ديفيد، وهو الالتزام مع الجامعات المصرية بعدم التطبيع مع إسرائيل لعنصريتها ومخالفتها للشرعية الدولية.

وقد قال أكثر من رئيسٍ لجامعتنا إن الجامعة الأمريكية لن تطبِّع قبل الجامعات المصرية؛ ومع هذا فقد كان ما كان، وعندما قابلت هذه المجموعة رئيس الجامعة شرحت له مخاطر تحوُّل مسيرة الجامعة الأمريكية بعد أن اكتسبت مصداقيةً كجامعة مستقلة عن الحكومات، وبالتالي فاعلةً في نسيج المجتمع الذي يحتضنها.

وقد ذكَّرته بمغبة التطبيع مع دولة عنصرية تمارس الأبارتيد Apartheid بتعبير رئيس أمريكي سابق، وطلبت منه ألا يخرج على إجماع الجامعات المصرية، والمجلس الأعلى للثقافة واتحاد الكتاب، إلى آخره من المؤسسات المصرية التعليمية والثقافية التي لا تتعامل مع إسرائيل. وأشارت المجموعة إلى أن عدم التطبيع والمقاطعة الثقافية سلاح سِلمي تمَّت ممارسته مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا، كما أضافت أن من المطالبين بمقاطعة إسرائيل أكاديميًّا جامعات مختلفة وأساتذة مرموقين، منهم يهود وإسرائيليون شرفاء.

بعدها جاءت نشرة مركز دراسات الشرق الأوسط بالجامعة الأمريكية في عدد أكتوبر ٢٠٠٦م، والتي يشرف عليها — ولأول مرة جويل بينين — مدير المركز الذي تم تعيينه في تلك السنة، وكانت معظم مقالات النشرة عن إسرائيل، على الرغم من عنوانها «الحرب في لبنان»، بما في ذلك مقالة تزعم أن حرب إسرائيل على لبنان في صيف ٢٠٠٦م كانت حربًا عادلة، ورد فعل إسرائيل العنيف لم يكن مُفرِطًا على الإطلاق، ويمكن قراءتها على الشبكة الإلكترونية:

ومع أن النشرة عادةً تشير إلى كون المقالات لا تمثِّل إلا أصحابها، فإن هذا التحفُّظ قد أُسقِط — ولا أقول سقط — لأنه لم يتم الاعتذار عن سهوٍ في النشرات اللاحقة. وتكفي مقارنة هذا العدد بما سبقه من أعدادٍ ليرى القارئ تحوُّلًا بينًا. كتبت مجموعة من الأساتذة — الذين ينتمون إلى أقسام مختلفة في الجامعة — مصريين وأمريكيين، ومن جنسيات أخرى رسالة إلى جريدة الجامعة الأسبوعية، معترضين على هذا التوجُّه دون ذكر اسم من أسماء المساهمين في تلك النشرة، ومقترحين أن يكون هناك هيئة استشارية وعلمية لهذه النشرة التي يكتب الطلبة معظم مقالاتها، كما يتم في العديد من النشرات والمجلات المحترمة، سواء داخل الجامعة أو خارجها.

ولأننا سمحنا لأنفسنا أن نقدِّم نقدًا بنَّاء لنشرة جامعية تسيء إلى سمعة الجامعة العلمية قبل أن تسيء إلى سمعتها الأدبية والمعنوية، مرحبين بالرد إذا كنا قد أخطأنا، وبالتفسير إن كان هناك إهمال غير متعمَّد، فقد قام مدير المركز جويل بينين، المشرف على النشرة بخطوة في منتهى الغطرسة؛ فعوضًا عن أن يقارع الفكر بالفكر، أو يشرح لنا الأسس العلمية والموضوعية فيما جاء في النشرة المتحيِّزة، أو يعتذر عن إغفاله لما جاء فيها، ذهب إلى عميدة كلية الآداب والعلوم الاجتماعية في الجامعة الأمريكية، وطلب منها فصل أستاذة مرموقة في قسم الدراسات العربية من لجنة دراسات الشرق الأوسط لكونها وقَّعت على هذه الرسالة المشتركة.

كما أنه طلب من الإدارة أن يُعفى الطلاب من المواد التي يدرِّسها الموقِّعون على الرسالة. وعلى الرغم من خرق الأستاذ جويل بينين لكل الأعراف الأكاديمية والجامعية بطلبه فصل مَن لا يتفق معه؛ فقد تم فصل الأستاذة المذكورة من اللجنة المُشار إليها نزولًا على رغبته. نتساءل: كيف يكون لأستاذٍ هذا النفوذ الذي يجعله يخرق قوانين الجامعة؛ فتستجيب الإدارة له ضاربةً بقِيَم المؤسسة عُرض الحائط؟ ومع هذا فلم تنجح حملة الترهيب هذه لأن الإدارة اضطرت إلى التراجع بعد ما يقارب الخمسة أشهر، بعد أن تقدمت الأستاذة المذكورة بشكوى إلى مجلس هيئة التدريس، وهناك وثائق تُثبِت صحة ما أقول.

إننا لسنا بصدد محاسبة جويل بينين على مراهقته الصهيونية التي ذكرها خالد فهمي في مقالته في «العربي» بتاريخ ٢٠ / ٥ / ٢٠٠٧م، ولا على أفعاله السابقة أو اللاحقة، بل على أفعاله الحاضرة في الجامعة الأمريكية؛ فتصرفاته أبعد ما تكون عن المسئولية الأكاديمية. وسواء كان مع القضية الفلسطينية أو ضدها فهذا شأنه، ومع أنه لم يحضر أي نشاط من الأنشطة المواكبة للقضية الفلسطينية بالجامعة الأمريكية، سواء كان ذلك وقفات احتجاجية ضد العنف الإسرائيلي، أو محاضرات عن النكبة وغيرها، فهذا من حقه، ولا يُدان على ابتعاده عن هذه الأنشطة.

لكن عندما يوقِّع على بيان يقول أصحابه … «نحن، اليهود الإسرائيليين … نحن يهود إسرائيل، Ourselves, Israeli Jews. us, Jews of Israel» البيان على الشبكة الإلكترونية بتاريخ ٢٠٠٤م. فماذا يعني هذا غير أنه يوقِّع بصفته إسرائيليًّا، كما استنتج رءوف عباس في مقالته في «العربي» بتاريخ ٢٠ / ٥ / ٢٠٠٧م، فأنا كعراقية لا يمكنني أن أوقِّع على بيانٍ يقول نحن المصريين … على الرغم من أنني مصرية الهوى، وقد أقمت في مصر أكثر مما أقام بينين في الكيبوتز وفي إسرائيل. وأما عندما يختلف معه آخرون فيطالِب بإقالة زميلة مما لا يصح في أية مؤسسة، فما بالك بمؤسسة أكاديمية تنص على حق الاختلاف؟
بعدها نشرت جريدة «المصري اليوم» بتاريخ ٦ / ٤ / ٢٠٠٧م ترجمةً لردود رئيس الجامعة في مقابلة نُشرَت بالإنجليزية على الشبكة الإلكترونية، يقول فيما يقول إنه يرحب بالإسرائيليين في الحرم الجامعي، وقد راجعتُ الأصل الإنجليزي لأتحقَّق من صحة الترجمة، والكلمة التي استخدمها تحديدًا هي Welcome، وأود أن أؤكد أن هذا الترحيب قرارٌ فردي ورئاسي، ولم يتم استشارة الأساتذة أو الطلبة أو العاملين بالجامعة الأمريكية بالقاهرة فيه.

وأنا واثقة لو أن هذا النَّهج طُرح على مجلس هيئة التدريس لتعذَّر تمريره، بل أكاد أُجزم أن معظم العاملين في الإدارة سيختلفون معه لو تمَّت استشارتهم.

إنني من هذه الأغلبية الصامتة — أو الهامسة — في الجامعة الأمريكية التي تختلف نصًّا وروحًا مع الترحيب الرئاسي بالإسرائيليين، وبمقالات في نشراتنا الجامعية، تستهتر بحقوق اللبنانيين، وتتهم الفلسطينيين بالتطرف، وتلوم الضحية عوضًا عن إدانة الجلَّاد، وبتعبير سامر سليمان في «العربي» بتاريخ ٢٠ / ٥ / ٢٠٠٧م مقالات تحتوي على تحليلات فيها مواقف مبطَّنة لإسرائيل.

وإن كنت قد اخترت التعبير هذه المرة خارج سياق الجامعة؛ فلأن الموضوع أصبح مطروحًا على قارعة الصحف، وأتحمَّل كل ما يترتب على بياني هذا. فنحن نعتبر أنفسنا ملتزمين بضمائرنا وإنسانيتنا التي لا تسمح لنا بالتطبيع مع نظام صهيوني، عنصري بامتياز.

وإذ ترحب الجامعة الأمريكية بحفنة من الإسرائيليين؛ فهي تخسر عبر هذا الترحيب المئات من المثقفين المصريين والعرب، وأبناء العالم كله وبناته من أصحاب المواقف والضمائر الحية. فيا لَبؤس المعادلة! ومهما يكن، فسنحتج — أساتذةً وطلابًا وعاملين — بكل الوسائل السِّلمية المتاحة كلما عنَّ للجامعة الأمريكية استقبال إسرائيليين، مجاهرين باحتجاجنا من الآن وصاعدًا، غير مقتصرين على المعارضة بين أسوار الجامعة.

١  جريدة العربي، ٢٧ من مايو ٢٠٠٧م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥