… والجامعة الأمريكية أيضًا١

شيرين أبو النجا

يبدو أن معايير الجامعة الأمريكية — حتى ولو كانت في وسط المدينة — لا يجب أن تختلف عن معايير السياسة الأمريكية بشكل عام، فحين اعتزمت الولايات المتحدة الأمريكية غزو — بل قُل سحق — أفغانستان لتأديب طالبان، أعلن بوش وزوجته أن الحملة تهدف — فيما تهدف — إلى تحرير النساء من العيش في عصورٍ خارج الحضارة، واستخدم الزي النسائي الطالباني للتدليل على ذلك، ومنذ أسبوع أو أكثر كانت السيدة لورا بوش تجلس مع النساء السعوديات اللواتي يرتدين زيًّا مشابهًا في الصور.

بل إنها قامت بارتداء إيشارب لتُعلن رمزيًّا قبولها هذه المنظومة. منذ عدة سنوات — أيضًا — بدأت إدارة الجامعة الأمريكية بالقاهرة تستجيب لبعض أشكال الرقابة التي أثارها بعض الطلاب. فوقعت مشكلة كتاب مكسيم رودنسون «محمد» بقسم التاريخ، ومشكلة شِبه السيرة الذاتية للكاتب المغربي محمد شكري، وعنوانها «الخبز الحافي»، وكانت الدكتورة سامية محرز تقوم بتدريسها كجزءٍ من المنهج، وقبل ذلك بكثيرٍ اعترض أحد الطلاب في قسم تعلُّم كتابة المقال على قراءة قصة قصيرة للكاتبة الراحلة أليفة رفعت … وهكذا.

كانت حُجة اتخاذ أي إجراءات هي وجوب مراعاة تقاليد المجتمع، والطلاب يعبِّرون عن هذا المجتمع، كان الطلاب هم أساس المنطق في إعادة إنتاج أشكال الرقابة، ولكن في حالة أخذ رأي الطلاب في مسألة مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الصهيونية لا بد أن يختلف الأمر، عندها يصرح المسئولون بأن الطلاب ليس من حقهم إبداء الرأي في اجتماع مجلس الأساتذة، في حين أن الطلاب كان من حقِّهم التقدم بشكاوى، والاعتراض على منهج الأستاذة الدكتورة سامية محرز!

لم يعُد من الغريب إذن أن تتصدَّر أخبار الجامعة الأمريكية الصفحة الأولى من الصحف بجانب أخبار جامعة القاهرة وعين شمس والمنوفية في الحصار الأمني، كل ما في الأمر أن حصار الجامعة الأمريكية للطلاب يتجلى في حصار الأفكار وحرية الرأي والتعبير، وهو ما لا يختلف كثيرًا عن الحصار الأمني.

وإذا كان طالب الجامعة الأمريكية يدفع أموالًا طائلة من أجل الحصول على خدمة تعليمية متميزة فمن حقِّه على الأقل أن يعبِّر عن رأيه، ويعلن رفضه لكل أشكال التطبيع، من حق الطالب على الجامعة أن يبدي رأيه في السياسة التعليمية، خاصةً إذا تعلق الأمر بأشكال التواجد الإسرائيلي، وإذا كانت حُجة منع الطلاب من الكلام في الاجتماع الذي عُقد يوم الأربعاء الماضي أنه اجتماع للأساتذة؛ فإنه من الممكن عقد اجتماع خاص لهم.

عمومًا أدى هذا القمع الفكري إلى انزعاجٍ بين بعض الطلاب المتسلحين بالوعي والإدراك لما يحدث، وقد تلقيت على البريد الإلكتروني رسالةً من الطالب أحمد اللوزي وهو بالفرقة الرابعة في قسم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، وأنشر الرسالة كاملة:

التطبيع من منظور طلبة الجامعة الأمريكية

سبق أن تناولت «المصري اليوم» موضوع التطبيع في الجامعة الأمريكية، ونقلت المواقف التي اتخذها الأساتذة بين الذين يرفضون التعامل مع الوسط الأكاديمي الإسرائيلي كتعبيرٍ عن رفضهم لسياسات الدولة الإسرائيلية، وآخرين يريدون الفصل بين الدراسة والسياسة، ويرون أن رفض التعامل مع إسرائيل بسبب سياساتها يعني أن الجامعة الأمريكية تتخذ مواقف سياسية، رغم كونها في الأساس مؤسسة مستقلة عن أي حكومة أو اتجاه سياسي.

لم يحضر اجتماع الأساتذة سوى مجموعة صغيرة من الطلبة، الذين سمعوا عن الاجتماع بالمصادفة، نظرًا إلى أنه مخصص للأساتذة فقط، ورغم محاولاتنا المتكررة نحن الطلاب الحضور للكلام؛ لم يسمح لنا رئيس الجلسة بالتعبير عن آرائنا. لم يكن هناك اجتماع مماثِل مخصص للطلبة؛ حيث إن إدارة الجامعة تظن أن أغلبية الطلبة في الجامعة «غير مهتمين»، وأنه حتى إذا نُظِّم اجتماع من هذا النوع لن يحضر سوى عددٍ قليل جدًّا، وذلك لأن طلبة الجامعة يُنتظر ويُفترض من قبل إدارة الجامعة أن يكونوا غير «مسيَّسين».

ولكن الجامعة من ناحية أخرى تفتخر بعلاقاتها مع الأنظمة الحاكمة في مصر والأردن، وتدعو رءوس تلك الأنظمة لإعطاء الطلبة بعضًا من مواعظهم من خلال محاضراتهم التي تتم في قاعة إيوارت الكبرى بالجامعة، هذا إلى جانب زيارات كل من «كوندوليزا رايس» والممثِّل الأمريكي «جورج كلوني»، الذي يُعَد ممن ينادون بالتدخل في دارفور.

وعلى الرغم من كل هذه الزيارات السياسية، فالجامعة تصر على أنها ضيفة في مصر، ولا تتخذ مواقف سياسية أو دينية، وهنا نسأل: لماذا لا يُعتبَر توطيد العلاقات مع الأنظمة الحاكمة نوعًا من الاتجاه السياسي؟ أم إن فكرة عدم التورط في السياسة هذه تُستخدَم فقط لفرض سياسات الأنظمة الحاكمة؟ والطريف أن الجامعة لا تتعامل مع سياسات النظام على أنها مواقف سياسية لأنها سياسات النظام الحاكم إذن فهي مباحة ومقبولة.

نظرًا للصورة الموجودة عند البعض أن الجامعة الأمريكية تأخذ بآراء الطلبة، على أساس أن عدد الطلبة يفوق عدد الأساتذة والإداريين، وهم الذين يُعامَلون باعتبارهم فخر إنتاج الجامعة. أحب أن أقول إن طلبة الجامعة لم يُستشَاروا في موضوع التطبيع هذا، بل إن بعضهم لا يعلم أن الجامعة تخطط للتطبيع؛ هذا بالطبع نتيجة حرص إدارة الجامعة واستهتارها الشديد بالطلبة وآرائهم، واستهتارها بتاريخنا كطلبة ومواطنين مصريين نمثِّل جزءًا من هذا المجتمع رغم كل شيء؛ فنسيت الإدارة تمامًا، أو تناست، أن أكثر من ٣٠٠ طالب من الجامعة كانوا حاضرين في انتفاضة التحرير يوم ٢٠ مارس ٢٠٠٣م رفضًا للحرب على العراق، وأن طلبة الجامعة وأساتذتها وقفوا مع قُضاة مصر لأننا جزء من المجتمع المدني، وهذا شيء يُحسب على الإدارة التي أثبتت أنها لا تحترم الطلبة، وإنما مهتمة أكثر بتنفيذ أجندة معينة وفرضها علينا.

أحمد اللوزي
الفرقة الرابعة بقسم علم الاجتماع
١  المصري اليوم، ٧ من نوفمبر ٢٠٠٧م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥