الشجرة التطورية للحيوانات
أعتقد أن الوقت الذي سيكون لدينا فيه أشجار أنساب حقيقية جدًّا لكل مملكة عظمى في الطبيعة سيأتي لا محالة، رغم أنني لن أكون حيًّا لأشهده.
بناء شجرة الحياة
أدرك داروين أن تشبيه الشجرة المتفرِّعة هو التشبيه الأمثل لوصف مسار التطور. وقد وضع في عام ١٨٣٧ رسمًا تخطيطيًّا صغيرًا لشجرة تطورية في إحدى مذكراته الشخصية تعلوه كلمتان مشوقتان: «أنا أظن.» وقد وَرَد هذا المفهوم بسرعة إلى داروين بمجرد أن تحقق من أن نوعًا ما يمكن أن يتسبب في ظهور نوعين «وليدين»، وهي العملية المعروفة باسم الانتواع. إن الأشجار التطورية، أو أشجار الأنساب، كما تُعرف أيضًا، هي ببساطة رسوم تخطيطية تُصوِّر أحداث الانتواع هذه. وكلُّ نقطة تفرع على شجرة علاقات القربى — حيث يتفرع خط واحد معطيًا خطين — هي تصوير مرئي لنوع واحد أصبح نوعين.
إن تفهم أشجار علاقات القربى يكون أمرًا سهلًا عندما تشمل أنواعًا حيوانية متشابهة. فعلى سبيل المثال إذا أدَّى خط واحد في الشجرة إلى الفراشة الكبيرة البيضاء، وأدَّى آخَر إلى الفراشة الصغيرة البيضاء فإن نقطة الْتقاء الخطين تحدد حدوث الانتواع الذي أدَّى إلى فصل هاتين الفراشتين المتماثلتين بقدْر كبير. إن هذه هي النقطة التاريخية التي عندها انفصلت عشيرتان عن «سَلَفهما المشترك» بما أدَّى إلى أنهما أصبحا لا يتزاوجان معًا. ومن المهم أن نذكر أن هاتين العشيرتين لن تكونا قد اكتَسَبَتَا بعدُ الصفاتِ المميزةَ للنوعين، فهما تبدوان في الواقع متماثلتين إلى حدٍّ كبير. ولكن غالبًا جدًّا ما نَجِد أن أشجار علاقات القربى لا تحتوي فقط الأنواع الشديدة التقارب بعضها من بعض؛ إذ إنها تُصوِّر العلاقات التطورية بين مجموعات كبيرة من حيوانات، مثل تلك التي بين الحشرات والعناكب والقواقع وقنديل البحر والبشر. ويجب النظر إلى أشجار علاقات القربى هذه بالطريقة نفسها تمامًا. وإذا ما أدَّى خطٌّ في الشجرة إلى حشرات، وخطٌّ آخر أدَّى إلى عناكب فإن نقطة الْتِقاء هذين المسارين تحدد موقع السَّلَف المشترك لهاتين المجموعتين، ذلك السلف الذي انقرض منذ أمَدٍ بعيد. إن السلف لم يكن حشرة ولا عنكبوتًا، وهو عندما مر بعملية الانتواع أعطى الأسلاف غير المتمايزة بشكل كبير لهاتين المجموعتين.
ورغم أن داروين خطَّ تصورًا لفكرة الشجرة في مفكرته الشخصية وتوسَّع في بيانها عن طريق الرسم الإيضاحي الوحيد لها في كتابه «أصل الأنواع» فإنه لم يحاول أن يحدد بدقة أي الأنواع قريب في الواقع من سواه من الأنواع. بالنسبة لداروين كانت الأشجار التطورية مجرد مفهوم؛ أي طريقة للتفكير بشأن التطور، وقد حاول الكثير من علماء بيولوجيا التطور فيما بعدُ وضعَ أسماء على أفرع الشجرة. إنها مشكلة صعبة ويجب أن تُحلَّ. في جميع الأحوال يجب أن يكون هناك شجرة واحدة لحياة الحيوان تحدد المسار الحقيقي لتطور الحيوان. وعلى ذلك فإن أي رسم لشجرة علاقات قربى هو فرضية واضحة وجلية للمسلك الذي اتُّبع في التطور. رُسمت بعض الأشجار المبكرة للتطور بواسطة عالِم علم الحيوان الألماني إرنست هيكل في ستينيات القرن التاسع عشر وسبعينياته. كان العديد من أشجار هيكل واضحة في تفصيلاتها البارعة، وكاملة بلحاء ذي عُقَد وأفرع ملتوية، وبأسماء مجموعات حيوانية معينة عند نهاية كل غُصَيْن أو ورقة. وقد اعتمد هيكل في شجرته، وكذلك في فرضياته حول تطور الحيوان، على العديد من خطوط الأدلة، ولكنه كان يَمِيل بوجْه خاص إلى الخصائص الآتية من دراسة علم الأجنة. يَرجِع ذلك جزئيًّا إلى اعتقاده بأن الأجنة تتغير ببطء خلال التطور. وأيضًا حتى عندما تبدو الحيوانات اليافعة مختلفة بعضها عن بعض، فإن هناك معالِمَ متشابهة توجد أحيانًا في مرحلة نمائها. إن بعض استنتاجات هيكل ما زالت متوافقة مع الأفكار الحديثة، مثل وضعه لقناديل البحر وشقائق النعمان في فرع انفصل مبكرًا عن باقي طرز الحيوانات. وهناك أفكار أخرى تُثير دهشتنا الآن، وهي بالتأكيد غير صحيحة، مثل وضْع شوكيات الجلد (نجم البحر وقنافذ البحر) كفرع قريب من مفصليات الأرجل مثل الحشرات والعناكب.
وعلى مدى الثمانين عامًا التالية وضَع علماء الحيوان أوصافًا أفضل لتشريح الحيوانات وقاموا بدراسة نموها الجنيني بتفصيل أكثر، مع التركيز على التنوع الكبير في شُعَب اللافقاريات. ولكن حتى عند منتصف القرن العشرين لم يتم التوصل إلى إجماع واضح. ولا توجد علاقة قربى واحدة عليها اتفاق في المملكة الحيوانية. إن كل مؤلف يرسم شجرة تطورية مختلفة قليلًا، وإن كانت ثمة علاقات معينة موجودة على الدوام. وقد أصبح أحد التصورات — والموضح فيما يلي — سائدًا على نحو خاص في الكتب الدراسية الأمريكية، وأُطلق عليه اسم «فرضية السيلوميات».
فرضية السيلوميات
في هذه الشجرة التطورية كانت مجموعات الأدلة الرئيسة التي استُخدمت في تحديد ماهية شُعَب الحيوان الأقرب بعضها لبعض هي: التناظر، والطبقات الجرثومية، والتجاويف الجسمية، والتفلُّق، ونظم الانقسام الخلوي في الجنين المبكر. إن معظم الحيوانات المألوفة — وتشمل الديدان والقواقع والحشرات والبشر — لها مستوًى واحد يقسم الجسم إلى قسمين طبق الأصل؛ أي لها محور تناظر. هذا المحور يمتدُّ في الاتجاه من الرأس إلى الذيل ويفصل الجانب الأيسر عن النصف المماثل له الواقع على الجانب الأيمن للجسم. هناك العديد من الانحرافات عن التناظر الدقيق كما في حالة الأصداف الملتفَّة للقواقع والأرجل الكلَّابية الغير متوازنة الشكل في السرطان، أو وضع قلب الإنسان في الجانب الأيسر للجسم، ولكن هذه كلها تعديلات طفيفة. إن معظم الحيوانات لها في الأساس تناظر شبه تام بين الجانبين الأيمن والأيسر، ويُطلَق على هذا التنظيم اسم التناظر «الجانبي». وعلى النقيض من ذلك، هناك أربع شعب حيوانية ليس لها نهايتا الرأس والذيل، وليس لها جانبان أيسر وأيمن. إن هذه الشعب العديمة التناظر الجانبي، أو الشعب الحيوانية القاعدية، إما ليس لها تناظر وإما لها تناظر شعاعي، وهي تشمل اللاسعات (نجم البحر وشقائق النعمان والمراجين) والإسفنجيات، بالإضافة إلى مجموعتين غير معروفتين جيدًا يُسمَّيَان الممشطيات والصفيحيات.
مجموعة الأدلة الثانية كان عدد «الطبقات الجرثومية». والطبقات الجرثومية هي طبقات الخلايا التي تنشأ مبكرًا في الجنين وتصبح أكثر تعقيدًا أثناء النماء. لمعظم الحيوانات ثلاث طبقات جرثومية، وتكوِّن الطبقة الداخلية (الأديم الباطن) جدار الأمعاء، وتكوِّن الطبقة الخارجية (الأديم الظاهر) الجلد والأعصاب، وتكوِّن الطبقة الوسطى (الأديم المتوسط) العضلات والدم وأنسجة أخرى. أما الشُّعَب العديمة التناظر الجانبي أو الشعب القاعدية فلها طبقتان جرثوميتان فقط (أديم ظاهر وأديم باطن) على الأقل في تقدير تقريبي أولي. وهناك اختلاف إن كان هناك شيء يماثل الأديم المتوسط في هذه الحيوانات. وبسبب هذين النوعين من الأدلة — التناظر والطبقات الجرثومية — وُضعت الحيوانات الثنائية التناظر في مجموعة واحدة كبيرة تُعرف باسم «ثنائيات التناظر» (تُسمَّى أيضًا «ثلاثيات الطبقات» على أساس أنها تنشأ من ثلاث طبقات جرثومية)، آخذين في الاعتبار أن الشُّعَب الأخرى نشأت من تفرعات انفصلت مبكرًا على مدى تطور الحيوانات.
عند تناول ثنائيات التناظر لَقِيَتْ صفة واحدة اهتمامًا خاصًّا في شجرة علاقات القربى بين السيلوميات، وهي وجود أو غياب مساحات مملوءة بسائل داخل الجسم. إن أجنة بعض ثنائيات التناظر، خاصة الحلقيات (مثل ديدان الأرض) والرخويات (مثل البزاقات والقواقع)، لها تجاويف جسمية كبيرة مملوءة بسائل، ومبطَّنة بطبقات غير منفذة من خلايا طلائية. ولأجنة الحبليات — مثل البشر — أيضًا هذه التجاويف كما هي الحال في أجنة شوكيات الجلد (نجم البحر وقنافذ البحر). يُعرف تجويف الجسم الذي من هذا الطراز باسم السيلوم؛ ولذا تُسمَّى هذه الشعب الحيوانية باسم السيلوميات، وقد جُمعت بعضها بجوار بعض في شجرة التطور. في ديدان الأرض يستمر بقاء السيلوم حتى الطور اليافع؛ حيث يعمل كهيكل سائل. وفي بعض حيوانات أخرى، تشمل مفصليات الأرجل (مثل الحشرات والعناكب)، قد يكون السيلوم صغيرًا جدًّا أو قد يختفي فيما بعد خلال فترة النماء، ولكن هذه الحيوانات وُضعت في الجزء الخاص بالسيلوميات في الشجرة. (في بعض أشجار علاقات القربى الأخرى جُمعت معًا فقط بعض السيلوميات.) السبب الآخَر لوضع مفصليات الأرجل قريبة من الحلقيات هو أن كلًّا من مجموعتي الحيوانات له أجسام مقسمة إلى وحدات متكررة متمفصلة معًا أو «فلقات». ويمكن مشاهدة التفلُّق بوضوح كامل في جسم مئويات الأرجل أو دودة أرض، وذلك كسلسلة من الحلقات حول (وداخل) الجسم. وعلى ذلك فإنه في كثير من الأشجار عُيِّنَ فرعٌ فوقيٌ من «السيلوميات المفلقة»، وسُمِّيت المتمفصلات.
على النقيض من السيلوميات، هناك أيضًا ثنائيات تناظر يبقى فيها السيلوم صلبًا دون أي تجويف مملوء بسائل. وقد سُميت هذه الحيوانات اللاسيلوميات، وهي تشمل الديدان المفلطحة (الديدان المسطحة والوشائع والديدان الشريطية) والديدان الخرطومية (الديدان المستديرة)، ولها تجاويف جسم غير محددة ومن دون طبقة من الخلايا الطلائية. وهناك افتراض تقوم عليه شجرة علاقات القربى بين السيلوميات مفاده أن كل السيلوميات تُجمَّع معًا، وأن اللاسيلوميات قد انفصلت مبكرًا. يُعتقد أن اللاسيلوميات هي أسلاف السيلوميات، وهي بذلك تُعتبر أكثر الحيوانات الثنائية التناظر «بدائية». وثمة نتيجة أخرى تمثلت في وجود تزايد في درجة التعقيد على مدى تطور ثنائيات التناظر، من اللاسيلوميات إلى السيلوميات عن طريق سيلوميات كاذبة على الأرجح، ويمكن رصده عن طريق شُعَب الحيوانات التي تعيش اليوم.
شجرة جديدة للحيوان
ليس كل مشتغل بعلم الحيوان يتماشى مع وجهة النظر السالفة الذكر، ولكن ما ذُكر بقي افتراضًا شائعًا لعقود عديدة. إن أكثر النظريات البديلة الشائعة تقسم ثنائيات التناظر إلى مجموعتين رئيستين (أَوَّليَّات الفم وثنائيات الفم) وأعطَتِ اهتمامًا أقل لتجاويف الجسم، ولكن هذه النظرية ما زالت تَستخدم التفلُّق لجَمْع مفصليات الأرجل مع الحلقيات في مجموعة المتمفصلات. ولكن في عام ١٩٨٨ ظهرت مجموعة جديدة من الأدلة في هذه المسألة أشارت إلى أن ثمة خطأً فادحًا ربما يعتري فرضية السيلوميات، وأيضًا في فكرة المتمفصلات. أعلن فريق من الباحثين بجامعة إنديانا في الولايات المتحدة الأمريكية يترأسه رودلف راف استخدام بيانات تتابعات الجينات لبحث العلاقات التطورية بين شُعَب الحيوانات. وبما أن طفرات الجينات تتراكم مع الوقت، فإن الاختلافات في تتابع الدنا بين الأنواع يعكس طول الفترة التي مرت منذ كان يجمعها سلف مشترك. إن شُعَب الحيوانات الأكثر قرابة سيكون لها تتابعات دنا متشابهة من حيث جين معين، أما المجموعات الأبعد قرابة فستكون تتابعات الدنا الخاصة بها أكثر اختلافًا. وقد ركز راف وزملاؤه الاهتمام على الجينات التي تُشفِّر للرنا الموجود في الوحدات الصغيرة للريبوسومات، وهي إحدى مكونات الريبوسوم، وهو تركيب موجود في كل الخلايا. إن الميزة الرئيسة لهذا الجين هي وجوده في كل نوع من أنواع الحيوانات، وقيامه بالوظيفة نفسها؛ وهي المساعدة في بناء البروتينات.
كانت دراسة عام ١٩٨٨ بدايةً لثورة في استخدام معلومات تتابعات الدنا بهدف رسم شجرة علاقات قربى حقيقية للحيوانات. ورغم أن التكنولوجيا كانت جديدة وطرق التحليل كانت في بدايتها، فإن ثمة نتيجةً بعينها بَدَتْ واضحة منذ البداية؛ فالديدان الحلقية المفلَّقة ومفصليات الأرجل المفلَّقة كانت فيها التتابعات الجينية للرنا الريبوسومي مختلفة تمامًا؛ ومن ثَم لم يكن هناك أي دليل يدعم القول بوجود مجموعة للمتمفصلات. وعلى مدى العشرين عامًا التالية تم تحديد تتابعات الدنا في الكثير من الجينات، من الكثير من الأنواع الأخرى، كما أن طرق التحليل المعتمدة على الكمبيوتر صارتْ أفضل وأدقَّ. إن أشجار علاقات القربى التي يمكن الاعتماد عليها الآن تشمل ما يزيد على مائة جين من كل حيوان، وكلها تُعطي صورة متناغمة بشكل واضح. إن «علاقات القربى الجديدة للحيوانات» تحمل بعض الشَّبَه مع الأشجار القديمة، ولكن بها أيضًا اختلافات أساسية.
في علاقة القربى الجديدة للحيوانات تفرعت الشعب الأربع غير ثنائية التناظر عن الشجرة الرئيسة مبكرًا، تمامًا كما فعلت في أشجار علاقات القربى للسيلوميات وغيرها من الأشجار المعتمدة على الشكل. وهذا يعني أن الطبقات الجرثومية والتناظر أعطت صورة دقيقة. في الواقع، تُعتبر قناديل البحر وشقائق النعمان والمراجين وهلاميات المشط والإسفنج حيوانات قاعدية. وبعد الشُّعَب القاعدية هذه توجد بقية الحيوانات المنتمية لثنائيات التناظر. لكن داخل مجموعة ثنائيات التناظر هذه تختلف الفرضيات؛ فعلى سبيل المثال: في علاقات القربى الجديدة للحيوانات ليس هناك مكان لشجرة تتكون فقط من لا سيلوميات، ولا موقع للسيلوميات الكاذبة، ولا تجميع للسيلوميات فقط. بدلًا من ذلك فإن كل الطرز الثلاثة لتنظيم الجسم تكون مندمجة معًا.
وما دام السيلوم يوجد في أجزاء مختلفة عديدة من الشجرة «الجديدة» فإنه يترتب على ذلك إما أن تجاويف الجسم نشأت أكثر من مرة خلال التطور، وإما أنها يمكن أن تختفي، وإما الاحتمالان معًا. من الناحية الوظيفية ربما يكون ذلك مثيرًا للدهشة؛ فالتجاويف المملوءة بسائل توفر ميزة للافقاريات التي تعيش في بيئات عديدة؛ ذلك أنها توفر الدعم للجسم وتعمل كحقيبة غير قابلة للانضغاط تستطيع مجموعات مختلفة من العضلات أن تنقبض فوقها. وبالنسبة للحيوانات ذات الأجسام اللينة، فإن هذه التجاويف تزيد من قوة وكفاءة حركة الحيوان، وتوفر القدرة على الحفر وعلى الزحف بسرعة وكذلك على السباحة إن لزم الأمر. ومن وجهة نظر رسم شجرة التطور فإن هذا يعني أن تجاويف الجسم كانت أدلة متواضِعة على علاقات القربى. وهذا صحيح أيضًا بالنسبة للتفلُّق؛ إذ يوفر تقسيم الجسم إلى وحدات مميزات في بعض البيئات، وذلك، على سبيل المثال، عن طريق زيادة القدرة على الحركة، ومن المحتمل أن ذلك أيضًا نشأ أكثر من مرة. إن العُقَل مثل السيلوم تَظهَر وتَختَفِي بسرعة خلال التطور بحيث لا يمكن الاعتماد عليها كأدلة على علاقات القربى. ويبدو أنه ليس هناك مجموعة تُسمَّى السيلوميات أو المتمفصلات.
ما هو إذن الشكل الذي تتخذه شجرة التطور المعتمدة على تتابعات الدنا؟ في التصور الجديد لعلاقات القربى بين الحيوانات — الذي لَقِيَ قبولًا كبيرًا وسريعًا — تنقسم ثنائيات التناظر إلى ثلاث مجموعات يطلق عليها «شُعَب فائقة»، تحوي كلٌّ منها عدة شُعَب. ويُطلَق على الشعبة الفائقة التي ننتمي إليها اسم ثنائيات الفم. وبالإضافة إلى شعبتنا — «الحبليات» — فإن مجموعة ثنائيات الفم تشمل شوكيات الجلد (نجم البحر وقنافذ البحر) ونصف الحبليات (تشمل ديدان جوزة البلوط الكريهة الرائحة). إن التصور الأقدم لعلاقات القربى اشتمل دائمًا في الأغلب على مجموعة تُسمَّى ثنائيات الفم أيضًا، ولكنه عادة أيضًا ما شمل حيوانات أخرى قليلة تم نقلها إلى موضع آخر على أساس المعلومات الخاصة بالدنا، خاصة هلبيات الفك، أو الديدان السهمية.
إن الشعبتين الفائقتين الكبيرتين الأخرَيَيْن من ثنائيات التناظر شكَّلتَا مفاجأة؛ إذ كانَتَا غير متوقَّعتين من واقع المقارنة التشريحية وغير موجودتين في أيٍّ من الأشجار القديمة التقليدية، إلَّا أن كلًّا منهما مدعم ببيانات تتابعات الدنا. وبسبب أنهما قد اقتُرحتا حديثًا فقط، فإن هاتين المجموعتين من الحيوانات احتاجتا إلى اسمين جديدين. إن كلًّا منهما يمثل مجموعة كبيرة. ويُطلق على المجموعة الأولى منهما وتحتوي على مفصليات الأرجل (الحشرات والعناكب والسرطانات ومئويات الأرجل) والديدان الخيطية (الديدان المستديرة)، وشعب عديدة أخرى اسم «الانسلاخيات». أما المجموعة الثانية التي تضم الحلقيات (ديدان الأرض والعلق)، والرخويات (القواقع والأخطبوط)، والديدان المفلطحة (ديدان الأرض والوشائع والديدان الشريطية) والمرجانيات (الحيوانات الأُشنية)، وغيرها، فتُعرف باسم «العجلانيات العرفية».