أين الأدلة على معاداة رءوف عباس للسامية؟!١
عند قراءتي حديث جويل بينين مع محمد فرج في عدد ٢٦ أكتوبر من «البديل» استرعى انتباهي اتهامه الدكتور رءوف عباس بمعاداة السامية دون أن يقيم الدليل على هذا الاتهام الخطير.
ففي معرض شرحه للأسباب التي دعته لرفض اقتراح المجلس الأعلى للثقافة أن يعهد لرءوف عباس بكتابة مقدمة الترجمة العربية لكتابه «شَتات اليهود المصريين» قال جويل بينين — حسب نص الحوار — إن «رءوف عباس مؤرخ قومي عربي، معادٍ للسامية»، ثم أخذ يشرح تاريخ علاقته مع رءوف عباس منذ منتصف الثمانينيات، وكيف شعر جويل بينين بالغبن إزاء الطريقة التي تعامل بها رءوف عباس مع أوراق هنري كورييل، التي كان قد قدَّمها له جويل بينين. وأضاف أنه شعر بأن رءوف عباس اتخذ منه موقفًا معاديًا عندما سمع منه أنه — أي جويل بينين — قد ذهب للمشاركة في جنازة أبيه الذي كان يعيش في إسرائيل، ومن البديهي أن أيًّا من هذين الموقفين لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى معاداة السامية.
ولدى قراءتي لحديث جويل بينين يتضح لي أنه قد وجَّه هذا الاتهام الخطير لرءوف عباس بشكلٍ جزافي دون أي دليل أو برهان.
لقد عرفت رءوف عباس لمدة تقارب العشرين عامًا، قرأت فيها أغلب ما كتب، وحضرت محاضراته وندواته، ودار بيننا الكثير من الحوارات والمناقشات، وطوال هذه السنوات لم أسمع منه أو أقرأ له أي شيء ينم عن معاداة السامية. صحيح أن لرءوف عباس مواقف واضحةً وصريحةً ضد إسرائيل وسياساتها، بل — أيضًا — ضد المبدأ الذي قامت على أساسه، ولكن تلك المواقف — بطبيعة الحال — لا تُعتبَر أمثلة على معاداة السامية.
إن الخلط الدائم بين الآراء الشجاعة المناهضة لإسرائيل وتلك المواقف العنصرية البغيضة التي تعادي اليهود كيهود هو الذي يسمح لمعاداة السامية الحقيقية أن تمر مرور الكرام؛ وكان يجب على جويل بينين (وهو الذي سعى حثيثًا في كتابه «شتات اليهود المصريين» لتوضيح الفارق بين هذين الموقفين) كان يجب عليه توخي الحذر والدقة عند توجيهه اتهامًا خطيرًا كهذا لواحدٍ من أهم المؤرخين المصريين.
لقد اختلفتُ كثيرًا مع رءوف عباس، ولي رؤية في تاريخ مصر الحديث تختلف عن رؤيته؛ وكنت دائمًا على رأيي بأن هذا الاختلاف اختلاف خلَّاق؛ لأنه يفتح مجالات البحث العلمي، ويثري حقل الدراسات التاريخية. على أن هذا الاختلاف لا يعني أبدًا التشكيك في مواقف الرجل الأخلاقية؛ ولذا يجب التأكيد على أنني لا أجد أي سندٍ لاتهام رءوف عباس بمعاداة السامية.