صاحب كتاب «شَتات اليهود المصريين» يفتح النار على المؤرخين المصريين١
يقتحم كتاب «شتات اليهود المصريين»، أحدث كتب د. جويل بينين الصادر عن دار «الشروق» منذ أيام، منطقة عصية على البحث، تاهت فيها الحقيقة التاريخية بين الولاءات القومية والأيديولوجية والدينية؛ حيث يرصد الكتاب تاريخ اليهود المصريين في الفترة ما بين قيام الدولة الإسرائيلية في ١٩٤٨م، وقيام حرب السويس ١٩٥٦م عندما انقرض الوجود اليهودي في مصر.
بينين يشغل حاليًّا منصب رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط التابع للجامعة الأمريكية، وكان قبل ذلك أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث بجامعة ستانفورد. البعض يراه أحد أهم العاملين في مجال دراسات الشرق الأوسط. ورغم أصوله اليهودية، فهو أحد أهم الأصوات الناقدة لإسرائيل نتيجة لسياساتها العنصرية ضد الفلسطينيين والعرب عمومًا، فهو دائم الحديث عن مساوئ السياسة الأمريكية في المنطقة.
بينين لا ينكر أنه كان صهيونيًّا متحمسًا في شبابه، لكنه يقول إنه اختار اختيارًا آخر، ودافع عن موقفه واختياره بشجاعة واضحة. فيما يرى البعض الآخر أن مواقفه ملتبسة؛ الأمر الذي جعل العديد من الحملات والاتهامات تُوجَّه ضده من قِبَل أكاديميين مصريين يخالفون السياسات التي انتهجها في الجامعة الأمريكية، بل إن هناك مواقع على الإنترنت مخصَّصة لمراقبة الرجل، وحثَّ الموقع الطلاب على كتابة تقارير عن محاضراته بالجامعة، كما نُشرَت صورته على غلاف أحد الكتب عن «مناصرة الجامعات للإرهاب»، قام بتأليفه أحد الصهاينة المتطرفين في أمريكا.
وسط حقول من الجدل حول الرجل التقيناه في مكتبه بالجامعة الأمريكية للحديث عن الكتاب؛ قصة صدوره، والجدل حوله، ومشكلاته مع جيلٍ كاملٍ من المؤرخين المصريين اختار بينين أن يفتح عليه النار.
وهذا نص الحوار:
– حدث في صيف ٢٠٠٤م أن طلب المجلس مني إذنًا بترجمة الكتاب ونشره، وأجبت عليهم بالموافقة المبدئية، وطلبت تأجيل مناقشة التفاصيل لحين مجيئي إلى القاهرة بعد ستة أسابيع، بعد قدومي قالوا لي إن هناك مترجمًا سيعمل على الكتاب، وسيكتب الدكتور رءوف عباس مقدمةً للكتاب فرفضت ذلك؛ لأني أعرف أن المقدمة ستكون لمجرد «شتم» الكتاب وشتمي من ورائه.
– رءوف عباس مؤرخ قومي عربي، معادٍ للسامية، أعرف ذلك من تاريخ علاقتي به التي بدأت في منتصف الثمانينيات؛ حيث كنت أقوم بعملية البحث لتحضير كتابي «العلم الأحمر هل كان يرفرف هناك؟» وهو عن سياسات الماركسيين المصريين ساعة إنشاء دولة إسرائيل، وأقمت بمصر حوالي أربعة أشهر لإتمام عملية البحث، في وسط هذه الفترة سافرت إلى باريس من أجل الحصول على أوراق «هنري كورييل»، وبالفعل قابلت رِفاق كورييل، وأعطوني كل أوراقه الخاصة، وطلبوا مني عدم ذكر المصدر، إن هذه الفترة شهدت نقاشًا ساخنًا في مصر حول دور كورييل في الحركة الشيوعية المصرية وعلاقة «يهوديَّته» ﺑ «ماركسيَّته»، ولم يكن لأغلب هذا النقاش أساس تاريخي؛ حيث لم يطَّلع أحد على أوراق هنري كورييل وآرائه في القضية الفلسطينية، فرأيت أنه من المفيد أن أعطي هذه الأوراق لمن يستطيع نشرها كي يستفيد منها الجميع ويصبح هناك أساس للنقاش، بعد سؤال عدد من الأصدقاء توجَّهت إلى الدكتور عباس الذي كان وقتها رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة، وكنت قد قرأت أعماله حول تاريخ الطبقة العاملة المصرية وقت إعدادي لرسالة الدكتوراه حول علاقة العُمال بالقُوى السياسية المختلفة.
ذهبت إليه وأعطيته نسخةً كاملة من الوثائق الخاصة بالقضية الفلسطينية، وطلبت منه في مقابل ذلك ألَّا يذكر كيف حصل على الوثائق نظرًا لقلق رِفاق كورييل من هذه الاتهامات الموجَّهة للقيادي الشيوعي الراحل.
بعد فترة نشر عباس كتابًا بعنوان «أوراق هنري كورييل والحركة الشيوعية المصرية» صدر الكتاب بمقدِّمة للمترجمة وأخرى لعباس حفلتا بكمية ضخمة من الاتهامات والشتائم التي تنم عن عدم فهم الوثائق لدرجة تُخرِج الكتاب عن سياق البحث التاريخي، بالإضافة إلى كونه ذكر في المقدمة أنه حصل على الوثائق من باحثٍ أجنبي شاب، في وقتٍ كنت الوحيد تقريبًا الذي يعمل في هذه المنطقة، وهو الأمر الذي أغضب رِفاق كورييل مني جدًّا، ووقتها كنت لا أشغل درجةً علمية، ولم أستطع الرد عليه.
– حدث في منتصف ١٩٩٣م تقريبًا، حين كان يعمل عباس في الجامعة الأمريكية وقتها، وكان هو ونللي حنَّا ينظمان لقاءً أسبوعيًّا حول دار الوثائق القومية، وكان عندي عمل في مصر وحضرت اللقاء، وقابلني د. رءوف بسعادة كبيرة حيث كان في الولايات المتحدة ضيفًا على جمعية «دراسات الشرق الأوسط»، ونظمت له محاضرةً بجامعة ستانفورد حيث أعمل، ولكنني لم أفتح معه موضوع وثائق هنري كورييل.
طلب مني تحديد موعد للمقابلة لكنني طلبت منه تأجيل ذلك إذ كنت في حالة بالغة الضيق؛ حيث أنتظر وفاة والدي — الذي يقيم في إسرائيل — وأخبرته باحتمالية وفاة والدي وسفري لإسرائيل، وبالفعل حدثت الوفاة بعد ذلك بيومين أو ثلاثة، وسافرت وعدت بعد عدة أيام، وحضرت اللقاء الأسبوعي، وقبل بداية الجلسة شاهدت د. رءوف فذهبت إليه لكنه تعامل معي كأنني غير موجود بالمرة، وكانت هذه آخر مرة التقيته فيها؛ لذلك رفضت أن يكتب مقدمة الكتاب لأنه لن يتعامل مع الكتاب بشكلٍ علمي.
– لا أعرف إن كان على علمٍ بأن جزءًا من عائلتي يعيش في إسرائيل أم لا، ولكن هذه المعلومات معروفة ولا أخفيها، وأنا غير مطالَب بتوضيح موقفي لكل إنسان. موقفي من إسرائيل واضح وصريح، ولا يستطيع أحد أن يزايد عليَّ فيه، هم اختاروا أن يعيشوا هناك وأنا رفضت، وظللت خمس سنوات لا أتبادل معهم كلمة بسبب هذا الموقف، ولكن هذا أبي في النهاية، ويموت ولا يستطيع أحد عادل أن ينكر عليَّ حق حضور جنازته، فليس لأنه اختار إسرائيل، ولست مستعدًّا لأدفع ثمن انتماء أبي السياسي، ومواقفي واضحة للجميع.
– لم يكن الأمر هكذا، فبعد رفضي لكتابة رءوف عباس المقدمة عرضت عليهم أن يقوم الراحل محمد سيد أحمد بكتابة المقدمة، وكان مرحِّبًا بالفكرة؛ فأبدوا موافقةً عرفت منها أنهم لن ينشروا الكتاب، وحدث بالمصادفة بعد ذلك أن أرسل لي محمد شكر رسالة أخبرني فيها أنه أستاذ جامعي يعمل بالكويت، وأنه قرأ الكتاب وأعجبه، وقام بترجمته بالفعل. بعد فترة اتصلت بي دار الشروق وطلبت نشر الكتاب، في هذا الوقت تُوفي محمد سيد أحمد في مطلع ٢٠٠٦م، وكان صديقًا حميمًا، وجئت إلى القاهرة في أغسطس ٢٠٠٦م، وقابلت د. خالد فهمي حيث كان يقضي إجازة بحث، وهو أستاذ جامعي مرموق سُمعته في مجال الدراسات التاريخية معروفة، في مصر وخارجها، ونحن أصدقاء منذ فترة طويلة تحدثت معه حول الكتاب، ووافق على كتابة المقدمة.
– رءوف عباس وأمثاله يمثِّلون المدرسة القومية المصرية في قراءة التاريخ، وهي مدرسة لا ترى إلا الأبيض والأسود، فكونك لست «قوميًّا» يعني عندهم أنك صهيوني، والواقع والحقيقة التاريخيان أوسع من ذلك بكثير، لكن هذا التيار لا يستطيع أن يفهم أن كونك لست قوميًّا لا يعني كونك صهيونيًّا، ولكنه يعني أشياء أخرى عديدة.
– لا أريد أن أكون طرفًا في أي معركة، ولا أود أن أدخل في نقاشٍ ثقافي سياسي في مصر، أنا أكتب بالإنجليزية وجمهوري الأساسي من المتحدثين باللغة الإنجليزية، وأرغب أن أستمع إلى ملاحظات ومناقشات علمية حول ما كتبته، هذا ما أهتم به، لكن أن أكون طرفًا في معركة فليس من وظائفي ولا اهتماماتي.
– بدايةً اختياري لموضوعات أبحاثي لا تخضع لأي معيار عدا معيار التزاماتي والحقيقة العلمية، وأنا أود منذ فترة أن أكتب حول تاريخ اليهود المصريين؛ إذ كان متصلًا بالعديد من القضايا التي بحثتها من قبل؛ العُمال والحركة الشيوعية المصرية ومواقف اليهود فيها، وأنا لا أكتب كي أثير جدلًا، ولا تحت تأثير توقُّع رد الفعل، لأنني لو كنت كذلك لم أكن لأكتب كلمةً واحدةً عن الصراع العربي-الإسرائيلي في أمريكا، ولكني أعمل بناءً على اختياراتي، وباستخدام الوسائل والمناهج العلمية.
– لا أعتقد ذلك لأن هذه المطالِب لن تقبلها إسرائيل، التي ستكون مضطرةً في هذه الحالة لدفع تعويضات عن بترول سيناء طوال فترة احتلالها، وبالتالي فهي لن تدعم مثل هذه المطالب.