من النص إلى الواقع: محاولة لإعادة بناء علم أصول الفقه (الجزء الثاني): بنية النص
«النص تجربة شعورية. والنص الأصولي ليس نصًّا صوريًّا خالصًا، بل إنه يعبر عن تجربة شعورية حية عند صاحبه. ينشغل به في مقتبل العمر أو في آخره كنوع من المران. ويتم التصنيف فيه وفي غيره من العلوم مثل علوم التصوف في مرحلة أخرى من العمر.»
بعدما أعاد الدكتور «حسن حنفي» بناء علم أصول الدين بكتابه «من العقيدة إلى الثورة»، وعلوم الحكمة بكتابه «من النقل إلى الإبداع»، يأتي «من النص إلى الواقع» ليُعيد بناء علم أصول الفقه، في محاولةٍ منه لردع شُبهةِ أن التشريعاتِ الإسلاميةَ حرفية فقهية تُضحِّي بالمصالح العامة، قاسية لا تعرف إلا الرجم والقتل والجلد وقطع الأيدي والتكليف بما لا يُطاق. في جزأين أخرج لنا الدكتور «حسن حنفي» كتابه «من النص إلى الواقع»؛ ففي الأول منهما «تكوين النص» يعود إلى نشأة النصوص الأصولية، متتبعًا حركةَ تطورها وتكوينها، وفي الثاني «بنية النص» يُركز على مضمونِ النص لا شكلِه، وعلاقتِه بالبيئة التي أنتجته.
يستمر «حسن حنفي» في مشروعه القائم على محاولة تجديد القديم دون هدمه؛ نظرًا لما يمكن أن يحمله إبداعٌ جديد من مخاطرة الفصام والفُرقة؛ حين يقاطع الجديدُ القديمَ قطيعةً كلية، فيصبح لكلٍّ منهما أنصاره ومُوالوه. تلك هي المعركة الزائفة التي يدعو «حنفي» الباحثين إلى تجنُّب خوضها. وفي محاولته إعادة بناء علم أصول الفقه يستكمل «حنفي» ما عرضه في الجزء الأول من جهود السابقين بالاعتماد على ما يزيد عن مائة نص سُني وشيعي، بمحاولته تحويلَ علم أصول الفقه من علم فقهي استدلالي منطقي إلى علم فلسفي إنساني سلوكي عام. وقد تمخَّض عن هذه المحاولة ربطٌ للمتون القديمة بالمتون الجديدة؛ تخصصًا بتخصص، وشيخًا بشيخ، وأصوليًّا بأصولي.