السُّدُم
السديم في الأصل الضباب أو السحاب الرقيق، وقد أُطْلِق على طائفة من الأجرام السماوية تشبه السحب الخفيفة في مظهرها لنا خلال المناظير. وأول من شاهد أجرامًا من هذا النوع إلى حد علمنا المنجِّم الفارسي المشهور عبد الرحمن الصوفي في أواسط القرن العاشر، فقد شاهد ما يُعرَف اليوم بالسديم الأكبر في برج أندروميدا، وانتقل علمه هذا إلى الإسبان والهولنديين، فنجد موضع هذا السديم مدلولًا عليه بجملة نقط متقاربة في الخرائط السماوية الإسبانية والهولندية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. إلا أن اكتشاف الصوفي هذا لم يكن معروفًا في أوروبا إلا إلى حد يسير، ولذلك قام سيمون مريوس باكتشاف السديم نفسه مرة أخرى عام ١٦١٢م ووصف مظهره بأنه يشبه ضوء شمعة خلال قطعة من عظم القرن. وأول ذكر للسديم الأكبر في برج الجَبَّار نجده في كتابات راهب جزوبتي سويسري اسمه كيساتوس عام ١٦١٨م وقد وصف هايْجِنْز هذا السديم عام ١٦٥٦م بأنه يشبه فجوة في السماء تسمح لنا برؤية منطقة منيرة وراءه.
وكان مسييه مغرمًا بالبحث عن المذنبات، فوجد أن السُّدُم مضايقة له في بحثه، فتخلَّص من هذه المضايقة بأن عيَّن مواضعها ورتبها!
إلا أن هذه الأبحاث تضاءلت أمام ما قام به وليم هرشل من ذرع السماء بمنظاره، ففي عام ١٧٨٦م قدَّم هرشل إلى الجمعية الملكية قائمة وصفية احتوت نحو ألف سديم، وأعقبها بعد ذلك بثلاث سنوات قائمة أخرى احتوت مثل هذا العدد، ثم أضاف ثالثة عام ١٨٠٢م ضمَّنها خمسمائة سديم أخرى.
ولمرصد حلوان بعض الفضل في علمنا بمواضع السدم، فقد صرف المستر نكص شو الذي كان مديرًا لمرصد حلوان حتى عام ١٩٢٤م جهدًا كبيرًا في تعيين مواضع السدم التي لم يسبق ضبط مواضعها وقفى على أثره في ذلك الدكتور مدور القائم على المرصد الآن.
وقد تحققت نبوءة هرشل هذه عام ١٨٦٤م حين حلَّل وليم هجنز أطياف السدم فوجدها تختلف اختلافًا بيِّنًا عن أطياف سائر النجوم، وتدل دلالة واضحة على أن ثلث عدد السدم على الأقل من مادة غازية متخلخلة.
وقد تقدَّم البحث في طبائع السُّدُم تقدُّمًا كبيرًا عندما بُدِئَ في استعمال طريقة التصوير الفوتوغرافي في الأرصاد الفلكية، ففي عام ١٨٨٠م نجح هنري دريبر في الحصول على أول صورة فوتوغرافية للسديم الأكبر في برج الجَبَّار، ثم إن ومون وروبرتس حصلا على صورة ظاهر فيها النظام اللولبي للسديم الأكبر في برج أندروميدا بأن عرضا لوحًا فوتوغرافيًّا لمدة بضع ساعات أمام منظار عاكس قطره عشرون بوصة. ويبلغ عدد السدم التي يمكن تصويرها بوساطة أحدث المنظارات اليوم في أنحاء السماء نحو المليون.
وتنقسم بوجه عام إلى قسمين: مجرية ولا مجرية، وذلك على حسب قربها أو بعدها عن العالم المجري.