تزايد العنف وانتهاك العِرض!١
ما حدث يوم الأربعاء ٢٥ مايو ٢٠٠٥ من عنف وضرب للرجال والنساء الذين تظاهروا ضد الاستفتاء على ما جاء من تعديلات للمادة ٧٦ من الدستور في مصر ليس شيئًا جديدًا، بل هو أسلوب الأنظمة الحاكمة منذ نشوء العبودية، وانقسام المجتمع إلى أسياد وعبيد وذكور وإناث وحكام ومحكومين.
أصبح من حق الأسياد تأديب العبيد بالضرب أو القتل، ومن حق الرجال تأديب نسائهم بالمثل.
أحدث الدراسات الاجتماعية في مصر تقول إن ٨٢٪ من الزوجات يتعرضن للضرب من أزواجهن، ولا تلجأ المرأة إلى العنف إلا بعد أن يفيض بها الكيل من العنف الواقع عليها.
وفي تاريخنا المصري تقول أحدث الدراسات السياسية إن ٨٧٪ من المظاهرات الشعبية ضد النظام الملكي أو الجمهوري قد تعرَّضت للعنف والضرب وإراقة الدماء على رصيف الشارع.
تتساوى المرأة مع الرجل في التعرُّض لهذا الضرب والقمع السياسي، بل إن نصيبها من العنف يكون مضاعفًا؛ فهو عنف سياسي وأخلاقي وجنسي، يندرج تحت «هتك العرض»؛ لأنها حسب القيم الطبقية الأبوية السائدة لا يصح لها أن تتعاطى السياسة، أو تخرج إلى الشارع في المظاهرات مثل الذكور؛ فهي أنثى، حرمة، يجب صيانتها وحمايتها داخل البيت أو تحت الحجاب، وإن خرجت إلى الشارع فهي تُعرِّض نفسها للانتهاك بواسطة الرجال، تصبح امرأة مهتوكة العِرض، تفقد سُمعتها وكرامتها وشرفها واحترامها.
أمَّا زميلها الرجل المشارك معها في المظاهرة ذاتها، والذي تعرَّض للضرب مثلها وتعرَّى عن ملابسه، فلا أحد يقول إن عِرضه انتُهِك، أو أنه فقدَ سُمعته أو كرامته أو شرفه، بل إنه قد يبدو في نظر الناس بطلًا ثوريًّا أو زعيمًا وطنيًّا، يمارس حقه السياسي المكفول له في الدستور والقانون.
لا تزال التقاليد العبودية الموروثة تُفرِّق بين الرجال والنساء من حيث الشرف أو العِرض أو الأخلاق والسمعة.
من المفروض أن الضرب في المظاهرات السياسية عملٌ إجرامي ضد كرامة الإنسان، سواء كان رجلًا أو امرأةً؛ فالكرامة الإنسانية واحدة، والشرف الإنساني واحد للرجال والنساء على السواء.
لهذا لا بد أن تكون الإدانة لهذا الضرب واحدة، تعتمد على مقياس واحد للشرف والعِرض والأخلاق، وإلا فسوف نظل ندور إلى الأبد في تلك التقاليد والأعراف والأديان التي تعتبر المرأة: أنثى، حرمة، يُنتهَك عِرضها وشرفها دون الرجال، وإن شاركت في المظاهرات السياسية كما يشاركون.
(١) العنف دليل الضَّعف
لأن القوة هي التي تحكم وليس العدل، عالميًّا ومحليًّا وعائليًّا، فإن صاحب القوة يضرب الأضعف تنفيسًا عن غضبه من الأقوى منه، الذي يعجز عن ضربه بمثل ما يضربه.
على المستوى العائلي يسعى الزوج المقهور في عمله، أو بواسطة النظام الحاكم في الدولة، إلى التنفيس عن الضربات النفسية أو اللفظية أو الجسدية التي نتعرض لها في حياتنا كل يوم، وعجزْنا عن الرد على هذه القوى التي تقهرنا، بسبب ضعفنا النسبي في مواجهتها.
يصبح العنف (ضد الطرف الأضعف) هو الوسيلة الوحيدة لإفراغ شحنة الغضب المكبوت في أعماقنا.
وقد لا تجد المرأة مَن هو أضعف منها إلا ابنها الصغير أو ابنتها أو الخادمة الفقيرة المعدومة الأهل.
يزداد العنف بازدياد الضَّعف في الشخصية، وينبئ الرجل أو المرأة أو النظام الحاكم في الدولة بقرب سقوطه.
حين بلغ السادات قمة الضَّعف أدخل إلى السجون جميع معارضيه من مختلف التيارات والأحزاب في بداية سبتمبر ١٩٨١، وقد دوَّى سقوطه بعد شهر واحد في ٦ أكتوبر ١٩٨١.
العنف هو الدليل الواضح على أن السيد القوي (في الدولة أو العائلة) أصبح ضعيفًا وعاجزًا عن التعبير عن رأيه بطريقة إنسانية هادئة ومقنعة.
لا شكَّ أن الأحداث العنيفة الماضية، ومحاولة قمع المظاهرات السلمية بالضرب والعنف، إنما هو الدليل على ضَعف النظام الحاكم في بلادنا؛ ذلك أن السلطة المطلقة المستبدة قادرة دائمًا على تدمير نفسها وصاحبها؛ لأنها ضد الطبيعة الإنسانية المحبة للعدل والحرية والحب.
نحن نعيش في ظل عالم يحكمه قانون الغابة، يبطش الأقوى بالأضعف دوليًّا ومحليًّا وعائليًّا؛ ولهذا تسود الكراهية والظلم والضَّعف والإرهاب.
أصبح إرهاب الدولة هو الإرهاب الأخطر، وهو الإرهاب الأعم والأشمل، عالميًّا ومحليًّا، وبالتالي أصبح العنف والضرب هو الأسلوب الشائع لقمع الحركات الشعبية المقاومة لهذا العنف، من العراق إلى فلسطين إلى أفغانستان، إلى مصر وسوريا وغيرها من شعوب العالم، شرقًا وغربًا، وشمالًا وجنوبًا، التي فاض بها الكيل، ولم تَعُد تحتمل المزيد من القهر.
أصبحت حركات المقاومة الشعبية ظاهرة عالمية، وفي بلادنا العربية أصبحت المقاومة الشعبية في العراق قادرة على تسديد الضربات الموجعة لقوى الاحتلال الأجنبي، وكذلك أيضًا المقاومة الشعبية الفلسطينية، تشارك النساء مع الرجال في حركات المقاومة، تحمل المرأة السلاح كما يحمله الرجل، ويُراق دمها فوق الأرض كما يُراق دمه.
وفي مصر أيضًا تشارك النساء مع الرجال في الحركات المقاوِمة للنظام الحاكم، خاصةً النساء من الطبقات العاملة الفقيرة، ومنهم الطبقة الوسطى، طبقة المثقفين والمثقفات، ومن مختلف المهن: الصحف، المحاماة، التدريس، وغيرها.
فلماذا إذًا الإبقاء على الازدواجية في حكمنا على النساء المتظاهرات والرجال المتظاهرين؟!
لماذا لا نحذف عبارة «انتهاك العِرض» من قاموس المظاهرات الشعبية الوطنية، وتتساوى المرأة مع الرجل في التعرُّض للضرب دون انتهاك للعِرض!