المقالة الثالثة والثلاثون
لا ريب أن الإنسان، كما كان وكما هو اليوم، لا يستحق رحمة من خالق ولا عطفًا من مخلوق. نهِمٌ جشعٌ ظمئٌ لا يرويه شيءٌ يلهمه، فتَّاكٌ غدَّارٌ سفَّاحٌ لا يردعه دين أو أدب، ولكنه مخلوق … فهل خُلِق مُستودعًا للشر وقارورة للفساد؟ ولماذا لم يُخلَق وديعًا كالحمل وطاهرًا كالحمامة، وهما دونه في مراتب الخلق، ولم يُخصَّا بما خُصَّ هو به من حلو آمال وجميل مآل؟ حتى قام عليه إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب المُنتقم، وأمطره نارًا وكبريتًا، ونسف به الأرض حممًا لذَّاعًا، ودفنه حيًّا تحت التراب يُقاسي هول العذاب، وكأن في إمكانه أن يُخفف عنه مشقة هذا الغضب، ويُخفف عليه عذاب هذا المُصاب، لو جعله أقوم خلقًا وأصلح خُلقًا، وما ذنبه وهو ليس كذلك؟ بل ما ذنب هؤلاء المساكين الذين فتكت بهم الطبيعة العمياء، فانشقَّت الأرض بهم وابتلعتهم، وجرفهم الماء إلى قعر البحار؟ ولماذا كانوا عبرة لسواهم ولم يكن سواهم عبرة لهم، ولا فضل لسواهم عليهم؟ ولماذا لم يكن المحق شاملًا، وهو عين الصواب لو صحَّ القول؟ فاتقوا الله يا دعاة الله، وكفُّوا عن نسبة مثل هذه المظالم إليه، وأعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، ولا تجمعوا فيه بين النقيضَين، وتُعيدوا لنا به عصر تيمورلنك وملوكنا الجبابرة السفَّاحين، فلا تجعلوا الزلازل من غضب الآلهة، وهي من الطبيعة الغشيمة وشرها أعمى. فليرحم الإنسانُ الإنسانَ، ولا يُشدد القضاء عليه في مُصابه، وهو ليس أصلح في نجاته منه في نكباته.