المقالة الثامنة والستون
لم يكن للحكومة المصرية قانون أو مشروع قانون حقيقي للمطبوعات قبل سنة ١٨٧٩ و١٨٨٠؛ لأن الحكومة قبل هذا التاريخ كانت حكومةً استبدادية، قانونها في الواقع إرادة الحاكم، ولو قُيِّدت هذه الإرادة بنظام في الظاهر، ولأن الجرائد كانت قبل هذا التاريخ قليلة أيضًا، ثم كثرت الجرائد، واشتدَّت المُراقبة الدولية على أعمال الحكومة، فرأت هذه أن تضع قانونًا للمطبوعات، فأوعزت إلى أحد عمالها الأجانب المُقتدرين «بوريلي بك» أن يضع مواد هذا القانون، وظنَّت أنها تستطيع أن تُطلقه على سائر المطبوعات العربية والإفرنجية. والظاهر أنه لم يجد أصلح لذلك من قانون فرنسا، بما فيه من بقايا الإمبراطورية الثالثة، فساء ذلك جمهور الصحافيين، وأخذوا يتقمقمون.
عجبت كيف أنكم قبلتم أن تخطُّوا مثل مواد هذا القانون وأنتم مطرودو الحرية من بلادكم، ولكن الظاهر أن لسماء مصر تأثيرًا على العقول.
وأمضيت. ثم مضت السنون وهذا القانون حبر على ورق، ولا سيَّما أن الدول الممتازة أبت أن تُصادق عليه. وقد راق للحكومة مرة — وقد غلبتها نعرة الاستبداد — فصادرت إحدى الجرائد المُنتمية لحكومةٍ أجنبية، فكلَّفها ذلك تعويضًا واعتذارًا.
وبقي هذا القانون سلاحًا مثلَّمًا في يد الحكومة كخيال الكروم عند غيبة الناطور، أو حلية — وإن لم يكن كذلك — مدفونة كخطوط الحكومة العثمانية الإصلاحية في العهد الماضي — حساب العهد الجديد لم يدخل في التاريخ بعد — حتى سنة ١٨٨٨ على عهد الوزارة الفهمية، حيث كان الباعث على إخراجه من قبره سلوك هذا العبد الفقير المُخدش للأذهان. وحتى تلك الساعة كنت مخدوعًا بنفسي، فلم أكن أعلم بي ذلك، غير أن حكم الإنسان وإن كان قد يجوز على نفسه أحيانًا، إلا أنه لها لا يجوز.
ولبيان ذلك لا بد لي من تمهيدٍ صغيرٍ آتي فيه على صفحةٍ تاريخيةٍ صغيرة.
•••
في أول سنة ١٨٨٦ أنشئت مجلة «الشفاء» في الطب، ولم يكن حتى الساعة صحيفةٌ طبية في مصر، ومجلة الطبيب التي كانت تصدر في بيروت كانت قد توقَّفت، وكان الطب في مدرسة القصر العيني والمدرسة السورية الكلية لا يزال يُعلَّم باللغة العربية. وقد اشتركت مصلحة الصحة بمائة وخمسين نسخة منه تُوزعها على أطبائها. وأول ما سعيت به عند إنشائه تأليف جمعية طبية مصرية عربية، وما مرَّت أشهرٌ حتى ذاع صِيت الشفاء وانتشر، وبلغ المشتركون أو بالحري المُلصقة بهم المجلة عددًا وافرًا، أيقنت منه النجاح في الغايتين العلمية والمالية، ولكن إلى حين.
وكأن خبر هذا النجاح كان مِهمازًا حرَّك بعض مُحبي المعارف لإنشاء صحيفة طبية أخرى. وبالفعل ما دخل الشفاء في سنته الثانية حتى كانت مجلة «الصحة» المعروفة قد صدرت، فاستقبلها الشفاء بالترحاب، كما استقبل آدم حواء، وأصبحنا كلانا نرتع في فردوس مصلحة الصحة. والظاهر أن هذا الفردوس لم يكن ليسعنا كلَينا، غير أن مجلة الصحة كانت ذات ضلع مع إدارة الصحة، وذات ضلع ناعمة وأنعم من ضلع الشفاء، فأول ما شطحت نطحت، كما يقول وحيد بك، فنشرت في أعدادها الأولى كلامًا مفاده أن بعض الناس يرمي مصالح الصحة المصرية بتعضيد الصحة لمُعاكسة الشفاء، إلى آخر ما هنالك. وصار رئيس مصلحة الصحة يقرأ الشفاء بعد أن كان لا يقرؤه، ويجد في ثناياه مغامز كثيرة ضده. وصاحب الشفاء ضيِّق الحوصلة، تأتيه بالورب فيُصادرك وجهًا لوجه، فما طال الأمر حتى صار القرد كما في المثل العامي يلعب بين مصالح الصحة والشفاء؛ أي اتسع الخُلف بينهما، وانتهى بسلب الشفاء تعهُّد مصلحة الصحة باشتراكاتها، بعد أن أجبرها بطريق المحاكم على دفعها له عن السنة الثالثة أيضًا.
على أثر ذلك اشتدَّ الخُلف بين آدم الشفاء وحواء الصحة، حتى صارت الحال بينهما كما هي بين أكثر الرجال والنساء، فصار الشفاء إذا قال هذا أبيض، قالت الصحة بل أسود، ولكن الصحة كانت في كل ذلك أكثر لباقة، وإن كان الشفاء أوضح بيانًا وأثبت حجة.
•••
ثم حدث أن الجمعية الطبية المصرية العربية المنشودة تألَّفت، وعقدت جلستها الأولى — ولم تطُل بعد ذلك جلساتها ككل مساعي الشرقيين — فقام الشفاء على عادة الجرائد يتبجح في أنبائه عنها بقوله: «هذا الذي طالما نشدناه وطلبناه وتمنَّيناه و… و… و…» إلى آخر ما هنالك من تبجُّحات الصحف التي لا يتم أمر في العالم إلا وقد سبقت وأنبأت به. فلم يرُق للصحة أن تكون الجمعية قد تألَّفت إجابة لنداء الشفاء، فقامت تدفع مُفترياته على زعمها بما كان له كالنقطة للحوض الملآن، أو الشرارة للأفعال المُتجمعة؛ إذ إن الشفاء خلافًا للقياس الطبيعي كان قد حبل من الصحة لكثرة مساعيها المُستترة، وصاحب الشفاء ليس بالصحافي المدرَّب، ولا هو بالمُنتجع الذي يعرف كيف يستفيد، وساءه ما يرى في طبائع أهل الشرق من مساعي التنابذ والتخاذل والمُعاكسة والمواربة، حتى تموت فيه كل نفس ناهضة، أو تنقلب إلى الضد، فكتب مقالةً شديدة اللهجة ينتقد أهل الشرق في ذلك انتقادًا مرًّا، من كبارهم إلى صغارهم، ومن أمرائهم إلى صعاليكهم، وختمها بهذين البيتين:
فجاء هذا الكلام للخصوم «شحمة على فطيرة»، وتذرَّعوا به لدى قلم المطبوعات — وكانت طبلة أُذنه مُستعدة — إلى إصدار إنذار مشدَّد. قِيل — والعهدة على الراوي — إنهم مدَّدوا الوقت حتى أصدروه، ثم ذهبوا وأمضوه من الناظر في بيته. وفي هذا الإنذار تهديد للشفاء بالتعطيل إذا عاد إلى تخديش الأذهان عملًا بالبند الثالث من قانون المطبوعات.
•••
حينذاك خطر ببالي ما كتبته في هذا القانون يوم سنه، وما كتبته إلى واضع بنوده، فنظمت كل ذلك شعرًا في عرض الكلام على الإنذار، وأثبتُّه في الشفاء، قلت:
•••
•••
•••
•••
وكان ذلك خير ما ظنَّت الحكومة أنها تقدر أن تصلني به على خير ما ظننت أني أقدر أن أخدم الأمة والحكومة به، اللهم إلا إذا عُدَّت الأمة والحكومة ضدَّين مُتنابذين. فقد قال لي بعضهم يوم انتقدت قرار الجمعية العمومية في مسألة القنال ما أرويه بالحرف، قال: «اليوم الوحيد الذي «فازت» الأمة فيه على الحكومة قمت يا حضرة العالم والفيلسوف تنتقد عملنا، فدعنا في جهلنا، ودع علمك لبلادك.» وحتى الساعة لم أكن أدري أن الحكومة اليوم تشتغل بفكرة الشر، وأنها عدوة الأمة، وإن كنت أعتقد أن الخطأ قد يتسرب إلى أشد الأعمال إخلاصًا. وقد مرَّ عليَّ وأنا في مصر نحو «أربعين سنة» — ما كفى «باناس» اليوناني وأقل منه لأن تتنازعه الوطنية الفرنساوية — شاهدتها فيها في الحالَين، وخبرتها في الطورَين، وتعزيتي الكبرى أن وطني أعمُّ من أن ينحصر في بقعة من الأرض، وأن مصر الراشدة أعدل من أن تجور عليَّ بمثل هذا الحكم، وقد خبرتني صديقًا مُخلِصًا، كما خبرتها بلادًا تُنسيك بحسن وفادتها الأوطان، وقومًا يُعيضونك بجميل عطفهم أهلًا بأهل وإخوانًا بإخوان، أو أن الصديق الصادق هو الأعمى في كل حال، وإلا فهو العدو اللدود! وبئس مثل هذا الصديق.
•••
إلى قوله يُعزي نفسه:
والتبجُّح رأس مال المُفلس، وصاحب الشفاء ليس من غير طينة سائر الناس.
•••
وبعد أن أُوقفت الشفاء بأيامٍ قليلة توجَّهت ذات يوم إلى نظارة الداخلية، وكان ذلك على عهد الوزارة الرياضية بعد سقوط الوزارة الفهمية. فلما قابلت الوزير الخطير رجل مصر الكبير سألني: «ما شأنك؟» قلت له على الفور: «جئت لأُعطل صحيفة الصحة.» فنظر إليَّ مُندهشًا، وقال لي: «كيف ذلك؟» فابتسمت حينئذٍ وقلت له: «قد أوقفت الشفاء. وفي اعتقادي أن الصحة «باراسيته» فلا تستطيع أن تعيش بعده.» وهكذا كان، وانقضى تاريخان في الصحافة الطبية كان عمرهما قصيرًا.
وأما اليوم، فلا شفاء ولا صحة عادا ينفعان بعد أن تحوَّل التدريس في مدارس الطب في مصر وسوريا إلى الفرنساوية والإنكليزية، حتى فقدت اللغة العربية العلمية بذلك أقوى ركن لها، وصار من الراجح ألا يعود لها ذلك لعدم وجود علماء باحثين فيها، ولسرعة سير العلوم الطبيعية حتى صار يصعب عليها اللحاق بها.
•••
وكأن هذا الإنذار الذي ضُربت به كان الأخير، وأهمل بعد ذلك العمل بقانون المطبوعات، وقامت الحكومة تُقاضي الصحافيين أمام المحاكم، وتفتَّحت لهم أبواب السجون، وأمَّها منهم الصالحون والطالحون. فقمت حوالَي سنة ١٨٩٨ بحركة في الصحافة، وضممت إليَّ مُدير المؤيد لالتماس العفو عن مُجرمي الأقلام، وكان بعضهم مسجونًا لذنوب ضد العائلة الخديوية، والبعض الآخر ضد الدولة المُحتلة، وكأن المعية كانت أقرب إلى العفو، لولا أن الوكالة البريطانية أبت أن تتداخل في الأمر بحُجة أن ذلك ليس من خصائصها، فلم نُفلح.
تشكَّت الجمعية العمومية من تهجُّم بعض من اتخذ الصحافة وسيلة للوقيعة في الناس، ونهش أعراضهم، وانتهاك حرماتهم، وطلبت من الحكومة وضع حد لما سمَّته الجرائد «فوضى المطبوعات»، وتبعها أصحاب الجرائد المهمة في هذه الشكوى، وأخذ كلٌّ منهم يصف الدواء بحسب ما تراءى له. فمنهم من طلب وضع قانون للسيطرة على المطبوعات، وهو دواء ليس فيه شيءٌ رادع، على ما به من تقييد حرية الصحافة، والرجوع بنا القهقرى إذا تبعته الحكومة. وهذا لا ينطبق على غايات الحكومات الصالحة التي من واجباتها تسهيل سبل الارتقاء. وذهب غيرهم — ومذهبهم أقرب إلى الصواب — إلى أن القانون كافٍ لتأديب كل مُعتدٍ. على أن الباحث في أمراض الاجتماع كالباحث في أمراض الجسم، يجب عليه لمعرفة الدواء أن يتعرَّف أولًا أسباب الداء. وليس من يُنكر أن المُتطفلين اليوم على صناعة الكتابة، المُتدنين بها إلى الطعن المحكي عنه، لا يقصدون بذلك سوى التهويل لاستدرار المنفعة لهم، وما الذي يا تُرى جرَّأهم على ذلك؟ لا شك أن الذي فتح لأصحاب الأخلاق الفاسدة هذا الباب الواسع هو الجاسوسية التي فشا داؤها في هذه البلاد في السنين الأخيرة إلى حد لم يُعهد له مثيل في مصر، حتى في أعظم أيام استبداد حكامها السالفين، وما يترتب على هذه الجاسوسية من الاسترضاء.
وقد كثرت شكوى الناس والجرائد من هذه الرذيلة التي انتشرت في طول البلاد وعرضها، واستغرب العقلاء منهم كيف أمكن لها أن تمتدَّ هذا الامتداد في عهد الاحتلال (راجع تاريخ أكثر هذه الوريقات الساقطة)، وكثيرًا ما يكون للجواسيس اليد الطولى في الحض على هذه المنشورات البذيئة، فيُقدمون بها التقارير، ثم يسعَون للاسترضاء، فإذا نالوه اقتسموا المنفعة حتى صارت هذه الرذيلة، أي الجاسوسية وما يترتب عليها، أعظمَ وسائل الكسب في هذه الأيام، وحتى كادت تأخذ بتيَّارها الجارف الكُتاب المُجيدين بما تُزين لهم من المطامع.
فإذا كانت الجمعية العمومية والجرائد وعقلاء الأمة وكبراؤها يريدون أن يضعوا حدًّا لفوضى المطبوعات كما يقولون، فعليهم قبل كل شيء باستئصال الأسباب المُحرضة عليها قبل أن تجلب على البلاد شرًّا ليس في الحسبان. فإذا فعلوا ذلك فأنا أضمن لهم بأن المطبوعات تتهذب من نفسها بقوة الانتخاب الطبيعي الذي يُميت كل ما كان بذيئًا بإغفاله، ويُحيي كل حسن بالإقبال عليه، فلا يُقدم حينئذٍ على الكتابة إلا كل نحرير واسع الاطلاع، نبيل الغاية، يقصد النفع لنفسه من حيث ينفع سواه. وإذا قُلبت الآية وصُرفت القوة المبذولة الآن لزرع أغراس الجاسوسية، ونشر بذورها لإفساد أخلاق الناس بها، واستخدمت ما لها من الوسائل لتنشيط الكُتاب المُجيدين؛ فإنها تُنقِّي الكتابة من الأدران التي نشكو منها الآن بأسرع مما يظن، وتخدم البلاد خدمةً يشكرها الناس عليها، ويذكرها لها التاريخ بالإعظام. انتهى.
وبالرغم من إلحاح الجمعية لم يرجع إلى العمل بهذا القانون؛ لأن مبادئ اللورد كرومر لم تكن ترضى به، ثم سافر اللورد كرومر وخلفه السير غورست، ودامت الحال كأن لا حكومة حتى سقطت الوزارة الفهمية الأخيرة، وقامت الوزارة البطرسية، فكانت باكورة أعمالها إعادة العمل بهذا القانون المدفون، فأوجب ذلك زيادة الشكوى على غير فائدة؛ لأن القانون لم يُنفَّذ بالحرف، والتهويل به أحرج الطبائع التي قد تناسته. والظاهر من مسلك الوزارة الحالية أنها تنوي تنفيذ هذا القانون بأقصى شدته، غير أن الجمعية العمومية التي كانت تطلبه في الماضي ليست ميَّالة إليه كثيرًا اليوم.
على أن العمل بهذا القانون لا يُنيل الحكومة في رأينا الغرضَ الذي تتوخَّاه منه، إلا إذا كانت تُريد أن ترجع بنا إلى الاستبداد الأعمى. وهذا لا ينطبق على مصلحة البلاد خصوصًا اليوم، ولا ينطبق على مبادئ الحكومة المُحتلة، وإن انطبق عليها فلا ينطبق على مبادئ أمتها، فسيكون وجوده علة للاضطراب والتشويش، تارة من هنا وتارة من هناك.
وإذا كان إلغاء العمل بقانون المطبوعات في الماضي أوجب التطرف من البعض والتهجم من البعض الآخر، فإن إعادته في العهد الأخير لم تأتِ بالمرغوب، وزادت الشكوى أيضًا؛ وذلك لأن الحكومة في الأمرَين لم تكن مُتوافقة مع نفسها، فلم تكن حازمة في الحرية ولا مُستبدة في المظاهرة بالشدة، بل كانت حكومة تهويل مُتذبذبة في الحالَين، تشدُّ تارة وتُرخي أخرى، وما من حكومةٍ تسلك هذا المسلك إلا وترمي البلاد هي نفسها في الفوضى، ثم تسأل الآخرين بعد ذلك عما هي وحدها مسئولة عنه.
فقانون المطبوعات اليوم لا فائدة منه، ووجوده مُضرٌّ في كل حال، بل يجب دفنه إلى الأبد. والحكومة الحازمة يجب ألا تخشى الحرية، ولا يخشاها إلا الذي لا يعرف ماذا يريد أو ماذا يلزم، فيتذبذب مُتراوحًا بهذا الذكاء الشرقي الذي يعدُّه البعض دهاءً، نعم هو دهاء ولكنه دهاءٌ حبلُه اليوم لا يطول؛ إذ لم يعُد ينفع في هذا العهد إلا الصراحة المقرونة بالعلم والحزم. فلا تُجرب الحكومة اليوم ما قد يجرُّ لها المتاعب غدًا، وعلى البلاد الوبال. فلا تخشَ الحرية، ولا تخشَ معها الضرب بيد من حديد عند اللزوم لتقويم الأخلاق ما دام رائدها فكرة الخير، ولتُعمم قبل كل شيء التعليمَ الحر الذي لا يشوبه كدورة الأغراض، ولا أقل من أن تأتي ذلك في المدارس الأميرية، تاركةً لأصحاب المنازع الدينية المختلفة أن يتعهَّدوها في معاهدها الخصوصية، ولا تُجارِ الجهلاء الذين لا يفهمون ما يطلبون، ولا الحكماء الذين يتوهمون أن سياسة الصراحة لا تنطبق على العمل — ولا يدرون أنهم بذلك يُرسخون سواها — ما دام المسلك ليس فيه مُصادرة لأحد في خصوصياته، حينئذٍ يقضي ناموس التنازع الطبيعي نفسه القضاء العادل بين الصحف والكُتاب، حتى لا يعود يؤمُّها إلا كل من توفَّرت فيه المزايا اللازمة التي تضمن المنفعتين العامة والخاصة، بما يؤديه من الخدمات الصحيحة التي يفهمها الناس حينئذٍ، ويقدرونها حق قدرها.