العلم والشباب
أذكر أنه عندما أُنشئت كلية العلوم في أكتوبر سنة ١٩٢٥م تقدَّم إليها بالضبط طالب واحد! وسعينا في ذلك الوقت إلى اجتذاب الطلاب من المدارس العليا إلينا بوسائل الترغيب، فنزح إلينا بضعة عشر طالبا. واليوم قد صار عدد المتقدمين لدخول الكلية يُعَدُّ بالمئات ولم يعد البناء يتسع لهم. كذلك الحال في التعليم الثانوي. فعدد طلبة العلوم في المدارس أضعاف ما كان عليه منذ عشر سنين. وإذن فالشباب متجه إلى العلم تدفعه غريزة صادقة لعلها غريزة المجتمع لوقاية نفسه والمحافظة على حياته. فنحن نعيش اليوم في عالم من المخترعات، عالم من الآلات والأجهزة كلها أساسها العلم. ودفاع المجتمع عن حياته بل إن حياته ذاتها قد صارت متوقفة على درجة اتقانه استخدام هذه المستحدثات. ومصر في هذا المضمار لا تزال في مؤخرة الأمم رغم ما قطعته من شوط بعيد في تقدمها الحديث. وشباب مصر هو أملها ورجاؤها، ولذلك كان اتجاهه إلى دراسة العلوم فألًا حسنًا وبشير نصر وخير.
على أن دراسة العلوم ليست مجرد شيء مادي قوامه الحديد والنار والغاز والكهرباء بل إن لطالب العلم والمشتغل به صفات روحية هي أساس نجاحه بل هي سر وجوده. فطالب العلم طالب حقيقة، ومن طلب الحقيقة أحب الحق ومن أحب الحق صدق ومن صدق اتصف بالأمانة، ومن كان أمينًا كان نزيهًا، ومن كان نزيهًا كان شجاعًا ومن كان شجاعًا كان ذا مروءة.
هذه سلسلة من الصفات كلها أساسية في طالب العلم والمشتغل به أردت أن أذكرها في هذا المجال مخافة أن يلتبس أمر العلم على الشباب فيظن أنه مجرد أجهزة وآلات وفنون ومخترعات وليذكر الشباب — بل ولنذكر جميعًا — أن على فهم هذا الأساس الروحي للعلم يتوقف مصير مصر بل ومصير الأسرة البشرية بأسرها.