شتات اليهود يفجِّر أزمةً في مصر١
في جلسات مثقِّفي القاهرة الآن، كما في صُحفها لا حديث إلا عن كتاب واحد، يتصدَّر واجهات المكتبات، حتى إنه بات — خلال أيام قليلة — الكتاب الأكثر مبيعًا. الكتاب أصدرته دار الشروق تحت عنوان لافت ومثير هو «شتات اليهود المصريين»، لكن الأمر الأكثر إثارة، بخلاف العنوان، يرتبط باسم مؤلفه جوئل بينين، المؤرخ اليهودي الأمريكي الذي كان طرفًا في معارك وحكايات كثيرة.
الكتاب في عبارة واحدة لا يمكن إلا أن تصفه بالكتاب الجريء الذي يقتحم الكثير من حقول الألغام، ويعيد أمورًا ظلَّت من «تابوهات» الحياة السياسية والثقافية في مصر. الفكرة المحورية في الكتاب بحسب الدكتور خالد فهمي، المؤرخ المرموق الذي قدَّم للكتاب، تؤمن بأن الفكر الصهيوني والخطاب القومي في مصر قد اشتركا معًا في قمع اليهود المصريين وإنكار وجودهم. ويقوم الكتاب بالإضافة إلى ذلك على فرضية رئيسية يُعلن عنها بينين في الصفحات الأولى عبر اقتراح يقدمه للقارئ، وهو الحديث عن معالجة نقدية ذات نهاية مفتوحة لزوال الطائفة اليهودية من خلال ٣ معطيات، المعطى الأول: أن أقلية ضئيلة من اليهود المصريين كانوا نشطاءً صهاينة حتى بعد العام ١٩٤٨م.
والمعطى الثاني: هو أن معظم اليهود الذين غادروا مصر بعد عام النكبة، خصوصًا الذين كانت لديهم موارد مالية كافية، لم يذهبوا إلى إسرائيل، أما المعطى الأخير: فيقوم على التأكيد على أن اليهود المصريين أينما ذهبوا يعيدون تشكيل أنماطٍ من الحياة الطائفية والممارسات الجماعية التي تحافظ على الرابطة بينهم وبين مصر.
مخالفة البكائيات على الجانبين
يرى بينين أن هذه المعالجة التي يقترحها تخالف السرد التاريخي القومي الإسرائيلي الذي يضع التجارب الحياتية لليهود المصريين بأكملها في نطاق «مسيرة المشروع الصهيوني»، كما يُلاحَظ كذلك أن هذه المعالجة — أيضًا — لا تنسجم، ولا تتطابق مع السرد التاريخي القومي المصري؛ الذي يفسر زوال الطائفة اليهودية المصرية من خلال المؤامرات الصهيونية.
لكن الجانب اللافت للنظر في منهج الكاتب والكتاب جُرأة صاحبه التي تدفعه لاتهام عدد كبير من المؤرخين الذين عالجوا أوضاع اليهود في مصر بكونهم «معادين للسامية». ويستدرك قائلًا: «ليس هناك من شكٍّ أن تهمة معاداة السامية عادةً ما تستخدمها إسرائيل ومؤيدوها لإسكات النقد الموجَّه ضد انتهاكات إسرائيل للحقوق الفلسطينية وسياساتها في الضفة الغربية وقطاع غزة.» وهذا بالتأكيد ما لا يقصده جوئل بينين، الذي يؤكد أن الغالبية العظمى من المصريين الذين كتبوا عن اليهود المصريين يواصلون استخدام صور ذهنية شائعة معادية للسامية.
المُتابِع لما كتبته بعض الصحف المصرية عن الكتاب قد يجد فيه بعض مبررات التهليل له؛ فالكتاب ينفي أن تكون المضايقات التي تعرَّض لها اليهود في مصر جاءت كنتيجة لسياساتٍ لا سامية موجَّهة ضدهم من قِبَل الحكومة المصرية، كما يدَّعي الكثير من الصهاينة الذين يتجاهلون واقع أن مصر كانت في حالة حرب مع إسرائيل، هو يضع الأمور في سياقها التاريخي الذي لا يمكن فهمها بدونه؛ فالمضايقات التي تعرض لها يهود مصر أثناء حرب ١٩٤٨م وبعدها كانت لأسبابٍ سياسية، والدليل على ذلك تأثُّرها، من حيث القوة أو الضعف، بمجريات الأمور في فلسطين.
سوزانا نقطة التحوُّل
يمكن القول إن مشكلة اليهود في مصر بدأت مع وقوع «عملية سوزانا» الشهيرة أكثر ﺑ «فضيحة لافون» والتي تمثِّل نقطةً مركزية في الكتاب، ذلك أنها كانت نقطة تحوُّل أساسية في حياة يهود مصر، أو كما يصفها بينين «أبرز حدث سياسي في حياة الطائفة اليهودية في مصر من عام ١٩٤٩م إلى عام ١٩٥٦م.»
في هذه العملية تورَّط يهود مصريون في أعمال تخريب وتجسس ضد مصر، نظَّمتها المخابرات الحربية الإسرائيلية، الأمر الذي أثار أسئلةً جوهرية بشأن هُوياتهم وولاءاتهم. ويشير بينين إلى أن الهدف الإسرائيلي من العملية كان إقناع الحكومة البريطانية، التي كانت في مفاوضات مع مصر بشأن انسحاب الحامية البريطانية من القناة، بأن مصر دولة متطرفة.
ويلفت بينين النظر إلى أن العديد من وثائق هذه العملية قد اختفى تمامًا، أو دُمِّر على أيدي حكومات إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، مما جعل عدم التيقُّن من العديد من الحقائق حولها جعلها فكرةً متكررة الظهور في الثقافة السياسية الشعبية لكلٍّ من مصر وإسرائيل. وينتهي المؤلف في كتابه إلى تفنيد الادعاءات الصهيونية التي تقول بأن اليهود هرولوا إلى إسرائيل في أول فرصة سنحت لهم، كما ينفي أن تكون الحكومات المصرية المتعاقبة قد انتهجت معهم سياسات لا سامية.
سيرة الرجل اللغز
قد يفسر هذا العرض المُوجَز لأهم ما يطرحه مؤلف الكتاب في مقدمته الفواتح المثيرة لشهية القارئ، لكن الأكثر شهوةً في حكايات القاهرة حول الكتاب لا يرتبط بموضوعه بقدر ما يرتبط بسيرة مؤلفه وهي سيرة إشكالية بكل المقاييس. وكما يشير المؤرخ خالد فهمي فإن جوئل بينين الأمريكي اليهودي عاش في المستعمَرات الصهيونية في إسرائيل لفترة تقترب من ستة شهور في مستعمرة «ميشمارها إيميك»، وهناك تعلم العربية عن أحد أعضاء هذه المستعمَرة من العراقيين، وبعد عودته إلى الولايات المتحدة الأمريكية التحق بجامعة برينستون العريقة، كما درس في مركز دراسات الشرق الأوسط، وقام بأول رحلة إلى مصر (يروي تفاصيلها في الكتاب في العام ١٩٦٩م).
ومن الموقِّعين أسماء كبيرة في الثقافة المصرية بحجم نللي حنَّا، فريال غزول، جلال أمين، وآخرون.
انتهى البيان، لكن شهوة النميمة والجدل حول بينين وعلاقاته كانت تتسع، لا سيما أن جريدة «العربي» الناطقة بلسان الحزب العربي الناصري ذي الخطاب القومي الواضح إلى حد التشدد كانت ساحةً لنقاشٍ من نوعٍ آخر حول بينين، فعلى صفحات الجريدة كتب الدكتور رءوف عباس أستاذ التاريخ الحديث في جامعة القاهرة مقالًا عن الدور المريب للجامعة الأمريكية، تناول فيه — على حد قوله — التوجُّه الجديد لبرنامج الدراسات الشرق أوسطية بالجامعة، الذي ركز على إبراز وجهة النظر الإسرائيلية وحدها.
وقد تصدَّى اثنان من الأساتذة المصريين المرموقين على صفحات الجريدة نفسها للدفاع عن جوئل بينين؛ أحدهما د. خالد فهمي أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث بجامعة نيويورك، والآخر د. سامر سليمان أستاذ الاقتصاد السياسي المساعد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
أهم ما تعرَّض له الأول هو الإشادة بجوئل بينين مؤكدًا انحيازه لحقوق الفلسطينيين، وتنديده بالسياسة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية. فيما تعرَّض الثاني للتحليلات التي تُوردها المجلة التي يشرف عليها بينين في الجامعة الأمريكية، التي تحمل مواقف منحازة لإسرائيل، بأن ذلك مفهوم في الحقل الأكاديمي ألا تحجب تحليلات وراءها مواقف نختلف معها، وداعيًا إلى نقاشٍ هادئ وموضوعي حول مَن الصهيوني ومَن غير الصهيوني؟
حكايات من دار الأوبرا إلى المقاهي
الأمر المؤكد الآن أن هذا الجدل حول جوئل بينين ترك صداه في عملية تلقي الكتاب، لكن قلةً منهم تعرف أن الدكتور رءوف عباس كان من بين أكثر المتحمسين لنشر ترجمة عربية للكتاب منذ أن قرأه بالإنجليزية، واقترح أن يتولى المشروع القومي للترجمة نشر الكتاب، على أن يقوم بكتابة مقدمته، لكن هذا الاقتراح الذي جاء في وقت مبكر، وقبل معركة بيانات الجامعة الأمريكية ومقالات صحيفة «العربي» الناصري وجد معارضةً من جوئل بينين الذي قال لي حين التقيته في مكتبه بالجامعة الأمريكية الأسبوع الماضي:
«رفضت قبول اقتراح بأن يتولى رءوف عباس تقديم الكتاب، لأنني أعتبره كمؤرخ معادٍ للسامية، وهو ابن مثالي لخطاب القومية العربية الذي أقوم بنقده في الكتاب، كما أنتقد المواقف التي يتبنَّاها دُعاة هذا الخطاب من اليهود المصريين.»
حين أعلنت أمام بينين أنني صحفي يمثِّل مؤسسة قومية، كما أنني من تلاميذ الدكتور رءوف عباس أبدى انزعاجًا واضحًا لأنه لا يحب الصحف الرسمية، وزاد من هذا الانزعاج كوني جئتُ إليه بصحبة صديق وبلا موعد مسبق، غير أنني حين عرضت عليه الخروج من القاعة — احترامًا لوجهة نظره — وعند طلب تحديد موعد جديد لاستكمال النقاش رفض خروجي، وقرر أن يواصل الحوار مع صديقي، لكن دون أن يتحمَّس لأسئلتي بشكلٍ كافٍ! كان ذلك قبل أن يقرر إنهاء اللقاء بطريقة مربِكة نظرًا «لارتباطه بموعد مسبق» هكذا قال لي، لكنه أكد لي خلال اللقاء أن معرفته بالدكتور رءوف عباس قديمة.
ثم يواصل بينين سرد المحطة التي أنهت علاقته الشخصية برءوف عباس تمامًا قائلًا: «عندما عدت إلى القاهرة في أوائل التسعينيات كان الدكتور رءوف والدكتورة نللي حنَّا ينشطان في عمل ورش عمل وسيمنارات علمية كثيرة، والتقيت معه، وكان سعيدًا بوجودي، ولم أُثر معه أية مشكلات خصوصًا وقد التقيته خلال زيارة علمية قام بها لجمعية دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، ودعوته إلى العشاء في منزلي واللقاء مع طلابي، وكل هذا جعل العلاقة بيننا إيجابية، حتى إنه دعاني للعشاء في منزله، لكني اعتذرت عن عدم قبول الدعوة، وقلت له إنني مضطرٌّ للعودة إلى إسرائيل لزيارة والدي المريض بالسرطان بناءً على إلحاحٍ من أمي التي كانت تعرف رفضي لفكرة زيارة إسرائيل، وحين عدت — يواصل بينين — وجدت رءوف يتجاهلني تمامًا، ويبدو لي أنه لم يكن يعرف شيئًا عن كوني ابنًا لعائلة لا تزال تعيش في إسرائيل، مع أن بعض هذه المعلومات كان معروفًا في أوساط كثير من طلابي وأصدقائي، لكن من غير المعقول أن أعلن عن ماضيَّ لكل من ألتقي بهم.»
ومن جهته أكد لي الدكتور عباس حين اتصلت به لمعرفة رأيه في كتاب «شَتات اليهود المصريين» أهمية الكتاب من الناحية العلمية، كما أكد لي الكثير من الوقائع التي حكاها جوئل بينين، مشيرًا إلى أنه بالفعل بدأ فعلًا يتجاهل بينين تمامًا حين عرف أنه ممن يترددون على إسرائيل.
وأحالني من جديدٍ إلى المقال الذي كتبه في صحيفة «العربي» في مايو الماضي، مشدِّدًا على أنه لم يكن في الأمر موقف شخصي من جوئل بينين، ولكني استنتجت من أدائه على مدى عام، خلال عمله مديرًا لمركز دراسات الشرق الأوسط ما يكشف حرص الجامعة الأمريكية على تمرير التوجُّه الجديد لإقامة علاقات مع أكاديميين إسرائيليين، دون لفت الأنظار إليه إلا بعد أن يصبح حقيقةً على الأرض؛ فالرجل له صلات قديمة بمصر، واهتمام بها، ومعرفة بأحوالها، وله قبول عند بعض فصائل اليسار المصري، وله مواقف سابقة في اتجاه دعم توجُّه السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
يقول رءوف في المقال: «شتَّان ما بين هذا النشاط الأكاديمي والسياسي الذي قرَّب بينين إلى بعض الأكاديميين العرب وبعض شخصيات اليسار العربي، وذلك الدور الذي يقوم به في الجامعة الأمريكية، وما أراه هو توظيف لهذه الخلفية الأكاديمية والسياسية لتمرير التوجُّه الجديد للجامعة الأمريكية دون إثارة الانتباه، فوجوده يضمن استكمال الخطة دون لفت أنظار الرأي العام المصري والعربي إلى ما يجري.»
بينين يرفض المناظرة
كنت خلال اللقاء مع جوئل بينين قد سألته هل يمكن أن يقبل بإقامة ندوة عامة حول كتابه بمشاركة مؤرخين مصريين متخصصين؟ فأجاب: «أرفض ذلك، لأنني لا أعتقد أن لديهم ما يمكن أن يقدموه في هذا الموضوع، رغم أنني بحاجة لكي أستمع إلى ملاحظاتٍ حول الكتاب، بما في ذلك مَن يقول لي بأن كتاباتي ليست لها قيمة، لكن بشرط أن يتم هذا بأسلوب علمي.»
من جهتي اتصلت بالدكتور إيمان يحيى الذي كان مرشحًا لترجمة الكتاب لكي أسأله عن رأيه في مضمون الكتاب، فقال لي: «الكتاب مهم، لكنه يتضمن أفكارًا تستوجِب الرد والتعليق؛ وهو ما رفضه جوئل بينين بشكلٍ قاطع؛ ومن بين هذه الأفكار المقولات التي يروِّج لها حين يساوي بين الخطاب الصهيوني والخطاب القومي العربي في موقفيهما من اليهود المصريين، وهي مساواة بين خطاب الجاني وخطاب الضحية، وبالتالي فهي ليست في محلِّها، فضلًا عن اتهاماته لكثيرٍ من المؤرخين المصريين بمعاداة السامية، ومكمن الخطر حديثه عن ممتلكات اليهود المصريين، وهي مَداخل سياسية أكثر منها علمية لتناول الموضوع، ولا يمكن فهمها إلا بتحليل الخطاب الذي يتبنَّاه بينين في موقفه من الصراع العربي-الإسرائيلي؛ فهو في كتابه «العلم الأحمر هل كان يرفرف هناك؟: السياسة الماركسية والصراع العربي-الإسرائيلي» نُشر بالعربية عام ١٩٩٦م، يدعو بوضوحٍ إلى تفاهماتٍ يُجريها اليسار الصهيوني مع اليسار المصري كوسيلة لحل الصراع.»
السؤال حول ميول الكاتب دفعني لسؤال الباحث الاقتصادي الدكتور سامر سليمان أستاذ الاقتصاد السياسي المساعد في الجامعة الأمريكية، والذي كان مِن بين مَن ناصروا جوئل في الحملة التي ثارت ضده فقال لي:
«تحمَّست للرد على مقالات رءوف عباس لأنني وجدتُ فيها معلوماتٍ غير دقيقة تحتاج إلى تصويب، وتشكِّل قدرًا من التحامُل، وتقديري أن جوئل بينين ليس صهيونيًّا على الإطلاق، ولا تنطبق على أفكاره أية توصيفاتٍ صهيونية من خلال متابعتي لها، بل إن فيها تعاطفًا كبيرًا مع القضية الفلسطينية، وتعرَّض لحملاتٍ كثيرة جرَّاء ذلك يمكن معرفتها على مواقع إلكترونية جديدة.»
كان الدكتور إيمان يحيى قبل أن يُنهي حديثه أحالني إلى المشروع القومي للترجمة لأعرف سبب تراجُع المشروع عن نشر الكتاب، مؤكدًا أن جوئل بينين اشترط على المشروع القومي للترجمة ترجمة الفقرات العبرية في نص الكتاب بالعودة إلى مصادر عبرية من خلال التعامُل مع مكتبة المركز الأكاديمي الإسرائيلي، وهو أمر لا تقبله مؤسسات وزارة الثقافة.
شروط بينين الصعبة
حين ذهبت للدكتورة شُهرت العالم — مدير التنسيق والمتابعة بالمشروع القومي للترجمة — لأسألها حول الموقف الذي دفع المشروع للتراجع عن فكرة نشر ترجمة عربية لكتاب بينين قالت لي: «رفض جوئل بينين الاقتراح بأن يتولَّى رءوف عباس كتابة المقدمة للترجمة التي كان الدكتور إيمان يحيى قد بدأ العمل عليها، واقترح بأن يقوم بذلك الكاتب الراحل محمد سيد أحمد، وبموت الأخير تراجعت الحماسة لترجمة الكتاب، خصوصًا وقد تابعنا الحملة التي دارت حول المؤلف في الجامعة الأمريكية، وقد فضَّلنا الابتعاد عن هذا الجدل، ولا سيما أن بينين كان يرغب في فرض المزيد من الشروط التي لا تلائم المشروع، كما رفض قبول أي مترجم يأتي من طرف رءوف عباس، كما أشار إلى وجود مصادر عبرية ينبغي العودة إليها عند الترجمة، فاقترحت عليه بأن نعتمد فيها على مترجمين مصريين بالاستعانة بأصول المادة العلمية لديه، ولم يكن متحمسًا لذلك.»
جوئل بينين في حديثه حول الكتاب يشير إلى أنه حين لمس عدم حماسة المشروع القومي للترجمة للكتاب، بدأ يتلقَّى اقتراحاتٍ أخرى بترجمته، من بينها اقتراح من محمد شكر الذي تلقَّى عرضًا من «دار الشروق» بنشر الترجمة، وقد قبل العرض على الفور، كما قال لي: «لأن الكتاب بما يثيره من معارك كان بحاجة إلى دار نشر كبيرة تقف وراءه.»
قبل أن أتوجَّه بأسئلتي إلى رءوف عباس من جديدٍ، تذكرت ما قاله لي جوئل بينين: «ليست المشكلة مع رءوف؛ وإنما مع كل من يتبنَّون التفكير وفق معايير المدرسة القومية؛ فالكتاب ليس صهيونيًّا، لكنه لن يُرضي القوميين كذلك.»
المؤكد أن الجدل حول الكتاب سيكون كبيرًا، لعله كان دافعًا لقيام دار نشر كبيرة مثل «دار الشروق» دخول المغامرة ونشر الكتاب-القنبلة، وهي المغامرة التي يؤكد سيف سلماوي، مسئول النشر بالدار «إنها ليست مغامرةً على الإطلاق، وإنما خطوة تصب في عمل الدار التي تؤمن بأن لديها رسالةً تنويريةً تحدِّد منهج عملها، ومنذ أن صدر الكتاب بالإنجليزية ونحن نفكر في نشره وترجمته، وعندما جاءتنا الفرصة لم نتردد على الإطلاق.» ويتساءل سيف: ما دام الجهد المبذول في الكتاب كان جهدًا علميًّا بشهادة الجميع فلا توجد مشكلة على الإطلاق، ونحن مع أي جهدٍ يُبذَل في نقده، أو النقاش حول قيمته، لكن النقاش حول أفكار الكاتب وميوله؛ فهذا شأنٌ آخر.