قصة الإرهاب الصهيو-أمريكي مع مؤرخ مصري١
الدكتور رءوف عباس، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة القاهرة مؤرخ مصري، له إسهامات بارزة، كان في الفترة الأخيرة ضيفًا على المحاكم المصرية؛ بسبب آرائه وخلافه مع مؤرخ أمريكي يهودي، أستاذ تاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، لدرجة لجوء الدكتور رءوف عباس إلى المحاكم؛ لينفي عن نفسه تهمة معاداة السامية التي اتهمه بها المؤرخ اليهودي.
إخوان أونلاين التقى المؤرخ د. رءوف عباس لنتعرَّف على أبعاد هذه القضية وأسبابها، وكيف يمارس الصهاينة الإرهاب الفكري للمثقفين العرب؟ وإليكم نص الحوار:
– قبل أن أبدأ في الرد على سؤالك، لا بد من ذكر بعض الأحداث القديمة المرتبطة بالموضوع. الجامعة الأمريكية بالقاهرة بطبيعة الحال تستعين بنوعية من الأساتذة العرب وأحيانًا أمريكيين أو أوروبيين، وكانت حريصة على ألا تتورط في اتخاذ أي مواقف سياسية تخدم أجندات معينة، لكن في فبراير ٢٠٠٥م اجتمع مجلس الأمناء بالقاهرة — رغم أن مقره واشنطن — وقرر العمل على مشروع الشرق الأوسط الكبير في ذلك الوقت، وبناءً عليه تم استبعاد أستاذ مصري؛ هو الدكتور بهجت قُرني، وكان مديرًا لبرنامج الشرق الأوسط في الجامعة أثناء إجازته، وتم التعاقد مع جوئيل بينين، وهو أستاذ تاريخ أمريكي، وأستاذ آخر مزدوج الجنسية أمريكي «إسرائيلي»، وبدأت الجامعة في تنفيذ برنامج جديد في كلية الدراسات الإنسانية، وتم توزيع إيميل داخل الجامعة بأن المعارضين للبرنامج معادُون للسامية!
وقدَّم الأساتذة المصريون والطلبة احتجاجًا على هذا؛ لدرجة تهديدهم لعميدة الكلية بأنهم سيرفعون دعاوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية؛ فاعتذرت العميدة ولم يتم شيء، وعندما علمتُ بذلك كتبتُ مقالًا بصحيفة «العربي» عن الدور الذي تلعبه الجامعة الأمريكية بالقاهرة لمساندة التطبيع مع العدو الصهيوني، وكتبت أن من حقِّها أن تعيِّن مَن تشاء، ولكنها لا بد أن تحترم البلد الذي تعمل به.
فأرسل جوئيل إيميل لكل المشتغلين في المشروع عن المقال، وطلب منهم مساندته ضدي، وبالفعل سانده البعض، فكتبتُ مقالًا بيَّنت فيه أن الأكاديمية البريطانية مقاطعة ﻟ «إسرائيل» أكاديميًّا بسبب سياستها العنصرية، ولا ينبغي أن يكون البريطانيون أفضل منَّا، وإن لم تنتهِ الجامعة الأمريكية عن دعم هذا التوجُّه فسنضطر إلى تنظيم حركة مقاطعة شعبية للجامعة.
فبدأت المناوشات، وأقام الطلبة وقفاتٍ احتجاجية ضد التطبيع؛ فاجتمع مجلس الجامعة، واتخذ قرارًا بتمسُّك الجامعة بسياساتها القديمة، وأما الدعوة لوجود أكاديميين «إسرائيليين» فمن الممكن أن يكونوا من عرب ٤٨، أو من الذين لهم مواقف معارِضة للسياسات «الإسرائيلية»، ومن هنا هاجمني جوئيل؛ لأنني أخرجت الموضوع إلى الرأي العام، واعتبر بذلك أنني أحاربه في عمله فاتهمني بمعاداة السامية.
– مؤخرًا أجرت صحيفة «البديل» المصرية حوارًا مع بينين؛ بمناسبة صدور كتابه عن اليهود المصريين، اتَّهمني فيه بمعاداة السامية، بل اتهمني في كتاب «الراية الحمراء» بالاتهام نفسه؛ لأنني اختلفت معه في الكتاب، على الرغم من أنني ساعدته من قبل، وقدمت له معلومات تفيد أبحاثه، وقد ساومني على أن يعطيني مذكرات هنري كورييل زعيم الحركة الشيوعية في مصر، وهو ما تم بالفعل، ولم أكن أخشى هذه التهمة، ولكنني صاحب نشاط علمي دولي؛ ولذا نصحني أصدقائي من رجال القانون الدولي أن أقوم برفع دعوَى ضده؛ لأنه إذا ثبت كلامه فسأكون معرَّضًا للقبض عليَّ في أي دولة بموجب القانون الأمريكي الذي يجرِّم معاداة السامية، ويطالِب بملاحقتها في العالم، بالتعاون مع منظمة الأمن الأوروبي، وأول ما طُبِّق هذا القانون كان على أستاذ تاريخ إنجليزي لأنه قال إن الهولوكوست مبالغ فيه، وأخذ حكمًا بالسجن ثلاث سنوات، وتم فصله من الجامعة!
– مصر لم توقِّع على هذا القانون، ولكنها وقَّعت على قرارات الأمم المتحدة عام ٢٠٠٥م، الخاصة باتخاذ إجراءاتٍ قانونية تحاكم ازدراء الأديان، ويمكن محاكمتي من خلال هذا الجانب؛ ولذا كانت نصيحة الأصدقاء برفع الدعوى تجنُّبًا لحدوث مشاكل.
– إننا أمام حملة جديدة تُعيد إلى الذاكرة خطابات التهديد التي وجَّهتها حركة «كاخ» المتطرفة، وزعيمها «مائير كاهانا» إلى عددٍ من المثقفين وقادة الرأي العام في مصر، في ثمانينيات القرن الماضي، وحملة الاتهامات الجديدة لا تختلف إلا من حيث الشكل مع حملة الإرهاب والتخويف السابقة، بل إن الحملة الجديدة أخطر؛ لأنها تهاجم المثقفين المصريين، وفي القلب منهم المؤرخون في بلدهم وعلى أرضهم، وفي عقر دارهم؛ كي يكونوا في موضع الدفاع.
وهذه سياسة «إسرائيلية» صهيونية بدأت منذ سنوات، ويشارك فيها شخصيات «إسرائيلية» وصهيونية مختلفة، يحرصون — كما هو واضح — على إدارة معركتهم ضد مثقفين مصريين من داخل مصر ذاتها، ويتم ذلك بأساليب ووسائل مختلفة.
– لم أسعَ إلى ترجمته، بل تحمَّس الدكتور إيمان يحيى لترجمة الكتاب، ولكن بشرط أن أكتب مقدمةً للكتاب، ولكن جوئيل رفض هذا، كما رفض أن تتم الترجمة بواسطة أحد معارفي، واشترط على المشروع القومي للترجمة ترجمة الفقرات العبرية في نص الكتاب بالعودة إلى مصادر عبرية، من خلال التعامل مع مكتبة المركز الأكاديمي «الإسرائيلي»، وهو أمرٌ لا تقبله مؤسسات وزارة الثقافة.
– قضية اليهود المصريين كتب فيها كثيرون، ومن أكثر من كتب الباحثة الألمانية اليهودية كيرمير، فكتبت عن اليهود في القرن العشرين، أما هو فاختار الفترة من ١٩٦٥م وحتى ١٩٧٣م، وقدم فصولًا يتحدث فيها عن أن اليهود قد انخرطوا في الجماعة الوطنية، بدليل أن سكرتير سعد زغلول كان منهم، ولم يكن يوجد عداء ضد اليهود إلا مع تزايد المد القومي، وكراهية الرأسمالية اليهودية.
وتدور فكرته بأنك إذا قلت على اليهود إنهم يهود تكون قد اعتبرتهم مُعادين لمصر، وهذا غير صحيح، كما أنه ينسب خروج اليهود من مصر سنة ١٩٦٥م لهذا التعصب، وهذا أيضًا غير صحيح؛ لأن معظم اليهود كانوا حصلوا على رعاية أجنبية، رغم إلغاء الامتيازات الأجنبية عن مصر، وصدر قرار وزير الداخلية سنة ١٩٥٣م بأنه يحق لمن عاش في مصر ١٥ سنة، وله مصدر رزق، أن يحصل على الجنسية المصرية، ولم يتقدم غالبية اليهود.
وعندما قام العدوان الثلاثي على مصر تم طرد رعايا الدول التي شنَّت العدوان على مصر، ومَن ساندها، وبالفعل تم طرد رعايا فرنسا وإنجلترا وبلجيكا وإيطاليا، وكان أكثرهم من اليهود، وممن طُرِد في ذلك الوقت المطرب والملحن المصري منير مراد، شقيق ليلى مراد؛ لأنه كان حاصلًا على الرعاية الأجنبية، وطلب السماح بالرجوع إلى مصر، ورجع بالفعل، فالمسألة لم تكن تخص اليهود، ويتحدث عن رحلة هؤلاء اليهود بمن ذهب إلى أوروبا، أو إلى «إسرائيل»، ويُنهي القصة بأن هؤلاء اليهود المصريين في «إسرائيل» يمكن أن يكونوا الجسر الذي يربط بين مصر و«إسرائيل»، وبهذا يتضح هدفه من الدراسة في التطبيع، وهو يأخذ الأحداث بشكلٍ انتقائي ليخدم فكرته الأساسية.
– الآن نحن نسير في فلك العولمة، وتعني أن العالم قرية واحدة، ولأن المصالح الأمريكية هي السيطرة على العالم سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا؛ فالمصالح الوطنية تتنافى مع العولمة؛ فالمقصود بأنني مؤرخٌ قومي متعصب؛ يعني، من وجهة نظرهم، أنني ضد العولمة؛ لأنني أحافظ على التاريخ الوطني لأمَّتي، وهذا أؤيده بشدة؛ لأنهم يحافظون على بلادهم وشأنهم، فلماذا لا نحافظ على خصوصيَّتنا مع الاستفادة من التواصُل العالمي؟!