رأينا أنه إذا كان شخص ثنائي اللغة يتواصل مع شخص آخَر ثنائي اللغة يشاركه في اللغات
التي يعرفها، فإن هناك لغة أساسية ستكون مفعَّلة طوال عملية التواصُل بينهما، واللغة
الأخرى ستكون مفعَّلة أيضًا، لكن بقدر أقل. ويستطيع المتحدث الثنائي اللغة إدخالَ اللغة
الأخرى هذه إذا دعَتِ الحاجةُ إلى ذلك، وإذا شعر بأن مَن يتحدَّث معه لا يمانع في ذلك.
إليك مثالًا على هذا؛ تشاهد أسرةٌ فرنسية مجموعةً من الصيادين تصطاد في الجليد في بركة
والدن بوند في الشتاء القارص. يُظهِر الابن الصغير مارك اهتمامًا كبيرًا بالمعدات التي
يستخدمونها والأسماك التي يصطادونها، والأم — التي تُدخِل دومًا اللغة الإنجليزية عندما
تتحدث بالفرنسية — تشعر ببرد شديد وتقول لزوجها: Va chercher Marc and
bribe him avec un chocolat chaud with cream on top. تعني العبارة
الفرنسية Va chercher Marc: «اذهب وابحث عن مارك»، في
حين تعني العبارة الفرنسية الأخرى avec un chocolat
chaud: «بكوب من الشوكولاتة الساخنة»، أما العبارة الإنجليزية
and bribe him فتعني: «أَغْرِه»، وتعني عبارة
with cream on top: «عليه كريمة على الوجه». توجد
طريقتان لإدخال اللغة الأخرى «الثانوية»: من خلال ما يُعرَف باسم التبديل اللغوي (كما
في هذا المثال)، ومن خلال الاقتباس.
(١) التبديل اللغوي
التبديل اللغوي هو الاستخدام المتبادل للغتين؛ بمعنى تحوُّل المتحدِّث بالكامل
إلى لغة أخرى من أجل استخدام كلمة أو عبارة أو جملة، ثم عودته مرةً أخرى إلى اللغة
الأساسية. ومن ثم، فإن الأشخاص الثنائيي اللغة الذين يقومون بعملية التبديل اللغوي
يتحدَّثون لغة أساسية محددة في وضع ثنائي اللغة، ثم يستخدمون لغة ثانوية لوقت قليل.
في المثال السابق، أدخلَتِ السيدة الثنائية اللغة عبارتين كاملتين من الإنجليزية.
يمكن أن يحدث التبديل اللغوي أيضًا باستخدام كلمات فردية، كأنْ يقول المرء:
On a pris un trail بإدخال كلمة
trail الإنجليزية، التي تعني «الأثر»، على
الجملة الفرنسية، وهكذا تعني الجملة في النهاية: «لقد اقتفينا الأثر»؛ أو باستخدام
عبارات كاملة كما في العبارة الفرنسية
le vin est tiré et qu’il
faut le boire في الجملة الروسية التالية:
Chustvovali, chto le vin est tiré et qu’il faut le
boire (لقد شعروا بأن زجاجة النبيذ قد فُتِحت من قبلُ، وأنه لا
بد من شربها).
1
يتعرض التبديل اللغوي لكثير من النقد، ليس من الأشخاص الأحاديي اللغة فقط، لكنْ
من بعض الأشخاص الثنائيي اللغة أيضًا؛ فيشعر كثير من الناس أنه يُنتِج مزيجًا
مستهجنًا من اللغات على يد أشخاص يتحدثون بعدم اكتراث. أدَّى هذا إلى ظهور مفهوم
خاطئ شائع آخَر، وهو:
خرافة: يستخدم الأشخاص الثنائيو اللغة
التبديلَ اللغوي بسبب
كسلهم
أُطلِق على التبديل اللغوي عدة أسماء ازدرائية مثل «فرانجليز» (الخلط بين اللغتين
الإنجليزية والفرنسية)، و«تكس-مكس» (الخلط بين الإنجليزية والإسبانية في جنوب غرب
أمريكا). قد تكون ردود الفعل تجاه التبديل اللغوي قويةً إلى حد كبير، وقد ذكرَتْ
أحدَها لين هاني في سيرتها الذاتية عن المغنية والراقصة الشهيرة الأمريكية التي من
أصل أفريقي جوزفين بيكر. ينبغي ذِكْر أن بيكر عاشت معظم شبابها في فرنسا، وتتحدث
بالفرنسية بطلاقة. كتبت هاني تقول إن بيكر عندما ذهبت في زيارة إلى الولايات
المتحدة، حضرت حفل عشاء وكانت تستخدم بعض الفرنسية في حديثها بالإنجليزية، هذا
بالإضافة إلى أن لكنتها الإنجليزية كانت متأثِّرةً قليلًا باللغة الفرنسية. عندما
طلبَتْ بالفرنسية كوبًا من القهوة من خادمة أمريكية من أصول أفريقية، نهرتها
الخادمة وأخبرتها بأن تتحدَّث بما يتوافق مع أصلها!
2
أدت مثل هذه المواقف السلبية، بالإضافة إلى الخوف من احتمال أن يؤدِّي التبديل
اللغوي إلى أحد أشكال ما يُعرَف ﺑ «النصف لغوية» (وهو وجود تساوٍ في الضعف في
اللغتين)، إلى عدم تشجيع بعض الأشخاص الثنائيي اللغة، مثل معلمي اللغات والوالدين
الثنائيي اللغة، على القيام بالتبديل اللغوي وتجنُّبه. أما أنا فأودُّ تقليل مخاوف
القارئ من خلال الاستشهاد بأحد أقوال عالِم اللغة الشهير أينار هوجن، الذي يُعَدُّ
حكيمًا للغاية؛ حيث إنه مبني على سنوات عديدة من البحث في مجال الثنائية اللغوية:
نسمع أحيانًا عن أشخاص «لا يتحدثون لغةً واضحة على الإطلاق»، ويخلطون بين
لغتين لدرجةٍ يستحيل معها تحديدُ اللغة التي يتحدثون بها. لم تحدث مثل هذه
الحالات طوال سنوات خبرتي، على الرغم من قضائي سنوات عديدة في الاستماع إلى
حواراتهم.
3
أنا شخصيًّا لم أرَ التبديل اللغوي الخارج عن السيطرة إلا لدى
المرضى الثنائيي اللغة الذين يعانون من حُبْسة الكلام، وهم مرضى يعانون من إعاقة
لغوية تنشأ من حادثة وعائية دماغية (أو سكتة دماغية). لكن حتى في هذه الحالة، فإن
التبديل اللغوي الخارج عن السيطرة لم يحدث إلا لدى عدد قليل من الأفراد؛ فمعظم مرضى
حُبْسة الكلام يتحكمون جيدًا في آلية التبديل اللغوي.
يستخدم الأشخاص الثنائيو اللغة آليةَ التبديل اللغوي لعدة أسباب. يتمثَّل أحد
الأسباب الرئيسية في أنه يُفضَّل ببساطة التعبير عن أفكار أو مفاهيم معينة باللغة
الأخرى (فهم يبحثون عن le mot juste أو
«الكلمة المناسبة» كما يُقال بالفرنسية). فإذا كان الشخص الذي تتحدث إليه يفهم لغتك
الأخرى، ويتقبَّل التبديل اللغوي، وكان التعبير أو الكلمة الأفضل يُقال بهذه اللغة،
فبإمكانك أن تُدخِله ببساطة فيما تقوله. أشبِّه هذا بتناول قهوة مع الحليب بدلًا من
تناولها سادة؛ فإن الكلمة أو التعبير من اللغة الأخرى يضيف شيئًا بسيطًا يكون أكثر
دقةً من محاولة البحث عن مقابل في اللغة الأساسية. أستعرض فيما يلي مثالًا أذكره في
كثير من الأحيان؛ فقد استخدمتُ أنا وزوجتي كلمة
playground (منطقة للعب)، في أثناء إقامتنا في
الولايات المتحدة؛ إذ إنها تعبِّر على نحوٍ أفضل عن البيئة الحرة التي يمكن أن يحظى
فيها الأطفال بالمرح، مقارَنةً بالكلمة الفرنسية التقليدية
parc (متنزه)، بقواعدها الصارمة والعدد المحدود
للأرجوحات. (يسعدني أن أقول إنه منذ ذلك الحين تغيَّرت الأمور كثيرًا في فرنسا
وسويسرا، وأصبحنا، أنا وزوجتي وكثيرون غيرنا، نستخدم مصطلحًا جديدًا يعكس هذا
المفهوم وهو terrain de jeu.)
يتمثل السبب الثاني في استخدام آلية التبديل اللغوي في تلبية الحاجة اللغوية
لكلمة أو تعبير؛ فكما رأينا في الفصل الثالث عند الحديث عن مبدأ التكامل، إذا كان
أحد المجالات تغطيه كليًّا أو جزئيًّا إحدى اللغات بخلاف اللغة التي يتحدث بها
المرء، والموقف يستدعي التبديل اللغوي، فإننا نُدخِل الكلمات والتعبيرات التي نحتاج
إليها، إما لأنها الوحيدة الموجودة لدينا وإما لأنها المتاحة بسهولة أكبر. كتبت لي
سيدة ثنائية اللغة في اللغتين الإنجليزية والفرنسية ذات مرة تقول:
إن السبب في استخدامي لكثير من الكلمات الإنجليزية عند حديثي مع أشخاص
يتحدثون الفرنسية؛ أنني أجد أنه من الصعب توصيل أفكار أو معلومات معينة عن
حياتي اليومية في الولايات المتحدة بلغة غير اللغة الإنجليزية. فمفاهيم
ومصطلحاتٌ مثل
day care center (مركز
الرعاية النهارية)، و
finger food (الطعام
الذي يُؤكَل باليد مباشَرةً)، و
window
shopping (التفرج على المحلات دون رغبة في الشراء)،
و
pot-luck dinner (التجمُّع الذي
يُحضِر فيه كلُّ شخص نوعًا من الطعام ويشاركه مع الجميع)؛ تحتاج كلها إلى
جُمَل لشرحها بالفرنسية.
4
بالنسبة إلى هذه السيدة الثنائية اللغة، فهي تستخدم الإنجليزية
بالأساس في المنزل ومع أطفالها الصغار، لذا فإنها تتحوَّل إلى الإنجليزية عند
الحديث عنهم. يتمثَّل أحد الأسباب الأخرى للتبديل اللغوي في نقل كلامٍ قاله شخصٌ ما
باللغة الأخرى؛ فقد يبدو من الغريب أن تترجم هذا الكلام لشخصٍ ثنائي اللغة يفهم
اللغة الأخرى جيدًا.
يُستخدَم التبديل اللغوي أيضًا كاستراتيجية تواصُلية أو اجتماعية؛ لإظهار اندماج
المتحدِّث، وتمييز هوِيَّة المجموعة، وإقصاء شخصٍ ما، ورفع مكانة المرء، وإظهار
الخبرة، إلى آخِره. فيما يتعلق بالإقصاء، دَعْني أستعِر مثالًا من أحد كتبي
السابقة؛ عُيِّنت نيكول، وهي سيدة ثنائية اللغة في اللغتين الإنجليزية والفرنسية
تعيش في الولايات المتحدة، ممرضةً معتمدة في وحدة الرعاية القلبية الوعائية في أحد
المستشفيات الحضرية الكبرى على الساحل الشرقي. لقد كانت تستخدم الإنجليزية في
العمل، لكن منذ وصول زميلة لها كندية فرنسية، أصبحت تستخدم معها أحيانًا اللغة
الفرنسية عند وجودهما وحدهما. في أحد الأيام كانت الاثنتان تسألان أحد المرضى بعض
الأسئلة عن نوبته القلبية الأخيرة، وقبل نهاية الحوار، تحوَّلت نيكول بسرعة إلى
الفرنسية دون الالتفات عن المريض وقالت بهدوء:
Ça me paraît
grave (يبدو الأمر خطيرًا). ثم طرحت على المريض بعض الأسئلة
الأخرى بالإنجليزية.
5 يمكن لكل الأشخاص الثنائيي اللغة الذين يقرءون هذا أن يفكِّروا في موقف
أو موقفين تحوَّلوا فيه بسرعة لِلُغة أخرى للتعبير عن شيءٍ ما لشخصٍ واحد فقط من
الموجودين. إلا أن أسلوب التواصُل هذا قد يكون خطيرًا، بالإضافة إلى النظر إليه على
أنه غير مهذب؛ إذ من المحتمل أن يكون الشخص المستثنى من الحوار على درايةٍ باللغة
الأخرى بما يكفي لفهم ما يُقال.
قدَّمت عالِمة اللغة كارول مايرز-سكوتون، في بحث لها بالتعاون مع الباحث ويليام
أوري، مثالًا على التبديل اللغوي الهادف لرفع المكانة. يحدث المشهد في حافلة في
نيروبي؛ فيصعد أحد الركاب ويخبره المحصِّل، باللغة السواحلية، أن أجرة الذهاب إلى
مكتب البريد خمسون سنتًا، فيعطيه الراكب شلنًا ويخبره المحصِّل بأن ينتظر الباقي.
وعندما تقترب الحافلة من مكتب البريد ولم يحصل الراكب بعدُ على الباقي، يقول الراكب
للمحصِّل إنه يريد الباقي، فيجيبه المحصِّل بأنه سيحصل على الباقي. عندها يتحوَّل
الراكب إلى الحديث بالإنجليزية ويقول: «لقد اقتربتُ من وجهتي.» إن هذا التحوُّل
محاوَلةٌ من الراكب لتغيير مكانته من شخصٍ مساوٍ للسائق في المكانة، إلى شخصٍ أعلى
مكانةً منه، ومن ثَمَّ تصبح لديه سلطةٌ أكبر (فالإنجليزية هي لغة النخبة المتعلمة
في كينيا). لكن في هذه الحالة، يواجه المحصِّل هذه المحاوَلة ويقول بالإنجليزية:
«هل تظن أنني سأهرب بأموالك المتبقية؟» ليعيد بذلك التأكيد على المساواة في المكانة
بينهما.
6
يجدر بنا ذِكْر أن التبديل اللغوي يمكن أن يحدث أيضًا بأشكال مختلفة؛ فيغيِّر بعض
الأشخاص الثنائيي اللغة لغاتهم عند الكتابة، على سبيل المثال (في الخطابات، ورسائل
البريد الإلكتروني، إلى آخِره)، لكنهم يميلون إلى تمييز الكلمات بعلامات اقتباس أو
بوضع خطٍّ تحتها؛ فهم يدركون أن القارئ قد يتعرض للتضليل إنْ لم يتخذوا هذا الإجراء
الاحترازي. بالطبع عندما تكتب لنفسك (عند تسجيل ملحوظات على سبيل المثال)، فإنك
تستخدم أية لغة، وكثير من الأشخاص الثنائيي اللغة أمثالنا يسجلون ملاحظات متعددة
اللغات مع عدم تمييز التبديل اللغوي الذي تمتلئ به. قد يحدث التبديل اللغوي أيضًا
بين لغة شفوية ولغة إشارة. أجرى بول بريستون، وهو ثنائي اللغة في لغتَي الإشارة
الإنجليزية والأمريكية، مقابَلةً مع عدد من البالغين الثنائيي اللغة ممَّن يستطيعون
السمع ووُلِدوا لوالدَيْن أصَمَّيْن. بينما أُجريت معظم المقابلات باللغة
الإنجليزية، فإنه لاحَظَ أن المشاركين كانوا يتحوَّلون أحيانًا إلى استخدام لغة
الإشارة. الأسباب التي قدَّمها لذلك تشبه كثيرًا تلك التي ذكرتُها للتوِّ؛ فقد
تحوَّلَ المشاركون لديه إلى استخدام لغة الإشارة عندما شعروا أنها ستعبِّر عن
مفهومٍ ما على نحوٍ أفضل، وعندما عجزوا مؤقتًا عن التفكير في مقابل إنجليزي
للمفهوم، وعندما كانوا يعبِّرون عن الصُّمِّ، وعندما تأثَّروا عاطفيًّا لدرجة عدم
قدرتهم على التحدُّث.
7
في السنوات الأخيرة، أجرى علماء اللغة أبحاثًا كثيرة لكي يفهموا على نحوٍ أفضل
طريقةَ حدوث التبديل اللغوي؛
8 وكانت إحدى النتائج إدراك أن التبديل اللغوي، بدلًا من كونه خليطًا
اعتباطيًّا وغير نحويٍّ للغتين، يتبع ضوابطَ صارمةً للغاية، ويطبِّقه الأشخاص
الثنائيو اللغة الذين يجيدون لغتَيْهم. كتبت عالِمة اللغة شانا بوبلاك، الخبيرة
الرائدة في مجال التبديل اللغوي تقول:
إن التبديل اللغوي مهارة شفوية تحتاج إلى درجة كبيرة من الإجادة اللغوية
في أكثر من لغةٍ، وليس قصورًا ينتج عن عدم كفاية المعرفة بإحدى اللغات.
فبدلًا من كونه يعبِّر عن سلوك شاذ، هو فعليًّا مؤشر معبِّر عن درجة
الإجادة للغتين.
9
تُظهِر أبحاثي في الجوانب الصوتية في آلية التبديل اللغوي حدوثَ تحوُّل صوتي
مفاجئ وكامل إلى اللغة الأخرى في عملية التبديل، لكنْ قد يتم الاحتفاظ أحيانًا بوزن
اللغة الأساسية.
10 وفي دراسة استطلاعية أجريتها مع زميلي كارلوس سواريز، أظهرنا أنه إذا
كان التبديل اللغوي قصيرًا ويتمثَّل في وحدة نحوية ثانوية، كما في المثال الوارد في
بداية هذا الفصل، فإنه يندمج مع وزن اللغة الأساسية. وعلى العكس من ذلك، إذا كان
أطول ويتمثَّل في وحدة نحوية أكثر أهميةً، فإنه يجلب معه أنماطَ وزنٍ من اللغة
الثانوية. ومن ثَمَّ، في جملة
Marc, savonne-toi. You haven’t used
soap for a week!، فإن الجزء الأول الذي يعني «مارك، نظِّفْ
نفسك بالصابون» له طابع الوزن الفرنسي (منحنًى صوتيٌّ طويل ومنخفض)، في حين أن
الجزء الثاني بمعنى «فأنت لم تستخدم الصابون منذ أسبوع!» يحافظ على نمط الوزن
الإنجليزي التقليدي (ارتفاع في النهاية يعبر عن الدهشة). أما فيما يتعلَّق بإدراك
المستمع للتبديل اللغوي، فإن مدى كفاءة التبديل يعتمد على عوامل مثل: دقة الأصوات
ومجموعات الأصوات في اللغة الثانوية (كلما زادت دقة الأصوات، سهل إدراك التبديل)،
ووجود كلمة لها الصوت نفسه في اللغة الأساسية (فهذا من شأنه تأخير عملية الإدراك)،
وعدد عمليات التبديل اللغوي ومدى تكرارها، إلى آخِره.
(٢) الاقتباس
أحد الأساليب الأخرى التي يُدخِل بها ثنائيو اللغة لغتَهم الأقل استخدامًا؛ هو
اقتباس كلمة أو تعبير قصير من هذه اللغة وتعديلها صرفيًّا (وعادةً صوتيًّا) لتتلاءم
مع اللغة الأساسية. فعلى عكس التبديل اللغوي، الذي يتمثل في استخدام لغتين
بالتناوب، يتمثَّل الاقتباس في دمج إحدى اللغات في أخرى. يوضِّح الشكل
٥-١ هذا المفهوم.
كما نرى في الجزء العلوي من الشكل، الذي يمثل التبديل اللغوي، فإن الشخص الذي
يتحدَّث باللغة الأولى (المستطيلين الفارغين) يتحوَّل بالكامل إلى اللغة الثانية
(المستطيل المُظلل)، ثم يعود إلى اللغة الأولى (المستطيلين الفارغين مرةً أخرى).
على الجانب الآخر، في حالة الاقتباس، فإن العنصر المُقتبَس من اللغة الثانية يندمج
في اللغة الأولى، ويظهر هذا في الجزء الأسفل من الشكل في صورة المستطيل الذي يحتوي
على خطوط مائلة، تعبِّر عن «دمج» اللغة الثانية واللغة الأولى.
يوجد شكلان من الاقتباس؛ على الأرجح أكثرُهما استخدامًا هو اقتباسُ كلمةٍ ما
شكلًا وموضوعًا (من أجل إنتاج ما يُعرَف باسم «كلمة مستعارة» أو «اقتباس وقتي»، أو
مجرد «اقتباس») مثل المثالين التاليين المأخوذين من ثنائيي اللغة في اللغتين
الفرنسية والإنجليزية: Ça m’étonnerait qu’on ait code-switché
autant que ça (أنا لا يمكنني تصديق أننا استخدمنا التبديل
اللغوي إلى هذا الحد) وMaman, tu peux me tier/taie/mes
chaussures? (أمي، أيمكنك أن تربطي لي حذائي؟) في هذين
المثالين، دخلت كلمتان باللغة الإنجليزية هما
code-switch (التبديل اللغوي)
وtie (تربط)، ودُمِجتا في الجملة الفرنسية. إن
أكثر أجزاء الكلام التي تُقتبس هي الأسماء، تليها الأفعال (كما في المثالين
السابقين) والصفات، أما أجزاء الكلام الأخرى فتُقتبس على نحو أقل بكثير.
ركَّز كثير من الأبحاث على عملية دمج عناصر الكلام المقتبسة. ولا يزال يوجد بعض
الجدل حول تكيُّفها الصوتي (فهل تتكيف بالكامل مع اللغة الأساسية، أم تحتفظ ببعض من
السمات الصوتية لِلُّغة الثانوية؟) لكن يوجد جدل أقل حول التكيُّف الصرفي؛ فكما
يمكن أن نرى في المثالين السابقين، فإن الكلمة الإنجليزية
code-switch دخلت إلى الفرنسية وأُدخِل عليها
لاحقة اسم المفعول
é؛ والأمر نفسه ينطبق على المثال
الثاني الذي أُضِيفت فيه لاحقة المصدر
er (التي
تُنطَق
/e/) للكلمة الإنجليزية
tie. في حالة الأسماء، فإنها تتكيَّف مع
التركيب الصرفي للاسم لِلُّغة الأساسية؛ على سبيل المثال: قد تُضاف إليها صيغةُ جمع
أو صيغةٌ لتحديد النوع عندما تقتضي اللغةُ المُقتبِسة ذلك. لذا نجد الكلمات
الإنجليزية المُقتبسة التالية في الإسبانية:
el
trainer (المدرب)، و
esa girl
(هذه الفتاة)، و
la responsibility
(المسئولية).
11 لاحِظْ أنه عند دخول كلمة مقتبسة على إحدى الجُمَل دون أن تتطلَّب
علامة صرفية، ودون أن تندمج صوتيًّا، بحيث تُنطَق بصوتيات اللغة الأساسية؛ فإنه
يصعب تمييزها عن التبديل اللغوي في كلمة واحدة. سبَّب هذا جدلًا كبيرًا بين
المتخصِّصين حول ما إذا كنَّا نتعامل مع حالة للتبديل اللغوي أم الاقتباس.
يوجد نوع آخر من الاقتباس، يُسمى التغيير الاقتباسي، والذي يحدث عندما يُدخِل
المتحدثُ كلمةً في اللغة الأساسية ويوسِّع معناها ليشبه معنى كلمةٍ في اللغة
الأخرى، أو عندما يُعِيد ترتيبَ الكلمات في اللغة الأساسية على أساس أحد أنماط
اللغة الأخرى، ومن ثَمَّ يكوِّن معنًى جديدًا. يوجد مثال على الشكل الأول من هذا
النوع من الاقتباس في استخدام الأمريكيين الذين من أصل برتغالي لكلمة
humoroso بمعنى
humorous (فَكِه)، في حين أن معناها الأصلي في
البرتغالية هو
capricious (متقلِّب). ومثال آخَر
على هذا هو استخدام كلمة
soportar في اللغة
الإسبانية البورتوريكية؛ فهي تعني عادة
endure
(يتحمَّل)، لكنها اكتسبَتِ الآن أيضًا المعنى الإنجليزي لكلمة
support (يدعم). أما فيما يتعلَّق بإعادة ترتيب
الكلمات، ذاك النوع الذي يُطلَق عليه أيضًا الاقتباس الدلالي أو الاقتباس بالترجمة،
فنرى مثالًا عليه في فلوريدا عندما يتحدَّث ثنائيو اللغة باللغة الإسبانية فيقولون:
tener buen tiempo (بناءً على التعبير
الإنجليزي
to have a good time بمعنى «يحظى بوقت
جيد»)، بدلًا من استخدام الكلمة الإسبانية
divertirse.
12 يوجد مثال آخَر على هذا الشكل، وهو عبارة:
I put myself
to think about it (بدأت أفكر في الأمر) التي يقولها شخص ثنائي
اللغة في اللغتين الإسبانية والإنجليزية بناءً على التعبير الإسباني
me puse a pensarlo.
13
لماذا يقوم ثنائيو اللغة بعملية الاقتباس؟ تشبه الأسبابُ هنا تلك الأسبابَ التي
أعطيناها للتبديل اللغوي كثيرًا، على الرغم من وجود أهداف تواصُلية أقل. يأتي على
رأس القائمة استخدام الكلمة المناسبة، بجانب استخدام كلمةٍ من المجال الذي تغطِّيه
اللغة الأخرى (وهو مثال آخَر على تطبيق مبدأ التكامل). قضى علماء اللغة وقتًا
طويلًا لتفسير سبب اقتباس المهاجرين، عند الحديث بلغتهم الأصلية، قدرًا كبيرًا من
لغة الدولة المضيفة؛ فقد وجدوا أنفسهم فعليًّا بين عشيةٍ وضحاها يعيشون مع واقع
جديد، واختلافات جديدة في مجالاتٍ مثل العمل والإسكان والمدرسة والطعام والرياضة
والحياة النباتية والحيوانية وغيرها. وفي كثير من الأحيان لا تكون مفرداتُ لغتهم
الأولى كافيةً للتعبير عن حياتهم الجديدة. قال أوريل فاينريش، الباحث الشهير في
مجال الثنائية اللغوية، في إحدى المرات، إنه لَأمرٌ طبيعي أن تُستخدَم كلمات جاهزة
من اللغة الأخرى بدلًا من ابتكار كلمات جديدة؛ ففي النهاية، قليلٌ من مستخدمي اللغة
شعراء!
14
من المهم أن نميِّز بين حالات الاقتباس العفوي للأشخاص الثنائيي اللغة (الذي
يُسمَّى أيضًا الاقتباس الكلامي أو الوقتي) من الكلمات التي أصبحت جزءًا من مفرداتِ
جماعةٍ لغويةٍ ما ويستخدمها أحاديو اللغة أيضًا (والتي تندرج تحت ما يُسمَّى
بالاقتباس اللغوي أو الاقتباس الثابت)، والتي يستخدمها كل المتحدثين باللغة، على
الرغم من أن الأشخاص الثنائيي اللغة هم الذين أدخلوها. في الجملتين التاليتين،
تمثِّل كل كلمة ترتيبها الثالث أو الرابع مثالًا على الاقتباس اللغوي من الفرنسية
لكلمات أصبحت حاليًّا جزءًا من اللغة الإنجليزية:
The “poet” lived
in the “duke’s” manor. That day, he “painted”, played “music”, and wrote
“poems” with his “companions”. إن العملية التي أصبحت بها بعض
الكلمات المقتبسة، التي يستخدمها الأشخاص الثنائيو اللغة، جزءًا لا يتجزأ من لغة
الأشخاص الأحاديي اللغة؛ عمليةٌ معقدة ولها عدة أشكال؛ فبعض الكلمات تُقتبَس سريعًا
للغاية، بينما تمر كلمات أخرى بعملية طويلة، وبعض الكلمات يُدخِلها أحد الأشخاص
الثنائيي اللغة، والبعض الآخَر لا بد أن تتقبَّله مجموعةٌ كبيرة من الأشخاص
الثنائيي اللغة قبل انتقاله إلى مجموعة أحاديي اللغة. يشبِّه فاينريش الاقتباسَ
العفوي بالرمال التي يحملها أحد المجاري المائية، بينما يشبِّه الاقتباسَ اللغوي
بالرمال التي تترسب في قاع البحيرة؛
15 فإن استمرار تحرُّك الرمال أو ترسُّبها يعتمد على كثير من العوامل،
وكذا الحال بالنسبة إلى أنواع الاقتباس.
عندما يتحوَّل الاقتباس العفوي إلى اقتباس لغوي، فإن هذا لا يعني أنه تعرَّضَ
لعملية دمج فحسب، ولكنه نجا أيضًا من مقاوَمة بعض متحدِّثي اللغة المعنية. فقد يظن
المرء أن الفرنسيين يعارضون استخدام الكلمات الإنجليزية، لكن بعض شرائح المجتمع لا
تتردَّد — على نحوٍ غير واعٍ عادةً — في استبدال كلمات أو تعبيرات جديدة من اللغة
الإنجليزية بالكلمات أو التعبيرات الفرنسية القديمة البالية؛ ومن ثَمَّ ظهرَتْ
كلمات إنجليزية جديدة في اللغة الفرنسية اليومَ، مثل:
cool، وtop،
وlook، وbest
of، وtoo much، وغيرها. على
الرغم من ذلك، فإن هناك بعض المؤسسات التي تحاول تقليل قدر الاقتباس اللغوي الذي
يحدث؛ ففي فرنسا، على سبيل المثال، تقدِّم الأكاديمية الفرنسية باستمرارٍ كلماتٍ
فرنسيةً لتحلَّ محلَّ الكلمات الإنجليزية التي تعبِّر عن مفاهيم جديدة. يستخدم
الفرنسيون بعضًا منها (على سبيل المثال: كلمة
courriel التي تُستخدَم الآن كثيرًا مثل
e-mail (البريد الإلكتروني))، لكن يظل البعض
الآخَر ببساطة غير مستخدَم، مثل: bouteur بدلًا من
كلمة bulldozer (بلدوزر). تعرف اللغات كيف تستفيد
جيدًا من الكلمات الجديدة، كما تستطيع الكلمات أن تتسم بطابعها الخاص ولا تخضع
لسيطرة أحد. إليك مثالًا من اللغة الفرنسية: كلمة
people دخلت حاليًّا إلى اللغة الفرنسية، لكن
بمعنى المشاهير (نجوم الأفلام أو المسلسلات والمغنيين والممثلين). لقد اندمجت
تمامًا في اللغة وأصبحت الآن تُكتَب أحيانًا les
pipols؛ وأدَّى هذا إلى اشتقاقاتٍ مثل la
pipolisation.
إن معارضة الاقتباس من اللغات الأخرى ليست أمرًا جديدًا، ولم تَسِرْ دومًا في
الاتجاه نفسه؛ ففي عام ١٣٠٠، كتب المؤرخ روبرت الجلوستري ما يلي عن سيادة اللغة
الفرنسية على الإنجليزية:
إذا لم يكن الرجل يعرف شيئًا عن الفرنسية … فإن الناس ستقلِّل من شأنه.
وأنا أتصوَّر أنه في العالَم كله لا توجد دولةٌ لا تحافظ على لغتها الأصلية
إلا إنجلترا.
16
مَن كان يظن أنه بعد مرور سبعمائة سنة سينقلب الوضع وتصبح
الإنجليزية هي المسيطرة على الفرنسية؟