المنظر الأول
(لوسنتيو بن فنسنتيو من مدينة بيزا، حديث المجيء إلى بادوا يصحبه خادمه ترانيو.)
لوسنتيو
:
ترانيو، إذ كانت شدة الشوق لرؤية مدينة بادوا الجميلة مهد الفنون والآداب قد
أنزلتني في لومبارديا الخصيبة جنة إيطاليا العظيمة، وإذ يشد أزري اليوم حب أبي
إياي وإذنه ويصحبني منه الرضا ومنك حُسن المرافقة أنتَ يا خادمي الأمين يا ذا
الخُلُق القويم في كل مَنْحى؛ فهلم بنا نتنفس قليلًا، ونشرع خِفَافَ القلب في تلقي
منهج من العلم والأدب الحرِّ في جامعتها. بيزا بلد الرصانة، في أهلها ولدتني. وأبي
هو فنسنتيو التاجر ذو المعاملات التي تضرب في أنحاء العالم وسليل بيت
بنتيفولي Bentevolli. وإذ إن ولد فنسنتيو
إنما تربَّى في فلورنسا ليحقق الآمال التي نِيطت به، فحُقَّ عليه أن يُزيِّن جبين
جَدِّه بفضائل الأعمال. من أجل هذا فإني عازمٌ في خلال الدرس على أن أوفر نفسي على
اكتساب الفضيلة، وعلى تحصيل مطلب الفلسفة الذي يبحث في السعادة، تلك السعادة
التي لا يمكن نيلها إلا بالفضيلة خاصة. ماذا ترى في ذلك، لأني تركتُ بيزا ورائي
وجئتُ إلى بادوا كمَن يترك الجدول الضَّحْضَّاح ليغْتمر في لُجَّة النهر العميق، ويَنْقَع
غُلَّة ظمئه؟
ترانيو
:
معذرة يا سيدي الكريم، إني أشاطرك الرأي في كل هذا، ويسرُّني أن تستمر في عزمك
على ارتشاف حلاوة الفلسفة، ولكن حذارِ يا سيدي العزيز ونحن مُغْرمون بهذه الفضيلة
وهذه الرياضة الخُلُقية أن يسوقنا الأمر حتى نصبح من الرُّوَاقيين أهل الزهد
والجمود، أو يدفعنا التعلق بمبادئ الفيلسوف أرسطو حتى نرى غزل الشاعر أُوفيد
هَمَلًا وسقطًا مستوجِبًا كل زِرَاية! استعمل المنطق في الحديث مع معارفك، ومَرِّنْ
لسانك على البيان في كلامك السائر، وتعلَّم الموسيقى والبلاغة لتَزْكُوَ نفسُك،
وإياك أن تجنح إلى الرياضيات وعلم ما وراء المادة إلا بقدر ما يُعِينان فؤادك على
أمرك. واعلم أنه لا فائدة للإنسان من شيءٍ لا يكون له منه مسرة. وقُصَارَى القول
يا سيدي أن تدرس ما ترى نفسك إليه أَمْيل.
لوسنتيو
:
شكرًا لكَ يا ترانيو على هذه النصائح الغالية. آه يا بيونديلو! لو أنَّك بلغت
الشاطئ لكُنَّا اليوم قد انتهينا من إعداد شئوننا، ولكُنَّا استطعنا أن نقيم
منزلًا يصلح لإكرام الصِّحاب الذين ستلدهم الأيام لنا في بادوا. ولكن رويدك
قليلًا، مَن القادمون؟
ترانيو
:
سيدي، هؤلاء نفرٌ أتوْا للترحيب بمَقْدَمِك إلى المدينة.
(يقفان على جانب الطريق. ويدنو بابتستا، أحد أغنياء بادوا، ومعه
ابنتاه كاتارينا وبيانكا، وبرفقتهما جريميو وهورتانسيو خاطبا بيانكا.)
(بيانكا فتاة حلوة الطبع، طيبة القلب. أما كاتارينا «الشرسة» فذات
طبعٍ حادٍّ لا يُكبَح جماحه، لا يطيقها أحد ممَّن يتصل بها في شيء؛ ولذلك فإن أباها
بابتستا لا يسمح بزواج بيانكا حتى يخلص من ابنته الشكسة الصعبة المراس.
أما خاطبا
بيانكا فأحدهما، وهو جريميو، رجل مسن، مغرم بها، مع خفة في العقل. والآخر هورتانسيو،
وإن
كان أليق بها فإن حبه موجَّه في أغلبه إلى مال الفتاة لا إلى الفتاة
نفسها).
بابتستا: أيها السادة، لا تُلْحِفوا فإنِّي ثابت العزم كما تعلمون لا أزوِّج ابنتي الصغرى قبل
أن
يجيئني زوج للكبرى، إنِّي أعرفكما حق المعرفة وأحبكما كل الحب، فإذا كان فيكما
مَن يحب كاتارينا، فإنِّي أسمح له بخطبتها والتحبب إليها أنَّى شاء.
جريميو (لنفسه): إنها أولى أن تُربَط في مؤخرة عربة وتُسَام سوء العذاب. ما لي قدرة على
احتمال شرها وجلافتها. هيا أنت يا هورتانسيو، ألا تريد أن تتزوج؟
كاتارينا (إلى أبيها بغضب): خبرني يا سيدي أتريد أن تجعلني هُزْأَة في عين هذين الرفيقين؟
هورتانسيو: الرفيقين يا آنسة! ماذا تعنين بذلك؟ لن يكون لكِ منهما أحد حتى تكوني ألطف
من هذا طبعًا وأرقَّ تكوينًا.
كاتارينا: بالله يا سيدي لا تخشَ بأسًا! إنك لم تقطع نصف الطريق المؤدي إلى قلبي، وإلا
فما كانت تقصر عنايتي بك عن تمشيط رأسك بكرسي مثلث الأرجل، وصبغ أديم وجهك بدمك،
وجعلكَ ضحكة وهُزْأَة كضحكة القصور.
هورتانسيو: اللهم نجنا من أمثال هذه الشياطين.
جريميو: وأنا أيضًا يا إلهي!
(يرق لوسنتيو لبيانكا فيميل نحوها ولكن ترانيو يمنعه.)
ترانيو: رويدك يا سيدي، إنها فرجة سَنَحَت لنا، هذه الآنسة إما مجنونة تمام الجنون أو
أنها شريرة عاتية.
لوسنتيو: ولكني أرى في سكوت الأخرى لطف العذراء وكياستها، مهلًا يا ترانيو.
ترانيو: صدقتَ يا سيدي، سكتُّ. املأ عينيك منها كما تشاء.
بابتستا: أيها السادة، لكي أحقق لكم ما قلته الآن سأحجبها على الفور. بيانكا، ادخلي
الدار، ولا يسوءك هذا، فما ينقصك حبي إياكِ يا ابنتي الكريمة النفس.
كاتارينا: يا لها من دمية جميلة لا أثر للحياة فيها! لو وضعتَ إصبعك في عينها ما شعرتْ
بما فعلتَ.
بيانكا: أختي، لتكن لكِ السعادة من شقائي. وأنت يا سيدي الوالد، إني طوع إرادتك. سأجعل
لنفسي رفقة من الكتب وآلات الموسيقى أطالع فيها وأعزف عليها، فريدة في
غرفتي.
لوسنتيو: اسمع يا ترانيو، لكأنك تسمع منيرفا نفسها تتكلم.
هورتانسيو: يا سيد بابتستا، أترضى أن تسلك هذا المسلك الشاذَّ في معاملة ابنتك؟ يحزنني أن
يبعث حُسن قصدنا أسًى لبيانكا.
جريميو: لماذا تحبسها يا سيد بابتستا؟ من أجل شيطانة الجحيم هذي؟! وتحملها على معاناة
العذاب تكفيرًا عمَّا جنى لسان أختها؟!
بابتستا: مهلًا يا سادة، هذا ما عزمتُ عليه ولن أرجع فيه. بيانكا، ادخلي (تخرج بيانكا).
وإذ إنِّي أعلم أنها مغرمة
بالموسيقى والآلات وبالشعر، فسأجمع لها في بيتي من المعلمين عدة يتولون
تعليمها. فإذا كنتَ يا هورتانسيو أو يا سيد جريميو تعرف مَن يليق لذلك فابعث به
إليَّ. واعلم أنِّي أُكرِم أهل الحِذْق ولا أقصر عن السخاء في سبيل تربية أولادي،
ولذلك أستودعكم الله. كاتارينا، انتظري هنا إذا شئتِ، فإن لديَّ حديثًا مع
بيانكا (يخرج في أثر بيانكا).
كاتارينا: أظن أن لي الحق في أن أذهب من هنا أنا أيضًا، لِمَ لا؟ ماذا؟! أيريد أن أبقى
هنا ساعات طويلة كأنما أنا لا أدري ما آخذ وما أترك، ها؟ (تخرج).
جريميو: أولى بكِ أن تلحقي بحظيرة الشياطين! إن مواهبَكِ قد بلغتْ حدًّا لا يُدرَك،
فلا يستطيع أحدٌ هنا أن يقف في سبيلَكِ. ليس حب بابتستا لابنته هذه عظيمًا يا
هورتانسيو، فلنصفِّر معًا لحن الخيبة والخِذْلان، لقد سُقِط في أيدينا وحبطت آمالنا،
فوداعًا أيتها الآمال! ولكني، لِمَا أحمل من الحب لبيانكا الجميلة، إذا استطعتُ أن
أعثر لها على رجلٍ يصلح لتعليمها ما تحب فسأذكره عند أبيها.
هورتانسيو: وسأفعل كذلك يا سيد جريميو. ولكن لي كلمة إذا تكرمت: نعم، إن تنافسنا لا يسمح
لنا بالحديث والتذاكر، ولكن اعلم أننا إذا فكرنا في مصلحتنا وأردنا أن نقترب
مرةً أخرى من حبيبتنا الجميلة ونعود إلى التنافس السعيد فيها؛ فهناك أمرٌ يجب
علينا أن نوجه إليه همتنا.
جريميو: أي أمر هذا يا ترى؟
هورتانسيو: أن نبحث عن زوجٍ لأختها.
جريميو: زوج! عفريت.
هورتانسيو: أقول زوج.
جريميو: وأقول عفريت. أتظن يا هورتانسيو أن في الدنيا رجلًا من الغفلة والجنون بحيث
يرضى أن يتزوج جهنم هذه، وإن كان أبوها واسع الثروة والغنى؟
هورتانسيو: عجبًا يا جريميو! إذا لم يكن في وسعي ولا وسعك أن نتحمل منها مثل ذلك الصخب
المزعج، فإن في الدنيا لو فتشت رجالًا كثيرين يتمنون لو يأخذونها على عيوبها؛
طمعًا في مهرها العظيم.
جريميو: لا أدري، ولكن حريٌّ بي لو أخذت مهرها على هذه العلة أن أُضرب بالسوط صباح كل
يوم في ساحة السوق.
هورتانسيو: هو كما تقول، ليس للمرء خيار في تفاح عفن، ولكن اسمع إذا كان هذا المانع قد
جمعنا على صداقة، فلتَبقَ هذه الصداقة بيننا حتى نجد زوجًا لابنة بابتستا
الكبرى، ونطلق بهذا سراح ابنته الصغرى، ثم نعود إلى التنافس كَرَّةً أخرى. آه
يا بيانكا الجميلة! ما أسعد الرجلَ الذى تكونين من قسمته! من يكن منا أسرع خطوًا من صاحبه
يظفر بخاتم الخطبة. ماذا تقول في ذلك
يا سيد جريميو؟
جريميو: أنا موافق. ووددتُ لو أعطيتُ أسرع جواد في بادوا لمَن يريد أن يستبق إليها،
ليتحبب إليها ويخطبها ويتزوجها ويريح المنزل منها! هلم بنا.
(يخرج جريميو وهورتانسيو متأبطًا أحدهما ذراع الآخر، وفي هذه
الأثناء يكون لوسنتيو قد تنقَّل به الأمر من الإعجاب ببيانكا إلى تَوَلُّه.)
ترانيو: بالله خبرني يا سيدي، أيمكن أن يملك الحب قلب صاحبه مفاجأة كما أرى؟
لوسنتيو (مفتتَنًا): آه يا ترانيو! ما كنتُ أظن الأمر ممكنًا أو جائزًا قبل ما وقع لي، ولكن انظر
حينما كنتُ واقفًا أنتظر في سكونٍ وجدتُ أثر الحب في هنيهة ذلك السكون نفسه.
والآن أقر لك صراحةً يا ترانيو، يا مَن أنتَ موضع السر والمحبة مني كما كانت حنا
من ملكة قرطاجة، أني أحترق وأذوِي وأفنَى يا ترانيو إذا أنا لم أظفر بتلك الفتاة
الصغيرة الوديعة. كُن مدبر أمري يا ترانيو، فإني أعلم أنك قادر على ذلك، وكُن
عونًا لي فإني أعلم أنَّك لا تأبى عليَّ ذلك.
ترانيو: سيدي، ليس هذا وقت لومك، ليس يمحو الحب عذْل العاذلين. وإذا كان الحب قد مَسَّ
فؤادك فما بقي في اليد غير أمرٍ واحدٍ، يقول المثل: «العاقل مَن يفتدي نفسه من
الأَسْر بأقل فدية».
لوسنتيو: شكرًا لكَ يا صاحبي، شكرًا عظيمًا، فلنتصرف، كفاني الآن هذا. لن يسليني إلا سماع
حديثك ونصحك الرشيد.
ترانيو: سيدي، لقد كنتَ تنظر إلى الفتاة متلهفًا؛ ولذلك أخشى أن تكون قد غفلت عن
الجوهر.
لوسنتيو: لم أغفل عن شيء، لقد رأيتُ وجهها يتلألأ بالجمال كوجه ابنة أزينور Azenor إذ ملكت فؤاد جوبيتور العظيم، فهوى على
يديها في ذلة وخضوع حتى جثت ركبتاه على شاطئ كريد.
ترانيو: ألم ترَ غير ذلك؟ ألم ترَ كيف أن أختها أخذت تصخب وتزمجر وتثير زوبعة لا تحتمل أذن
الإنسان وقعها؟
لوسنتيو: رأيتُ عقيق شفتيها يتحرك وأحسستُ أنها تعطر الهواء بأنفاسها، كل ما رأيتُ
منها كان مقدسًا وكان جميلًا.
ترانيو: ويحي! لقد حان لي أن أوقظه من غيبوبته (يهز
سيده) سيدي، أفق بالله عليك! إذا كنت تحب الفتاة فأعمل رأيك وذكاءك
للظفر بها. الواقع الآن ما أذكره لك: أختها الكبرى فتاة شكسة سَلِطَة اللسان،
وما لم يخلص أبوها منها فلابد أن يبقى حبك يا سيدي حبيسًا كالعذراء في بيتها؛
ولذلك فإنه أقفل باب القفص على صاحبتك حتى يريحها من إلحاح الخُطَّاب
والرُّغَّاب.
لوسنتيو: آه يا ترانيو! ما أقسى هذا الوالد! ولكن ألم ترَ أنه اعتزم أن يستأجر لها بعض
الأساتذة ليتولوا تعليمها؟
ترانيو: بلى، بلى، يا سيدي. وعندي في هذا تدبير.
لوسنتيو: وعندي كذلك يا ترانيو.
ترانيو: سيدي، أقسم أن الرأيين واحد، وأنهما يرميان إلى غرضٍ واحدٍ.
لوسنتيو: قل لي أنت رأيك أولًا.
ترانيو: تكون أنت المعلم وتتولى تعليم الفتاة، أليس هذا ما ترى؟
لوسنتيو: بعينه. هل يمكن أن يُنفَّذ ذلك؟
ترانيو: لا يمكن. مَن الذي يقوم بدورك ويجعل نفسه في بادوا ولد فنسنتيو: يفتح دارًا،
ويدرس كتب الجامعة، ويرحب بإخوانه، ويزور بني بلدته، ويقيم لهم الولائم؟
لوسنتيو: هوِّن عليك. عندي لذلك عدته كلها: إلى الآن لم نطرق بيتًا، ولا يستطيع أحد أن
يعرف من وجوهنا أَيَّنَا الخادم وأَيَّنَا السيد. وعليه فلتكن أنت السيد يا
ترانيو في مكاني، فاستأجر منزلًا وتلبَّس سيادته وأَكْثِر خدمًا كما يجمل
بمثلي. أما أنا فسأجعل نفسي رجلًا آخر من أهل فلورنسا أو نابولي أو رجلًا
رقيق الحال من بيزا. لقد نضجت الفكرة فيجب أن تستقر على ذلك. اخلع ثيابك وخذ
قبعتي الملونة وطيلساني، وإذا جاء بيونديلو فسيقوم بخدمتك، ولكن لا بد لي أن
أخلب لُبَّه وأستهويه ليحبس لسانه عن الكلام.
ترانيو: حقًّا إنك في حاجةٍ إلى ذلك (يخلع ثيابه ويتبادلان
الثياب). وقصارى القول يا سيدي إنه ما دامت هذه مشيئتك وأنا
مُكلَّف بطاعتك؛ إذ قال أبوك قبل رحيلنا أطع ولدي، وإن لم يكن يقصد فيما أظن أن
تكون الطاعة في مثل ذلك، فإنِّي راضٍ أن أكون لوسنتيو لأني أحب لوسنتيو
كثيرًا.
لوسنتيو: كن كذلك؛ لأن لوسنتيو قد وقع في أَشْرَاك الغرام. فلأكن عبدًا إن كان ذلك يقربني
من تلك الفتاة التي أسرَت عيني عند النظرة الأولى. ها هو ذا الوغد قد أتى.
(يدنو بيونديلو غلام لوسنتيو) هيا فتى،
أين كنت؟
بيونديلو: أين كنت؟! ويحي! كيف هذا؟! بل أين أنت؟ سيدي، هل سرق ترانيو ثيابك أم سرقت أنت
ثيابه أم كلاكما سرق؟! بالله خبرني ما سر هذا؟!
لوسنتيو: أيها الوغد، ادنُ مني ليس هذا وقت المزاح؛ ولذلك يجب عليك أن تجعل مسلكك وفاق
الحال. زميلك ترانيو هذا لينقذ حياتي يلبس ثيابي ويظهر بمظهري وأنا لأنجو
لبستُ ثيابه، فإني مذ بلغتُ شاطئ هذه البلدة قتلتُ رجلًا في شجار، وأخشى أن
يكون قد شهدني أحدٌ؛ لذلك أكلفك القيام بواجب خدمته بما يليق بي حتى أجد السبيل
إلى الفرار من هذا المكان لأنجو بنفسي، أفهمت؟
بيونديلو: أنا يا سيدي لم أفهم شيئًا.
لوسنتيو: إياك أن تنبس شفتك بحرفٍ من اسم ترانيو، ترانيو قد استحال لوسنتيو.
بيونديلو: من حسن حظه. أتمنى لو صح لي مثل أمره.
ترانيو: وأتمنى أنا أيضًا يا ولدي أن ينال لوسنتيو صغرى بنات بابتستا. ولكني أوصيك
أيها الوغد، لا من أجلي بل من أجل سيدك، أن تستعمل العقل في أعمالك في جميع
الظروف، إذا أنا كنتُ وحدي فأنا بطبيعة الحال ترانيو، ولكني في كل ظرفٍ آخر
سيدك لوسنتيو.
لوسنتيو: ترانيو، هلم بنا. بقي عليك شيءٌ واحدٌ تقوم به، وهو أن تكون من بين خُطَّاب
هذه الفتاة، وإذا أنت سألتني سر ذلك فالسبب وجيه وعظيم. (يخرجان).
(كريستوفر سلاي وهو لم يتعود شهود مثل هذه المباهج العالية
يدركه النعاس.)
الخادم الأول: مولاي، إنك تنام، أنت غير منتبه إلى الرواية.
سلاي: بل منتبه وحق القديسة حنا، هل بقي منها شيء؟
السيدة: إنها إنما ابتدأت الآن.
سلاي: إنها قطعة فنية رائعة يا مدام سيدتي (يتثاءب) ليت أنها قد انتهت.
المنظر الثاني
(بتروشيو وهو من سَرَاة فيرونا أتى هو أيضًا إلى بادوا في التماس الثروة ولو من طريق
الزواج إذا اقتضى الحال، وقد أحضر معه خادمه جروميو، وهما واقفان أمام منزل
هورتانسيو.)
بتروشيو
:
فيرونا، أودعك إلى حينٍ لأرى أصحابي في بادوا ولا سيما صديقي المحبوب
هورتانسيو، وفي اعتقادي أني واقف أمام داره. هيا جروميو، تعال واضرب.
جروميو
:
أضرب يا
سيدي؟ أضرب مَن؟ هل أساء أحد إلى سماحتك؟
بتروشيو
:
ويك يا وغد! أقول لك اضرب١ لي هنا بشدة.
جروميو
:
أضربك يا سيدي، ويحي يا سيدي! مَن أنا يا سيدي حتى أضربك هنا يا سيدي؟
بتروشيو
:
أقول لك يا وغد دُقَّ لي على هذا الباب، واطرق لي جيدًا، وإلا دققتُ لك
رأسك؟
جروميو
:
لقد أصبح سيدي يحب الشجار، إذا ضربتك يا سيدي فإني أعرف سوء العاقبة.
بتروشيو
:
ألا تضرب؟ والله لئن لم تضرب لأشدن جرس أذنك (يلوي
أذن جروميو) سأرى هل تعرف الصول والفا وتغني.
جروميو
:
الغياث يا سادة! الغياث! سيدي مجنون.
بتروشيو
:
أرأيتَ؟ اضرب حيثما آمرك أيها الوغد اللئيم.
(يأخذ في ضرب جروميو وهذا يحتج بصوتٍ عالٍ. وإذ يتنبه هورتانسيو
إلى الضجيج فهو يأتي من الدار.)
هورتانسيو
:
ما هذا؟ صديقي القديم العهد جروميو؟ وصديقي الكريم بتروشيو؟ كيف حال أهل
فيرونا؟
بتروشيو
:
السيد هورتانسيو! أجئتَ لتفض هذا الشجار؟ يا سيد هورتانسيو، ليس في الأمر ما
يدعو إلى هذا يا صديقي المبجل.
هورتانسيو
:
مرحبًا بك وأهلًا. انهض يا جروميو، انهض، سنعد لهذا القتال عدته في فرصةٍ
أخرى.
جروميو
:
كلا يا سيدي، لا يهمك ما يدَّعيه الآن باللسان اللاتيني. اسمع يا سيدي واحكم
أليس ما أذكره لك سببًا شرعيًّا يحملني على ترك خدمته؟ اسمع يا سيدي: أمرني أن
أضربه وأدقه بشدة يا سيدي، هل كان يليق بخادم أن يفعل هذا بسيده، وهو فيما أرى
يبلغ الثانية والثلاثين أو يزيد؟! لعمري لو أنني فعلتُ به هذا أولًا لما عرف
جروميو قدر ما يصيبه من الأذى من جراء ذلك.
بتروشيو
:
يا له من وغد أبله! يا سيد هورتانسيو، لقد أمرتُ هذا الصعلوك أن يدق باب بيتك،
ولم أستطع أن أحمله على ذلك على الرغم من إلحاحي.
جروميو
:
أدق باب البيت! يا إلهي! ألم تقل لي هذه الكلمات بوضوح: اضربني، اضربني هنا،
اضربني جيدًا، اضربني بشدة. والآن أنت تقول إنك أمرتني أن أدق باب
البيت؟!
بتروشيو
:
انصرف يا وغد، أو فالزم الصمت خير لك.
هورتانسيو
:
صبرًا يا بتروشيو، أنا الضمين لجروميو، هذا نزاع يؤسف لحدوثه بينك وبينه وهو
خادمك القديم المخلص الظريف. قل لي الآن أيها الصديق الحبيب أي ريح طيبة دفعت
بشراعك إلى بادوا من فيرونا القديمة؟
بتروشيو
:
الريح التي تدفع بالفتيان في مناكب الأرض ليسعوا في سبيل الرزق فيما وراء
بلادهم حيث لا تزداد خبرتهم بالحياة إذا لزموها. ولكني مخبرك موجزًا يا سيد
هورتانسيو عن حالي كما هو الآن: أنطونيو أبي توفي، وقد ألقيتُ بنفسي في تيه هذه
المدينة عسى أن أجد لي زوجة وأنال بها من الثروة ما أستطيع نيله، عندي نقود في
جيبي وبضاعة في بيتي؛ ولذلك خرجت من بلدي لأرى الدنيا.
هورتانسيو
:
بتروشيو … إذا كان لي أن أتكلم مسارعًا ففي مقدوري أن أدلك على زوجة غنية،
غنية جدًّا … بيد أنك لن تشكرني على ذلك؛ لأنها شكسة منحوسة ونحن من الصداقة
بحيث لا أرضى لك مثلها.
بتروشيو
:
بين مثلَيْنا من الأصدقاء يكفي الكلام القليل، إذا كنت تعرف امرأة من الثروة
بحيث تليق أن تكون زوجة لبتروشيو، إذ المال أنشودة قلبه وعقله في هذا الزواج،
فعرفني بها. إن تكن مشوهة الخلقة كصاحبة فلوران عجوزًا مثل سيبيل، شريرة سَلِطة
اللسان مثل زانتيب زوجة سقراط أو أقبح منها؛ فإنها لا تضيرني بل لا يقل ذلك من
حبي، كلا، ولو كانت هوجاء كأمواج البحر الأدرياتيكي. إنِّي إنما أتيتُ لأتزوج
مُثْرية من أهل بادوا زواج الغنى، يعني زواج السعادة.
جروميو
:
إليك يا سيدي فاسمع، إنه يُطلعك صراحةً على ما في نفسه، املأ جيبه ذهبًا يقبل
أن يتزوج من العرائس الخشبية، أو مما ترسم الإبر من الصور على النسيج، أو من
سِعْلَاة عجوز ليس في فمها سنٌّ واحدة، ولو كانت تحمل في بدنها من الأدواء قدر ما
يحمل اثنان وخمسون حصانًا! لا يهمه من ذلك شيء ما إن يأته المال من
ورائه.
هورتانسيو
:
بتروشيو، ما دمنا قد دخلنا في الموضوع إلى هذا الحد فسأمضي بالجِدِّ فيما فاتحتك
فيه في الواقع هازلًا، إني أستطيع يا بتروشيو أن أساعدك على الحصول على زوجة
ذات ثروة تسد مطامعك، صغيرة السن جميلة الخِلْقة، رُبِّيَت كخير ما تُربَّى السَّرِيَّات.
بيد أن عيبها الوحيد، وما أكبرَه عيبًا! أنها من الشكاسة فوق حد الاحتمال، امرأة
وحشية الطباع، بحيث لو أنني كنتُ في حالة من العيش أسوأ مما أنا فيه ما كنتُ
أرضى بزواجها ولو جاءتني بكنزٍ من الذهب.
بتروشيو
:
حسبك يا هورتانسيو، لستَ تعرف ما للذهب من قوة الأثر. اذكر لي اسم والدها
واسترح، فإنِّي ملاقيها ولو صخبت كالرعد حين تتقصف السحب في الخريف.
هورتانسيو
:
أبوها اسمه بابتستا مينولا، وهو رجل لطيف المعشر حلو المجاملة، واسمها
كاتارينا مينولا المعروفة في بادوا بلسانها السالق السَّلِط.
بتروشيو
:
إنِّي أعرف أباها، ولكني لا أعرفها، وهو يعرف المرحوم أبي حق المعرفة، لن
أرقد في الفراش يا هورتانسيو حتى أراها؛ ولذلك أستميحك العذر في تركك الآن عند
أول مقابلة إلا إذا شئت أن تصحبني إلى دارها.
جروميو
(إلى هورتانسيو وقد شَدَهَه ما رأى من تسرع بتروشيو)
:
أتوسل إليك يا سيدي أن تدعه يذهب قبل أن يتغير مزاجه. يا إلهي! لو كانت تعرفه
حقًّا كما أعرفه أنا لوجدت أن التقريع والسَّلْق لا يجدي منه شيئًا. نعم، قد ترميه
بعشر مترادفات أو أكثر من أسماء الأوغاد، ولكنه لن يتأثر بشيء منها. وإذا هو أخذ
يتكلم فسيغرق في خطاباته الفارغة. وأقول لك يا سيدي إنها إذا احتملته قليلًا
فسيجعل على وجهها من دهشتها صورة تتلف سحنتها، فإذا عيناها قد أصبحتا كعيني
الهرة شاخصتين لا تكادان تنظران! لا، إنك لا تعرفه يا سيدي.
هورتانسيو
(يتذكر أنه إذا تزوجت كاتارينا خلا الجو له ليعمل على
تحقيق آماله في زواج بيانكا)
:
مهلًا يا بتروشيو سأذهب معك؛ فإن كنزي في وديعة بابتستا، في يده متعة حياتي
ابنته الصغرى بيانكا الجميلة، إنه يحجبها عني وعن غيري من خُطَّابها ومنافسيَّ في
هواها، زاعمًا أن من المستحيل — لما ذكرت لك من سيئات كاتارينا — أن يتقدم أحدٌ
إليها راغبًا في زواجها؛ ولذلك قرر بابتستا أن لا يدنو أحد من بيانكا حتى تجد
كاتارينا اللعينة مَن يتزوجها.
جروميو
:
كاتارينا اللعينة! أقبِح به لقبًا لفتاة!
هورتانسيو
:
والآن يا صديقي بتروشيو أريد أن تصنع فيَّ جميلًا؟ أريد أن تقدمني وأنا متنكر
في ثوب الوقار والحشمة إلى بابتستا على أني معلم من أهل الدراية بالموسيقى
والكفاية لتعليم بيانكا، فلعلي بهذه الوسيلة على الأقل أن أتمكن من التحبب
إليها ومواصلتها بلا رقيب.
جروميو
:
ليست هذه مؤامرة سافلة! وي! انظروا كيف يمكر الفتيان بالشيوخ! سيدي، سيدي، التفت،
مَن السائر هناك، ها؟
(يقفان جانبًا إذ يدخل جريميو
ومعه لوسنتيو متنكرًا في ثوب أستاذ يحمل بعض الكتب تحت إبطه.)
هورتانسيو
:
اسكت يا جروميو، هذا منافسي في الهوى. بتروشيو، قف بنا جانبًا لحظة.
جروميو
(متهكمًا من جريميو)
:
فتى حلو الطلعة وعاشق جميل!
(ينسحبون.)
جريميو
:
نعم، حسنٌ، لقد قرأت الخطاب جيدًا. اسمع يا سيدي أريد أن يكون تجليدها جميلًا
جدًّا. أَكُلُّ هذه الكتب في الحب والغرام؟ أحسنتَ، يجب أن تكون كذلك على كل حال،
فإياك أن تقرأ لها في غيرها، هل فهمت ما قلت لك؟ فوق ما ستنال من كرم السيد
بابتستا سيكون لك مني الجزاء الأوفى. خذ هذه الأوراق واحرص على أن تكون معطَّرة
بخير أنواع الطيب؛ لأن التي ستتناولها أطيب من العطر نفسه. ماذا أعددتَ للقراءة
معها؟
لوسنتيو
:
سيكون في كل ما أقرأ لها ما يزكيك لديها تزكية الخادم لمولاه، فكن مطمئنًّا
إلى ذلك كما لو كنتَ في مكاني، بل وربما كان لكلامي من قوة التأثير في نفسها
ما لا تستطيعه أنت، إلا إذا كنتَ من أهل العلم والثقافة يا سيدي.
جريميو
:
للهِ هذا العلم! ما أعظم شأنَه!
جروميو
:
للهِ هذا الأحمق! يا له من حمار!
بتروشيو
:
اسكت يا مغفل!
هورتانسيو
:
جروميو، صه (يتقدم) حفظك الله يا سيد
جريميو.
جريميو
:
مرحبًا بك يا سيد هورتانسيو، أتعرف وجهتي؟ إلى بابتستا مينولا. لقد وعدتُ أن
أبحث له عن معلم لبيانكا الحسناء، ولقد هداني حُسن الحظ إلى هذا الفتى، فإنه
لعلمه وأدبه يصلح لتأدية هذه المهمة، هذا إلى سعة اطلاعه في الشعر والأدب
وإلمامه بما حواه كثيرٌ من الكتب النافعة.
هورتانسيو
:
حسنٌ … وأنا أيضًا لاقيتُ سيدًا وعد أن يقدم إليَّ معلمًا آخر ليعلِّم
سيدتنا، وهو موسيقار مبدع؛ ولذلك لن أقصِّر فتيلًا فيما يجب عليَّ لبيانكا
الحسناء التي أحبها.
جريميو
:
التي أحبها، والتي ستثبت لها أعمالي صدق حبي.
جروميو
(لنفسه)
:
ونقوده كذلك.
هورتانسيو
:
جريميو، ليس هذا وقت بث الهوى والغرام. استمع لي، إذا أخلصت لي فإنِّي محدثك
بخبر يهمنا نحن كلينا، معي رجلٌ لقيته عَرَضًا سيخطب كاتارينا اللعينة لنفسه،
نعم، ويتزوجها إذا أرضاه مهرها.
جريميو
:
إذا كان الفعل يعقب القول فما أحسنَه! هورتانسيو، هل خبَّرته عن
عيوبها؟
بتروشيو
:
إني أعرف أنها متعِبة وصخَّابة وشتَّامة، إن كان هذا يا سادة هو كل شيء فإني لا
أجد فيها بأسًا.
جريميو
:
أتقول لا بأس؟! من أية بلد أتيت يا صاحبي؟
بتروشيو
:
أنا من فيرونا، مولود فيها، أبي أنطونيو، وقد مات وبقيت ثروته لي. وأؤمل أن
يطول عمري وتسعد أيامي.
جريميو
:
آه يا سيدي! من العجب أن تطلب حياة كهذه مع زوج مثل صاحبتنا! ولكن إذا كان
عزمك قد صح فامضِ على بركة الله، وسأكون عونًا لك على كل ما تريد. ولكن أراغب
أنت حقًّا أن تخطب ود هذه القطة المتوحشة؟
بتروشيو
:
أراغب أنا أن أعيش؟!
جريميو
(لنفسه)
:
أراغب هو في خطبتها حقًّا؟! والله لئن لم يفعل لأخنقنها.
بتروشيو
:
لماذا أتيت هنا إلا لهذا الغرض؟ أتظن أن الطنين يزعج آذاني؟ ألم أسمع في
حياتي زئير الأسود؟ ألم أسمع البحر تعصف به الرياح فيزمجر كالخنزير الوحشي بلل
العرق أديمه في غضبه؟ ألم أسمع دوي المدافع في ميادين القتال وقذائف السحب
تقصف في السماء؟ ألم أسمع في الملحمة العاتية صوت الأبواق وصهيل الخيول ودق
الطبول؟ أين من هذا لسان امرأة، ليس له من الصوت نصف ما للقسطل يشويه القروي
على ناره؟ إليك عني، إليك، إنما يُخوَّف الأطفال بحديث العفاريت.
جروميو
(لنفسه)
:
أما هو فلا يخاف.
جريميو
:
اسمع يا هورتانسيو هو الحظ قد دفع بصاحبنا هذا، فيما يخيل إليَّ، لمنفعته
ومنفعتنا معًا.
هورتانسيو
:
لقد وعدته أنَّا سنشترك ونحمل عنه نفقة خطبته مهما كان مقدارها.
جريميو
:
وهذا ما سنفعل بشرط أن ينالها.
جروميو
(يدمدم)
:
ليتني أكون واثقًا من حصولي على أكلة طيبة كما هو واثق من حصوله
عليها.
(يدخل ترانيو في ثياب أنيقة متظاهرًا بأنه سيده لوسنتيو،
وبيونديلو يتبع ترانيو.)
ترانيو
:
السلام عليكم يا سادة، هل أستطيع أن أجرؤ فأسألكم أي طريق أهدى إلى دار السيد
بابتستا مينولا؟
بيونديلو
:
والد الفتاتين الجميلتين؟
ترانيو
:
بعينه يا بيونديلو؟
جريميو
(قلقًا)
:
اسمع يا سيدي، لعلك لا تقصد تلك التي …
ترانيو
:
لعلي أقصد الذي والتي معًا يا سيدي، ما شأنك في هذا؟
بتروشيو
:
أرجو أن لا يكون مرادك على كل حال تلك التي تنهر وتصخب؟
ترانيو
:
أنا لا أحب مَن ينهر أو يصخب يا سيدي. بيونديلو هلم بنا.
لوسنتيو
(لنفسه)
:
أحسنتَ البداية يا ترانيو.
هورتانسيو
(إلى ترانيو)
:
كلمة يا سيدي قبل انصرافك، أجئت خاطبًا الفتاة التي عَنِيتُ؟ قل نعم أو
لا.
ترانيو
(بتَرَفُّع)
:
هب يا سيدي أنني خاطب لها، أفي ذلك إساءة إلى أحد؟
جريميو
:
لا، على شرط أن ترحل من هنا على الفور دون أن تنبس بكلمة.
ترانيو
:
عفوًا يا سيدي … أليست الشوارع مباحة لي كما هي مباحة لك؟
جريميو
:
أما الفتاة فلا.
ترانيو
:
وما السبب، إذا تكرمت؟
جروميو
:
لأنها إذا شئت أن تعلم موضع الهوى من السيد جريميو.
هورتانسيو
:
ولأنها مختارة السيد هورتانسيو.
ترانيو
:
على رسلكم أيها السادة، إذا كنتم سادة حقًّا فأولوني هذا الحق، استمعوا لي
واصطبروا … بابتستا رجل نبيل، ليس أبي منه بالمجهول. لو كانت ابنته أجمل مما
هي لكان لها من الخُطَّاب عدد أوفر من هذا، وكنت واحدًا من بينهم. لقد كان لابنة
ليدا الحسناء ألف محب، فلا بأس أن يزيد خُطَّاب بيانكا الجميلة واحدًا، وسيكون
ذلك. ولوسنتيو هو ذلك الواحد، حتى ولو نافسه باريس فيها.
جريميو
:
ويحي! سيخرسنا هذا السيد بكلامه.
لوسنتيو
:
سيدي … دعه يتقدم، إني واثق من أنه سيكون آخر الحلبة.
بتروشيو
:
هورتانسيو، ماذا تقصدون بكل هذا الكلام؟
هورتانسيو
:
سيدي، اسمح لي أن أجرؤ فأسألك هل سبق لك أن رأيت ابنة بابتستا؟
ترانيو
:
لا يا سيدي، ولكني سمعت أن له ابنتين إحداهما مشهورة بطول لسانها والأخرى
بجمالها ووداعتها.
بتروشيو
:
مهلًا يا سيدي، مهلًا، الأولى لي أنا فأسقطها من حسابك.
جريميو
:
أجل، دع عنك هذه المشقة إلى هرقل العظيم، وَثِقْ بأنها تفوق كل ما يستطيع
حمله الكيديس Alcides.
بتروشيو
:
سيدي … خذ عني هذا واثقًا: إن ابنته الصغرى التي ترتقبها قد حجبها أبوها عن
عيون الخُطَّاب، وهو يأبى أن يتكلم في شأن زواجها ما لم تتزوج أختها الكبرى
أولًا، وعند ذلك يستطيع الخُطَّاب أن يتقدموا إلى الصغرى.
ترانيو
:
إذا كان الأمر كذلك يا سيدي، فأنت الرجل الذي يعيننا جميعًا على ما نحن في
صدده، وأنا من بين هؤلاء. فإذا استطعتَ أن تقوم بهذا الأمر الجَلَل فتكون كمَن يشق
الجليد ليستنبط الماء للسقيا، فتأخذ الكبرى وتفك قيود الصغرى حتى نستطيع الدنو
منها، ففي اعتقادي أن السعيد منَّا الذي سيوفَّق إلى نيلها لن يكون من ضعة
الشأن بحيث ينكر عليك هذا الجميل.
هورتانسيو
:
سيدي، قولك سديد ورأيك صائب، وإذ إنك تعلن أنك خاطب لها فيجب عليك أن تشاركنا
في جزاء هذا السيد الذي ندين له كلنا بالفضل.
ترانيو
:
سيدي، لن أقصر عن هذا. ودليلًا على ذلك أرجو أن تتفضلوا بالحضور جميعًا إلى
منزلي عصر هذا اليوم؛ ليجري الاتفاق بيننا على ما يجب، ونحتسي الراح على ذكر
الحبيب. وليكن لنا في المحامين أسوة، يجاهد بعضهم بعضًا في المحاكم جهاد
الأعداء، ولكنهم يأكلون ويشربون معًا كما يفعل الأصدقاء.
جريميو، بيونديلو
:
ما أحسنَ الرأي! أيها الصحاب هلموا بنا.
هورتانسيو
:
الاقتراح حسنٌ حقًّا، ولنمضِ فيه. بتروشيو، عليَّ سرورك الليلة.
(انتهى الفصل الأول)