أُلْقِيَتْ في مؤتمر حافل أوائل سنة ١٩٢٥:
أحسنتم الصبر والعقبى لمن صبروا
نادى البشير فقولوا اليوم وائتمروا
تلك السنون التي ذقتم مرارتها
هذا جناها فطاب الغرس والثمرُ
مرت وفي كل مصريٍّ لها أثرٌ
إلا اليقين فما فيه لها أثرُ
سيهدم الطَّوْدُ مَنْ يبغيه معتديًا
وليس يُهدم من أركانكم حجرُ
بناكم الله في أرض إذا رفعت
صرحًا من المجد لم تعبث به الغِيَرُ
الدهر في غيرها هدَّام أبنية
والدهر في شاطئيها حارس حذرُ
كِنَانَة الله كم أوفت على خطر
ثم استقرت وزال الخوف والخطرُ
وكم توالت على أبوابها أممٌ
ومصر باقيةٌ والشمس والقمرُ
كأن رمسيس حيٌّ في مدينته
يرعى بَنِيه وهم من حوله زمرُ
•••
ها أنتمُ أنْتُمُ والشمل مجتمعٌ
لا الأمن طاش ولا أجناده حضروا!
٣
أين القلاقل؟ بل أين المعاقل؟ بل
أين الزبانية الفتاكةُ الشزرُ
وأين من أرسلوهم في محافلكم؟
وأين ما خوفوا الدنيا وما زجروا؟
خافوا على أمنهم لا أمن أمتهم
كذاك يخشى بغاة السوء من سهروا
إذا الظلام حواهم في مساربهم
فالنور في الليل ذنب ليس يُغْتَفرُ
لا يرحم الله عهدًا كان آمنه
حربًا على الأمن لا يُبْقِي ولا يذرُ
من كل باغ له في الشر ألف يد
لو قُطَّعت كلها لم يُجْزِهِ القدرُ
ينعى على الشرف العالي مفاخره
وينثني وهو بالآثام مفتخرُ
قالوا «النظام!» وطافوا حوله نُذُرًا
شاه النظام وشاهتْ تلكم النُّذُرُ
بئس النظام الذي تعلو بقمته
نفاية في حضيض الذلّ ما ظهروا
تسللوا شِيَعًا في كل ناحية
كأنهم منسر في الأرض منتشرُ
ظلم ولؤم وإتلاف ومفسدة
وسطوة وقلوب كلها خورُ
الله في عون مصر من رذائلهم
كم أجرموا في نواحيها وكم فجروا
لو أنصفوا كان سجنًا دار ندوتهم
يحمى المهارب منها حارس عَسِرُ
نَصُّوا الشرائع فيها للعقاب بها
وهم لكل عقاب زاجر وطرُ
ما كان خارجها جانٍ أضرُّ على
بلاده من جُنَاة عندها حشروا
قالوا: انتخاب! فقلنا: إي نعم صدقوا
هو انتخاب لمن خانوا ومن غدروا
هو انتخاب، أجل! بل تلك غربلة
وهم هنالك في غِربالها وضرُ
لا تدخلوها إذا جئتم بساحتها
إلا إذا غُسلت ألفًا وتعتذرُ
فازوا بمال وقد فزتم بأنفسكم
ربحتمُ أنتم العقبى وهم خسروا
عرفتم الخطة المثلى بتجربة
وراء تجربة تمضي وتندثرُ
وفي التجارب من حق ومن عِبَر
فما لهم ما وعوا حقًّا ولا اعتبروا
آن الأوان لمصر أن تجدَّ على
مناهج السعي لا زيغ ولا غررُ
قويمة الخطو لا التيه الذي نصبوا
يُثنى خطاها ولا الجب الذي حفروا
على الصراحة إن ودَّت وإن نفرتْ
ويستوي بَعْدُ مَنْ وَدُّوا ومن نفروا
هيهات تحجب عينيها براحتها
إذا اتقوا نظرة منها لما ستروا
شِعَارها ذاك فليحمل نظائره
من يبتغي ودها تنفعهم الشّعرُ
•••
يا فتية النيل هذا النيل مستمع
ومصر ناظرة والشرق منتظرُ
صونوا لمصر تراثًا من أوائلها
وثروة من ثراها الحُرُّ تُدَّخَرُ
ووفُّروا من قواها كل ما وفرت
من الضمائر في الجُلَّى وما تفِرُ
وعلِّموا علمها من ينفعون به
سيان في العلم ذو مال ومفتقرُ
ويسروا من صناعات الأكفِّ لها
ومن فنون بها الأرواح تزدهرُ
أمانةُ تلك في أعناقكم عَظُمَتْ
وبالأمانة فليعظُم من اقتدروا
فباركوا شعبكم وادعوا بدعوته
واستبشروا ومُروا بالحق وائتمروا