الحضارة الغربية: الفكرة والتاريخ
«صِيغَت فكرة الحضارة في سياق التوسع الاستعماري الأوروبي فيما وراء البحار في أفريقيا وآسيا والأمريكتين وأيرلندا، وجرى المصطلح على ألسنة أبناء النخبة في الدول الأوروبية التي انطلقَت في مغامراتها هذه، واستهدفوا التمييز بين أنفسهم وبين الشعوب التي التقَوا بها.»
كثيرًا ما روَّج الغرب لفكرة تفوُّق الجنس الغربي على غيره من أجناس العالم، مُبرِّرًا بها حملاته الاستعمارية ضد الشعوب الأخرى؛ بل وقد وقف مع هذه الفكرة الكثيرُ من المفكرين الغربيين الذين وضعوا الكثير من النظريات التي تؤكد تلك المزاعم، ولكن على الرغم من ذلك؛ فإن الغرب لم يَعدِم أيضًا أصواتًا تكشف زَيف تلك الفكرة، وكذبة احتكار الغرب للحضارة، ومِن بينهم: العالم الأنثروبولوجي «توماس سي روبرتسون»، الذي يعرض في هذا الكتاب تاريخ نشأة فكرة الحضارة عند الغرب، مُوضحًا هلامية فكرة الحضارة لدى مفكري الغرب، والصراع بينهم حول تحديد معناها والموقف منها، مع تقديم نظرةٍ تاريخية نقدية لنصوص مفكري الغرب وأفعال المستعمرين. كما يُبيِّن أن فكرة الحضارة قد صاغها القطب الأقوى سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا؛ ليَقهر بها فكريًّا عقول المستضعفين، ويغرس في نفوسهم مشاعر الدُّونية؛ دفاعًا عن مكانته وعن تفرُّده بالسلطة والسلطان، وهربًا من التفسير الاجتماعي العلمي لأسباب التخلف.