كتب قديمة للبيع
١
تراها لدى بائعٍ يفترش أحد الأرصفة، أو في أحد المحلات الصغيرة أو الكبيرة؛ فتتوقف، تقلِّب في عناوينها، باهتمامٍ أو بلامبالاةٍ فضولية. يلفتُ أحدُها انتباهَك فتسحبه وتبدأ في تصفُّح محتوياته. قد يكون قد نُشِر منذ سنوات أو عقود. تقرِّر في النهاية شراءَه فتتوجَّه للبائع لتسأل عن ثمنه. قد تساومه في السعر الذي يطرحه عليك أو لا. تأخذ الكتاب ثم ترحل.
في منزلك قد تجد وأنت تقلِّب صفحات الكتاب: خطوطًا أو علامات أو تعليقات تحت كلمات بعينها، قد تلمحُ توقيعَ المالك الأصلي في أول صفحاته، قد تجدُ صفحات مثنية إهمالًا أو قصدًا، أو تكتشفُ أوراقًا، أو وردة مجفَّفة بين صفحاته.
٢
تنحاز الصفحات الثقافية، والدوريات التي تتابع الكتب، للكتب المنشورة حديثًا. وهو منطقي باعتبار أهمية متابعة جديد الناشرين، لكن في المقابل فإن الكتب الأحدث في الصدور ليست بالضرورة هي الكتب الأحدث أو الأفضل في المحتوى. وفي عالمنا العربي خصوصًا، قد تكون هناك كتب كثيرة قديمة تحتاج إلى مَن ينفض عنها التراب، ويعيد تقديمها للقراء، سواء بالكتابة عنها أم بإعادة نشرها.
بعض الكتب التي تنجح في الحصول عليها من باعة الكتب القديمة لا توجد منها طبعات حديثة، نفدت ولم يهتم أحد بإعادة طبعها، دون أن يعني ذلك أنها غير مهمة أو غير قيِّمة؛ لكن هذا هو حال الأشياء، كما يحدث مع البشر. قد تحيِّرك الطريقة التي توزَّعت بها حظوظ الكتب المختلفة من الاهتمام. قد يكون الكتاب القديم الذي تلتقطه بالصدفة دون سابق معرفه به أو بكاتبه إحدى الصدف السعيدة للغاية، التي تعرفك بكاتب مُبهِر، أو بكتابٍ سيصيرُ عزيزًا على قلبك.
٣
تكتشف أن بعض الكتب التي ترجع إلى عقدين أو أكثر لم يقرأها أحد، ارتحلت عن مالكها إلى مكتبتك، أو ربما تنقَّلت بين أكثر من مالك قبل أن تصل إليك، لكن صفحاتها التي ما زال بعضها ملتصقًا ببعض منذ لحظة طباعتها تكشفُ أنها لا تزال بكرًا. تفكِّرُ: كَمْ من كتابٍ تملكه أنت، سترحل عن الدنيا قبل أن تتمكَّن من قراءته؟ تفكِّر أيضًا: إن البعض يُخلِص لاقتناء الكتب أكثر من إخلاصه لقراءتها.
٤
في السنوات الأخيرة ظهرت إلى الوجود أشكال جديدة من الكتب، وهي الكتب الإلكترونية، ومعها ظهرت إشكالية جديدة تتصل بالكتب المستعملة الإلكترونية ومفهومها وكيفية التعامل معها. من الواضح أنه في حالة الكتاب المستعمل الورقي، هناك فارق متوقَّع بين النسخة التي تشتريها من الناشر مباشَرةً، والنسخة المشتراة من باعة الكتب المستعملة. يتمثَّل الفارق في أن عامل الزمن يؤثِّر على الكتب وتماسُكها؛ وبالتالي يمكن القول إن سوق الكتب المستعمَلة في حالة الكتب الورقية هذه لا تشكل نفس الخطر الذي تمثِّله الكتب المستعمَلة الإلكترونية التي لا تختلف عن النسخة الأصلية التي يبيعها الناشِر مباشَرةً. أيضًا الطبيعة المادية للكتاب الورقي تجعل فكرةَ ملكية مَن يشتريه أكثر وضوحًا من حالة الكتاب الإلكتروني، الذي صار الناشرون الآن يؤكِّدون على أن ما يحدث هو حق استخدام، لا شراء بالمعنى التقليدي، بمعنى أنك تستطيع اقتناءه وقراءته، لكنك لا تستطيع إعارته، أو بيعه، أو التبرُّع به.