لغة المعلومات
ليس الانتقال عبر النقاط المختلفة في الخريطة بديلًا عن رحلة مستقيمة المسار؛ لذا سيساعد تقديم أمثلة أساسية قليلة في توضيح الخطوات الأقل وضوحًا للحفاظ على توجُّهنا. وفيما يلي مثال سنرجع إليه كثيرًا فيما بعد.
اليوم هو الاثنين صباحًا، يدير جون مفتاح تشغيل سيارته، ثم لا يحدث شيء؛ لا يُصدر المحرك أي صوت، الأمر الذي يثير قلق جون. وببعض التدقيق، يلاحظ جون أن مؤشر البطارية المنخفضة يومِض، وبعد مزيد من المحاولات غير الناجحة، يستسلم جون ثم يهاتف ورشة الصيانة. يشير جون عبر الهاتف إلى أنه في الليلة الفائتة نسيت زوجته أن تغلق مصابيح السيارة — ليست هذه إلا كذبة؛ إذ كان جون هو من قام بذلك لكنه كان يخجل من أن يُقِرَّ بذلك — وها هي البطارية لا تعمل على الإطلاق. يشير الميكانيكي على جون بالرجوع إلى كتيب إرشادات تشغيل السيارة الذي يبين كيفية استخدام أسلاك تشغيل المحرك. لحسن الحظ، لدى جار جون كل ما يحتاج إليه. يقرأ جون كتيب الإرشادات، وينظر إلى الرسوم التوضيحية، ويتحدث إلى جاره، ويتبع الإرشادات، ويحل المشكلة، وأخيرًا يتوجه إلى عمله.
سيكون هذا المثال المأخوذ من حياتنا اليومية بمثابة «ذبابة الفاكهة» بالنسبة إلينا؛ حيث إن هذا النموذج يقدِّم تفاصيل كافية لبيان الطرق الكثيرة التي نستطيع من خلالها فهم المعلومات. ستكون الخطوة الأولى هي تعريف المعلومات في إطار البيانات.
(١) تعريف المعلومات الذي يعتمد على البيانات
(تعريف عام للمعلومات) تعتبر مثالًا على المعلومات؛ ويمكن فهمها باعتبارها محتوى دلاليًّا، فقط في حال: |
• (التعريف العام للمعلومات ١) إذا كانت تتألف من «ن بيانات»، حيث ن ١. |
• (التعريف العام للمعلومات ٢) إذا كانت البيانات «متماسكة الصياغة». |
• (التعريف العام للمعلومات ٣) إذا كانت البيانات المتماسكة الصياغة «ذات معنى». |
وفق (التعريف العام للمعلومات ١)، تتألف المعلومات من بيانات. في (التعريف العام للمعلومات ٢)، يشير تعبير «متماسكة الصياغة» إلى أن البيانات موضوعة بشكل صحيح معًا، وفق قواعد (بنية الجملة) التي تتحكم في النظام المُختار، الكود، أو اللغة التي يجري استخدامها. ويجب النظر إلى بنية الجملة هنا بمنظور واسع؛ بحيث لا يقتصر الأمر على المنظور اللغوي، باعتباره يحدد شكل، وبناء، وتكوين، وبنية شيء ما. يشير المهندسون، ومخرجو الأفلام، والرسامون، ولاعبو الشطرنج، والمتخصصون في شئون الحدائق إلى بنية الجملة وفق هذا المفهوم الواسع. في مثالنا، ربما يعرض كتيب إرشادات السيارة صورة ثنائية البُعد لطريقة تشغيل سيارة. وتجعل هذه البنية التصويرية (التي تشمل المنظور المستقيم الذي يمثِّل الفضاء عن طريق تلاقي الخطوط المتوازية) الرسم التوضيحي ذا معنى قوي للمستخدم. وبالرجوع إلى المثال نفسه، يجب توصيل البطارية الفعلية بالمحرك بطريقة صحيحة حتى تعمل على نحو صحيح. هذا كله يعتبر من قبيل بناء الجملة، في إطار البناء المادي الصحيح للنظام (ومن ثَمَّ تشكِّل البطارية غير المتصلة بالمحرك مشكلة بنيوية). بطبيعة الحال، تتبع المحادثة التي يجريها جون مع جاره القواعد اللغوية الإنجليزية، وهو ما يعتبر بناءً بالمعنى اللغوي المعتاد.
فيما يتعلق ﺑ (التعريف العام للمعلومات ٣)؛ فهنا تتحقق الدلالة اللفظية بصورة نهائية. يشير تعبير «ذات معنى» إلى أن البيانات يجب أن تتماشى مع معاني (دلالات) النظام المختار، أو الكود، أو اللغة المستخدمة. مرة أخرى، نقول إن المعلومات الدلالية ليست بالضرورة لغوية؛ ففي حالة كتيب إرشادات تشغيل السيارة، من المفترض أن الرسوم التوضيحية لها معنى بصري بالنسبة إلى القارئ.
تعتبر كيفية تخصيص معنى ووظيفة معينة للبيانات في نظام علاماتي مثل اللغة الطبيعية من أصعب الأسئلة في مجال علم الدلالة، وهي المسألة المعروفة اصطلاحًا باسم «مشكلة تأريض الرموز». لحسن الحظ، يمكن التغاضي عن هذه المشكلة هنا؛ حيث إن النقطة التي تستحق التوضيح في هذا المقام هي أن البيانات التي تشكِّل المعلومات يمكن أن تكون ذات معنًى بعيدٍ عن متلقي البيانات. خذ المثال التالي: يشتمل حجر رشيد على ثلاثة تراجم لفقرة واحدة، باللغات الهيروغليفية المصرية، والديموطيقية المصرية، واليونانية الكلاسيكية. قبل اكتشاف حجر رشيد، كانت الهيروغليفية المصرية تُعتبر معلومات، حتى وإن كان معناها لا يستطيع أي مفسر فك طلاسمه. لم يؤدِّ اكتشاف جانب مشترك بين اللغتين اليونانية والمصرية إلى التأثير على دلالات اللغة الهيروغليفية، بل على «فهمها»، وهذا هو المعنى المعقول الذي يمكن به تناول البيانات بما تحمله من معنى كونها مضمَّنة في حاملات معلومات بمعزل عن أي متلقٍّ بعينه للبيانات. يختلف ذلك تمامًا عن الطرح الأقوى الذي يذهب إلى أن البيانات قد تشتمل على دلالاتها الخاصة بمعزل عن أي «منتج»/«مبلِّغ» ذكي، وهو ما يُعرف أيضًا اصطلاحًا «بالمعلومات البيئية». غير أننا قبل أن نتناول ذلك، يجب أن نفهم طبيعة البيانات بصورة أفضل.
(٢) فهم البيانات
المُعطى = تعريف حيث س تتميز عن ص، حيث إن س وص متغيران غير مُفسَّرين، وتبقى علاقة «أن يكون متميزًا» — فضلًا عن النطاق — مفتوحة لمزيد من التفسير.
يمكن تطبيق هذا التعريف للبيانات بطرق ثلاث رئيسية:
ثانيًا: قد تمثِّل البيانات حالات غياب انتظام بين (إدراك) حالتين ماديتين على الأقل لأحد النُّظُم أو «الإشارت». من أمثلة ذلك، شحنة أكبر أو أصغر لبطارية، إشارة كهربية متغيرة في محادثة هاتفية، أو النقطة والخط في أبجدية مورس.
بناءً على التفسير الشخصي، قد تكون «ديدومينا» في (١) إمَّا متطابقة مع «الإشارات»، أو هي ما تجعلها ممكنة في (٢)، والإشارات في (٢) هي ما تجعل عملية ترميز «الرموز» في (٣) ممكنة.
يفسر اعتماد المعلومات على ظهور بيانات متماسكة الصياغة من الناحية البنيوية، وكذلك اعتمادها على ظهور اختلافات قابلة للتنفيذ في صورة مادية، سبب إمكانية فصل المعلومات بسهولة بالغة عن دعمها. يعتبر «التنسيق»، و«الوسط»، و«اللغة» التي يتم بها ترميز البيانات، ومن ثَمَّ المعلومات، مسائل غير مهمة في كثير من الأحيان مثلما يمكن الاستغناء عنها، وبصورة خاصة، يمكن طباعة البيانات/المعلومات نفسها على الورق أو مطالعتها على شاشة، مرمزةً بالإنجليزية أو بلغة أخرى، ومعبَّرًا عنها بالرموز أو الصور، سواء في صورتها التناظرية أو الرقمية، ويعتبر التمييز الأخير في غاية الأهمية وهو ما يستحق بعض التوضيح.
(٣) البيانات التناظرية مقابل البيانات الرقمية
تختلف البيانات التناظرية والنظم التي ترمَّز، وتخزَّن، وتعالَج، وتنقل هذه البيانات باستمرار. على سبيل المثال، تعد أسطوانات الفينايل تسجيلات تناظرية؛ نظرًا لأنها تخزِّن بيانات ميكانيكية، متصلة، تتطابق مع الأصوات المسجلة. بينما في المقابل، تختلف البيانات الرقمية والنظم المتعلقة بها بين الحالات المختلفة، مثل حالة التشغيل/الإغلاق أو الفولت المرتفع/المنخفض. على سبيل المثال، تعتبر الأقراص المدمجة رقمية نظرًا لأنها تخزِّن الأصوات من خلال تحويلها في صورة نُقَر ومساحات (المساحات بين النُّقر)؛ أي إن الأقراص المدمجة تعمل على «ترميز» المعلومات وعدم الاكتفاء «بتسجيلها» فقط.
ربما يمكن تصنيف أجهزة الكمبيوتر الرقمية […] ضمن «ماكينات الحالة المنفصلة»، وهي ماكينات تتحرك عن طريق القفزات أو نقرات الفأرة من حالة محددة تمامًا إلى أخرى. تختلف هذه الحالات عن بعضها بما يكفي لتجاهُل الخلط بينها. بعبارة أكثر دقة: لا توجد مثل هذه الماكينات في حقيقة الأمر؛ إذ يتحرك كل شيء باستمرار. إلا أن هناك أنواعًا كثيرة من الماكينات التي يمكن اعتبارها من الناحية الربحية ماكينات حالات منفصلة.
هناك أيضًا أجهزة كمبيوتر تناظرية، وهي أجهزة كمبيوتر تنفذ عمليات حسابية من خلال تفاعل ظواهر مادية مختلفة باستمرار، مثل الظل الذي يسقط عن طريق عقرب الساعة الشمسية، والتدفُّق المنتظم تقريبًا للرمل في الساعة الرملية أو للماء في الساعة المائية، والتأرجُح الثابت رياضيًّا للبندول. يبدو جليًّا أن الأمر لا يعتمد على استخدام مادة محددة أو ظاهرة مادية محددة تجعل من نظام معلومات نظامًا تناظريًّا، بل حقيقة أن عملياتها يحددها بشكل مباشر قياس التحولات المستمرة والمادية لأي مادة صلبة، أو سائلة، أو غازية يجري استخدامها. فهناك أجهزة كمبيوتر تناظرية تستخدم فولتات مختلفة باستمرار، وهناك أيضًا ماكينة تورنج (وهي النموذج المنطقي المثالي لأجهزة الكمبيوتر الشخصية) وهي كمبيوتر رقمي لكنها قد لا تكون كهربية. وبالنظر إلى طبيعتها المادية، تعمل أجهزة الكمبيوتر التناظرية وفق الزمن الحقيقي (بعبارة أخرى، يتطابق زمن تشغيلها مع الوقت في العالم الواقعي)، ومن ثَمَّ يمكن استخدامها في مراقبة الأحداث وقت حدوثها والتحكم فيها، في علاقة طردية ١ : ١ بين وقت وقوع الحدث ووقت إجراء العمليات الحسابية (خذ مثلًا بالساعة الرملية). ومع ذلك، لا يمكن أن تكون أجهزة الكمبيوتر التناظرية ذات أغراض عامة نظرًا لطبيعتها، فهي أجهزة متخصصة تؤدِّي وظائف محددة وفق الضرورة. لذا تتمثل ميزة مثل هذه الأجهزة في أن البيانات التناظرية تتسم بالمرونة الفائقة؛ إذ يمكن تشغيل أسطوانة الفينايل مرة بعد أخرى، حتى وإن جرى خدشها.
(٤) البيانات الثنائية
التمثيل العشري | |||||
… | ١٠٣ = ١٠٠٠ | ١٠٢ = ١٠٠ | ١٠١ = ١٠ | ١٠٠ = ١ | |
تفاحة واحدة | ١ | ||||
تفاحتان | ٢ | ||||
… | |||||
ست تفاحات | ٦ | ||||
… | |||||
ثلاث عشرة تفاحة | ١ | ٣ | |||
… | |||||
التمثيل الثنائي | |||||
… | ٢٣ = ٨ | ٢٢ = ٤ | ٢١ = ٢ | ٢٠ = ١ | |
تفاحة واحدة | ١ | ||||
تفاحتان | ١ | ٠ | |||
… | |||||
ست تفاحات | ١ | ١ | ٠ | ||
… | |||||
ثلاث عشرة تفاحة | ١ | ١ | ٠ | ١ | |
… |
D | O | G |
غير نشط = ٠ | غير نشط = ٠ | غير نشط = ٠ |
نشط = ١ | نشط = ١ | نشط = ١ |
غير نشط = ٠ | غير نشط = ٠ | غير نشط = ٠ |
غير نشط = ٠ | غير نشط = ٠ | غير نشط = ٠ |
غير نشط = ٠ | نشط = ١ | غير نشط = ٠ |
نشط = ١ | نشط = ١ | نشط = ١ |
غير نشط = ٠ | نشط = ١ | نشط = ١ |
غير نشط = ٠ | نشط = ١ | نشط = ١ |
-
١ كيلوبايت (كب) = ٢١٠ = ١٠٢٤ بايت.
-
١ ميجابايت (مب) = ٢٢٠ = ١٠٤٨٥٧٦ بايت.
-
١ جيجابايت (جب) = ٢٣٠ = ١٠٧٣٧٤١٨٢٤ بايت.
-
١ تيرابايت (تب) = ٢٤٠ = ١٠٩٩٥١١٦٢٧٧٧٦ بايت.
لهذا السبب لا يساوي الحجم الدقيق لذاكرة الوصول العشوائية (رام) في أي جهاز كمبيوتر، على سبيل المثال، رقمًا صحيحًا.
هناك ثلاث مميزات على الأقل للنظام الثنائي لترميز البيانات؛ أولًا: يمكن تمثيل وحدات البيانات سواء دلاليًّا (وهو ما يعني صحيح/غير صحيح)، بطريقة منطقية-رياضية (وهو ما يجري التعبير عنه في صورة ١ / ٠)، وماديًّا (ترانزيستور = يعمل/لا يعمل، مفتاح التشغيل = مفتوح/مغلق، دائرة كهربائية = فولت مرتفع/منخفض، قرص أو شريط = ممغنط/غير ممغنط، قرص مدمج = وجود/غياب النُّقر … إلخ)، وهو ما يوفر أرضية مشتركة يمكن من خلالها أن تتقارب الدلالة، والرياضيات، والمنطق، والفيزياء، وهندسة الدوائر ونظرية المعلومات.
يعني هذا (الميزة الثانية) أنه من الممكن بناء ماكينات تستطيع التعرف على وحدات البيانات ماديًّا، وأن تتصرف منطقيًّا بناءً على هذا التعرُّف؛ ومن ثَمَّ معالجة البيانات بطرق تبدو ذات معنًى، وهو ما يُعد حقيقة مهمة. إن لمحة الذكاء الوحيدة التي لا يتوانى أي شخص في إعزائها إلى جهاز كمبيوتر بلا جدال هي قدرة أجهزة ودوائر الكمبيوتر على التمييز بين البيانات الثنائية، فإذا كان الكمبيوتر يستطيع التعرُّف على أي شيء، فهو الفرق بين فولت مرتفع أو منخفض والذي بناءً عليه تُبرمج دوائره للتصرف. والغريب أن هذا قد يكون صحيحًا أيضًا بالنسبة للنُّظُم البيولوجية، مثلما سنرى في الفصل السادس.
أخيرًا، بما أن البيانات الرقمية تتضمن عادةً حالتين فقط؛ فإن هذا «التباين المنفصل» إنما يعني أن الكمبيوتر لن يلتبس عليه الأمر حيال ما يحتاج إلى معالجة، على عكس الماكينة التناظرية التي قد تعمل في كثير من الأحيان بصورة غير مرضية أو على نحو غير دقيق. ربما كان أكثر أهمية من كل ذلك هو أن الماكينة الرقمية يمكنها تمييز إذا ما كانت بعض البيانات غير كاملة، ومن ثَمَّ تسترجع — من خلال العمليات الحسابية الرياضية — البيانات التي ربما تكون قد فُقِدَتْ في حال إذا ما كان ثَمَّةَ شيء غريب بالمعنى الحرفي بشأن كمية وحدات البيانات التي يجري معالجتها.
(٥) أنواع البيانات/المعلومات
قد تتألف المعلومات من أنواع مختلفة من البيانات؛ فهناك خمسة تصنيفات شائعة للغاية، على الرغم من عدم ثبات أو رسوخ الاصطلاحات بعدُ، كما أنها لا تنفي بعضها بعضًا، ولا يجب فهمها باعتبارها تصنيفات جامدة. حيث إنه وفقًا للظرف، وبناءً على نوع التحليل المستخدَم، وعلى المنظور المُتبنَّى، قد تلائم البيانات ذاتها تصنيفات مختلفة.
(٥-١) بيانات رئيسية
هذه هي البيانات الرئيسية المخزَّنة في قاعدة بيانات، على سبيل المثال مجموعة بسيطة من الأرقام في جدول، أو سلسلة من الأصفار والآحاد. هذه هي البيانات التي صُمِّم نظام إدارة المعلومات بصورة عامة بهدف إيصالها إلى المستخدم في المقام الأول — عادة تكون في صورة معلومات — ومثال على ذلك البيانات التي تشير إلى ضرورة إعادة شحن بطارية السيارة. عند الحديث عن البيانات، وعن المعلومات المماثلة التي تكونها، يفترض المرء ضمنًا أن البيانات/المعلومات الرئيسية هي محل الاعتبار؛ لذا — تلقائيًّا — من المفترض أن وميض الضوء الأحمر لمؤشر البطارية المنخفضة يعتبر مثالًا على بيانات رئيسية تنقل معلومات رئيسية، لا رسالة سرية تستهدف جاسوسًا.
(٥-٢) بيانات ثانوية
هذه البيانات عكس البيانات الرئيسية، وهي تتألَّف من خلال غيابها. تذكَّر كيف تَشكك جون أول الأمر في أن البطارية لم تكن مشحونة. لم يُصدر المحرك أي صوت، وهو ما وفَّر معلومات ثانوية حول البطارية الفارغة. بالمثل، في قصة «سيلفر بلايز» يتوصل شرلوك هولمز إلى حل القضية من خلال ملاحظة أنَّ شيئًا ما فات الجميع؛ ألا وهو الصمت غير المعتاد للكلب. يبدو جليًّا أن الصمت قد يكون دالًّا للغاية، وهو ما يُعد سمة فريدة للمعلومات؛ إذ قد يكون غيابها دالًّا أيضًا. عندما يكون الأمر كذلك، تزداد أهمية هذه المسألة بالحديث عن «المعلومات الثانوية».
(٥-٣) بيانات وصفية (بيانات حول البيانات)
هذه البيانات مؤشر على طبيعة بعض البيانات (الرئيسية عادةً) الأخرى. تصف هذه البيانات خصائص مثل الموقع، النسق، التحديث، الإتاحة، قيود الاستخدام … وهكذا. أما «المعلومات الوصفية» فهي معلومات حول طبيعة المعلومات. ربما كانت إشارة حقوق التأليف والنشر في كتيب إرشادات تشغيل السيارة مثالًا بسيطًا على هذا النوع من البيانات.
(٥-٤) بيانات التشغيل
تشير هذه البيانات إلى عمليات تشغيل نظام البيانات بأكمله وأداء النظام … وهكذا. تمثِّل «معلومات التشغيل» معلومات حول آليات عمل نظام معلومات. هَبْ أنَّ في سيارةٍ ضوءًا أصفرَ عندما يومض يشير إلى أن نظام الفحص في السيارة لا يعمل كما يجب؛ لذا قد يشير وميض الضوء الأصفر إلى أن مؤشر البطارية المنخفضة (الضوء الأحمر) لا يعمل كما يجب، ومن ثَمَّ إضعاف الافتراض بأن البطارية فارغة.
(٥-٥) بيانات مشتقة
تستخلص هذه البيانات من بيانات أخرى متى كانت هذه الأخيرة تُستخدم باعتبارها مصادر غير مباشرة في البحث عن أنماط، خيوط، أو قرائن مستنبطة عن أشياء أخرى بدلًا من الأنماط، والخيوط، والقرائن المستنبطة التي تتناولها البيانات نفسها مباشرةً، كما يحدث في أغراض التحليلات المقارنة والكمية على سبيل المثال. ونظرًا لصعوبة تعريف هذا الصنف من البيانات على وجه الدقة، دعني أعتمد في بيانه على مثالنا المألوف. تترك بطاقات الائتمان على نحو سيئ السمعة آثارًا من المعلومات المشتقة، فمن خلال فاتورة بطاقة ائتمان جون، عند قيامه بالتزوُّد بالوقود من محطة محددة، ربما يستطيع المرء الحصول على المعلومات المشتقة الخاصة بمكان جون في وقت ما.
نحن الآن مستعدون للحديث عن المعلومات البيئية.
(٦) المعلومات البيئية
نتحدث عن «المعلومات البيئية» عندما نرغب في التأكيد على إمكانية أن تكون البيانات ذات معنى في ظل عدم وجود «منتج»/«مُبلِّغ» ذكي. ربما كان أكثر الأمثلة المذكورة عن المعلومات البيئية هو مثال سلسلة الحلقات متحدة المركز التي يمكن رؤيتها في خشب جذع شجرة مقطوعة، وهو ما قد يُستخدم في حساب عمر الشجرة. ربما يكون مشاهدو «سي إس آي: كرايم إنفستيجيشن» — وهي سلسلة حلقات تليفزيونية تدور حول الجريمة — على دراية جيدة بمسارات طلقات الرصاص، وأنماط انتشار الدماء، والأضرار التي تلحق بأعضاء الجسم، وبصمات الأصابع، والقرائن المشابهة الأخرى، إلا أنه ليس ضروريًّا أن تكون المعلومات البيئية «طبيعية». فبالرجوع إلى مثالنا، عندما أدار جون مفتاح تشغيل المحرك، أومض مؤشر البطارية المنخفضة؛ لذا يمكن تفسير هذه الإشارة «المهندسة» أيضًا باعتبارها مثالًا على المعلومات البيئية. تعرَّف المعلومات البيئية عادةً بالنسبة إلى الطرف المشاهد (كائن معلوماتي أو طرف متلقٍّ للبيانات)، والذي يعتمد على هذا النوع من البيانات بدلًا من الاطلاع المباشر على البيانات الأصلية ذاتها؛ ومن ثَمَّ يترتب على ذلك أن المعلومات البيئية تتطلب نظامين، دعنا نطلق عليهما «أ» و«ب»، وهما نظامان مترابطان بطريقة تشير إلى أن في حال اشتمال النظام «أ» على خاصية محددة «ف»، فإن هذه الخاصية ترتبط باشتمال النظام «ب» على خاصية محددة «ج»، وهو ما يشير للمشاهد بأن هذه العلاقة بين هاتين الخاصيتين إنما تدل على أن «ب» هي «ج». اختصارًا:
المعلومات البيئية = تعريف نظامين «أ» و«ب» مترابطين بحيث إن وجود «أ» (كنوع، أو كحالة) في صورة «ف» يرتبط بوجود «ب» (كنوع، أو كحالة) في صورة «ج»، ومن ثَمَّ تنتقل إلى مشاهد «أ» المعلومة المتمثلة في أن «ب» هي «ج». |
ربما نكون معتادين على مشاهدة مؤشر البطارية المنخفضة وامضًا باعتبار أن ذلك ينقل معلومة مفادها أن البطارية فارغة، حتى إننا نجد من الصعوبة بمكانٍ التمييز — بوضوح كافٍ — بين المعلومات البيئية والمعلومات الدلالية: «يشير» الضوء الأحمر الوامض إلى أن البطارية منخفضة. ومع ذلك، من الأهمية بمكان التأكيد على أن المعلومات البيئية قد لا تتطلب أو تتضمن دلالة على الإطلاق؛ إذ ربما تتألَّف المعلومات البيئية من شبكات أو أنماط من البيانات المترابطة التي تُفهَم باعتبارها اختلافات مادية محضة. ولا شك تستطيع النباتات، والحيوانات، والآليات — مثل زهرة عباد الشمس، والأميبا، والخلايا الضوئية — استخدام المعلومات البيئية بصورة عملية حتى في ظِلِّ غياب أي عملية معالجة دلالية للبيانات «ذات المعنى» (انظر الفصل السادس).
(٧) المعلومات كمحتوى دلالي
- (أ)
باعتباره معلومة إرشادية، تنقل الحاجة إلى القيام بعمل محدد، مثل إعادة شحن البطارية الفارغة أو استبدالها
- (ب)
باعتباره معلومة حقائقية، تمثِّل حقيقة أن البطارية فارغة.
سيدور الفصل الرابع بصورة أساسية عن (ب)، ومن ثَمَّ سينتهي هذا الفصل بمناقشة (أ).
قد تكون المعلومات الإرشادية نوعًا من المعلومات البيئية أو ذات محتوى دلالي، وهو ما يعتمد على ما إذا كان المعنى ملمحًا مطلوبًا. على سبيل المثال، تمرر البوابات المنطقية في اللوحة الأم في الكمبيوتر الفولت الكهربي، وهو ما قد نفسره لاحقًا في إطار المعلومات الإرشادية (إرشادات منطقية)، مثل «إذا … إذن»، وفي هذه الحالة، لا توجد دلالة متضمنة عند مستوى البوابات، وفي المقابل، يقدِّم كتيب إرشادات تشغيل السيارة معلومات إرشادية «دلالية»، سواء في صورة أوامر، في صورة وصفة: أولًا افعل هذا، ثم افعل ذلك، أو شرطيًّا في صورة إجراء استنباطي: إذا كان كذا وكذا هو الحال فافعل هذا، وبخلاف هذا افعل ذلك.
سواء أكانت بيئية أو دلالية، لا «تتعلق» المعلومات الإرشادية بوضع ما، أو حقيقة ما، أو الشأن «و»، كما لا تمثل نموذجًا من — أو تصف، أو تمثِّل — الشأن «و»، بل تهدف المعلومات الإرشادية إلى أن «تسهم في» وقوع «و». قارن الفرق بين «غلت المياه في الغلاية لتوها»، وهو ما يعد مثالًا على معلومات دلالية حقائقية، وبين العملية التي تنشأ عن طريق البخار عندما ترفع من درجة حرارة الشريط ثنائي المعدن بدرجة كافية تؤدي إلى كسر الدائرة الكهربائية التي تتدفق عبر العنصر داخل الغلاية، وهو ما قد يجري تفسيره في إطار المعلومات الإرشادية. في مثالنا، عندما يشير الميكانيكي لجون — عبر الهاتف — بإيصال بطارية مشحونة بالبطارية الفارغة في سيارته، لا تكون المعلومات التي يتلقاها جون حقائقية، بل إرشادية. سنعود مرة أخرى إلى المعلومات الإرشادية البيئية في الفصل السادس، عند تناول المعلومات البيولوجية. لنركز هنا على الجوانب الدلالية.
مثلما قد يشك قراء سلسلة هاري بوتر، قد يأتي نوعَا المعلومات الدلالية (الإرشادية والحقائقية) معًا في تعويذات سحرية، حيث قد تقدِّم التمثيلات الدلالية للشيء «س» بعض القوة الإرشادية والسيطرة على الشيء «س»، وهو ما لا يحدث في الحياة الواقعية، إلا أنه ممكن في مغامرات هاري بوتر. غير أنه كنوع من الاختبار، يجب تذكر أن المعلومات الإرشادية لا يمكن النظر إليها باعتبارها صوابًا أو خطأً. في المثال، سيكون من السخف السؤال عمَّا إذا كانت المعلومة «استخدم بطاريات لها الفولت نفسه» صحيحة. بالمثل، لا يمكن اعتبار الاشتراطات، الدعوات، الأوامر، الإرشادات، حركات الألعاب، والبرمجيات صوابًا أو خطأ.
يفترض عادةً في المعلومات الدلالية أنها «إخبارية» أو «حقائقية»، ويمكن اعتبار المعلومات الحقائقية مثل جدول مواعيد القطار، وبيان الحساب المصرفي، والتقرير الطبي، والإعلان الذي يشير إلى أن المكتبة لن تفتح أبوابها غدًا وغيرها، معلومات صحيحة أو خاطئة. ومن ثَمَّ يعتبر «المحتوى الدلالي الحقائقي» أكثر الطرق شيوعًا التي من خلالها يجري فهم المعلومات وأيضًا أحد أكثر الطرق أهمية، بما أن المعلومات — باعتبارها محتوًى دلاليًّا صحيحًا — تعتبر شرطًا ضروريًّا للمعرفة. ونظرًا لهذا الدور الرئيسي، تم تخصيص الفصل الرابع بالكامل لمناقشة هذه المسألة. بيد أنه — قبل تناول المحتوى الدلالي الحقائقي — يجب أن نستكمل استكشافنا لمفاهيم المعلومات التي لا تشترط توافر المعنى أو الصحة وهو ما يناقشه الفصل التالي المكرس للنظرية الرياضية للاتصال، المعروفة أيضًا باسم نظرية المعلومات.