قرد صغير … أو ولد صغير …
كانت مغامرة القرصان من أسرع المغامرات التي قام بها الشياطين اﻟ «١٣»، صحيح أن الاستعداد لها استغرق وقتًا طويلًا، ولكنها انتهت في يومين … فقد استطاع الشياطين الخمسة الذين ذهبوا إلى ميناء «برجن» النرويجي تحديد مكان جزيرة القرصان … وقام «أحمد» و«عثمان» بالتسلل إلى الجزيرة في قارب صغير، ووقعا في قبضة الكابتن «مورجان» زعيم عصابة القرصان … وقبل أن يتحدد مصيرهما، وصلت بارجة إلى مشارف الجزيرة، وأخذت تدكُّها بقنابلها، وأسرع الكابتن «مورجان» بالهرب على سفينته السريعة المدمرة «الجوست» أو «الشبح»، واختفى في ضباب بحر الشمال وفي سحابة من الدخان، قبل أن تتمكن البارجة من مطاردته …
كانت هذه الخواطر تمرُّ بذهن «أحمد» وهو يقف في ميناء الجزيرة الصغيرة — القريبة من جزر «شتلاند» — وبجواره «عثمان»، بعد أن تأكَّدا أن السفينة «جوست» قد اختفت وفي قلبها ثلاثة من الشياطين، هم «بو عمير»، و«فهد»، و«قيس» …
ولم يكن أمام «أحمد» و«عثمان» إلا الاتصال برقم «صفر»، وإبلاغه بما حدث، ودخل «أحمد» إلى غرفة اللاسلكي في الميناء، وأخذ يُرسل على الفور رسالتَه إلى المقر السري …
إلى «ك. ش» من رقم «١» ورقم «٢» …
استطعنا الوصول إلى جزيرة القرصان في شمال المحيط الأطلنطي قرب جزر «شتلاند». هرب القرصان بسفينته المسماة «جوست»، ومعه ثلاثة من الشياطين؛ هم رقم «٥»، ورقم «٨»، ورقم «١١» … قامت بارجة حربية تابعة لدولة من دول أوروبا بقصف الجزيرة وحوَّلتها إلى أنقاض … وفرَّ أكثر أعوان القرصان في قوارب … وسوف نتولى استجواب الباقين؛ لعلنا نحصل على معلومات تؤدي إلى كشف مخبأ آخر للقرصان. مطلوب أية معلومات عن اتجاه سفينة القرصان لمحاولة الوصول إليها … في انتظار تعليمات منكم …
أرسلوا على الموجة «ك. ك» … ذبذبة ٣٥٥ كيلوسيكل … الرموز «١»، «٢» × ١٣ …
خرج «أحمد» من قاعة اللاسلكي … كان «عثمان» يتحدث مع ولد صغير، كان الولد يبكي، فهو لا يعرف أين ذهب أبوه وأمه في هذا الدمار الذي شمل الجزيرة الصغيرة بعد أن هرب القرصان وقصف البارجة …
قال «أحمد» — وهو ينظر إلى الولد الصغير: إنك دائمًا تجد شيئًا يتعلَّق بك يا «عثمان»، إما قرد صغير … أو طفل صغير.
عثمان: إنني أحب هذه الكائنات الصغيرة … إنهم دائمًا في حاجة إلى الحب والحنان والحماية …
أحمد: ستصبح أبًا ممتازًا …
كشفت ابتسامة «عثمان» عن أسنانه البيضاء وهو يقول: هذا إذا عشت حتى أصبح أبًا …
قال «أحمد»: أرسلت الآن برقية إلى رقم «صفر»، أوضحت له فيها الموقف، وطلبت بعض المعلومات والتعليمات.
عثمان: لقد اختفت المدمرة الغامضة في الضباب … وإذا كان ثلاثة أخماس العالم من الماء، فإن العثور عليها يشبه العثور على سمكة صغيرة في بحيرة واسعة …
أحمد: لعلَّ عند رقم «صفر» وسائل لمتابعة المدمرة … فهي بالتأكيد سوف تستمر فترة في هذه المنطقة قبل أن تستطيع الوصول إلى مكان بعيد …
عثمان: هل تتوقع أن يكون لها مأوًى آخر؟
أحمد: أعتقد أن هذا هو المعقول … وأعتقد أنه سيكون في أحد البحار الدافئة، فبعد أيام قلائل سوف يشتد البرد، وتتجمد المياه في المحيطات الشمالية وتصبح الحياة مستحيلة …
عثمان: إن هذا استنتاج مهم … فمدمرة القرصان سوف تتجه جنوبًا …
أحمد: أعتقد هذا.
عثمان: إذن لنستجوب بعض السكان هنا … لعلنا نحصل على معلومات …
أحمد: هذا ما قلته لرقم «صفر» …
كانت البارجة تقف خارج الميناء، فلم تكن تستطيع الاقتراب أكثر … وكان ثمة قارب يقترب من الشاطئ، وقد حمل بعض الضباط، وكانت الجزيرة قد سكنت تمامًا حتى أصبحت شبه مهجورة … وعندما توقَّف القارب وصعد الضابط ورجاله إلى الشاطئ أسرع «عثمان» و«أحمد» لمقابلتهم …
كان قائد المجموعة ضابطًا برتبة عقيد، طويل القامة، شديد الأناقة … وتقدَّم منه «أحمد»، فقال الضابط: العقيد بحري «فريزر»، من قوات صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا …
لم يقابل «أحمد» تقديم «فريزر» بتقديم نفسه له، بل سارع إلى سؤاله: هل يمكن مطاردة المدمرة؟
فريزر: ليس ممكنًا بالنسبة لبارجة، فالمدمرة أصغر وأسرع، خاصةً وأن هذه المدمرة فيما يبدو تملك قدرة على الحركة أكبر من حجمها …
أحمد: ألا يمكن متابعتها بالرادار؟
فريزر: للأسف، إن الدخان الذي تطلقه حول نفسها يجعل عمل الرادار غير ممكن … ونحن نعتقد أنهم أضافوا للدخان موادَّ خاصة تُعطِّل عمل الرادار …
أحمد: وكيف تم الاتصال بكم؟
فريزر: رسالة من أشخاص مجهولين في جزيرة «ويك».
وتذكَّر «أحمد» على الفور مجموعة الشياطين في جزيرة «ويك»، المكونة من «إلهام»، و«هدى»، و«ريما»، و«باسم»، و«رشيد» …
عاد «أحمد» يسأل: وماذا ستفعلون بعد ذلك؟ …
فريزر: سنُقدِّم تقريرًا إلى الأميرالية البريطانية بما حدث، وستقوم قوَّاتٌ خاصةٌ بالحضور إلى الجزيرة لتطهيرها من آثار القرصان … أما نحن فسوف نُسرِع بالانضمام إلى بقيَّةِ القوات، فقد كُنَّا في مُناوَرةٍ مشتركة …
شكر «أحمد» الضابط «فريزر» الذي أسرع بالعودة إلى بارجته … بينما بدأ «أحمد» و«عثمان» استجوابهما لبعضِ مَن بقيَ من سكان الجزيرة، الذين كانوا جميعًا سعداء بالتخلُّص من سطوة القرصان … وقد كانوا جميعًا يعملون كخدم وعبيد في الجزيرة، بينما فرَّ الرجال الأقوياء مع القرصان …
وفهم «أحمد» و«عثمان» من أحاديث الباقين أنهم لا يعرفون شيئًا عن مأوًى آخر للقرصان … ووجد «أحمد» و«عثمان» أنهما وصلا إلى طريق مسدود … ولكن فجأة دبَّت الحياة في الموقف … قال الطفل الصغير الذي كان يمسك بيد «عثمان»: إنني أعرف مكانًا في الجزيرة لا يعرفه أحد غيري …
ابتسم «أحمد» للطفل الصغير، وقال مشجعًا: أين هذا المكان؟
قال الطفل: كان أبي يختفي أحيانًا ولا يعود إلى البيت لفترة طويلة … وذات يوم في الفجر خرج، فخرجت خلفه، ووجدته يسير حتى يصل إلى مكان خارج الغابة الصغيرة ثم يقف، وبعد قليل وصل الكابتن «مورجان»، وسارا معًا إلى داخل الغابة … فتسللت خلفهما، حتى وصلا إلى بقعة كثيفة الأشجار، ووقفا يتحدثان قليلًا، ثم اتجه أبي إلى شجرة كبيرة ورفع من حولها بعض الأعشاب، ثم انحنى ومدَّ يده ورفع بابًا … ثم دخل هو والكابتن «مورجان» وأغلقا الباب خلفهما …
قال «أحمد»: أنت ولد مغامِر … ما اسمك؟
الولد: اسمي «ماريو» … ونحن من جزر الهند الغربية.
أحمد: وأنت تعرف الطريق إلى الباب السري يا «ماريو»؟
ماريو: نعم … إنني أحفظ الطريق … وقد حاولت مرة أن أفتح الباب، ولكني لم أستطع، إنه باب ثقيل …
أحمد: وستدلنا على الطريق … والباب؟ …
ماريو: نعم … من أجل هذا الأخ …
قال ذلك وأشار إلى «عثمان»، فقال له «أحمد»: إن اسمه «عثمان»، وهو يحب الأولاد الأذكياء مثلك …
عثمان: هل الطريق بعيد يا «ماريو»؟
ماريو: نعم … هل تستطيع ركوب حصان؟
عثمان: نعم …
ماريو: إذن نأخذ حصانًا ونذهب …
وخرج الثلاثة من باب غرفة القيادة في الميناء … كان كل شيء قد هدأ، واتجهوا إلى إسطبلات الكابتن «مورجان»، وركب «أحمد» حصانًا، وركب «عثمان» حصانًا، وأخذ أمامه «ماريو» … وسرعان ما كان الثلاثة يتوغَّلون في الجزيرة، ومضت نحو ساعة، ثم أشار «ماريو» إلى غابة صغيرة في شرق الجزيرة، وقال: هذه هي الغابة التي حدثتكم عنها.
وأحسَّ «أحمد» أنه مُقبِل على معرفة أسرار هذا القرصان الداهية، حفيد «مورجان» الكبير …