زاملني في السجن ذاك القلم
١
وناله ما نالني من قسم
ومَسَّ من فكري وأسراره
ما رامه الناس وما لم يُرَم
فرُبَّ معنًى ما وعاه سوى
ريشته ثم انطوى فانحسم
وكم له من حصة تُرتضى
فيما جرى من أدب أو حكم
وكم له من نفحة كالصَّبا
وكم له من لفحة كالضَّرم
وكم له من زهر مُجتنى
وكم له من ثمر مُلتهم
سجَّل ما سجَّل من رحمة
أو نقمة مرت بأرض الهرم
•••
ورُبَّ مسكين قضى حقه
وغاشم أحصى عليه اللمم
أعززته عن حلية تُقتنى
وصنته عن غاليات القيَم
ولي أخٌ يذكرني بالنعم
فقلت أجزي بعض تلك النعم
فلم أجد أنفس منه لمَنْ
محَّضَني قلبًا نفيس الشِّيم
قد صان ما أكتب في صدره
فغير بدع أن يصون القلم
يظل يستوحيه في كل ما
أوحى ويرعاه كرعْي الذمم
رعاه في أمن إلى أن قضى
عليه بالفقد قضاءٌ حَتَم
فغاله منه لصوص لهم
من كل عين فرصة تُغتنم
في يوم حشر حافل المزدحم
ضلت به العين مكان القدم
قد نام عنه لمحة في الضحى
فبات في ليلته لم ينم
•••
أما وقد فارقتنا يا قلم
وصالح اليأسُ عليك الألم
فخير ما أرجوه أن لا تُرى
في كف خَوَّان ولا مُتَّهم
ولا تخط الجهل في صفحة
«أبيض» ما فيها سواد الحمم
ولا تكن يا قلمي آلة
تشتمني باللغو فيمن شتم
فتنظم الحكمة لي من هنا
ومن هنا تنحى على مَنْ نظم
بدأت في الأوج فلا تنحدر
إلى حضيض الذل في المختتم