ملحق
توفيت زهرا كاظمي في «إيفين» في الحادي عشر من يوليو عام ٢٠٠٣.
في الثالث والعشرين من يونيو عام ٢٠٠٣، كانت المصورة الصحفية الكندية الإيرانية تلتقط صورًا خارج أسوار «إيفين» أثناء مظاهرات للطلبة عندما أُلقي القبض عليها، وسرعان ما أشيع أنها دخلت في غيبوبة.
وخلال الأيام القليلة التي أعقبت وفاتها طالب الرئيس الإيراني محمد خاتمي بإجراء تحقيق داخلي، في حين طالب ابنها ومسئولون من وزارة الخارجية الكندية بعودة جثمانها إلى كندا. اعترفت إيران بأن زهرا قد ضُربت ضربًا أفضى إلى الموت، ولكنها تجاهلت الضغوط الدولية ودفنتها في طهران، ولم يُسمح لأي طبيب مستقل بتشريح جثتها. ألقت السلطات الإيرانية القبض على عدد قليل من أفراد الأمن الذين قيل إنه يشتبه في تورطهم في وفاة زهرا، لكن سرعان ما أطلق سراحهم جميعًا.
وفي نهاية الأمر اتُّهم أحد محققي المخابرات الإيرانية ويدعى محمد رضا أقدم أحمدي بقتل كاظمي، لكنه حصل على البراءة. كان محامو عائلة زهرا بمن فيهم شيرين عبادي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام يعتقدون أن أحمدي لم يكن سوى كبش فداء.
وفي الحادي والثلاثين من مارس عام ٢٠٠٥، أعلن الطبيب شهرام عزام — أحد أطباء قسم الطوارئ بمستشفى «بقيَّة الله» بطهران — التفاصيل المروعة التي أخبر بها أحد مسئولي الشئون الخارجية الكندية بالسويد قبل عام؛ فقد تعرضت زهرا للاغتصاب الوحشي، ووُجدت بجثتها آثار جروح ورضوض، بالإضافة إلى كسر اثنين من أصابعها، وكسر أنفها، واقتلاع ثلاثة من أظافرها، وكسر في الجمجمة، وسحق أحد أصابع القدم اليسرى، وآثار جلد على قدميها.
•••
لم أكن أعرف زهرا كاظمي، وفي منتصف يوليو من عام ٢٠٠٣ في نحو الساعة الثامنة صباحًا فتحتُ باب منزلي كي أحضر الجريدة. كان الجو صحوًا والشمس مشرقة، والورود وأزهار الياسمين التي زرعتها قد تفتَّحت، فقررت أن أقرأ الجريدة في الحديقة. أخرجتها من غلافها البلاستيكي الأزرق وفتحتها، فوجدت صورة امرأة جميلة ذات ابتسامة عريضة وعينين مفعمتين بالحياة، تساءلت عمَّن تكون تلك المرأة، وقرأت المقال الذي يحمل صورتها على الفور، ومع كل كلمة أقرؤها كنت أشعر أن حبلًا يضيق حول رقبتي.
كنت قد بدأت كتابة مذكراتي في يناير من عام ٢٠٠٢، وكنت قد انتهيت للتو من صياغة المسودة الثالثة، وهكذا كانت ذكرياتي في «إيفين» لا تزال حية، كنت أعلم أن ما مررت به في «إيفين» ما زال يحدث إلى الآن، لكن رؤية صورة زهرا وابتسامتها الجميلة حوَّلت تلك المعرفة إلى طاقة رهيبة مؤلمة شطرتني إلى نصفين؛ لقد ماتت بنفس الطريقة التي ماتت بها مينا، ولكن صورة مينا لم تظهر في الصفحة الأولى لأي جريدة، لقد استرعت زهرا انتباه العالم لأنها مواطنة كندية، ولو كان العالم قد التفت لذلك الأمر سابقًا، لو كان العالم قد اهتم قليلًا، لم تكن زهرا لتلاقي ذلك المصير، ولاستطعنا إنقاذ الكثير من الأرواح البريئة، ولكن العالم ظل صامتًا! وأحد أسباب صمته هو خوف الشهود مثلي من عواقب الحديث، ولكن يكفي ذلك، لن أدع الخوف يبقيني أسيرة بعد الآن.
وفي صباح الحادي والثلاثين من مارس عام ٢٠٠٥، اتصلت بي ميشيل شيبرد، وهي صديقة مقربة تعمل مراسلة في صحيفة «تورونتو ستار» وتهتم بشئون الشرق الأوسط والإرهاب والموضوعات الأمنية. سررت كثيرًا لسماع صوتها، لكنها أخبرتني بأنها تحمل أنباء سيئة.
قالت: «أفضل لو جلستِ قبل أن تسمعي تلك الأنباء.»
ففعلت ما طلبتْ مني، ثم أخبرتني بأمر تقرير الدكتور شهرام عزام حول إصابات زهرا. تمنيت لو استطعت إنقاذها، تمنيت لو لاقيت حتفي معها، لكن موتي لم يكن ليفيد أحدًا، بل لديَّ قصة يجب أن تروى. لقد منحت زهرا سجناء إيران السياسيين اسمًا ووجهًا، والآن حان دوري كي أمنحهم الكلمات.