عمد علماء الآثار المصرية والمؤرخون المختصون في علم الفلك والتاريخ إلى إيجاد طرق
حسابية
غاية في الحذق للوصول إلى تحديد العصر الذي ابتدأ فيه التاريخ بالسنة الشمسية،١ فابتدءوا بسنة ١٣٩م، ونحن نعرف بالضبط أول يوم في السنة الشمسية اتفق تمامًا مع
اليوم الذي ظهر فيه نجم الشعرى اليمانية «سوتيس»، وهو اليوم الذي بدأ فيه فيضان النيل،
وقد
اتخذوا هذا التاريخ نقطة ثابتة، ورجعوا إلى الوراء به مدة ثلاث مرات يتفق فيها ظهور الشمس
والشعرى اليمانية «سبد» بالمصرية في ساعة واحدة، ويحدث هذا مرة كل ١٤٦٠ سنة بحساب فلكي
ثابت، وبذلك ظنوا أنه يمكنهم أن يحددوا سنة ٤٢٤١ق.م بالسنة التي ابتدأ فيها المصريون
يحسبون
بحساب السنة المصرية الشمسية، وقد قال بعض المؤرخين إن هذا التاريخ هو أقدم عهد في تاريخ
العالم.
وقد استنتج هؤلاء المؤرخون من هذا التاريخ السحيق في القدم نتائج هامة، فمنه عرفوا
مقدار
تقدم المصريين في الحضارة في هذا العصر العتيق؛ إذ كان في مقدور المصري أن يلاحظ ظهور
النجوم، ويتمكن من تحديد مدة السنة الشمسية، ومن جهة أخرى استنتجوا الأنظمة التي كانت
عليها
البلاد في ذلك العصر، غير أن هذه الاستنتاجات لا ترتكز على حقائق ثابتة في التاريخ، وإن
كان
ما يكشف من الآثار ينبئ بتأصل المصريين في المدنية الموغلة في القدم.
ومهما يكن من الأمر فإن إنشاء السنة الشمسية قد ظهر في عصر قديم، وأنه كان من الأشياء
الضرورية القصوى لسكان وادي النيل؛ وذلك لأن السنة القمرية بشهورها المختلفة في الطول
بين
٢٩ و٣٠ يومًا لم تكن بالشيء الدقيق للمصريين الذين خلقوا بطبيعتهم زراعًا للأرض. هذا
على
خلاف السنة الشمسية التي تبتدئ في وقت حادثة معينة للفلاح المصري، وهو فيضان النيل المنظم
العظيم لحياة الفلاح المصري، ولما كان المصري لا يلتجئ قط لإضافة ربع يوم «السنة الشمسية
بالضبط يوم» أي بإضافة يوم واحد كل أربعة أعوام ليجعل عامه يتفق مع العام
الشمسي، فإنه استعمل في الواقع طوال مدة تاريخه سنتين مختلفتين: الأولى السنة المدنية،
والثانية السنة الثابتة أي الشعرى اليمانية، وهاتان السنتان لا تبدءان معًا في يوم واحد
إلا
كل ١٤٦٠ (٣٦٥ في ٤) سنة شمسية، أو كل ١٤٦١ ( في ٤) سنة مدنية.
١
وقد كتب الأستاذ نوي جبور Neugebauer مقالًا
ممتعًا في مجلة Acta Crientalia Vol XVII Paris III 1938. P. P.
169-195 تحت عنوان Die Bedeutungslosigkeit ber
Sotisperiode, Fur die alteste ægyptische Chronologie وقد دحض
فيه نظرية الأستاذ «أدورد مير» في استنتاج تواريخ محددة لمعرفة بداية التاريخ
المصري قائلًا: إن كل نظريته لا ترتكز على أساس علمي، وأن نظرية الحساب بواسطة ظهور
النجم «سبد» عند الصباح فهذا لا علاقة له بالحساب المصري، بل خاص بالفلك الإغريقي،
ولذلك يحتاج الموضوع إلى بحث جديد.