المنظر الأول
(أمام منزل لوسنتيو في بادوا يُرى بيونديلو يتبعه لوسنتيو وبيانكا ذاهبين بسرعة إلى
الكنيسة، ويُرى جريميو الشيخ في جانبٍ آخر من المنظر يتمشى مشغول البال؛ ولذلك غفل عن
رؤيتهم.)
بيونديلو
:
أسرع يا سيدي دون أن يشعر بك أحد؛ لأن القسيس في الانتظار.
لوسنتيو
:
إني أكاد أطير يا بيونديلو، ولكن لعلهم يحتاجون إليك في البيت
فاتركنا.
بيونديلو
:
لا وربي، لا بد لي أن أراك وقد احتوتك الكنيسة ثم أرجع إلى سيدي ترانيو بكل
همة.
(يخرج لوسنتيو وبيانكا وبيونديلو.)
جريميو
:
يدهشني أن كامبيو لم يلح كل هذا الوقت!
(يدخل بتروشيو وكاتارينا وفنسنتيو ويدنو جروميو وغيره من
أتباعهم.)
بتروشيو
:
سيدي، ها هو ذا الباب، نحن أمام دار لوسنتيو، أما بيت صهري فهو ناحية السوق؛
ولذلك أتركك هنا وأستمر في طريقي.
فنسنتيو
:
لا خيار لك، ألا تشرب شيئًا قبل أن نفترق؟ في اعتقادي أنني أستطيع أن أرحب بك
هنا، وإذا صح حدسي فإننا واجدون ما ينعشنا (يدق الباب).
جروميو
:
إنهم مشغولون بأمرهم في البيت، خير لك أن تدق الباب بشدة.
(يطل المعلم من إحدى نوافذ البيت العليا.)
المعلم
:
مَن هذا الذي يدق الباب كأنما يريد أن يهشمه؟
فنسنتيو
:
السيد لوسنتيو موجود يا سيدي؟
المعلم
:
موجود يا سيدي، ولكنه مشغول لا يستطيع أن يكلم أحدًا.
فنسنتيو
:
حتى ولو جاءه رجل بمائة جنيه أو مائتين لينفقها على هواه؟
المعلم
:
احفظ على نفسك مائة جنيهك، إنه لا يحتاج إلى شيءٍ ما دمتُ حيًّا.
بتروشيو
:
ألم أقل لك إن ولدك محبوب من بادوا؟ أتسمع يا سيدي: دعنا من المزاح وقل للسيد
لوسنتيو بحقك إن والده حضر من بيزا وإنه هنا لدى باب بيته يريد الكلام
معه.
المعلم
:
إنك تفتري الكذب، والده حضر من بادوا وهو هنا الآن يطل عليكم من
النافذة.
فنسنتيو
:
هل أنت والده؟
المعلم
:
أجل يا سيدي، هكذا تقول أمه إذا جاز لي أن أصدقها.
بتروشيو
(إلى فنسنتيو)
:
كيف هذا يا رجل؟! أتدري أنك تقترف جرمًا بادعائك لنفسك اسم غيرك؟
المعلم
:
اقبضوا على الوغد، إني أتهم الرجل بأنه يحاول النصب على بعض أهل المدينة تحت
ستار اسمي.
(يعود بيونديلو.)
بيونديلو
:
لقد جمعتهما في الكنيسة، حرس الله سفينتهما في بحر الحياة. (ينذعر حين يرى فنسنتيو) وي! مَن هذا؟! فنسنتيو
سيدي الكبير! لقد ضعنا وانتهينا إلى البوار!
فنسنتيو
(وقد رأى بيونديلو)
:
تعالَ هنا يا طريد المشانق.
بيونديلو
(بوقاحة وجمود وجه)
:
أظن أنني حر التصرف يا سيدي.
فنسنتيو
:
قرِّب مني يا وغد، وي! هل نسيتني؟
بيونديلو
:
نسيتك؟ لا يا سيدي لا أستطيع أن أنساك؛ لأنني لم أرك في حياتي أبدًا.
فنسنتيو
:
ماذا تقول يا وغد الأوغاد! ألم ترَ في حياتك وجه والد سيدك، فنسنتيو؟
بيونديلو
:
مَن؟ سيدي الكبير المحترم؟ أجل رأيته يا سيدي، انظر إنه يطل من
النافذة.
فنسنتيو
:
أهو كذلك فعلًا؟
(يمسك ببيونديلو ويأخذ في ضربه.)
بيونديلو
:
النجدة! النجدة! أدركوني! مجنون يريد قتلي!
المعلم
:
النجدة يا ولدي! النجدة يا سيد بابتستا. (يغلق النافذة).
(يجري بيونديلو هاربًا.)
بتروشيو
:
دعينا بالله يا كات نقف جانبًا حتى نرى نهاية هذا الصراع.
(بتروشيو وكاتارينا يتحولان إلى الوراء حين يأتي المعلم
وبابتستا وترانيو والخدم.)
ترانيو
:
سيدي، مَن أنت حتى تعتدي على خادمي بالضرب؟
فنسنتيو
:
وي! أيتها الآلهة الخالدة! ياللوغد المتأنق! صِدار من الحرير، وسروال من
القطيفة، وقَباء قرمزي، وقبعة مطرطرة! لقد ضعت، لقد ضعت! أقضي أيامي في بلدي قضاء
الوالد المقتصد، وابني وخادمي ينفقان كل شيء في الجامعة!
ترانيو
:
عجبًا! ما الخبر؟
بابتستا
:
ماذا؟! هل الرجل مجنون؟
ترانيو
:
سيدي، تدلني ملابسك على أنك شيخ عاقل، ولكن كلامك يشعرني أنك مخبول. عجبًا!
ماذا يعنيك مني إذا أنا لبست لؤلؤًا أو ذهبًا؟! الفضل لأبي الكريم، إذا أنا
استطعتُ أن أكون كذلك!
فنسنتيو
(غاضبًا)
:
لأبيك الكريم! مَن هو يا وغد؟ أليس أبوك خياط قُلُوع في برغامو؟
بابتستا
:
أنت مخطئ يا سيدي، أنت مخطئ يا سيدي، بالله خبرني ما ظنك أن يكون
اسمه؟!
فنسنتيو
:
اسمه؟ كأني لا أعرف اسمه! لقد ربيته في بيتي منذ كان له من العمر ثلاث سنوات،
واسمه ترانيو.
المعلم
:
رُحْ، رُحْ، حمار مجنون! اسمه لوسنتيو، وهو ابني الوحيد ووارث أملاكي، أنا
السنيور فنسنتيو.
فنسنتيو
:
لوسنتيو! آه، لقد قتل سيده! اقبضوا عليه، آمركم أنا باسم الدوق، آه يا ولدي!
يا ولدي! قل لي أنت يا وغد أين ابني لوسنتيو؟
ترانيو
:
نادوا أحد الشرطة.
(يدخل أحد الخدم ومعه ضابط بوليس.)
خذ هذا الوغد المجنون إلى السجن. عمي بابتستا إني أترك لك
تدبير الأمر في سجنه.
فنسنتيو
:
يأخذني إلى السجن!
جريميو
:
مهلًا أيها الضابط، لا يذهب إلى السجن.
بابتستا
:
لا تتكلم يا سيد جريميو، أقول فليذهب به إلى السجن.
جريميو
:
احذر يا سيد بابتستا أن تكون مخدوعًا في هذا الأمر، إني أؤكد لك مقسمًا أن
هذا الرجل هو فنسنتيو الحقيقي.
المعلم
(مهددًا)
:
أَقْسِم إن استطعت.
جريميو
:
لا، لا أستطيع القَسَم.
ترانيو
:
لقد كان خيرًا لك لو قلت إنني لست لوسنتيو.
جريميو
:
بل أعرف أنك السنيور لوسنتيو بعينه.
بابتستا
:
اذهبوا بهذا الشيخ المخرف إلى السجن.
فنسنتيو
:
هكذا يُعامَل الغرباء ويُساءون؟ ويل للوغد الزنيم!
(يعود بيونديلو بلوسنتيو وبيانكا.)
بيونديلو
:
يا ويحتا! لقد ضعنا! ها هو ذا. أنكره، احلف زورًا أنه ليس هو وإلا فقد
ضعنا.
لوسنتيو
(يجري إلى أبيه ويجثو)
:
عفوك يا أبي العزيز!
فنسنتيو
:
أنت حي يا ولدي المحبوب!
(يجري ترانيو وبيونديلو والمعلم بأقصى سرعة إلى الخارج.)
بيانكا
(جاثية)
:
عفوك يا أبي العزيز!
بابتستا
:
فِيمَ أسأتِ؟ أين لوسنتيو؟
لوسنتيو
:
أنا ذا لوسنتيو، الابن الحقيقي لفنسنتيو (مشيرًا) الحقيقي. مَن جعلت ابنتك بزواجي الآن منها مِلكًا لي حين
كان الأدعياء يغررون بك ويصرفونك عن رؤية الحق.
جريميو
:
هذه مؤامرة واضحة للإيقاع بنا جميعًا.
فنسنتيو
:
أين ذلك الوغد الملعون ترانيو الذي كابر وتواقح في هذه المسألة، كما
جرى؟
بابتستا
:
ولكن خبريني أليس هذا أستاذك كامبيو؟
بيانكا
:
كامبيو تكشَّف فصار لوسنتيو.
لوسنتيو
:
هو الحب قد صنع هذه الأعاجيب. حبي بيانكا حملني على أن أبادل ترانيو حقيقته،
ويتلبس في المدينة مظاهري. ولقد أسعدني الحظ فبلغت في النهاية مرفأ السعادة
المرجوة. وكل ما فعله ترانيو إنما فعله بأمري، فاغفر لي الذنب يا أبي العزيز؛
إكرامًا لي.
فنسنتيو
:
لا بد أن أَجْدَع أنف الوغد الذي أراد أن يُنزلني في السجون.
بابتستا
(إلى لوسنتيو)
:
ولكن استمع لي يا سيدي: أتزوجتَ ابنتي بغير اعتداد برضاي؟
فنسنتيو
:
لا تخشَ بأسًا يا بابتستا، سنرضيك في هذا، لا عليك، ولكن لا بد لي أن أدخل
الدار لأنتقم من الوغد جزاء عمله.
بابتستا
:
وأنا أيضًا، لأسبر غور هذه الألاعيب.
(يلحق بفنسنتيو.)
لوسنتيو
(إلى بيانكا)
:
لا تَوْجَلي يا بيانكا، وثقي أن أباكِ لن يغضب.
(يذهب لوسنتيو وبيانكا وراء أبيها.)
جريميو
:
تلفت خبزتي، ولكن سأذهب في الذاهبين مقطوع الأمل من كل شيءٍ إلا من نصيبي في
وليمة العرس.
(يخرج في أثرهم.)
كاتارينا
:
زوجي، دعنا نذهب في أثرهم لنرى نهاية هذه المسألة.
بتروشيو
:
قبليني أولًا يا كات ونحن نذهب.
كاتارينا
:
وي! في وسط الشارع!
بتروشيو
:
أفي ذلك معرة لك؟
كاتارينا
:
لا يا سيدي، معاذ الله! ولكني أستحيي أن أقبل.
بتروشيو
:
إذن فلنعد إلى بيتنا. تعالَ يا ولد، هلم بنا نرحل.
كاتارينا
:
لا، لا، سأقبِّلك. والآن يا حبيبي أرجو أن تبقى.
بتروشيو
:
أليس هذا أحسن؟ تعالي يا كاتارينا يا حلوة، تعالي نتبادل الحب، فخير أن يأتي
الشيء متأخرًا من أن لا يأتي أبدًا.
(يتبادلان القُبَل.)
المنظر الثاني
(وليمة العرس في منزل لوسنتيو. يدخل بابتستا وفنسنتيو وجريميو، والمعلم ولوسنتيو
وبيانكا وبتروشيو وكاتارينا، وهورتانسيو وأرملته. ويبقى في خدمتهم ترانيو وبيونديلو
وجروميو وغيرهم من الخدم.)
لوسنتيو
:
لقد اتفقت ألحاننا في النهاية بعد طول نشوزها، هذا هو الوقت الذي يجدر بنا،
بعد انتهاء ما كان بيننا من الحرب الشعواء، أن نبتسم فيه لِمَا لقينا من المآزق
والمخاطر الماضية. بيانكا، زوجتي الحسناء، رحِّبي بأبي حين أعبر لأبيكِ عن مثل
هذا الشعور الكريم. أخي بتروشيو وأختي كاتارينا وأنت ياهورتانسيو وزوجتك
المحبوبة، أهلًا بكم وسهلًا في منزلي. إن وليمتي جديرة أن تهدئ ثائرة الحزازات،
ويقضي عليها ما لقي كلٌّ منَّا من السعادة. أرجو منكم يا سادة أن تتفضلوا
بالجلوس، فقد آن لنا أن نجلس لنتسامر ونأكل.
(يأخذ كلٌّ منهم مكانه من المائدة.)
بتروشيو
(وقد وجد ترويض الشَّكِسات صنعة لذيذة)
:
لا شيء إلا أن نجلس وإلا أن نأكل؟
بابتستا
:
هذه سجية أهل بادوا يا ولدي بتروشيو.
بتروشيو
:
بادوا لا تمتد يدها إلا بالخير.
هورتانسيو
:
أتمنى من أجل سعادتنا نحن الاثنين لو كان هذا القول صحيحًا.
بتروشيو
:
أما وحياتي إن هورتانسيو ليخاف أرملته.
الأرملة
:
لا تثق بي إن كنتَ ممَّن يخاف.
بتروشيو
:
أنتِ دقيقة الإحساس، ولكن فاتكِ إدراك قصدي، إني أقصد أن هورتانسيو خائف
منكِ.
الأرملة
:
كل مَن به دوار يرى الدنيا من حوله تدور.
بتروشيو
:
جواب مُسْكت.
كاتارينا
:
ماذا تقصدين بذلك يا سيدتي؟
الأرملة
:
أقصد المعنى الذي حملته من زوجكِ.
بتروشيو
:
حملتِ مني! ما رأى هورتانسيو في ذلك؟
هورتانسيو
:
تقول امرأتي إنها فهمت ما حملتها على فهمه.
بتروشيو
:
نِعْمَ الإصلاح! قبِّليه من أجل ذلك أيتها الأرملة البارة.
كاتارينا
:
«كل مَن به دوار يرى الدنيا من حوله تدور»، بالله خبريني ماذا كنتِ تقصدين
بهذه العبارة؟
الأرملة
(بشراسة)
:
لما كان زوجك مرزوءًا بامرأةٍ شرسةٍ، فإنه يزن وَجْدَ زوجي بميزان رُزْئِه، هل
تفهمين الآن معناي؟١
كاتارينا
:
معنى سافل ضئيل جدًّا.
الأرملة
:
لقد فهمتِ حقًّا، إني أعنيكِ بالذات.
كاتارينا
:
حقًّا إني ضئيلة بالقياس إليكِ.
بتروشيو
:
عليها يا كات!
هورتانسيو
:
عليها يا أرملة.
بتروشيو
:
أراهن بمائة مرك أن الغلبة لامرأتي كات.
هورتانسيو
:
أنا أحق منك بهذا الأمر.
بتروشيو
:
إنه لكلام أولي الأمر (رافعًا كأسه إلى
هورتانسيو) في صحتك يا بني.
بابتستا
:
ما رأي جريميو في هؤلاء الفتيان ونكاتهم السريعة؟
جريميو
:
أؤكد لسيدي أن رءوسهم تتناطح تناطحًا بديعًا.
بيانكا
:
رءوسهم تتناطح؟! أخشى أن يجيبك سريع النكتة أنه يرى على رأسك قرونًا
طويلة.
فنسنتيو
:
هل استيقظتِ على هذا أيتها السيدة العروس؟
بيانكا
:
أجل، ولكنه لم يخفني؛ ولذلك أعود إلى النوم مطمئنة.
بتروشيو
:
لا، لا يكون ذلك. ما دمتِ قد فتحت الباب فانتظري حتى أرميكِ بنكتة مرة أو
اثنتين.
بيانكا
:
أأنا طيرك ترميني؟ إني أريد أن أغيِّر أيكتي، فإذا فعلت فاتبعني بسهمك إن
استطعت. أحييكم جميعًا.
(ترى بيانكا أن المزاح غير ظريف فتنهض وتذهب هي وكاتارينا
والأرملة إلى مكانٍ آخر.)
بتروشيو
:
لقد منعتني من الكلام يا سيد ترانيو، هذه هي الطيرة التي صوبت إليها سهمك،
ولكنك لم تستطع أن تصيبها؛ لهذا اشرب في صحة مَن رموا ولم يصيبوا.
ترانيو
:
لا يا سيدي، الواقع أن لوسنتيو أطلقني على طريدته إطلاق السَّلُوقي، يجري في
طلبها ويصطادها لسيده.
بتروشيو
:
تشبيه سريع بديع، ولكنه كلابي نوعًا ما.
ترانيو
:
من حظك يا سيدي أنك اصطدت لنفسك، ولكن يُقَال إن غزالك مُوقفك موقف
الحرج.
بابتستا
(ضاحكًا)
:
أو! هو، بتروشيو! إنه يرميك الآن بسهامه.
لوسنتيو
:
شكرًا لله على هذه الرمية يا ترانيو.
هورتانسيو
:
اعترف أنه أصابك، اعترف.
بتروشيو
:
نعم، وآذاني قليلًا، أقر بذلك. ولكن لما كانت الضربة قد ارتدت عن جسمي فقد
أصابتكما أنتما الاثنين في الصميم.
بابتستا
:
في الحق يا ولدي بتروشيو إن امرأتك شر الثلاث.
بتروشيو
:
ولكني لا أقر ذلك، وبرهانه عندي أن يرسل كل منَّا في طلب زوجته، فمَن كانت
امرأته أسرع الثلاث في المجيء إليه طوعًا لأمره فله الرهان الذي نتفق
عليه.
هورتانسيو
:
موافق. ما هو الرهان؟
لوسنتيو
:
عشرون كرونًا.
بتروشيو
:
عشرون كرونًا! إني أراهن بمثل ذلك على كلبي أو صقري. ولكن أراهن بعشرين ضعفًا
على زوجتي.
لوسنتيو
:
إذن فليكن الرهان مائة؟
هورتانسيو
:
موافق.
بتروشيو
:
اتفقنا.
هورتانسيو
:
مَن منَّا يبتدئ؟
لوسنتيو
:
أنا أبتدئ. اذهب يا بيونديلو قل لسيدتك تأتي إليَّ.
بيونديلو
:
سمعًا (يخرج).
بابتستا
:
شريكك في الرهان بالنصف على أن بيانكا ستحضر.
لوسنتيو
:
لا أريد شريكًا، سأحمل الأمر كله وحدي. (يعود
بيونديلو) ماذا وراءك؟
بيونديلو
:
سيدي، تقول سيدتي إنها مشغولة ولا تستطيع الحضور.
بتروشيو
(هازئًا)
:
كيف؟! مشغولة ولا تستطيع الحضور! أهذا جواب؟
جريميو
:
نعم، وجواب لطيف. فادعُ الله يا سيدي أن لا يكون جواب امرأتك شرًّا من
هذا!
بتروشيو
:
أرجو أن يكون خيرًا.
هورتانسيو
:
اذهب يا بيونديلو وتوسل إلى امرأتي أن تأتي إليَّ على الفور.
(يخرج بيونديلو.)
بتروشيو
(ضاحكًا)
:
أو! هو! يتوسل إليها! إذن لا بد أن تأتي
هورتانسيو
:
أشفق يا سيدي، إن امرأتك ممَّن لا يجدي فيهن التوسل ولو أُغرقت. (يعود بيونديلو) ماذا؟ أين زوجتي؟
بيونديلو
:
تقول إنها تَوْجس منك سخرية تريدها؛ ولذلك ترفض الحضور وتأمرك أن تأتي أنت
إليها.
بتروشيو
:
أقبح وأقبح! إنها ترفض الحضور! وي! هذا أمر سيئ، شيء لا يُحتَمل ولا يُطَاق!
تعالَ يا جروميو، اذهب إلى سيدتك وقل لها إني آمرها أن تأتي إليَّ.
(يخرج جروميو إليها.)
هورتانسيو
:
جوابها معروف من الآن.
بتروشيو
:
ما هو؟
هورتانسيو
:
الرفض.
بتروشيو
:
لن أكون بذلك إلا أسوأكم حظًّا.
بابتستا
:
أما والسيدة البتول، ها هي ذي آتية، كاتارينا!
(كاتارينا تدخل.)
كاتارينا
:
أرسلتَ في طلبي يا سيدي، فبماذا تأمر؟
بتروشيو
:
أين أختكِ وزوجة هورتانسيو؟
كاتارينا
:
في غرفة الجلوس، تتحادثان بجوار النار.
بتروشيو
:
اذهبي هاتيهم هنا، وإذا رفضتا الحضور فاضربيهما بالعصا، وطارديهما حتى تقعا
في حِضْنَي زوجيهما. انصرفي وأحضريهما على الفور.
(تخرج كاتارينا.)
لوسنتيو
:
هذا هو العجب إن ذكرت العجب!
هورتانسيو
:
أجل هو كذلك. ليت شعري ما عقباه؟!
بتروشيو
:
عقباه السلام والحب والحياة المطمئنة والتزام شرعة الواجب بين الزوجين
وسيادة الرجل. عقباه بالاختصار السعادة والوفاء، وأَكْبِر بهما عقبى!
بابتستا
:
بورك لكَ يا بتروشيو الطيب! سأزيد على ما كسبتَ من خسارتهم في الرهان عشرين
ألف كرون تكون مهرًا آخر لابنةٍ أخرى؛ لأنها قد استحالت فأصبحت إنسانة أخرى
غير مَن كنتُ أعهد.
بتروشيو
:
سأكسب رهاني على صورة أجمل حين أقدم لكم آية أخرى من آيات طاعتها، من الخُلُق
الطيب الجديد الذي استَنْبَتُّه في نفسها. انظروا ها هي ذي آتية تسوق الزوجتين سَوْق
الأسرى تسليمًا منهما واقتناعًا برأيها.
(تدخل كاتارينا تقود بيانكا والأرملة.)
كاتارينا، إن هذه القبعة التي على
رأسكِ لا تليق بكِ، ألقي هذه اللعبة على الأرض ودوسيها بقدمكِ.
(تفعل كما أمرها.)
الأرملة
(بازدراء)
:
لعمري يا سيدي، لن يلحق بي ضُرٌّ يستوجب الحسرة مني إلا أن ينزلني الدهر هذه
المنزلة المزرية.
بيانكا
:
تبًّا لهذا الحال! ما هذه الطاعة الحمقاء؟
لوسنتيو
:
ليت طاعتكِ كانت مثل هذه الطاعة حمقاء، لقد كلفتني حكمة طاعتكِ التي ترين
مائة كرون من بعد العشاء إلى الآن.
بيانكا
:
أنتَ في هذا أشد حمقًا، كيف تراهن بشيءٍ على طاعتي لك؟!
بتروشيو
:
كاتارينا، أكلفك أن تبصِّري هاتين المرأتين الجامدتي الرأس بما يجب عليهما من
الطاعة لسيديهما وزوجيهما.
الأرملة
(متذمرة)
:
رويدك، رويدك، إنك تمزح، نحن لا نريد تبصيرًا.
بتروشيو
:
هاتي، هاتي، وابتدئي بها.
الأرملة
:
إياكِ أن تتكلمي.
بتروشيو
:
بل تكلمي، وابتدئي الكلام بها.
كاتارينا
:
تبًّا لهذا وبُعدًا! خلي عنكِ النظر الشَّزَر تجرحين به قلب مولاكِ وملككِ
وحاكمكِ. إنها لتشوه جمالكِ كما يُشوِّه الصقيع أزاهر المروج، وتقضي على ذكركِ
بين الناس كما تقضي الزوبعة الثائرة على براعم الزهر النضير، وما هي مما يجمل
بكِ أو يطيب. المرأة المغضبة كعين الماء المضطربة موحلة كريهة المنظر سمجة
خالية من كل رُواءٍ تَزْوَرُّ عنها النفوس، فما يرضى صادٍ ولا محرورٍ أن يسيغ منها
نبعة أو يمس منها قطرة. زوجكِ سيدكِ، حياتكِ، حارسكِ، رأسكِ، ومليككِ. هو الذي
يُعنى بأمركِ، ومن أجلكِ يحمل بدنه آلام الكدح في البر والبحر معًا، يقضي الليل
بين الزوابع والنهار في الزمهرير حين ترقدين في الدار مستدفئة آمنة، ولا
يسألكِ على هذا الأمر أجرًا إلا المحبة، وحُسن النظرة في اللقاء، وصدق الطاعة،
قسط ضئيل لدَيْن ثقيل. للزوج على زوجته من الحقوق ما للأمير على أتباعه، فإذا
ساء خُلُقها ونَفَر طبعها وعَبَس وجهها ومَرَّ لسانها، ولم تنزل بالطاعة على شريف
إرادته؛ فهي الشريرة العاصية، والخارجة الثائرة، والخائنة المائنة لعهد زوجها
المُحبِّ المخلص. إني ليخجلني أن يكون النساء من الجهل بحيث يضعن سيف القتال
حيث يجدر بهن الجُثُوُّ التماسًا للسلام، أو يعملن لنيل الحُكم والسيطرة والسلطان
حين أنهن مطالبات بالخدمة والمحبة والطاعة. لماذا خُلِقَت أجسامنا طرية رخوة
وناعمة غير ميسَّرة للكد والمشقة في الدنيا؟ أليس ذا لأجل أن تلائم ظواهرنا رخاوة
بواطننا وطراوة قلوبنا؟ مهلًا، مهلًا، أيتها الديدان الضعيفة المتباسلة، لقد كان
عقلي جامدًا كعقلكن وقلبي متكبرًا كقلبكن وجناني أعجل من جنانكن، فكنتُ أرد
الكلمة بالكلمة والعَبْسة بالعبسة، ولكني أدركتُ الآن أن قوائم رماحنا أعوادٌ من
الهشيم وقوتنا مثلها في الضعف، وأن ضعفنا يتجاوز كل مدى، وأن ما نتراءى بأن
لدينا منه الفيض الوفير هو في الواقع ما يُعْوزنا منه الوَشَل القليل. خلِّيا الكبر
والصلف فما إن لهما من عائدةٍ، وضَعا أيديكما تحت أقدام زوجيكما إدلالًا منكما
على الخضوع والطاعة، وإذا سمح لي زوجي بذلك فيدي حاضرة لعل فيها مرضاة له
وراحة.
بتروشيو
:
مرحى! هذه هي الفتاة الكاملة، تعالي يا كات وقبِّليني.
لوسنتيو
:
سِر على بركة الله في طريقك أيها الرجل فقد نلتها.
فنسنتيو
:
ما أشجى الكلام ينطق به الولد الوديع!
لوسنتيو
:
وما أثقل الكلام تنْفُثه المرأة السَّلِطَة!
بتروشيو
:
تعالي يا كات، هلمي بنا إليَّ نستريح، نحن الثلاثة متزوجون ولكن حظَّكما أنتما
الاثنين في الزواج معروف، (إلى لوسنتيو): لقد
كسبتُ الرهان منك وإن كنتَ قد أصبتَ بياضة٢ الهدف. وإذ إنني أنا الذي ظفر فليُسعد الله
ليلتكم.
هورتانسيو
:
سِر في طريقك موفَّقًا، لقد رُضْتَ وحشًا ضاريًا.
لوسنتيو
:
العجب، إن تسمحوا بالعجب، أن يبلغ التوفيق هذا المدى.
(يخرجون.)
(يُسْدَل الستار)