الفصل بين قضية تحرير النساء وقضية تحرير الوطن
لقد أصبحت قضية المرأة عِلمًا يُدرَّس في جامعات العالم مثل العلوم الأخرى، إلا أن علوم المرأة تتميز عن غيرها في أنها تربط بين المجالات المختلفة في الحياة العامة والخاصة، تربط بين علم الجنس وعلم الاقتصاد بمثل ما تربط بين السياسة الدولية والسياسة المحلية، بمثل ما تربط بين قوانين العمل وقوانين الزوج والطلاق والنَّسب. ويكشف التاريخ عن الأسباب التي أدت إلى عزل النساء عن الحياة العامة، ويكشف عِلم السياسة أن العبيد أو النساء لا يمكن أن يتحرروا دون الوعي الصحيح والتنظيم السياسي القوي السليم.
وكثيرًا ما نتَّهم النساء المناضلات من أجل تحرير أنفسهن وأخواتهن وبناتهن بأنهن يفصلن بين قضية تحرير المرأة وقضية تحرير الوطن، أو تحرير العمال والفلاحين أو تحرير الأرض من الاحتلال الأجنبي، وغير ذلك من القضايا الوطنية أو السياسية والاقتصادية الملحة، كأنما النساء لسن نصف المجتمع، ولا يتعرضن مثل الرجال لمشاكل الحرب والاستعمار أو الاحتلال الأجنبي أو الفقر والبطالة، كأنما مشاكل نصف المجتمع من النساء ليست مُلِحَّة ويمكن تأجيلها إلى ما بعد الانتهاء من طرد الاستعمار وتحرير الأرض، والقضاء على الفقر والبطالة وغيرها.
والسؤال: هل يمكن تحرير الأرض والاقتصاد والسياسة في بلادنا العربية دون تحرير النساء، نصف الشعوب العربية؟
تحت اسم القضية الوطنية يتم إرجاء أو تجاهُل القضية النسائية، ويعتبرونها قضية خاصة بالنساء وليست قضية عامة تهم الوطن كله، بناته ورجاله. غالبًا لا يأتي الفصل بين قضية المرأة وقضية الوطن إلا من الأحزاب السياسية المعادية لمصالح الوطن ومصالح النساء في آنٍ واحد.
وقد برزت الحركات القومية العربية والحركات الاشتراكية في بلادنا كقوى تقدمية تحارب الاستعمار الأجنبي والنظام الطبقي، وتهدف إلى الوحدة العربية، إلا أنها كانت ولا تزال غير واعية بقضية المرأة، تنعكس فيها بالضرورة العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية والأخلاقية السائدة في المجتمع، ومن أهمها علاقة الرجل بالمرأة داخل الأسرة وفي الدولة، وهي علاقة قائمة على السيطرة الرجولية والخضوع الأنثوي.
لم تكفَّ النساء في بلادنا (وفي بلاد العالم) عن النضال الطبقي الأبوي منذ بداياته في العصور القديمة حتى عصرنا الحديث وما بعد الحديث؛ فالحركة النسائية التحريرية متصلة في التاريخ، تضرب بجذورها في كل بلد، وليست هي حركة غربية أو أوروبية أو أمريكية كما يتصوَّرها البعض، ولم تنشأ خلال القرن العشرين فحسب. ويدلنا التاريخ على أن النساء في مصر القديمة وأفريقيا وآسيا سبقن زميلاتهن في أوروبا في النضال ضد النظام الطبقي الأبوي، ليس لأسباب تتعلق باللون أو العِرْق، وإنما لأسباب سياسية وثقافية تتعلق بنشوء الحضارة القديمة في مصر وفلسطين والعراق واليمن وبلاد أخرى عربية وأفريقية وآسيوية، وانعكاس ذلك على حياة النساء وارتفاع وعيهن. ومن المعروف أن النظام الطبي الأبوي قد تعثَّر في مراحله الأولى وتأخَّر في الاستقرار أكثر من ألف عام بسبب حركات التحرير التي قاومته، ومنها الحركات النسائية التي تم تجاهلها من المؤرخين الرجال. ما زلنا نجهل الكثير عن نضال النساء في الحضارات القديمة وبداية الحضارات الحديثة. وهناك جهود جديدة في هذا المجال لكشف التجاهل أو التزوير الذي حدث من قِبل المؤرخين والملوك والحكام الأجانب والمحليين.
في مصر القديمة كانت هناك حركة شعبية نسائية تقاوم اندثار فلسفة «إيزيس» حتى منتصف القرن السادس الميلادي؛ حين بعث الإمبراطور جوستيان قائده نارسيس إلى جزيرة «فيلة» ودمَّر معابد إيزيس، وأرسل كنوزها إلى القسطنطينية، وألقى بأتباع إيزيس في السجن نساءً ورجالًا حيث ماتوا من الجوع والإهمال.
إن الثورات الشعبية في تلك الأزمنة القديمة كانت تقودها النساء والعبيد من الرجال، وهذا أمر بديهي؛ لأن البشر جميعًا نساءً أو رجالًا يثورون ضد النظم الظالمة أينما كانت، إنها صفة إنسانية عامة ليست قاصرة على الرجال دون النساء أو أهل الغرب دون أهل الشرق. لقد نشأت الحركات النسائية الشعبية في التاريخ لسبب أساسي هو مقاومة الحركات الانفصالية الطبقية الأبوية التي أرادت فصل النساء عن الرجال بدعوى أنهن الجنس الأدنى، وفصل العبيد أو الأُجَراء الرجال عن الأسياد الملاك والحكام بدعوى أنهم الطبقة الأعلى.
هذا الفصل إذًا لم يكن من صنع الحركات النسائية القديمة أو الحديثة، لكن هذا الفصل قد فُرض على النساء بالقوة المسلحة وقوة القانون والتشريعات التي تفرِّق بين الناس على أساس الجنس أو العِرق أو النوع أو العقيدة، وتقوم على عقاب الأضعف أو الضحية بدلًا من عقاب المذنب.
أصبحت المرأة هي المسئولة عن الخطيئة، وفي كتاب التوراة عاقب الإله حواء فقط وأدانها ولم يعاقب آدم. وفي القرآن اشتراك آدم وحواء في الأكل من الشجرة المحرمة، وهناك آية قرآنية تؤكد ذلك: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (صيغة المثنى هنا تشمل آدم وحواء)، لكن التوبة لم تشمل إلا آدم فقط حسب الآية: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ (صيغة المفرد هنا تطرد حواء من التوبة). لقد تم إبعاد النساء من الحياة السياسية والتشريعية والدينية لمجرد أنهن نساء.
رغم ذلك فإن هناك مَن يَدَّعي اليوم أن الحركات النسائية هي التي تفصل بين الرجال والنساء. حين بدأن حركة تحرير وتضامن المرأة العربية اتهمتنا بعض الأحزاب السياسية أننا حركة انفصالية تقسِّم صفوف الرجال عن صفوف النساء، رغم أن حركتنا لم تنشأ إلا لتلغي هذا الفصل الذي نشأ في التاريخ، وقد قامت الحركة النسائية العربية أساسًا لتعيد نصف المجتمع من النساء إلى الحياة العامة السياسية والفكرية والدين والأخلاق.
وهناك مَن يتصورون أن حركة تحرير المرأة العربية ليس لها تاريخ، وأنها مستوردة من الغرب، كأنما نساء الغرب هن وحدهن القادرات على النضال ضد الظلم، ونحن النساء العربيات لا نملك إلا الخضوع.
منذ السبعينيات من القرن العشرين شهدنا المحاولات المتعددة لضرب الحركة النسائية العربية بواسطة القوى السياسية المتصاعدة، المتخفية تحت اسم الدين أو الأخلاق أو احترام الأصوليات العِرْقية أو الاختلافات النوعية والجنسية. تزايدت النعرات والمزايدات السياسية التي تزرع التناقض بين القضية النسائية والقضية الوطنية، تحاول أن تضربهما معًا بادعاء التدين أو الوطنية.
إن العمل السياسي في بلادنا العربية (وفي بلاد العالم) يعتمد على القوة وليس الحق، وتقوم الجبهات والتحالفات بين الخصوم والأعداء لمجرد «التكتيك» أو التعاون مع الأقوى (اليوم) لضربه غدًا. هذا الأسلوب الطبقي الأبوي الموروث منذ النظام العبودي يؤدي بالضرورة إلى التضحية بحقوق الضعفاء والفقراء والنساء، بدعوى أن السياسة «فن الممكن» أو «لعبة المصالح». وهكذا ضربت الحركات الشعبية الآخرين، العمال والفلاحين والأجراء، وتزايدت الهوة بين الأثرياء والفقراء، كما تزايد عزل النساء عن الحياة العامة، باسم الأمومة أو الأنوثة أو الدين والأخلاق.
إن تحرير النساء لا ينفصل عن تحرير الوطن؛ لأنهن نصف هذا الوطن، ولا يمكن تحرير الوطن دون تحرير النساء.
إن أصحاب الفكر الديني يرون أن القانون الإلهي أو كتاب الله هو الذي يحكم العلاقة بين الرجال والنساء، وأن هذا القانون الإلهي أزلي وثابت وواضح، وإذا كانت هناك من النصوص الإلهية ما هو غامض؛ فإن هناك المفسرين من رجال الدين أو العلماء أو الفقهاء، وكلهم رجال، إلا أن بعض النساء اقتحمت هذا المجال مؤخَّرًا، سواء في بلاد الغرب أو الشرق.
قامت بعض الباحثات في المجال الديني في معظم بلاد العالم بإعادة قراءة الكتب السماوية أو غير السماوية. بدأت النساء في الصين والهند واليابان في التحرُّر من بعض القيود الدينية المفروضة عليهن بالنظام الرأسمالي الأبوي، عن طريق إعادة تفسير الآيات لصالح النساء. وقد حدث الشيء نفسه في أوروبا والأمريكتين وأفريقيا وأستراليا، بعض النساء المسيحيات في أوروبا أحدثن ثورة فكرية جديدة تنشد تحرير النساء من وضعهن الأدنى في الإنجيل، وتمت تبرئة حواء من الإثم، بل هناك مَن رأت أن المسيح نفسه لم يكن ذكرًا أبيض البشرة، بل كان امرأة سوداء أرادت تحرير الفقراء والنساء.
في بلادنا العربية نظرًا للضغوط السياسية والدينية والفكرية لم تنشأ مثل هذه الحركة لإعادة تفسير الإسلام أو القرآن، لكن هناك بعض أفراد قلة حاولن الاجتهاد في حدود الإمكان، وبدأن التنقيب في كتاب الله عن الآيات والأحاديث النبوية التي تساوي بين النساء والرجال، مثل الآية القرآنية: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، إن كلمة «نفس واحدة» هنا تعني أن الأنثى مساوية للذكر لأنهما من نفس واحدة. آية قرآنية تقول: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ تعني أن النساء والرجال بعضهم أولياء بعض؛ أي إن الولاية من شأن النساء والرجال وليس من شأن الرجال فقط. ومن الأحاديث النبوية ما يقول: «النساء شقائق الرجال.» و«الناس سواسية كأسنان المشط.» وهذا يؤكد المساواة بين الرجال والنساء.
إلا أن هذه الحركة الفكرية المستنيرة (والتي يقوم بها عدد من النساء والرجال في بلادنا العربية) لا تزال حركة ضعيفة سياسيًّا، لم تستطع بعدُ تنظيم نفسها داخل قوة اجتماعية وثقافية قادرة على صد التيارات السياسية الدينية التي تحاول تكفير كل مَن اجتهد في الدين، والتي تعاونها في كثير من الأحيان القوى الدولية والعربية، التي تسعى لاستخدم الدين كسلاح ضد الفقراء والنساء وليس معهم. كانت الأديان (ولا تزال) جزءًا من الصراع السياسي حول النفوذ والمال والتحكم في عقول وأجسام المحكومين من الفقراء والنساء. إن ورقة الدين من الأوراق السياسية الرابحة، ويمكن استخدامها بواسطة المقهورين والمقهورات للثورة ضد الظلم (باعتبار أن الله هو العدل)، ويمكن استخدامها بواسطة الحكام للبطش بالثائرين من النساء والرجال (باعتبار أن المَلِك أو الحاكم أو الكهنة من رجال الدين هم الأعلم بالشريعة، وقد اصطفاهم الله دون سائر البشر ليفسِّروا للناس كلام الله).
هكذا يصبح الدين سلاحًا من حدين، حسب مَن يتولَّى التفسير والتشريع. وفي بلادنا العربية كانت السلطة السياسية والسلطة الدينية مترابطة، يكفي أن ندرس تاريخ مشيخة الأزهر في عصر الملك فاروق في مصر خلال الأربعينيات من القرن العشرين، لندرك كيف يمكن أن يصبح المَلِك خليفة الله فوق الأرض. وفي عهد أنور السادات خلال السبعينيات من القرن العشرين كاد الرئيس المؤمن أن يكون الملك أو خليفة الله، وارتفعت صورته تنافس الآلهة في السماء.
وفي كل بلد عربي حتى اليوم، ألا يصبح الحاكم شبيهًا بالإله المعصوم من الخطأ، المنفرد بالقرارات الكبرى، رغم وجود ما يُسَمَّى بالبرلمان أو مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو المجلس الشعبي الثوري الاشتراكي أو الرأسمالي أو غيرها؟
إن أصحاب الفكر الفلسفي المثالي الذين لا يؤمنون بالأديان، مع ذلك يفصلون بين المادة والفكر، ويضعون العقل أو الروح في تناقض مع الجسد، يجعلون العقل أسمى من الجسد، أو الفكر هو الأصل والحقيقة؛ أمَّا الوجود المادي فهو الفرع أو اللاحقيقة، والرجل في نظرهم هو العقل والفكر والأصل، والمرأة هي النقيض؛ هي الجسد والمادة والفرع.
إن أصحاب هذا الفكر المثالي الفلسفي قد تأثروا إلى حد كبير بالفلسفة العبودية التي قامت على فصل الروح عن الجسد، والأسياد عن العبيد، والنساء عن الرجال. بعض هؤلاء الفلاسفة يتسم بالعقلانية (وليس التدين)، ويرفع من قيمة العقل، إلا أنه يرمز لهذا العقل بالرجل وليس المرأة. من هؤلاء الفلاسفة الذين تأثروا بالفكر العبودي هو «أرسطو»، الذي نظر إلى العبيد والنساء كمخلوقات أدنى، بل جعلهم ضمن الأشياء (وليس الأشخاص) التي يملكها الأسياد الرجال الملاك.
وفي بلادنا العربية هناك من أتباع أرسطو الكثيرون، يتسم فكرهم بالتناقض والازدواجية، ينتمي أغلبهم لفئة المثقفين من أتباع النظام الحاكم، يُظهِرون ولاءهم لله والوطن والملك (أو الرئيس)، يحتلون المناصب العليا في وزارات الثقافة والإعلام والتعليم والجامعات والمؤسسات الصحفية الكبرى، نرى مقالاتهم وصورهم كل يوم أو كل أسبوع في الجرائد الحكومية والمجلات الأدبية، يُنافقون الحاكم في كل عهد من أجل الحفاظ على الحكم الدكتاتوري في بلادنا العربية (رغم مقالاتهم عن الديمقراطية)، إنهم يتغيَّرون من عهد إلى عهد، يبدِّلون أفكارهم ونظرياتهم حسب النظام الحاكم، من الاشتراكية إلى الرأسمالية، إلى العولمة إلى الهرولة نحو الأقوى سياسيًّا واقتصاديًّا، لا فرق عندهم بين الاتحاد السوفيتي أو روسيا أو الصين أو أمريكا أو إسرائيل.
السياسة في نظرهم هي فنُّ الممكن ولعبة المصالح، وهم جزء من هذا النظام، وإن حملوا اسم المعارضة أحيانًا. المرأة في نظرهم خُلِقَت للبيت والخدمة داخل الأسرة تحت سيطرة الرجل؛ لأنها ترمز إلى الجسد وليس العقل أو الروح، لكنها يمكن أن تخرج إلى العمل خارج البيت لتحصل على أجر تساعد به الزوج على النفقات. إن عملها خارج البيت ليس إلا امتدادًا لعملها داخل البيت، وبشرط ألا تخرج عن قانون الطاعة، ويمكنها أن ترتدي الحجاب (إذا كانت مسلمة أو مؤمنة)، ويمكن لها أن تكون سافرة، بشرط أن تحافظ على عذريتها قبل الزواج، وعلى إخلاصها لزوجها، فلا تفكِّر في رجل آخر أو تنظر إليه. أمَّا الرجل فهو يحق له أن يكون متعدد العلاقات الجنسية (بحكم القانون أو الشرع) أو بحكم الطبيعة الذكورية.
إن أصحاب الفكر المادي الجدلي في بلادنا أكثر تقدُّمًا في نظرتهم للمرأة، إن لهم رؤية تاريخية، وفي استطاعتهم إدراك الصراع الطبقي في التاريخ، كيف تم استغلال العمال والفلاحين من قِبَل الأنظمة الإقطاعية والرأسمالية القديمة والحديثة وما بعد الحديثة، إلا أنهم يعجزون في معظم الأحيان عن قراءة تاريخ النساء في الحضارات القديمة والحديثة. إنهم يؤمنون فقط بالصراع بين الطبقات؛ أمَّا الصراع بين النساء والرجال فهو غير وارد؛ لأنه يناقض الأنوثة أو الطبيعة الأنثوية.
هذا الفريق (والفريق السابق عليه) يرون أن وضع المرأة الأقل من الرجل هو وضع تاريخي قديم وأزلي، لكنهم لا يفسِّرون هذا الوضع تفسيرًا دينيًّا أو ميتافيزيقيًّا؛ إنهم يرجعونه إلى أزلية أخرى هي الأزلية البيولوجية، أو قانون الطبيعة. لقد استبدلوا كلمة «الله» بكلمة «الطبيعة» معتقدين أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل، وأن الطبيعة قد هيَّأت المرأة لوظائف في الحياة تختلف عن وظائف الرجل.
من هذا الفريق مَن يحمل لقب ماركسي أو اشتراكي تقدمي، أو مسئول كبير في حزب معارض للنظام الرأسمالي المسيطر، أو العولمة أو السياسة الاستعمارية الأمريكية الجديدة، قد يُلقي الخطابات النارية الثورية عن العدالة في حياة العمال أو الفلاحين، قد يدخل السجن لأنه يعارض النظام الحاكم أو التطبيع مع دولة إسرائيل، قد يكون بطلًا قوميًّا أو وطنيًّا، مع ذلك فهو يقهر زوجته في البيت ويفرض عليها أن تعمل من أجله ومن أجل الأسرة والأطفال، وأن تضحي بعملها خارج البيت أو مستقبلها السياسي والعلمي أو الأدبي أو الفني من أجله ومن أجل الأسرة. وقد يحدث أن يحطِّم هذا الرجل الأسرة من أجل نزوة جنسية طارئة، فيطلِّق زوجته أو يتزوج عليها امرأة أخرى، معتقدًا أن هذا هو حقه الطبيعي كرجل. ربما لا يؤمن بالشريعة التي تبيح له تعدد الزوجات، لكنه يؤمن بالطبيعة البيولوجية التي تُفرِّق بين الذكور والإناث، فتجعل الرجال من فصيلة الثدييات المتعددة جنسيًّا؛ أمَّا النساء فإنهن من الفصيلة الأحادية اللائي يكتفين بزوج واحد فقط.
- (١)
إن الإنسان بطبيعته شرير، أو إن الخصائص الأولى للطبيعة البشرية هي حب الامتلاك والميل إلى العدوان والتنافس.
- (٢)
إن هذه الطبيعة البشرية ثابتة لا تتغيَّر.
- (٣)
إن الطبيعة البشرية تختلف عند الرجال والنساء، وإن الذكورة أو الرجولة تميل إلى القوة والسمو والعقلانية، وإن الطبيعة الأنثوية تميل إلى الضعف ونقصان العقل والدين والأخلاق.
- (٤)
على الرجل أن يحكم المرأة لحمايتها من الرجال الآخرين، ولحمايتها من نفسها الميالة إلى الإثم.
- (٥)
إن البقاء دائمًا للأقوى على مستوى الأفراد أو الدول، والقوة هنا تعني القوة العسكرية أو القوة البيولوجية.
كان مفهومًا أن القوة العضلية عند الرجال تعني القوة البيولوجية، إلا أن العلوم الجديدة كشفت عن أن القوة البيولوجية ترجع لأسباب متعددة، منها حاملات الوراثة، ولا علاقة لها بالذكورة أو الأنوثة، بل هناك أبحاث تثبت أن المرأة أقوى بيولوجيًّا في بعض الأحيان من الرجال، وأن الطبيعة البشرية تتغير من وقت إلى وقت مع تغيُّر البيئة والظروف الاجتماعية، وأن الطبائع الجديدة للبشر نساءً ورجالًا تنتج عن تأثير العوامل المادية والثقافية والاجتماعية في آنٍ واحد. إن الفصل بين الجسد والعقل لا يحدث في الحقيقة والواقع، بل هو فصل نظري فحسب.
لقد أدَّت النظم العبودية إلى نظريات علمية خاطئة تؤمن أن عقل المرأة ناقص عن عقل الرجل، أو أن مخ المرأة يختلف في وظائفه وتشريحه عن مخ الرجل، أو أن الأنا العليا عند المرأة أقل سُموًّا من الأنا العليا عند الرجل، وغير ذلك من الأفكار التي لا تزال سائدة حتى اليوم، والتي يؤمن بها عدد غير قليل من العلماء في بلادنا وبلاد العالم، لكن العلوم هي نتاج ثقافي وسياسي اقتصادي تتغير مع تغيُّر الأنظمة السياسية، وكذلك الأخلاق والأديان والقيم كلها تتغير مع تغيُّر القوى المسيطرة سياسيًّا على وسائل التعليم والإعلام والتفسير للكتب الدينية.
إن الدين جزء من المجتمع، وهو نتاج من نتاجات المجتمع البشري فكرًا وممارسةً، وهو نتيجة لتفاعل عوامل اجتماعية وسياسية دولية ومحلية، وله أثر على العقل الواعي واللاواعي للفرد والجماعة، لكنه ليس السبب التاريخي الأوَّل الذي جعل المرأة أقل قيمة من الرجل. لقد انعكست دونية المرأة في النظام العبودي على الأديان وليس العكس. إن القوة السياسية الحاكمة في الدولة والمجتمع هي التي تعيد تفسير الأديان لصالحها وليس العكس. معنى ذلك أن الدين خادم للسياسة، أمَّا السياسة فهي السيادة العليا؛ حيث دائرة صنع القرار، وهي خادمة لنفسها بحكم القوة والسلاح، وهي قادرة على تسخير كل شيء في خدمتها بما في ذلك رجال الدين أو رجال الثقافة والصحافة والإعلام وغيرهم.