المقالة الحادية والستون
منصة القضاء مقدَّسة، لا يجوز مسُّها كمِحراب المُصلي، ولكن هذا لا يمنعني هنا من ترديد هذين البيتين:
يسطو اللصوص على جمع فيجرحون وينهبون، ويُضبطون مُتلبسين بالجناية، فقد يعفو القضاء عنهم؛ لأن هفوة في الشكل تمنعه عن النظر في الأصل، فيُضحِّي القضاءُ الجوهرَ مُراعاة للصورة. وهذا كرفض سماع كلام المُحامي القانوني إذا لم يكن مُرتديًا ذلك الثوب «الكرنفالي» أمام مذبح المُرافعة. تقوم القيامة بين عناصر الأمة فيُكثرون من البذاء، والقول الهراء، والسب والشتم والتقبيح، بما قد يدفع إلى ثورةٍ داخلية، ومع ذلك لا تتحرك الحكومة لهذا الأمر، ولا تجد النيابة مُسوغًا للتداخل فيه لإيقافه عند حد؛ لأن المحافظة على الآداب العمومية والسِّلم العمومي ليست من الأمور التي يستدركها القضاء وينهض لها من نفسه، مع أنه قد ينهض أحيانًا لانتقادٍ يمسُّ الأفراد، وقد يكونون ممن لا يصل الانتقاد إليهم بأذًى.
تقوم دعوى بين اثنين، فيجدان في ثنايا هذا القانون متسعًا لأن يتخاصما ويتشاكلا ويتجاولا في هذا المِضمار أشهرًا وسنين، وربما تركا هذه الدعوى بعد أن أكلت عمرَيهما إرثًا لأعقابهما، وقضاؤنا يعدُّ نفسه مع ذلك رحمة للعالمين.
وبعد هذا إذا طلبنا إصلاح القضاء في شكله، في أصله، حتى في قضاته، فهل نُلام؟ وهو حق للجمهور، وواجب على ولاة الأمر، ولكن على أولئك الولاة الذين يهمُّهم أمر العباد، وأين هم بعد أن يتربَّصوا في مناصبهم، ولفعلوا لو دروا أن محاكم اليوم سخرية الغد؟ ا.ﻫ.
فأقام البعض القيامة عليَّ في الجرائد، فكتبت المقالة الآتية …