علاقة الأخلاق بالدين أو السياسة
لو تأمَّلنا مفاهيمنا عن الأخلاق أو الشرف نكتشف أنها تتعارض مع المبادئ الإنسانية الأساسية لمعنى الأخلاق أو الشرف؛ فالمفروض أن القيم الأخلاقية تسري على جميع البشر دون تفرقةٍ على أساس الجنس أو الطبقة أو العِرْق أو العقيدة أو اللون، وإلا أصبحت قيمًا عنصرية طبقية ظالمة وليست قيمًا أخلاقية.
إن علاقة الأخلاق أو الشرف بالسياسة أو بالقوى المسيطرة في المجتمع قديمة في التاريخ منذ نشوء الرِّق. أصبحت المرأة الزوجة تُعاقَب بسبب أخطاء سيدها الرجل، فإن اغتصبها هذا الرجل ضد إرادتها تصبح مسئولة عن هذا الاغتصاب؛ لأنها هي التي تفقد عذريتها (أو غشاء بكارتها) وهو مقياس الشرف في بلادنا حتى اليوم.
خلال العام الماضي (١٩٩٩) دار جدلٌ في مصر حول حالات الاغتصاب، وكيف يُكافَأ الرجل الذي يغتصب فتاة بالزواج منها؛ إذ تسقط عنه التهمة إن تزوَّجها، طبقًا لنص المادة «٢٩١» من قانون العقوبات.
وظهر التناقض الأخلاقي واضحًا إلى الحد الذي أدى إلى تغيير هذا النص من القانون، لكن أغلب العائلات في بلادنا لا تزال حتى اليوم تدفع بالبنت المغتصَبة لأن تتزوج مَن اغتصبها حفاظًا على ما يُسَمَّى شرف العائلة، وبهذا ينجو الجاني من العقاب.
ومنذ فترة قصيرة دار جدل في مصر (بعد أن أباح شيخ الأزهر ومفتي الديار عملية الإجهاض، وعملية إعادة العذرية للفتيات في حالات الاغتصاب الجنسي)، وانقسمت الآراء إلى مؤيدين ومعارضين، دون التعرُّض للمفهوم السائد لمعنى الأخلاق أو الشرف، بل تم الإبقاء على مفهوم الشرف القديم وارتباطه بعذرية البنت، إلى حد إباحة العمليات الجراحية لإعادة عذرية البنات المغتصَبات.
وقد اختلفت مع رأي شيخ الأزهر والمفتي في هذا الاتجاه؛ فكيف تُعاقَب الفتاة التي اغتُصبت بعمليتين جراحيتين، هما عملية الإجهاض ثم عملية إعادة العذرية؟ ولماذا نربط مفهوم الأخلاق أو الشرف بغشاء رقيق في جسم البنت يمكن إعادته سليمًا بمشرط الجراح؟ إذا لم يكن للرجل هذا الغشاء فكيف نحكم على شرفه وأخلاقه؟
وإن أرادت الفتاة التي اغتُصِبت أن تحتفظ بطفلها ولا تجهضه، فهل نفرض عليها الإجهاض؟! لماذا نسلبها حقها الأمومي (ونحن نتغنى بالجنة تحت أقدام الأمهات) لمجرد أنها التقت بالصدفة مع رجل هرب من مسئولية الأبوة؟ ولماذا يُعاقَب طفلها بالموت أو بالعار ويحمل لقب «لقيط» أو طفل «غير شرعي» لمجرد أن الأب لم يعترف به؟ وأليس لاسم الأم شرف؟!
وتظل هذه الأسئلة الجوهرية عن معنى الأخلاق أو الشرف في بلادنا بلا إجابات؛ ذلك أن السلطة في بلادنا العربية لا تزال طبقية أبوية، وكم هاجمتني القوى السياسية والدينية حين طرحت هذه الأسئلة على الرأي العام.
إن قضية العدل ترتبط بجوهر الأخلاق وعدم ازدواجية المقاييس. إن قضية العدل تعني القضاء على جميع الازدواجيات في حياتنا الخاصة والعامة، أو الثنائيات التي توارثناها منذ نشوء الرِّق.
إن الشرف الحقيقي والأخلاق الحقيقية تشمل سلوك الحاكم والمحكوم بالتساوي دون تفرقة بين رئيس الدولة أو واحد من عامة الشعب، وتشمل سلوك الرجال والنساء، ويصبح كلٌّ منهما مسئولًا عن سلوكه الخاص والعام دون تفرقة، وإلا يكون مقياس الشرف صفة بيولوجية أو تشريحية تُولَد بها البنت أو لا تُولَد بها (نحن نعرف في الطب أن نسبة غير قليلة من البنات يُولَدن بدون غشاء بكارة أو بغشاء رقيق يتمزَّق لأسباب لا علاقة لها بالجنس).
إن جوهر الأخلاق والشرف يتعلق بعقل المرأة والرجل، بقدرتهما على الدفاع عن العدل والحرية والصدق. إن شرف الإنسان، المرأة أو الرجل، واحد. والأخلاق لا بد أن تكون مقاييسها واحدة وإلا انعدمت الأخلاق.