عروض الكتب بين المدونين والنقاد
قرأنا عن فضيحةٍ تفجرت في سوق النشر بإنجلترا بطلها أحد الكتاب الأكثر مبيعًا وهو
ر. ج. إلوري R. J. Ellory، وهو الفائز بعدة جوائز منها
جائزة باري Barry Award لأفضل عمل أدبي بريطاني في
مجال الجريمة سنة ٢٠٠٩، عن رواية «فعل عنف بسيط» A Simple Act of
Violence، كما
فازت نفس الرواية في العام التالي بجائزة أفضل رواية جريمة، والتي تقدمها
Theakston’s Old Peculier؛ تفجرت الفضيحة نتيجة
اكتشاف قيامه بعمل عروضٍ بأسماء مزيفة على موقع الأمازون، العروض تمتدح أعماله وتذم
أعمال أدباء آخرين منافسين. بطبيعة الحال أثار اكتشاف هذا الفعل غضب عدد من الكُتَّاب
المتضررين، واقترحوا ودعَوْا إلى تأكيد مصداقية العروض على موقع أمازون من خلال التأكُّد
من
هوية من يكتب العرض.
وبطبيعة الحال لم يلقَ هذا الاقتراح قبول الجميع؛ فعلى عكس الآراء التي أشارت إلى
ضرورة ذلك ظهرت أصوات ترفض أن يتم إلغاء خاصية عمل عروض مجهلة من الاسم في موقع
الأمازون، يدافع Joe Konrath عن ذلك قائلًا إن كَوْن
العرض زائفًا لا يعني بالضرورة أنه خالٍ من القيمة، ونحن إن منعنا ذلك نمنع حقًّا أصيلًا
للعارض بأن يبقى مجهولًا، كما أننا لا يجب أن نفترض أن القراء سلبيون ويقبلون كل ما
يقرءون عن الكتب. يقول: «ليس البشر بقدر الغباء الذي يريدنا صائدو الساحرات أن نعتقده.
نحن لا نصدق بشكل آلي كل ما نقرؤه على الإنترنت. نستطيع أن نقرِّر بأنفسنا ما الذي
يستحق.» وكردِّ فعلٍ على هذه الدعوة قام بنفسه بعمل مجموعة من العروض المزيفة بأسلوب
يميل
للفكاهة.
بطبيعة الحال هذه الحادثة ليست مهمة في ذاتها، لكنها تعكس بالتأكيد الاهتمام المتزايد
الذي صار الأدباء يولُّونه تجاه العروض المكتوبة على الإنترنت سواء في مواقع بيع الكتب،
أو مواقع العروض، أو في المدونات. تزايدت أهميتها في الواقع مع الوقت إلى الدرجة التي
جعلت بيتر ستوزارد Peter Stothard رئيس لجنة تحكيم
جائزة بوكر مان لهذا العام (٢٠١٢)، يحذر من أن التدوين أصبح يغرق النقد الجاد للكتب،
وهو أمرٌ يراه في غير صالح الأدب.
ورغم أن بيتر ستوزارد (محرر الملحق الأدبي لجريدة التايمز) هو نفسه مدوِّن، وسبق
أن مدح
مواقع متخصصة في عروض الكتب مثل The Complete Review،
لكنه لا يُخفي قلقه من أن العروض المكتوبة في فضاء الإنترنت قد يكون لها أثرها المضر
على
مستقبل الكتابة. ورغم أنه لا ينكر وجود بعض الآراء عالية القيمة في بعض المدونات، لكنه
يرى في نفس الوقت أن هناك أيضًا عددًا أكبر من الآراء الأقل في القيمة؛ فأغلب هذه
العروض في رأيه هي عروض متطايرة سريعة الزوال. ينبه ستوزارد: لو أننا أعلينا الآراء غير
المبررة فوق النقد فسوف يتضرر الأدب. يقول: «لا بد أن يقف أحدهم مدافعًا عن دور النقد
الأدبي وإلا فسيغرق، وسيؤدي إلى اضمحلال مستوى الأدب.» «فالنقد الأدبي ينبه إلى الجديد،
إلى الكتابات التي لا تشبه ما سبقها.» وهو ينتقد محرري الصحف لاقتطاع صفحات الكتب،
ولزيادة نشر العروض من هذا النوع المتطاير.
وعبَّر بيتر ستوزارد بوضوح عن كون انتشار مثل هذه الآراء التي تغيب المعايير النقدية
عنها يمثِّل خطرًا حقيقيًّا على العروض الاحترافية؛ مشيرًا إلى انتشار اعتقاد عام في
بريطانيا وأمريكا أن النقد التقليدي الواثق الذي يرتكز على الحجة ليخبر الناس إن كان
الكتاب جيدًا أم لا؛ هو في مرحلة انحدار. وقال إنه من الجيد وجود هذا العدد من المدونات
والمواقع المخصصة للكتب، لكن أن تكون ناقدًا يعني أنه من الضروري لك أن تختلف عن هؤلاء
الذين ينشرون ذوقهم الشخصي؛ فليست كل الآراء متساوية في القيمة.
وبينما يتفق سام جورديسون Sam Jordison (مدوِّن
وكاتب في جريدة الجارديان) مع ستوزارد بخصوص الحاجة لنقد مبرر ووافٍ، إلا أنه يعتقد أن
ذلك متوافر فعلًا في مدونات، فهناك عدد من المدونين الذين يقدمون عروضًا مميزة، وهو يشير
في هذا السياق إلى عددٍ من المدونين الذين يرى أن مدوناتهم هي من أفضل الأماكن التي قد
تتعرف فيها على الجديد في عالم الكتب، ويبين أن ترشيحات القراء قد تصنع فارقًا ضخمًا،
حتى لو لم تضم إلا تعليقاتٍ لأناسٍ يقولون فقط: «أعجبني هذا» فقد ينشأ نتيجةً لمثل هذه
الآراء تراكم مفيد. كما أن الكتب كثيرة للغاية ومن المهم أن تكون هناك بدائل تعفيك
من اقتناء الكتاب لمعرفة مستواه.
ويقول سايمون سافيدج Simon Savidge (صاحب مدونة:
Savidge Reads) سيكون هناك دائمًا تكبُّر ما حيال
المدونين، كل المدونات التي أتابعها تكتب دون مقابل من قِبَل أناسٍ شغوفين بالكتب، عدد
منهم يقرأ بالفعل بعض كتب اللائحة القصيرة لجائزة مان بوكر ويزكُّون الكتب التي تثير
اهتمامهم للقراء. أعتقد أن أي شخص يقرأ بكثافة يستطيع — فقط من خلال القراءة — نقد أي
شيء يقرؤه؛ فالقراءة، ورد الفعل حيالها، هي خبرة شخصية معتمدة على خبرة حياتية. المثير
للاهتمام أنك لن تجد المدونين يهجون صفحات العروض المطبوعة (بشكل مماثل لنقد بيتر
ستوزارد لعروض المدونات والمواقع الإلكترونية)، ستجدهم — على العكس — يقرءونها بين الكتاب
والكتاب، جنبًا إلى جنب مع قراءة المدونات الأخرى؛ (وذلك) لأننا جميعًا متحدون في حب
الأدب بكافة أشكاله وأجناسه.
بطبيعة الحال كان النقاش محفزًا لآخرين للمشاركة فيه، فكتب روبرت ماكروم Robert
McCrum يوم ١ أكتوبر
٢٠١٢ مقالًا أثنى في بدايته على إدارة بيتر ستوزارد للجنة التحكيم بمان بوكر، مشيرًا
إلى
أن القائمة القصيرة هذا العام من أفضل القوائم القصيرة مقارنة بالأعوام السابقة، كما
أن
الانضباط هذا العام في جوانب أخرى واضح. لكنه يختلف أيضًا مع بعض ما طرحه بخصوص
العروض.
يقول ماكروم:
بدلًا من أن أشجب هذا الطرح ببساطة، أرى أنه من الواجب أن نأخذه بجدية. أشار
ستوزارد إلى أن عرض المواطن
الصحفي citizen journalist لا يرقى إلى مستوى النقد الاحترافي. لِنتأملْ عرضًا
مثاليًّا مطبوعًا في أيٍّ من الصحف المعروفة: الأوبزرفر، التايمز، الملحق الأدبي للتايمز،
أو في نيويورك رفيو أوف
بوكس the Observer, the Times, the TLS or the New
York Review of Books، مثل هذا العرض سيتراوح في العادة بين ٥٠٠ إلى ١٥٠٠
كلمة، وسيمرُّ قبل النشر بعمليات تحرير مطولة ومجهدة، وبشكل أكيد ستكون مُذيَّلة
بتوقيع، وفي العادة تكون مدفوعة الأجر. وبالمقارنة بالمادة الخام المنشورة في
أي مدونة معتادة فقد تمت مراجعة و«تقطير» هذه العروض بشكل مفرط.
ويضيف:
ولا يضمن كل هذا أن العرض لن يكون بدائيًّا، أو هدَّامًا، أو هجوميًّا، أو مجاملًا،
لكنها ستكون محل احترام، وستبرز بشكلٍ مفرطٍ اللغةَ المتخصصةَ للنقد الأدبي.
ثم يوضحُ أن أي عارض جيد ينشر في المطبوعات المتعارف عليها يقف على أكتاف عظماء النقد
السابقين له، وهذا النقد سيكون أولًا احترافيًّا، ثانيًا: لن يُنشر دون توقيع، ثالثًا:
سيوضع في سياق النقد الأدبي. و«لا شك أن تركُّز مثل هذه السلطة في يد قلة (من النقاد)
في
الماضي كان له أثره السيئ على بيئة النشر.»
وهو يؤكد في النهاية إلى أنه رغم اتفاقه على وجود بعض وجهات النظر المهملة في فضاء
التدوين، إلا أنه يوجد بالمقابل (في حالات أخرى) مكان للانضباط الذاتي، والمعايير
الراقية الموضوعة بوعي.