تعليمات مقترحة لغارق في متاهة
١
لنتخيل أول جدار يبنيه إنسان. بجواره شخصٌ ما يشعر بالراحة أو بالفخر. ربما كان يبحث عن الأمان، أو عن الدفء. لعل الأمر استمر كذلك فترة طويلة قبل أن يكتشف البشر وظيفةً أخرى للجدران، أو — على الأقل — فهمًا آخر لوظيفة قديمة هي الأمان. وقتها لم يعد الخائف هو من يختبئ داخل الجدران بالضرورة، فقد صرنا أحيانًا نضع مصدر الخوف داخل الجدران، الآن لم يكن الجدار مجرد بيت، بل صار سجنًا أحيانًا. في الحقيقة تحول الأمر بمرور الوقت إلى أن صار كل جدار يمارس بشكلٍ ما الوظيفتين معًا، بنِسَب مختلفة.
٢
تشبيهك بالسجين ليس تشبيهًا محكمًا كما تعتقد. على الأقل ليس حسب الفهم الشائع. أنت مقيد داخل الحوائط أوافقك على هذا، لكنك تدرك مثلي أن ما يمنعك من الخروج ليس فقط الناس والحجارة، بل شيئًا ما داخلك. يمكنك أن تستبدل خوفك بهوسٍ ما بتحطيم الحوائط دون أن تصير حرًّا ودون أن تخرج للنور.
٣
مشكلة الحوائط هي وظيفتها المزدوجة: الأمن/السجن. كل حائط هو ذو وجهين بالضرورة، وغالبًا يغريك الحائطُ بأحد وجهيه ويهددك بالآخر كي تبقى داخله، وأنت قد تبقى في داخله، أو قد تنشغل بتحطيمه، دون أن تسأل نفسك السؤال الأهم: ماذا أريد؟
لماذا هذا السؤال؟ لأنك مهما كنت بارعًا في تحطيم الحوائط، لا يمكنك تحطيمها جميعًا، أنت حتى لا تريد أن تحطمها جميعًا، لا يمكنك أن تتخلى عن كل مصادر الأمن في العالم، لمجرد إرضاء هوس ما. إن تمكنت من معرفة ما تريد، فقد تبدأ بشكل ما في التحرر أو السعي نحو عالم يشبهك.
ملحوظة: قد يغضب البعض من فكرة بناء الحوائط وفقًا لهواك، لكن إن كنت متأكدًا مما تريد فلا تعبأ بهم.
٤
الجدار ليس شرًّا بالضرورة، مجرد وجوده ليس مشكلة، المشكلة إن كان يقف بينك وبين ما تريده أنت، وإن كنت تعلم أن ما وراء هذا الجدار هو حقًّا ما تريده، وكنت ترى أن ما وراءه يستحق الجهد، والمعاناة، ومكابدة الخوف، فستبدأ بتحطيمه.