(١) شروط التواتر
والسنة نوعان: تواتر وآحاد، لأن الاتصال
بالرسول على مراتب: اتصال كامل بلا شبهة،
وهو المتواتر، واتصال فيه شبهةٌ صورة، وهو
المشهور، واتصال فيه شبهةٌ صورةً ومعنًى،
وهو الآحاد.
٥٥ والمشهور ما كان في الأصل
آحادًا ثم انتشر فنقله من لا يُتوهَّم
تواطؤهم على الكذب؛ القرن الثاني بعد الصحابة.
٥٦ وهو حجةٌ ما لم يخالف القياس
الصحيح. ولا يمكن جعْل الأخبار كلها نوعًا
واحدًا، لا فرق بين متواتر وآحاد لصالح الآحاد.
٥٧
والتواتر هو النقل المتصل عن الرسول،
ويسمى المستفيض.
٥٨ يفيد العلم؛ خلافًا للسمنية
التي اقتصر العلم عندها على المحسوسات.
٥٩ وهو أقرب إلى موقف السفسطائية؛
لأن إثبات العلم بالمحسوسات لا يكون إلا
بعلم غير محسوس. وهو علم ضروري. التواتر هو
كل خبر وقع العلم بمَخبَره ضرورةً من جهة الخبر.
٦٠ وتواتر الخبرين المتناقضين ممتنع.
٦١
وإذا كان التواتر يفيد العلم، فما المانع
أنه يولد إثارة إشكال من علم أصول الدين عن
السببية، داخل علم أصول الفقه؟ وإذا كان
خبر التواتر يولد العلم، فإن خبر الواحد
يولد الظن.
٦٢ إن أصول الفقه متجه نحو العمل،
وليس نحو النظر، إلا على وجه تأسيس العمل،
كما هو الحال في «العقل العملي النظري».
وما الداعي إلى تحويل علم أصول الفقه إلى
مقالات وشبهات وردود، وكأن جدل علم أصول
الدين ما زال قائمًا؟
وهناك شروط ترجع إلى المخبِرين، مثل
العلم بالخبر عن ضرورة ومشاهدة ومن ثقة
وبعدد كافٍ. وهناك شروط أخرى ترجع إلى
السامعين، مثل أن يكون من أهل العلم، وعدمِ
العلم بالمدلول وإلا كان العلم تحصيل حاصل،
والاستعداد للاستماع دون شبهة؛ من دليل أو
تقليد إمام.
والعدد الناقص لا يفيد العلم، والعدد
الكامل يفيده. والعدد الزائد لا لزوم له.
وقد تقوم القرائن مقام العدد.
٦٥ وهي مثل مدارك العلم،
الأوَّليات والمحسوسات والمشاهدات الباطنة
والتجريبيات والمتواترات. فالتجربة هي التي
تدل على الصدق وليس العدد. فالعدد يختلف
بالوقائع والأشخاص. ولا يهم تحديد العدد
بأقل الجمع، ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو
سبعين، مثل أعداد القرآن المذكورة. وليس
العدد في العلم الإلهي؛ لأنه بين قوسين،
وأدخَلُ في علم أصول الدين.
٦٦ وليس من المعقول أن يكون العدد
لا نهائيًّا، لا يحصره عدد ولا يحويهم بلد،
فهذا مستحيل، ولا أن تتعدد الأنساب؛ فقد
كان جلُّ الصحابة من قريش. ولا يستلزم
وجودُ خرق للعادة، فقد انتهى ذلك في
الزمان. ويستحيل في هذا الزمان قلبُ العصا
ثعبانًا، كما كان في الأزمان السالفة. فلا
معجزة لنبي ولا كرامة لولي
٦٧
ولا يُشترط في الرواة أن يكونوا ولاةً
مؤمنين؛ فالرواية نقل من شفتين إلى أذن،
ولا أن يكونوا محمولين بالسيف على الأخبار؛
فالرواية فعل حر. ولا يشترط أن يكون
المعصوم فيهم؛ فالرواية لها قوانينها غير
العصمة. وليس من شروطها روايةَ اليهود؛
لأنهم أصحاب أخبار وإسرائيليات.
٦٨ ولا أن يكون المخبرون مسلمين
ولا عدولًا، فيقينها في شروطها الأربعة
الموضوعة للرواية، وليس في صفات الراوي،
كما هو الحال في أخبار الآحاد.
وإن كان الخبر عن أمر ديني، فإنما يُجزَم
بصدقه بشروط، مثل أن يكون وقت العمل به قد
دخل، وألا يكون سكوت النبي عنه قد تقدَّمه حكم.
٦٩ لذلك يكون التواتر في
الموضوعات العملية لعلم أصول الفقه، وليس
في الموضوعات النظرية في علم أصول الدين
كالصفات. والإجماع على العمل على وفق الخبر
لا يقتضي صحة الخبر، ففي الخبر المتواتر
الصحة في الداخل وليست في الخارج، في النظر
وليست فقط في العمل. وليس الإجماع على خبرٍ
دليلًا على صدقه أو على تأويله أو على
روايته، فالإجماع اجتهاد جماعي لصلاحية
الحكم وليس لصدق الخبر. فإذا عمل الصحابي
بخلاف حديث رواه فله أحوال؛ فإما أن يكون
الخبر عامًّا فيخص بأحد أفراده، أو يكون
مطلقًا فيقيده، أو أن يكون منسوخًا، أو أن
يكون محتمِلًا لأمرين متنافيَين، فيحمله
على أحدهما.
٧٠
وأحيانًا تكون الصفات في أهل التواتر
وليست في التواتر نفسه، في المخبِر وليس في
الخبر، مثل العقل، والاضطرار، والعدد.
٧١ لذلك لا تُقبل رواية أهل
الأهواء؛ لأثر الهوى على صحة نقل الراوي،
ونزاهته في الرواية، وحياده في
التبليغ.
(٢) شروط الآحاد
أما خبر الآحاد فإنه ليس الخبر الذي رواه
الواحد، أي الذي يفقد شرط العدد الكافي من
الخبر المتواتر، بل هو الخبر المتواتر الذي
تنقصه أحد شروطه الأربعة.
٧٢ ولا بد له من دليل آخر حتى
يفيد العلم. خبر الواحد هو ما يُشك في صحة
سنده، وإن كان المتن متفقًا مع العقل
والنقل. وإذا لم يوجد راوٍ واحد ثقة، أو
كان خبر الواحد مقطوعًا به في العمل، يُرد.
٧٣
ولا تثبت حجية خبر الواحد بالخبر؛ لأن
الخبر ظني. والإثبات يحتاج إلى برهان، ولا
يثبت بالقرآن خاصة قصص الأنبياء؛ لأن النص
لا يثبت بالنص، بل بالعقل. وقد يفيد العلم
بقرائن.
ومن ثم يكون إبطال القول بقَبول خبر
الاثنين، ورد خبر الواحد لا معنَى له؛ لأن
خبر الواحد ليس قضية عددية، الراوي واحد،
بل الخبر الذي تنقصه شروط التواتر، حتى ولو
كان منقولًا من أكثر من واحد.
٧٤ وقد يُقبل خبر الواحد ولو
انفرد الواحد بروايته؛ لأن العدد لا يعني
الكم، بل الكيف.
٧٥ الراوي إذا روى عنه واحد فهو
مجهول، وإذا روى عنه اثنان فصاعدًا فهو معلوم.
٧٦ والمعلوم إما بالفقه والاجتهاد
أو بالراوية دون الفقه والفتيا. والمجهول
إما يروي عنه الثقات ويعملوا بحديثه
ويشهدوا له بصحته، أو يسكتوا عن الطعن فيه،
أو يعارضوا بالطعن والرد، أو اختُلف فيه،
أو لم يظهر حديثه بين السلف. وتثبت الجهالة
برواية الخبر عن شخص، فيسمى باسم مشترك فيه
ثقة وضعف، دون العلم أيُّهما مصدرُ الخبر.
٧٧
قد يُنكَر عقلًا وإن وقع سمعًا، والحقيقة
أنها ليست قضية إثبات أو إنكار، بل موضوع
أولية النقل على العقل أو النص على الواقع
في حالة الإثبات، وأولوية العقل على النقل
أو الواقع على النص في حالة الإنكار، وليست
قضية استحالة خبر الواحد لذاته، أو لما
يترتب عنه فقط، فخبر الواحد واقع، أي الخبر
الذي لا يستوفي الشروط الأربعة الكاملة
للتواتر، ولا دخل للعلم الإلهي في الإثبات
والإنكار؛ لأنه أدخَلُ في علم أصول الدين،
والراوي مثل الشاهد والحالف يخضع لمنطق التصديق.
٧٨ ويستحيل التعبد بخبر الواحد
عقلًا، بل لا يجب التعبد به عقلًا، إنما
التعبد به قد وقع سمعًا.
٧٩ وهو ما يدل على قبول الجمهور
به، ولكن استنادًا إلى الخبر المتواتر. أما
تواتر إرسال الأمراء والقضاة والرسل
والسُّعاة إلى الأطراف، فإنه يدخل في موضوع
الإجازة والمناولة، أي النقل الكتابي وليس
النقل الشفاهي، والذي يعتمد فيه صحة المتن
على صحة السند.
أما تقليد العامي للمفتي فإنه أمرٌ
بالطاعة، وليس تحققًا من صحة الخبر. وأمر
طائفة بالتفقه بالدين غير محدد بالعدد الذي
قد يبلغ حد التواتر، كما أن التوقف للتثبت
بصحة القول وارد أيضًا.
٨٠ وإذا دل عليه العقل وحده دون
الأدلة السمعية، أو الأدلة السمعية وحدها
دون العقل، ففي الحالتين يخضع لمقاييس صحة الرواية.
٨١ وإن لم يتم تصديقه فيتم الرجوع
إلى البراءة الأصلية أو الاستصحاب، وهما
معلومان بالعقل. خبر الواحد قابل للتصديق
والتكذيب مثل خبر الكافر والفاسق.
٨٢ التعبد بخبر الواحد العدلِ جائز.
٨٣ وتثبت أسماء الله بأخبار
الآحاد وقواعد العقائد. وهو موضوع خارج علم
أصول الفقه.
٨٤
ويدخل خبر الواحد باعتباره مصدرًا للعلم
في قسمة عقلية.
٨٥ ما يوجب العلم ليس بذات الخبر،
بل لما يصحبه من دلالة وقرينة موجبة لصحته.
وخبر الشارع لا يُعرف إلا عن طريق الرواة.
وصدقه يعود إلى نفسه في علم أصول الدين،
وإلى التواتر في علم أصول الفقه. والمعجزة
دليل على صدق المخبر أيضًا في علم أصول
الدين، وليس في علم أصول الفقه. وشهادته
على صدق خبر أيضًا تعتمد على المعجزة، وهي
أدخَلُ في علم أصول الدين. والأخبار بحضرة
النبي صدق خارجي وليس داخليًّا، وكذلك
شهادة الصحابة شهاد خارجية، إحالة الصدق
إلى صدق آخر. وقبول الأمة لا يكون إلا
للمتواتر. أما الآحاد فعليه خلاف.
ويزداد يقين خبر الوحد إذا اجتمعت الأمة
عليه، قبل أن يشهد له نصٌّ من الكتاب أو
السنة المتواترة، وبعد أن يشهد له القياس.
٨٦ وإذا أخبر واحد بحضور الرسول
ولم ينكره، فيقينه ليس من خبر الواحد، بل
من حضور مصدره.
٨٧ وإذا قبِله أكثر الصحابة فإنه
يجعله أيضًا أقرب قبولًا.
٨٨ وإذا رواه الصحابي خبرًا
مجملًا ثم بيَّنه، فلا بد من قرينة.
٨٩ ويُقبل خبر الواحد إذا ما اتفق
مع مجرى العادات، وهو أحد شروط التواتر.
٩٠ وشرط صدقه مطابقته للمشاهدة،
أي للواقع.
٩١ وإذا نُقل خبرُ واحدٍ والأمة
تعمل بمقتضاه، فيقينه من العمل به وليس من
صدقه النظري.
٩٢
وخبر الواحد فيما تعُمُّ به البلوى
مقبول؛ لأنه يستحيل الكذب فيه والبلوى عامة.
٩٣ فالواقع هو الذي يحدد القبول
والرفض. وإذا نُقل خبرُ واحدٍ عن أمر محسوس
بين يدي جماعة عظيمة، فإن يقينه من مطابقته
الحس، وليس مِن داخل الخبر.
٩٤ وإذا أخبر بحضرة خلق كثير،
وعلم علمهم بكذبه لو كذَب ولم يكذبوه، ولا
حامل على السكوت، قُطع بصدقه بالعادة.
٩٥
ويكون خبر الواحد حجةً في أحكام الشرع،
وهي فروع الدين، التي تحتمِل النسخ
والتبديل، الواجبة إلزامًا، سواء ما لا
يندرئ بالشبهات كالعبادات، أو ما فيه شبهة،
وحقوق العباد الملزمة التي تثبُت بشرط
العدد وتعيين لفظ الشهادة والأهلية
والولاية، والمعاملات غير الملزمة،
والمعاملات الملزمة من وجه وغير الملزمة من
وجه آخر. لذلك يقسم خبر الوحد بحسب محل وروده.
٩٦
ويشترط للعمل بخبر الآحاد الاتفاقُ مع
الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس، في
حادثة تعم بها البلوى، ولم يظهر خلاف
الصحابة معه.
٩٧ وإذا أجمع على كلم يوافق خبرًا
قُطِع بصدقه.
٩٨ ولا يفيد العلمَ إلا
بقرينة.
ويمكن العمل بخبر الآحاد، ويظل ظنيًّا
على مستوى النظر، وإن كان يقينًا على مستوى العمل.
٩٩ ولا يوجب العلم الضروري ولا
المكتسَب. العمل بخبر الواحد واجب في العمليات.
١٠٠ لذلك وجب الالتزام بالسنة وطاعتها.
١٠١ وإذا خالف خبر الواحد السنة
المشهورة فهي أولى، قولًا أو فعلًا، ولا
يجوز مخالفتها. وفي الحدود والعقوبات قد
يقع تردد في قبول خبر الواحد.
١٠٢ ومع ذلك قد تسقط به الشبهات،
وقد يُحتجُّ به إجماعًا، كالشهادات والمعاملات.
١٠٣
(٣) شروط الراوي
ويتحقق صدق خبر الواحد أيضًا عن طريق
شروط الراوي وصفته، مثل التكليف أو العقل
والضبط والعدل والإسلام.
١٠٤ ويعني التكليف عدم جواز رواية
الصبي بالرغم من صدق الطفولة وبراءتهم التي
تمنعهم من الكذب، وبالرغم مما قد يتعرضون
له من ضغوط على الكذب. ولا يكون الفاسق
أولى. ويعني الضبط سلامة العقل والحواس
والذاكرة. فالرواية تقتضي سلامة السمع ثم
الحفظ ثم الأداء، أي سلامة الحواس وقوة
الذاكرة وحسن الكلام، دون التلعثم وأخطاء
الصوت في النطق. وهو حزم الأمر في العلم.
الظاهر ضبط اللغة، والباطن ضبط المعنى.
والإسلام ضمان لصدق الرواية، وإن كذَب بعض
الرواة المسلمين لصالح فرقة أو مذهب أو
مصلحة. كما قد تصدق رواياتُ بعضِ غير
المسلمين. فأمانة النقل إحساس طبيعي، وواجب
أوَّلي، وحياد، لا شك فيه بين الفرق
والمذاهب الإسلامية المتصارعة. والعمى لا
يمنع من الرواية؛ لأنها تتم بالسمع، فرواية
الضرير ممكنة.
١٠٥ كما لا تجوز رواية الأخرس بالإشارة.
١٠٦ وليس من شرط المخبِر أن يكون
فقيهًا، بل أن يضبط ويَعيِ ما يسمع.
١٠٧ وهو أحد معاني العدل، أي
توافُق السمع مع الحفظ مع الأداء. ومع ذلك
قد يُطعَن بالاستكثار في الرواية من فروع
الفقه، ومن ثَم يُستبعد من عُرف عنه كثرة
السهو والغلط والظن.
١٠٨ وقد يُطعن بعدم احتراف
الرواية؛ لأن الرواية مهنة.
١٠٩
وتعني العدالة استقامة السيرة، وهي هيئة
راسخة في النفس، أو بنية شعورية تجعل
صاحبها خاليًا من الانفعالات والأهواء. ولا
يكفي في تمثُّلها مجردُ إظهار الإسلام
خشيةً من النفاق، فالإسلام الشكلي ليس
دليلًا على الصدق، وربما يكون الفاسق
صادقًا. وقَبول رواية المسلم الشكلي تبرِّر
قبول رواية المجهول، بل والصادق على
الإطلاق، مثلما وُصِف الرسول بالصادق
الأمين قبل الرسالة.
«العدالة» هي أن يكون الموصوف بها
متمثلًا للمأمورات مجتنبًا للمحظورات،
ويكون متنزهًا عما يَشين ويُزري؛
١١٠ لذلك كانت العدالة ظاهرة
وباطنة.
والمخبرون على أقسام: الأول الصبي
العاقل، والمعتوه بعد البلوغ، وكل ناقص
للعقل والمعرفة. والثاني العاقل التام
العقل الفاسق أو المشتبه في الكذب في خبره.
والثالث العدل الضابط، ولكنه غير معصوم من
الكذب، والرابع رسل الله وأنبياؤه
المعصومون عن الكذب.
١١١ ولا يجوز العمل بخبر سمعه
الراوي طفلًا. والصبي الذي لم يسبق منه كذب
قد تُقبل روايته نظرًا لبراءته الأصلية،
وقد لا تُقبل لعدم قوة ذاكرته؛ إذ يُعتبر
في حال الأداء البلوغ.
١١٢ والعقل نور يضيء الطريق حيث
ينتهي نور الحواس.
١١٣ ويُرَد الخبر إذا ما عارض العقل.
١١٤
والعدالة هي الإسلام مع عدم معرفة الفسق،
أو ملَكة في النفس تمنع عن اقتراف الكبائر
وصغائر الخسة والرذائل المباحة. وهي في
المعاملات أيضًا، ومنها أصحاب الحرف
«الدنيئة» كالدباغة والجزارة. والطريق الذي
تُعرف به العدالة هو الاختبار في الأحوال
بطول الصحبة والمعاشرة والمعاملة، وفعل
الكبائر، والتعاون بالدين، والتساهل في الرواية.
١١٥
والهوى نقيض العدل. وأهل الأهواء لو
أثَّرت أهواؤهم في الرواية فلا تُقبل. أما
لو تخلص من الأهواء أو ساعدته على الرواية
الصادقة، فتُقبل.
١١٦ لذلك قد يُتردد في قَبول رواية
الفاسق المتأول.
١١٧ والداعية ليس بالضرورة صاحب بدعة.
١١٨ ولا يجوز التدليس، وهو الإخبار
عن سمعٍ مباشر وهو سمعٌ غيرُ مباشر.
١١٩ وكذلك من كنى عن الراوي ولم
يُسمِّه.
ويرجح مَن تقدَّم إسلامه.
١٢٠ ومع ذلك قد لا يؤدي الكفر
بالضرورة إلى الكذب في الرواية.
١٢١ وقد تكون شهادة المؤمن كذبًا،
وشهادة الكافر صدقًا، ولا يقبل خبر مجهول
الحال؛ لأن الشهرة قد تكون عن طريق العدالة والضبط.
١٢٢ وتقبل رواية التائب عن الكذب.
١٢٣ والصغائر من المستقبحات لا العاصي.
١٢٤ وتَمنع الكبائر من رواية الحديث.
١٢٥
والتكليف شرط للرواية، أي البلوغ،
فتُستبعد شهادة الصبية من الجنايات.
وقد لا تُشترط أمور أخرى في الرواية، مثل
العلم بالعربية أو قلة الرواية أو كونه
أجنبيًّا، أي لا مصلحة للراوي فيها، ولا
الشهادة المباشرة أو الحلف على صدق الرواية
أو الاجتماع بالراوي في كل رواية.
١٢٦ وهناك أسباب لا تُرَد رواية
الآحاد بها، مثل الغفلة والانفراد بالرواية.
١٢٧ ولا تُشترط الذكورية.
١٢٨ ومن ثَم تُقبل شهادة المرأة.
والرواية غير الشهادة. فالعقل والعاطفة
قاسمٌ مشترك بين الرجل والمرأة. وتُقبل
شهادة العبد إذا كان شجاعًا وليس خائفًا من السيد.
١٢٩ وقد انتهت العبودية الآن كنظام
اجتماعي وأصبح كل إنسان حرًّا.
(٤) الجرح والتعديل
ويمكن معرفة حضور هذه الشروط أو غيابها
عن طريق الجرح والتعديل.
١٣٠ ولا يُهِم عددُ المزكِّين
والجارحين، بل المهم هو الاطمئنان للحكم،
فالحكم هو الذي يحدد العدد، وليس العدد هو
الذي يحدد الحكم، كما هو الحال في
الرواية.
وتكون التزكية بالقول أو بالرواية عنه أو
بالعمل بخبره أو بالحكم بشهادته. أعلاها
القول وصريح الحكم، ثم الرواية عنه، مما
يدل على أن الراوي مصدرًا للثقة، ثم العمل
بخبره، ثم الحكم بشهادته. وخبر الواحد ليس
مصدرًا للتعديل والتجريح.
والاختلاف حول عدالة قوم دون قوم من
القدماء، والحكم عليهم بالإيمان أو الكفر
أو الفسق أو التأويل، بحثٌ تاريخي خالص لا
دلالة له على العصر.
١٣١ ونظرًا لأهميته فقد أصبح علمًا
مستقلًّا له مؤلفاته الخاصة.
١٣٢ ويسمى أيضًا التزكية والجرح.
وتعني التزكية هنا التعديل.
١٣٣ ومنها تزكية المرأة
والعبد.
وإن اتفق التجريح والتعديل في العدد
فالتجريح أولى. وإذا قل عدد المجرِّحين فإن
التجريح أيضًا أولى؛ أخذًا بالأحوط.
١٣٤ والتجريح يقتضي رد الخبر؛ لأن
الخبر لا يُروى إلا عن ثقة.
١٣٥
وما يقع به التعديل من الألفاظ هو الحكم
الصريح بالتعديل.
١٣٦ وقد يستفسر المزكِّي الناس عن المزكَّى.
١٣٧ فلا يقبل الجرح إلا مفسَّرًا.
والطعن المبهم لا يكون جرحًا. ولا يُقبل
الجرح المطلق. والإسلام وحده لا يكفي. ولا
بد من ذكر الأسباب، فلا يوجد تعديل أو
تجريح مبهمان. والعدالة سبب واحد يحتاج إلى
أسباب أخرى.
وأقل ما يجب على الراوي أن يعلم ما سمعه
من الثقة، فيخبر على ما سمعه، ولا يكفي أن
يكون حافظًا له إن لم يعلم أنه رواه.
١٣٨ وإذا روى الثقة عن المجهول لم
يدلَّ ذلك على عدالته. ورواية الثقة عن
الراوي لا يقع بها التعديل؛ نظرًا لعدم ضبط
معنى الثقة.
١٣٩ ورواية المستور، وهو مجهول
الرواية، إذا لم يظهر منه نقصُ العدالة،
ولم يتفق البحث الباطن عن عدالته، قد تُقبل
روايته وقد لا تُقبل.
١٤٠
والفاسق المتأول لا تُرد شهادته أو تقبل
إلا بعد التحقق من صدق الشهادة، عن طريق
التحقق من الفسق ومعناه والتأويل وطُرُقه.
١٤١ ولا تجوز رواية خبر أهل
الأهواء أو الداعية إلى البدعة.
١٤٢
والفرق بين الرواية والشهادة أن رواية
الواحد تُقبل ولا تُقبل شهادته؛ لأن
الرواية للنقل والشهادة للحديث. والتقوى في
النقل أشد من التقوى في الحديث.
١٤٣ والحقيقة أن التصديق يتعلق
بالذات، راويًا كان أم شاهدًا، أكثر مما
يتعلق بالموضوع، رواية أو شهادة. تصديق
النقل والسمع في الرواية، وتصديق الرؤية
الحسية في الشهادة. وإذا نقل الراوي حدًّا
في قذف، فإن كان شهادة لم يكن خبرًا.
١٤٤ والأكثر الجرح والتعديل بواحد
في الرواية، وباثنين في الشهادة.
١٤٥
وإذا كانت شروط الرواية: التكليف
والعدالة والإسلام والضبط، فإنها أيضًا
شروط للشهادة. أما شروط الحرية والذكورة
والبصر والقرابة والعدد والعداوة، فهي شرط
للشهادة فقط دون الرواية. فحكم الرواية
أقرب إلى العموم لا تؤثر فيها الشروط
الخاصة، في حين أن حكم الشهادة أقرب إلى
الخصوص تؤثر فيها الظروف الخاصة.
١٤٦
ولا تجوز روايةُ حديث ينكره راويه. فشرط
الرواية صدق الراوي، كما أن صدق الفتوى
مطابقتها لعمل المفتي، فلا يجوز للراوي ولا
للمفتي روايةُ حديثه، أو الإفتاءُ بشيء
وعملهما يخالف الرواية والإفتاء.
١٤٧ وعليه إما الشك والتوقف أو
التكذيب، إذا أنكره المروي عنه أو النسيان.
وما يلحقه النكير من جهة الراوي ما أنكره
صريحًا، وما عمل بخلافه أو لا يعرف تاريخه
أو بعض ما احتمله الحديث، من تأويل أو
تخصيص أو الامتناع عن العمل به.
١٤٨
ويلحق الخبرَ التكذيبُ من جهة الراوي
نفسه بإنكار الرواية نصًّا وعملًا، ومخالفة
الحديث قولًا أو عملًا، قبل الرواية أو
بعدها، وعدم العلم بالتاريخ، وتعيين الخبر
بالتأويل أو التخصيص، وترك العمل بالحديث.
١٤٩ أما إذا أنكر المروي عنه رواية
الراوي، فإما التوقف والشك فيه، أو القطع
بأنه لم يخبر به. وقد يُحكم بالأول، أما
الثاني فإما يحكم بالظن، وهو ما يجعل العمل
به جائزًا، أو بالقطع نفيًا، وهنا لا يجوز
العمل به.
١٥٠ وإذا نسي المروي عنه الحديث
والراوي عنه ثقة، قد يسقط الحديث وقد لا يسقط.
١٥١
والطعن بركض الدواب ليس طعنًا؛ لأنه من
عمل الجهاد، وهو من يجيب في المحنة. والطعن
بكثرة المزاح أيضًا ليس طعنًا؛ لأن المزاح
أمر مستحسَن، والطعن بحداثة السن ليس
طعنًا، فقد كان بعض الصحابة صغار السن
ويَرْوون، والطعن بأن رواية الأخبار ليست
عادة، فالإقلال أو الإكثار من الرواية ليس
طعنًا في حد ذاته. والطعن من المتعصب أو
صاحب الهدْي ليس طعنًا. والطعن على من
يتعامل بالربا ويبيع بالعينة.
١٥٢ والرواية أمر تطوعي غير مأجور.
وما يترتب على الاختلاف في شروط الرواية
مَزيد من التدقيق فيها.
١٥٣
وما يكون من جهة غير الراوي قد يكون من
جهة الصحابة أو أئمة الحديث.
١٥٤ فالصحابة لا يجهلون الأحاديث.
وأئمة الحديث قادرون على الطعن في الرواة،
وهو نوعان: مبهم ومفسر. والمفسر ما لا يصلح
أن يكون طعنًا وما يصلح. وما يصلح مجتهَد
فيه أو متفق عليه. وأكثر الصحابة كانوا
فقهاء؛ لذلك قد يُشترط كون الراوي فقيهًا.
وإذا رويت لصحابي غاب عن الرسول سنة، لا
يلزمه سؤاله عنها عند لُقياه.
١٥٥ وتعديل الشارع للصحابة تعديل
خارجي وليس تعديلًا داخليًّا.
١٥٦ وإذا قال الراوي: «من السنة
كذا» فيحتمِل أن تكون سنة الرسول أو سنة
الخلفاء الراشدين.
١٥٧
والصحابي هو من رأى النبي. وقد تكون
الصحبة عبر الزمان الممتد وليس في المكان المحدد.
١٥٨ وقد يمتد الزمان إلى ما قبل
البعثة إلى زمن البعثة. وإذا روى الصحابي
لغيره شيئًا عن الرسول، ثم رأى المروي له
الرسول قد يلزمه أن يسأل عما حدث وقد لا
يلزمه. وإذا قال المعاصر العدل: «أنا
صحابي» قُبل قوله.
١٥٩ وإذا قال: «عليه السلام» حُمل
على السماع. وقد يُقبل حكم الصحابي بنسخ
الخبر أو تفسيره. أما إذا عارضه صحابي آخر
أو القياسُ، فقد لا يُقبل. وإذا حمَل
مرويَّه المشتركَ ونحوه على أحدِ ما
يحتمله، فهو واجب القبول.
١٦٠ وإذا أخبر مخبِر بحضرة الرسول
فلم ينكره، كان ظاهرًا في صدقه.
١٦١ وقد رجع كثيرٌ من الصحابة عن
آرائهم إلى أحاديث النبي إذا سمعوها ووعوها.
١٦٢
وقد يدخل التابعون مع الصحابة لقربهم من
زمن الرواية.
١٦٣ وقد يدخل بعض الرواة الذين لا
تُرَد روايتهم، الرواة الثقات، بصرف النظر
عن مدة الزمان.
١٦٤