(أ) كل مجتهدٍ مصيب
ولا يأثم المخطئ في الاجتهاد.
٦٥ وينتفي الإثم عن جميع
المجتهدين إذا تم في محله. الإثم عن
المجتهدين منفي.
٦٦ الاجتهاد لا إثم عليه، بل
هو مجرد حق الاجتهاد.
لا إثم في الظنيات ولا خطأ فيها،
والقطعيات كلامية وأصولية وفقهية،
والكلامية عقليات خالصة في أمور،
وسمعيات في أمور أخرى. العقليات فيها
خطأ وصواب.
أما السمعيات فلا تعتمد في يقينها
على الخبر المتواتر، أما أخبار الآحاد
فإنها ظنية، لا تعطي علمًا يقينيًّا في
النظر، وإن كان يجوز استخدامها في
العمل.
والأصولية لا خطأ فيها؛ لأنها تعتمد
على قواطع النص، والعقل الخالص،
والمصالح العامة، وأما الفقهية فهي
ظنية، بل خطأ وصواب، ويتغير الاجتهاد
بتغير الزمان والمكان، فكل مجتهد مصيب.
فالصواب متعدد دون خطأ أحدها وصواب
الآخر. والمخطئ في الاجتهاد مأجور وليس
معذورًا أو معاتبًا مخطئًا.
٦٧ إن أخطأ له أجر، وإن أصاب
له أجران.
ولا يخطئ مجتهد حتى ولو كان اجتهاده
في واقعة نص؛ لأن للواقع الأولوية على
النص. ويمكن إيقاف النصوص مؤقتًا، كما
أوقف عمر حد السرقة عامَ الرمادة، ونص
المؤلفة قلوبهم بعد أن قوي الإسلام.
٦٨
ولا خطأ في العقليات.
٦٩ ويستحيل تقابُلُ دليلين
منها، ويستحيل تقابل قولين في شيء واحد
من وجه واحد. ولا يتعارض دليلان
قطعيان. ولا خلاف في وجوب اتباع ظن المجتهد.
٧٠ ولا يخلو المجتهد إما أن
تتفق عليه أقوال المجتهدين فهو
الإجماع، وإما أن تختلف في حكم عقلي أو
شرعي، والاختلاف في العقل يمكن
مراجعته، فالصواب فيه واحد، أما الخلاف
في الشرع فالصواب فيه متعدد.
٧١
كل مجتهد مصيب في الظنيات، وهو أقرب
إلى حرية الفكر وحق الاختلاف والتعددية
الفكرية، في حين جعْل المصيب واحدًا
تضييقٌ على حرية الفكر، وإنكار لاختلاف
المشارب والمناهج وتعدد الآراء لحساب
الرأي الواحد والحزب الواحد والسلطان
الواحد، وهو رأي الفرقة الناجية في علم
أصول الدين.
وإذا كان الحق واحدًا فهو غير متعين،
وكل ما يصل إليه المجتهد صحيح. وإذا
كان الحق واحدًا في الأصول، فإن الآراء
تتعدد في الفروع. وهذا لا يعني نفي
الأدلة الشرعية النصية أو التجربة
الجماعية والفردية، ولكن الأدلة خاضعة
للمنظوم (اللفظ)، والمفهوم (المعنى)،
والمعقول (الشيء). ولم يكلف المجتهد
الإصابة ولكن بالاجتهاد فحسب. وهذا لا
يعني أيضًا نفي إمكانية الترجيح.
٧٢
ومن لم تقُمْ عليه الحجة معذور، ومن
قامت عليه الحجة لا عذر له.
٧٣ والمختار جواز أن يقال
للمجتهد: احكم بما شئت فإنه صواب، ولكن
بشرط الاجتهاد، وإعمال النظر، وإخلاص
النية، وتوخي المصلحة.
٧٤
ويعرِض الخطأ في الاجتهاد إما لخفاء
بعض الأدلة، حتى يُتوهم فيها ما لم
يقصد منه، أو لعدم الاطلاع عليها جملة.
ولا يؤخذ بزلَّة العالم ولا تقليدها
ولا اعتمادها خلافًا في المسائل الشرعية.
٧٥
وقد يعتقد صاحب الاجتهاد أنه من
المجتهدين، وأن من قوله معتدٌّ به،
وتكون مخالفته في جزئي، وهو الأخف، أو
في كلي من أصول النظر أو العمل. ولا
تتعين فرقة كلامية بعينها، بل طبقًا
لأحكام الاجتهاد. وقد تكون أسباب الزلل
في اتباع ظواهر النص من غير تدبر ونظر،
والقطع بها دون نظر في المقاصد. وقد
تكون معاداة الأمة والخروج عليها كلية؛
لذلك كان الاجتهاد في علم أصول الفقه
طبقًا للمصالح العامة، والاجتهاد في
علم أصول الدين طبقًا لأهواء الفرق،
وهي فرق نبَّهت النصوص عليها، التي
تنبع من الأهواء والمتشابهات.
وليس كل ما يُعلم مما هو حق يُطلب
نشره وإذاعته، حتى وإن كان من علم
الشريعة، ومما يفيد العلم بالأحكام،
فسجالات الفرق لا يُطلب نشرها، وكذلك
المتشابهات، وأسئلة العوام، واختلاف العلماء.
٧٦
وقد يتجاوز التصويب علم أصول الفقه
إلى علم أصول الدين، وتكون آراء الفرق
في العقائد كلها صواب، وهذا يبين إلى
أي حدٍّ يجوز الاختلاف في الآراء حتى
في تصوُّر العقائد وصياغاتها، وهي من
الثوابت، فالمتغيرات أولى. لا فرق بين
علمَي الأصول في تعددية الصواب، فهناك
تصورات نظرية مختلفة للعقائد، ما يهم
منها هو ما تُحدِثه من عمل صالح.
٧٧ والأولى أن تكون التعددية
في الشرائع نظرًا لتغير المجتمعات
طبقًا للزمان والمكان وظروف كل عصر. لا
فرق إذن بين الأصول والفروع بالدليل
القاطع أو بالإمارة. وإذا كانت العقائد
هي الأصول والشرائع والفروع، وتعدد
الصواب في الأصول، فالأولى تعدده في الفروع.
٧٨
(ب) تعدد الأحكام
ولا يوجد في الواقعة التي لا نص فيها
حكم شرعي معين، والأمر متروك للمجتهدين.
٧٩ ولا حكم في المسألة
الاجتهادية قبل الاجتهاد سوى إيجابه،
وإذا كان في المسألة نصٌّ شرعي وأخطأ
فيه المجتهد، والنص مقدور على بلوغه،
وقصر المجتهد في ذلك عن غير قصد، فلا
يأثم باجتهاده. وإن كان عن قصد شخصي،
هوًى أو مصلحة خاصة، إرادة حاكم أو
رغبة سلطان، فإنه يأثم، لا لاجتهاده،
بل لعدم توافر شرط الاجتهاد، وهو العلم
بالمصالح العامة، وهناك يكون المحك،
ليس الجدل النظري حول الأدلة، بل
الضرورة العملية، فالواقع، أي المصالح
العامة، هي الحامل للنص، والمجتهد هو
العاقل الذي يوحد بين النص الثابت
والواقع المتغير. والأمور العملية هي
عموم البلوى وليس المسائل العقائدية
الأدخل في علم أصول الدين مثل المعجزة.
٨٠ ولا ينقض حكم اجتهادي صحيح
إذا لم يخالف الكتاب.
٨١ المجتهَد فيه كلُّ حكم
شرعي عملي أو علمي، ليس فيه دليل قطعي؛
فخرج الاجتهاد العقلي.
٨٢
ترجع الشريعة كلها إلى هدف واحد في
فروعها وإن كثُر الخلاف في الرأي،
وكذلك في أصولها وفي تجربتها، يشهد
بذلك النص، كما وضع العلماء منطقًا
لرفض التعارض بين الأدلة من بينه
الناسخ والمنسوخ. والاختلاف في الشريعة
تكليفُ ما لا يطاق، ومهما بلغت فردية
الأشخاص وتعيين الأحوال، إلا أنها تدخل
تحت أصل كلي واحد. والترجيح بين الأدلة
يرفع التعارض بينها، والتعارض في
الشريعة غير متصور، ولا يُعقَل أن
يقتضي الحكم «افعل» و«لا تفعل»، في فعل
واحد من جهة واحدة. ويجوز للمجتهد
الجمع بين الدليلين أو الترجيح بينهما.
٨٣
ولا يوجد حكمٌ معين في المجتهدات،
على عكس من جعل الصواب واحدًا وعينه في
كل مسألة، وهو تضييق على العقل وإنكار
للزمن والتاريخ. ما ورد فيه النص له
حكمٌ ثابت، وما لم يَرِدْ فيه نص ليس
له حكمٌ ثابت، وهذا لا ينفي وجود صفات
ثابتة للأفعال، إنما الذي يتغير هو
ظروف أدائها وزمان تحقيقها.
٨٤
ويمكن إيراد حجج نقلية دفاعًا عن
الرأي الواحد وعن تعدد الآراء،
والاختيار بينها طبقًا للمذهب، فإذا
كان المذهب هو الصواب الواحد أُوِّلت
نصوص تعدد الآراء لصالحه، وإذا كان
المذهب متعدد الآراء أوِّلت نصوص
الصواب الواحد لصالحه، فالنص سلاح ذو حدين.
٨٥ فإذا أفاد النص بأن الصواب
واحد، فإنه يمكن إعادة تأويل النص أن
سليمان ربما لم يحكم بالاجتهاد، خاصة
وأن البعض لا يجوِّز ذلك للأنبياء، كما
أن النص يقر بأن الكل نال من العلم
والحكمة، بما في ذلك الاجتهاد، وقد نزل
الوحي ليرجح اجتهادًا على آخر وليس لدحضه.
٨٦
والاستنباط أحد طرق القياس، استنباط
علة الأصل من النص، وليس طريقه الوحيد،
كما أن الصواب واحد في العقليات وفي
القطعيات، وهو المقصود من التردد في
الاستنباط. والتأويل حق للخاصة دون
العامة، للراسخين في العلم وليس
للمسطحين فيه.
٨٧
ولا يعني أن للمخطئ أجرًا، وأن
للمصيب أجرين، أن الصواب واحد، بل يعني
أن الحق متعدد. والأمر لا يتعلق بالحكم
على الموضع، بل بالنية والقصد. الحق
متعدد بالاجتهاد وإعمال النظر من حيث
تعدد الذوات، وليس من الحكم على الموضع
الذي تتعدد أيضًا جوانب رؤيته من
منظورات متعددة.
٨٨
ولا تعني النصوص التي تحذر من
الاختلاف والشقاق والتنازع أن الصواب
واحد، بل غياب الحوار بين الآراء،
والتصلب للرأي والتعصب للمذهب. ويختلف
الحكم باختلاف الأحوال، وكل مجتهد يحكم
بموجب اجتهاده، والاجتهادات واقعة في
تاريخ الأمة، والاختلاف رحمة.
٨٩
وإن تحذير الصحابة من الوقوع في
الخطأ لا يعني نفي وقوعه بين الصحابة
أنفسهم، وبين علماء الأمة بعدهم، إذ
يحدث الخطأ في أربعة مواضع: صدور
الاجتهاد عن غير أهله، وعدم استتمام
المجتهد نظره، ووضعه في غير محله، بل
في موضع فيه دليل قاطع، ومخالفة
اجتهاده دليلًا قاطعًا.
٩٠
(ﺟ) الصواب متعدد
وتعدد الصواب ليس محالًا في نفسه،
ولا يؤدي إلى محال؛ نظرًا لتعدد أوجه
الموضوع، ورؤى الذات، واختلاف الزمان
والمكان والظروف والمناسبات. وإذا
تعارض دليلان فهناك منطلق التعارض
والترجيح للاختيار بينهما بعيدًا عن
التحكم والأهواء. وهناك فرقٌ بين
الاجتهاد والتحايل، بين الصدق وسوء
النية. والأمر لا يتعلق بالأمثلة
القديمة في النكاح والعبيد، بل فيما
تعم به البلوى الآن من احتلال وتخلف
وقهر وتبعية ولا مبالاة. وهي أمور
تحتِّم تجاوز الدقيقات النظرية في
الاستدلال، إلى مصالح الناس العامة.
٩١
والحق هو الذي تحقق كونه وصحَّ
وجوده، وهو الحق الوجودي. هناك أيضًا
الحق العملي، وهو الذي يصح وصفه بأنه
حسن حكمه إذا أُجري على كسب الإنسان.
٩٢ والباطل هو ما عدم وفني،
أي عكس الحق الوجودي. والصواب يعني
الحق وإصابة المراد. ولا ينقض حكم
اجتهادًا صحيحًا إذا لم يخالف ما ذُكر
وإلا نقض.
٩٣
ولا يعني تعدد الصواب إنهاء
المناظرات والمناقشات والحوار، بل الحث
عليها لمعرفة أوجه التعدد فيها، وربما
الوصول إلى نظرة كلية أعم وأشمل،
وتحقيق المصالح العامة للأمة بكل
فِرَقها وفصائلها ومذاهبها واتجاهاتها.
وليس المقصود من المناظرة توبة الخصوم
عن مذاهبهم والانتقال إلى مذاهب أخرى.
فهذا عود إلى الرأي الصواب الواحد
وتخطئة باقي الآراء. الغرض الإبقاء على
القصدية في الرأي والوصول إلى اتفاق في
العمل المشترك لتحقيق المصالح العامة.
قد يكشف الحوار عناد الخصوم أو إهمال
دليل قاطع، والعودة إليه أو الانتقال
من ظن إلى يقين، أو أن مذهبه أثقل
وأشد، ظانًّا أنه ينال الثواب، ويعود
إلى حكم أخف وألين في مجتمع مقهور
يتطلع إلى الحرية، ومن ثم يحدث تفكير
جماعي واتفاق على الحد الأدنى من تحقيق
المصالح العامة للأمة.
٩٤
ولا يعني ذلك إنكار العلم ونفي حقائق
الأشياء كما تفعل السفسطائية.
٩٥ كما لا يعني الوقوع في
النسبية، بل الاعتراف بالتعددية
الفكرية، وحق الاختلاف، وتعدد الاجتهادات.
٩٦ ولا يعني أيضًا تكافؤ
الأدلة، بل توحيد وجهات النظر في رؤية
واحدة كلية شاملة. ويستحيل تكافؤ
الأدلة العقلية بين النفي والإثبات.
٩٧
ولا يؤدي اختلاف الاجتهادات إلى
الجمع بين النقيضين، ليس لأن الأشياء
ليست حسنة وقبيحة في ذاتها، بل لاختلاف
المواضع والجهات. فالفعل لا يتعلق
بالعالم وحده بل أيضًا بالذوات.
والأداء تحقيق في العالم. وقد تختلف
كما قد تختلف الظروف. وهناك أوصافٌ
إضافية تؤخذ بعين الاعتبار مع الأوصاف
الأساسية. والإيقاع في التناقض من شيمة الخصوم.
٩٨
ولا يجوز للمجتهد أن يقول في الحادثة
الواحدة قولين متضادين، ولا ينقض حكمٌ
اجتهادًا صحيحًا إذا لم يخالف ما ذُكر،
وإلا نقض.
٩٩ ويجوز أن يقول قولين في
مسألة واحدة، وإذا تكررت الواقعة فلا
يلزمه تكرير النظر؛ لأنه إيجاب بلا موجِب.
١٠٠ وإذا نُقل عن مجتهد قولان
فإنْ عُلِم التاريخ فالأحدث، وإن لم
يُعلم فالاستواء، وإن كانا في نفس
الوقت فالتخيير.
١٠١
إذا تعارض دليلان، وعجز المجتهد عن
الترجيح، ولم يجد دليلًا آخر، وتحير
وعجز المجتهد، وأنه لا تعارض في أدلة
الشرع أصلًا، وأنه لا بد من التوقف أو
التقليد، ولا يعني أن الصواب واحد، بل
يعني مزيدًا من البحث والنظر من أجل
إمكانية الترجيح والاختيار، وإلا التوقف.
١٠٢ والنصوص نفسها متباينة،
تفيد أحكامًا متباينة وكلها صحيحة.
١٠٣ فليس المهم هو شكل الحكم
ومقداره من حيث الموضوع، بل طهارة
الفعل وخلاص النية من جانب الذات.
١٠٤ وإذا اختلف الفقهاء فإن
العامي مخيَّر بين أقوالهم. وقد يغيِّر
الفقيه قوله إذا ما تراءى دليل.
١٠٥
والاشتباه واختلاف المجتهدين بما في
ذلك الراسخون في العلم، لا يعني وقوع
التعارض في الشريعة، فالاشتباه ظاهري
يمكن إحكامه بواسطة المنظوم في المحكم
والمتشابه. ويرجع اختلاف المجتهدين إلى
تعدد الصواب، والاختلاف رحمة.
ونقض الاجتهاد وتغيره من حكم إلى حكم
بديل ممكن نظرًا، ويحترس منه عملًا؛
حتى لا يتغير الاجتهاد طبقًا للمصالح
الشخصية المتغيرة. ومن الأفضل الإبقاء
على الاجتهاد الأول، إذا لم ينقرض
العصر ويتغير الزمن، ففي نفس العصر
وربما بنفس الرجال، لا يفتى بأنه «لا
صلح ولا مفاوضة ولا اعتراف»، بعد هزيمة
يونيو ١٩٦٧م مع العدو الصهيوني، وفي
نفس الوقت وبعد عشر سنوات أخرى، بعد
زيارة القدس في نوفمبر ١٩٧٧م؛ يفتى
بجواز الصلح مع الكيان الصهيوني. وإذا
كانت الأمثلة القديمة في النكاح
والخلع، فإن الأمثلة الجديدة في قضايا
تحرير الأرض.
١٠٦ وهذا هو الحكم في المجتهد
وليس في المقلد.
وترجع أسباب الاختلاف بين المجتهدين
إلى تعارض الأدلة، والجهل بالدليل خاصة
في الأخبار، والاختلاف في صحة نقل
الحديث، وفي نوع الدليل ودرجة الاحتجاج
به، وفي قاعدة من الأصول التي تنبني
عليها الفروع، وفي القراءة، وفي
الرواية، وفي وجه الإعراب، وفي
الاشتراك اللفظي، وفي حمل اللفظ على
العموم والخصوص، وعلى الحقيقة أو
المجاز، وفي الإضمار، وفي النسخ أو في
أحكام التكليف الخمسة.
١٠٧
وما يوجبه الاجتهاد من الأحكام ليس
دينًا، بل هو اجتهادٌ بشري خالص، يتغير
بتغير الظروف والأحوال والمراحل التاريخية؛
١٠٨ لذلك لا يجوز التحول إلى
المذهبية المغلقة، وتحويل الرأي الوقتي
المحدد بالزمان والمكان والظرف، إلى
موقف أبدي خارج الزمان والمكان، حتى لو
تميزت المذاهب بين بعضها البعض.
١٠٩ بل يجوز للمجتهد الاجتهاد
على نحو مختلف طبقًا لتغير الظروف
والأحوال، وليس للمجتهد حكمان
مختلفان في حالة واحدة، إلا إذا عدل
المجتهد نفسه من رأي إلى رأي. ويجوز أن
يشترط حالات افتراضية للمران دون جعل
الفرض مادة للفقه الافتراضي، وليس
للمذهب الحق في التشريع، بالتحليل
والتحريم، وإنما يقوم على رعاية
المصالح العامة.
١١٠
وليس لولاة الأمور من الأمراء أن
يحكموا في التحريم والتحليل بما يخالف
الأوضاع الشرعية المستنبطة عند الأئمة
المجتهدين من الأدلة الشرعية الأربعة،
ولا عبرةَ بالاستكراه النفساني ذريعةً
لفقهاء السلطان، ومع ذلك فالاستحسان
الطبيعي والتقبيح العقلي يتفقان مع
الدليل الشرعي.
١١١ ولا يعني أن الإسلام كامل
أنه يرفض العقل، بل إن كماله في اكتمال
العقل، ويقوم الاجتهاد على الأدلة
الشرعية الأربعة، بالإضافة إلى
الاستحسان والاستصحاب.
١١٢ ويقوم الحاكم بمراعاة
مصالح الناس عن طريق تنفيذ أوامر الشرع ومذاهبه.
١١٣ ولا يجوز للحكام النهي عن
المباحات، فالمباح هو السلوك الطبيعي.
١١٤
وقد يكون الاجتهاد من جماعة أهل الحل
والعقد وليس الأمراء.
١١٥ فالحاكم لا يتبع الهوى ولا
يخشى الناس، يستند إلى العلماء والنصح
ورعاية مصالح الناس، ويطبق العدل.
١١٦ والأخطر من ذلك تنصيب
المفضول بالرغم من وجود الأفضل.
والأخطر من ذلك كله «لا يجوز الخروج
على السلطان».
١١٧