شُعَب الحيوان
التصنيفات نظريات عن أساس النظام الطبيعي، وليست قوائم يتم إعدادها فقط لتجنب الفوضى.
نماذج وأفرع
على مدى قرون جاهَد دارسو الطبيعة والفلاسفة من أجل تفهم نطاق الحياة على كوكب الأرض. ومن الأفكار المبكِّرة والأكثر شيوعًا كانت فكرة «تدرُّج الطبيعة» التي من خلالها تم ترتيب الأشياء الحية وأحيانًا غير الحية في مراتب متسلسلة خطيًّا. وكل درجة متصاعدة في السُّلَّم مثَّلتْ «تقدُّمًا» متزايدًا، اعتمد على خليط من التعقيد التشريحي والمغزى العقائدي والأهمية العملية. استمدت الفكرة أصولها من أفكار أفلاطون وأرسطو، ولكنها تبلورت بعمل عالِم الطبيعة السويسري في القرن الثامن عشر شارل بونيه. في المخطط الذي وضعه بونيه ارتفع «تدرج الطبيعة» من الأرض والمعادن إلى الأحجار والأملاح، وتدرج إلى الفُطريات والنباتات وشقائق النعمان والديدان والحشرات والقواقع والزواحف والثعابين المائية والأسماك والطيور وفي النهاية الثدييات، مع وضع الإنسان على القمة، أو على القمة إلى حدٍّ ما؛ حيث كانت الملائكة وصفوة الملائكة تنازعه مكانته. من السهل اليوم التسفيه من هذه الفكرة، ولكن بونيه كان لديه معرفة حسنة بعالَم الطبيعة. فعلى سبيل المثال كان بونيه هو مكتشف التكاثر اللاجنسي في المن، وطريقة التنفس في الحشرات ويرقاتها. فضلًا عن ذلك فإن فكرة «تدرج الطبيعة» ما زالت تسود في معظم الكتابات المعاصرة؛ حيث يتحدث كثير من العلماء عن حيوانات «عُليا» أو حيوانات «سُفلى»، وهي لغة تحمل شبهًا واضحًا مع هذه الفكرة القديمة التي ثبت خطؤها.
تبين خطأ فكرة «تدرج الطبيعة» تدريجيًّا. جاءت ضربة مؤثِّرة من عالِم التشريح والحفريات الفرنسي المحترم ومستشار نابليون البارون كوفييه، الذي توصل من خلال دراساته المستفيضة للتشريح الداخلي للحيوانات إلى أن هناك أربع طرق مختلفة بشكل أساسي لبناء الجسم. وهذه ليست اختلافات سطحية، ولكن كان لها جذور قوية في تنظيم وظائف الجهاز العصبي والدماغ والأوعية الدموية. وفي عام ١٨١٢ قسم كوفييه المملكة الحيوانية إلى أربعة أفرع كبيرة (تفريعات) عُرفت باسم الشعاعيات (الحيوانات المستديرة مثل قنديل البحر بالإضافة إلى نجم البحر، وهو ما يُثير دهشة علماء الأحياء المُحدَثين)، والمفصليات (الحيوانات التي أجسامها مقسمة إلى قِطَع مثل الحشرات وديدان الأرض)، والرخويات (حيوانات ذات صَدفة ودماغ)، والفقاريات (حيوانات ذات هياكل عظمية وقلب عضلي ودم أحمر). لم يوضع نظام لربط هذه التفريعات؛ ومن ثَم وقفت موازية بعضها لبعض في وضع متساوٍ، وليس في مراتب متسلسلة.
كان كوفييه — على عكس معاصره لامارك — لا يؤمن بالتطور. ولكن من قَبِيل المفارقة أن التطور هو الذي وفر السبب المنطقي وراء وقوف تفريعات كوفييه في موقف المساواة. وكما نادى كلٌّ من تشارلز داروين وألفريد راسل والاس في وقت لاحق فإن التطور يفسر سبب امتلاك كل نوع من الحيوانات لأوجه شبه مع الأنواع الأخرى، ويفسر سبب تمكننا من تحديد مجموعات من الأنواع ذات الملامح المشتركة. وإذا استعنَّا بالتشبيه المعتاد للتطور بوصفه شجرة متفرِّعة، أو المقولة الأكثر شاعرية لوالاس «شجرة بلوط كثيرة العُقَد»، يمكننا أن نَصِف «أغصانًا» صغيرة من الأنواع المتقاربة مطمورة داخل «أفرع» أكبر فأكبر تتضمن المزيد من الأقارب الأبعد، ولكنها كلها تشترك في سلف تطوري مشترك. عندئذٍ يمكننا منح أسماء ذات مغزًى للأفرع الصغيرة والكبيرة للشجرة؛ والأفرع الكبيرة في المملكة الحيوانية هي «الشُّعَب» (المفرد: شعبة).
يوضح تشبيه الشجرة أساس نظام تصنيف الحيوانات؛ فالأسماء يجب أن تعكس العلاقات الطبيعية الناشئة عن التطور. إن تسمية مجموعات الحيوانات يختلف إلى حدٍّ بعيد عن تصنيف مجموعة أشياء غير حية، مثل أباريق الشاي أو طوابع البريد أو قاعدة أكواب الجعة. إن الأشياء غير الحية يمكن تجميعها في عدد من الترتيبات المتعددة اعتمادًا على خصائص متباينة مثل اللون والحجم وبلد المنشأ، جميعها مرتبطة بالقدْر نفسه بهذه الأشياء. إن تصنيف الكائنات الحية بهذه الطريقة سيؤدِّي إلى فقدان النقطة المحورية؛ وهي وجود نظام تصنيف يعتمد على التطور يعكس الترتيب الطبيعي. إنه تقرير يوضح صلة القربى، وهو فرضية تقترح تاريخًا تطوريًّا معينًا.
قائمة الحياة
كم عدد شُعَب الحيوان؟ بكلمات أخرى، ما هو عدد الأفرع «الكبيرة» للشجرة التطورية للحيوانات؟ هذا السؤال يستدعي تساؤلًا فوريًّا عن مقدار كِبَر (أو صِغَر) الفرع بحيث يستحق أن يُسمَّى شعبة. هذه قضية خلافية، ولكنْ (عمليًّا) الحيوانات داخل الشعبة نفسها يجب أن تشترك في تراكيب أو ملامح تشريحية معينة تختلف عمَّا لدى الشُّعَب الأخرى. وحسب كلمات جيمس فالنتين، إن: «الشُّعَب أفرع من شجرة الحياة تعتمد على تشابه الشكل.» إن أسماء الشُّعَب لا يمكن أن تستخدم لتجمع معًا حيوانات من أفرع مختلفة، ولا يجب أن تتداخل شعبة ما في شعبة أخرى. هذه القواعد تعمل جيدًا جدًّا في معظم المملكة الحيوانية، وفي كل الأنواع الحيوانية المألوفة، ولكن ما زال هناك خلافات بشأن عدد الشعب المطلوبة لتصنيف الأنواع غير المعروفة جيدًا. والشيء المؤكد هو أن الفئات الأربع التي قال بها كوفييه تمثل تبسيطًا كبيرًا؛ إذ إن عدد الشُّعَب الحيوانية المذكورة اليوم يتراوح بين ٣٠ و٣٥ شعبة.
اقتُرح في السنوات الأخيرة العديد من الشُّعَب «الجديدة». ويحدث ذلك أحيانًا عندما يكون هناك حاجة لقسمة شعبة ما إلى اثنتين بسبب أن الأبحاث أوضحت أنها تحتوي خطَأً على حيواناتٍ من أفرع بعيدة من الشجرة الحيوانية. أحد الأمثلة هو قسمة الشعبة السابقة «الحيوانات الوسطى» إلى شعبتين؛ شعبة الرخويات التي تحتوي بعض الطفيليات الدودية الشكل الدقيقة الحجم، وشعبة مستقيمات السباحة التي تحتوي على طفيليات دودية الشكل أكثر صِغَرًا، التي تعيش على نحو غير متوقَّع في بول الأخطبوط والحبار. وهناك مثال أكثر جدلية يخص شعبة الديدان المفلطحة (الديدان المسطحة والشريطية والمثقوبات) التي حُذِف منها حديثًا بعض الأنواع ووضعت في شعبة جديدة باسم لا جوفيات الشكل. كما تُقترح أيضًا شُعَبٌ جديدة إذا ما وُجدت أنواع جديدة تمامًا لها تراكيب جسمانية غير عادية وتبدو فريدة، ولا تقع في شعبة موجودة سلفًا. ويجب توفُّر كلا المعيارين حتى تُنشأ شعبة جديدة. ومنذ ثمانينيات القرن الماضي حدث ذلك مرات قليلة، أبرزها اكتشاف شعبة سيكليوفورا (حيوانات دقيقة تعيش متعلقة بأجزاء فم سرطان البحر والسكامبي)، وشعبة الكوسليات (حيوانات صغيرة جدًّا وعائية الشكل توجد متعلقة بحبات الرمل)، وشعبة الفكيَّات الدقيقة (حيوانات أصغر من سالفة الذكر توجد في ينابيع المياه العذبة في جرينلاند).
هناك أيضًا شُعَب فُقدت. لم يحدث هذا من خلال الانقراض، أو على الأقل يمكننا القول إنه لم تنقرض شعبة واحدة على مدار التاريخ البشري المسجل. بدلًا من ذلك فإن الشعبة تصبح تقسيمًا غير صحيح عندما يُكتشف أن المجموعة كلها مُتضمَّنة داخل شعبة أخرى، ومن المنطقي ضم المجموعتين في مجموعة واحدة. من المدهش أن ذلك يحدث كثيرًا، في العادة عندما تُصنَّف مجموعة من الحيوانات ذات بناء تشريحي غريب جدًّا على أنها شعبة محددة، ثم توضِّح أبحاث لاحقة أنها في جزء مُعدَّل من مجموعة أخرى من الحيوانات. أفضل مثال معروف هو الديدان الأنبوبية العملاقة — الملتحيات — المعروفة بوجودها في الشقوق المائية الحرارية البحرية العميقة حول جذر جالاباجوس وفي حيد وسط الأطلنطي. وعلى اعتبار أن بعض الملتحيات تنمو حتى تصل إلى مترين في الطول فإنه مما يُثير العجب أن علاقاتها التطورية ثبت صعوبة تتبعها. ولكن نتائج دراسات تتابعات الدنا توضح أن الملتحيات هي أفراد من شعبة الحلقيات، التي تضم حيوانات معروفة مثل ديدان الأرض والعلقيات. وهناك مثال آخر يتعلق بشعبة سالفة عُرفت باسم بنتاستوميدا، أو الديدان اللسانية، وهي تضم طفيليات حرشفية كبيرة (تصل إلى ١٥ سنتيمترًا) ذات خطاطيف تُغرَس في الممرات التنفسية للطيور والزواحف. ورغم منظرها المُرعِب فإنه اتضح الآن من تحاليل الدنا والتركيب الخلوي أن الديدان اللسانية هي في الواقع قشريات متحورة بشكل كبير تنتمي إلى شعبة المفصليات، بالقرب من قمل السمك.
سأميِّز ها هنا ٣٣ شعبة حيوانية، منها ٩ شُعَب تتضمن حيوانات معروفة تمامًا لكل شخص تقريبًا. هناك ٤ شعب أخرى يمكن أن نشاهدها بقليل من الجهد في البِرَك والمَضَايق أو عند التمشي على طول ساحل البحر. الشعب التسع المألوفة هي: الإسفنجيات، واللاسعات (قنديل البحر والمراجين وشقائق النعمان)، المفصليات (تشمل الحشرات والعناكب والسرطانات وذوات المائة رِجْل)، والخيطيات (الديدان المستديرة مثل طفيلي العَمَى النهري لدى الإنسان والديدان الخيطية قاتلة الرخويات التي يستخدمها أصحاب الحدائق)، والحلقيات (ديدان الأرض وديدان الأسماك والعلقيات)، والرخويات (تشمل القواقع والمحاريات والأخطبوط) وشوكيات الجلد (نجم البحر وقنافذ البحر) والحبليات (تشمل الأسماك والضفادع والسحالي والطيور والثدييات مثل البشر). والشعب الأربع الإضافية التي توجد بسهولة نسبية هي المرجانيات (مثل الحيوانات الأشنية، وتُرى بسهولة على صورة منظومة من صناديق دقيقة تشبه القرميد على أوراق أعشاب البحر)، والديدان الخرطومية (ديدان «شريطية» حبَّارية بطيئة الحركة توجد أسفل الصخور على شاطئ البحر)، والدولابيات (حيوانات «عَجَلية» توجد بالآلاف في مياه البِرَك)، وبطيئات المشية («دببة الماء» المتناهية الصِّغَر الموجودة في الأُشن، ويراها معظم متخصصي علم الحيوان على أنها ألطف الحيوانات شكلًا).
في محاولات لتفهم كيف تنوعت الحيوانات خلال التطور، وكيف تعمل، وكيف تواءمت مع بيئات خاصة، من الأفضل البدء عند مستوى الشعبة. وما دامتِ الشُّعَب «أفرعًا في شجرة الحياة معتمدة على الشكل»، فيستتبع ذلك معرفة إلى أي شعبة ينتمي النوع ليساعدنا ذلك عندما نقوم بمقارنات مع أفراد من المجموعة نفسها أو مجموعة قريبة، وعند تقدير كيف يرتبط تشريح كائن ما بالوظيفة. على سبيل المثال، إن معرفتنا بأن حيوانًا ما ينتمي إلى شعبة الخيطيات يدفع بنا فورًا إلى الانتباه إلى الغشاء السميك المرن وإلى البلعوم الذي يعمل كمضخة في هذه الشعبة، وهذا وثيق الصلة بتفهم طبيعة حياة هذا الحيوان وخصائصه. وعلى العكس، فإن تجاهل التصنيف يؤدِّي إلى اضطراب المقارنات بين الأنواع المتباعِدة التي لها بناء جسمي مختلف جدًّا وضوابط مختلفة في تطورها وطريقة حياتها. ولكن علينا ألَّا ننظر إلى شُعَب الحيوان بوصفها قائمة من ٣٣ فئة وحسب؛ إذ إن كلًّا منها يشمل فرعًا من الشجرة التطورية. بطبيعة الحال تكون الفروع دائمًا مرتبطة بفروع أخرى؛ ولذلك فإن بعض الشُّعَب تكون مرتبطة معًا بشكل أكبر من ارتباطها بشعب أخرى. وهذه المعلومة حيوية لتفهم كيف أن التركيب والوظيفة والتطور ترتبط معًا في المملكة الحيوانية.
الشعبة | موقعها في الشجرة | أمثلة |
---|---|---|
الصفيحيات | حيوانات القاعدة | |
الإسفنجيات | حيوانات القاعدة | الإسفنج |
اللاسعات | حيوانات القاعدة | قنديل البحر، المراجين، شقائق النعمان |
الممشطيات | حيوانات القاعدة | الهلاميات المشطية |
الحلقيات | العجلانيات العرفية | ديدان الأرض، ديدان الأسماك، العلقيات |
الرخويات | العجلانيات العرفية | القواقع، المحار، الحبار، الأخطبوط |
الديدان الخرطومية | العجلانيات العرفية | الديدان الشريطية |
ذراعيات الأرجل | العجلانيات العرفية | أصداف القنديل |
الديدان الحدوية | العجلانيات العرفية | ديدان حدوة الحصان |
المرجانيات | العجلانيات العرفية | الحيوانات الأشنية |
داخليات الشرج | العجلانيات العرفية | |
الديدان المفلطحة | العجلانيات العرفية | الديدان المسطحة، الوشائع، الديدان الشريطية |
الرحويات | العجلانيات العرفية | |
الدولابيات | العجلانيات العرفية | الحيوانات العَجَلية |
بطنيات الأهداب | العجلانيات العرفية | |
الديدان الفكية | العجلانيات العرفية | |
الفكيَّات الدقيقة | العجلانيات العرفية | |
سيكليوفورا | العجلانيات العرفية | |
المفصليات | الانسلاخيات | الحشرات، العناكب، السرطانات، ذوات المائة رِجل |
حاملات المخالب | الانسلاخيات | الديدان المخملية |
بطيئات المشية | الانسلاخيات | دببة الماء |
الخيطيات | الانسلاخيات | الديدان المستديرة |
الديدان الشعرية | الانسلاخيات | ديدان شعر الحصان |
متحرِّكات الخَطْم | الانسلاخيات | تنين الطين |
القضيبيات | الانسلاخيات | ديدان القضيب |
الكوسليات | الانسلاخيات | |
شوكيات الجلد | ثنائيات الفم | نجم البحر، قنافذ البحر، خيار البحر |
نصف الحبليات | ثنائيات الفم | ديدان البلوط |
الحبليات | ثنائيات الفم | نافورات البحر، السهيم، الأسماك، البشر |
هلبيات الفك | العجلانيات العرفية/الانسلاخيات | الديدان السهمية |
لا جوفيات الشكل | غير مؤكد | |
الديدان المسطحة الغريبة | غير مؤكد | |
مستقيمات السباحة | غير مؤكد |