المعلومات الاقتصادية
قد يتم تخصيص قيمة اقتصادية للمعلومات وفق السعر الذي تحققه في سوق مفتوح وتنافسي (الاقتصاد الكلاسيكي الجديد). وعلى هذا النحو في الأساس يتحدد السعر الذي سيكون الشخص الفاعل المهتم بالحصول على المعلومات مستعدًّا لدفعه مقابل الحصول عليها. أو ربما تُخصص قيمة اقتصادية في إطار كمية الموارد التي ستُوفِّرها هذه المعلومات لصاحبها مثل الوقت، أو عدم الراحة، أو العمل (الاقتصاد الكلاسيكي). يمثِّل هذا مقدار الفائدة أو غياب الضرر الذي سيتمتع به صاحب هذه المعلومات، وكلا التفسيرين مرتبطان، فتمثِّل القيمة الاقتصادية للمعلومات المنفعة المتوقعة التي تؤدي إلى الاستعداد لدفع الثمن المقابل لها. في كلتا الحالتين، يجب أن تتسم المعلومات المقصودة ببعض السمات التي تضيف قيمة وتحفظها، مثل: دقة التوقيت، والملاءمة، والحداثة. لا يدفع أحد مقابل صحف الأمس أو المعلومات الخاطئة. تندرج هذه السمات تحت المصطلح العام «جودة المعلومات».
تشتمل المعلومات، حين تعامل باعتبارها سلعةً، على ثلاث خصائص رئيسية تميِّزها عن البضائع العادية الأخرى، مثل السيارات أو أرغفة الخبز. أولًا: تعتبر المعلومات «غير تنافسية». لا يمنع حصول (استهلاك) جون على معلومة أن البطارية فارغة من حصول (استهلاك) الميكانيكي على نفس المعلومة في نفس الوقت. في المقابل: يستحيل تحقيق ذلك مع رغيف خبز. ثانيًا: افتراضًا، تميل المعلومات إلى أن تكون «غير إقصائية». بينما تتمتع بعض المعلومات بالحماية — مثل الملكيات الفكرية، أو البيانات الخاصة والحساسة، أو الأسرار العسكرية — يتطلب هذا جهدًا إيجابيًّا نظرًا لأن الإقصاء — عادةً — لا يعتبر سِمَةً طبيعية للمعلومات التي تميل للكشف بسهولة والمشاركة. في المقابل: إذا أعار جارُ جون أسلاك تشغيل سيارته إليه، فلن يستطيع استخدامها في الوقت نفسه. أخيرًا: بمجرد توافر بعض المعلومات، تميل تكلفة إعادة إنتاجها إلى التقلُّص إلى قيمة هامشية (تكلفة هامشية صفرية). لا ينطبق ذلك بطبيعة الحال على الكثير من البضائع مثل رغيف الخبز. لجميع هذه الأسباب، ربما تُعتبر المعلومات «سلعة عامة»، وهي رؤية تبرر بدورها إنشاء المكتبات العامة أو تنفيذ مشاريع مثل «وكيبيديا»، وهي متاحة مجانًا للجميع.
تحظى المعلومات بقيمة اقتصادية نظرًا لفائدتها؛ إذ تسمح المعلومات للعوامل الفاعلة باتخاذ تدابير عملية (النظر في الخيارات، تجنُّب الأخطاء، الاختيار، اتِّخاذ قرارات عقلانية، وهكذا) تفضي على نحو طبيعي إلى مردودات أعلى (منفعة متوقعة) من الفوائد التي تحصل عليها العوامل الفاعلة في غياب هذه المعلومات. ربما يُفهم المردود — بيولوجيًّا — على صورة فرص أعلى للكائن المعلوماتي لمقاومة الإنتروبي الحراري لصالحه. في علم الاقتصاد، تمثل المعلومات مجموع «المنافع» المصاحبة لجميع النتائج الممكنة لعملٍ ما، يرجح كفتها احتمالية حدوث كل نتيجة من النتائج الممكنة، حيث تشير «المنافع» إلى مقياس الرضاء النسبي عن — أو درجة الرغبة في — نتيجة ما، مثلًا استهلاك سلعة أو خدمة ما. يجب أن تُفهم المنافع التي تجلبها المعلومات سياقيًّا؛ نظرًا لأن العوامل الفاعلة التي تتبادل المعلومات قد لا تكون بشرًا فقط، بل أيضًا عوامل فاعلة بيولوجية، أو مجموعات اجتماعية، أو عوامل فاعلة اصطناعية (مثل البرمجيات أو الروبوتات الصناعية)، أو العوامل الفاعلة التركيبية (مثل شركة أو دبابة)، وهي التي تشكِّل العوامل الفاعلة من جميع الأنواع.
رأينا في الفصل الأول كيف صار المجتمع الإنساني يعتمد على إدارة واستغلال عمليات المعلومات؛ وذلك من أجل استمراره ونموِّه على نحو صحيح. لا غرو أن في السنوات الأخيرة ازدهرت الدراسة العلمية للمعلومات الاقتصادية. في عام ٢٠٠١، مُنح جورج أكيرلوف (المولود عام ١٩٤٠)، ومايكل سبنس (المولود عام ١٩٤٣)، وجوزيف إي ستيجلتز (المولود عام ١٩٤٣) ما يُعرف بجائزة نوبل في الاقتصاد؛ «لتحليلاتهم للأسواق باستخدام المعلومات غير المتماثلة.» في حقيقة الأمر، صارت النُهُج المعلوماتية-النظرية في تناول الموضوعات الاقتصادية شائعة للغاية ومنتشرة للغاية؛ حتى قد يتغاضى المرء عن اعتبار الاقتصاد أحد فروع علم المعلومات. فيما تبقَّى من هذا الفصل، سنبحث بعض الطرق الأساسية التي يجري استخدام المعلومات الاقتصادية من خلالها. للتبسيط، وسيرًا على نهج الاتجاهات الحالية، سيجري عرض هذه الطرق في إطار نظرية الألعاب. في المقابل، بدلًا من تقديم تحليل قياسي لأنواع الألعاب أولًا، سنركِّز على مفاهيم المعلومات، ومن ثَمَّ طريقة استخدامها.
(١) المعلومات الكاملة
- (أ)
لاعبيها، عددهم وهويتهم.
- (ب)
استراتيجيات كل لاعب، ما قد يقررون عمله بصورة عقلانية بالنظر إلى الظروف المتوافرة (تعتبر الاستراتيجية خطة عمل كاملة تحدد عملًا قابلًا للتحقيق لكل حركة قد يتخذها اللاعب).
- (جـ)
العوائد المتحققة من كل نتيجة، ما يحققونه من حركاتهم.
- (د)
متوالية (توقيت أو ترتيب) الحركات أو الحالات الفعلية، إذا كانت اللعبة تراتبية (انظر أدناه)، بصورة أساسية في أي موضع يوجد اللاعب في مرحلة معينة من اللعبة.
أحد الأهداف الرئيسية لنظرية الألعاب هو تحديد نوع المواقف المستقرة (حالات التوازن) التي يتبنى اللاعبون فيها استراتيجيات من غير المحتمل فيها أن تتغير، حتى في حال — من منظور عين الإله — عدم كونها مثالية من الناحية العقلانية. هناك أنواع كثيرة من الألعاب ومن ثَمَّ أشكال التوازن. تتمثل إحدى طرق تصنيفها في التأكد من كمية المعلومات المتعلقة باللعبة التي يمتلكها اللاعبون، بعبارة أخرى: من يملك أي نوع من الاطلاع على (أ)–(د).
يُقال إن اللعبة تعتمد على «معلومات كاملة» عندما يتوفر لجميع اللاعبين معلومات حول (أ)، و(ب)، و(ﺟ). تتمثل إحدى الطرق الأخرى في تعريف المعلومات الكاملة في إطار المعرفة المشتركة؛ وهي أن يعرف كل لاعب أن كل لاعب آخر يعرف أن … كل لاعب يعرف جميع اللاعبين الآخرين، واستراتيجيتهم، والمردود العائد على كل لاعب. ومن بين الأمثلة التقليدية على ذلك لعبة الصخرة-الورقة-المقص ومعضلة السجين. بينما لا توجد حاجة لوصف اللعبة الأولى، تعتبر اللعبة الثانية معقَّدة بما يكفي ما يستأهل بعض الشرح.
ندين بالبنية المنطقية لمعضلة السجين إلى الحرب الباردة. في عام ١٩٥٠، كانت مؤسسة راند (وهي مؤسسة بحثية غير هادفة للربح تم تأسيسها بغرض توفير الأبحاث والتحليلات للقوات المسلحة الأمريكية) مهتمة بنظرية الألعاب نظرًا لتطبيقاتها الممكنة في مجال الاستراتيجية النووية العالمية. كان ميريل فلود (المولود عام ١٩١٢) وملفن دريشر (١٩١١–١٩٩٢) يعملان في مؤسسة راند، وصمما نموذجًا للتعاون والصراع وفقًا لنظرية الألعاب، وهو النموذج الذي أعاد تصميمه ألبرت تاكر (١٩٠٥–١٩٩٥) وأطلق عليه اسم «معضلة السجين». ها هو النموذج:
تم القبض على اثنين من المشتبه بهم: «أ» و«ب»، ولكن دون وجود أدلة كافية لإدانتهما إدانة كاملة. ولذا بمجرد عزلهما عن بعضهما، يُعرَض على كلٍّ منهما الصفقة التالية: إذا أدلى أحدهما بشهادته ضد («تخلى» عن) الآخر، وظل الآخر صامتًا («تعاون»)، لن تجري إدانة الواشي فيما سيصدر حكمٌ على الآخر مدة عشر سنوات كاملة. وإذا تعاون الاثنان، سيصدر حكمٌ مدته عام واحد على كلٍّ منهما في ارتكاب جنحة. إذا وشى كلٌّ منهما بالآخر، سيصدر حكمٌ ضد كلٍّ منهما بنصف المدة؛ أي خمس سنوات. يجب على «أ» و«ب» الاختيار بين التخلي عن بعضهما، أو التعاون مع بعضهما. لاحظ أن أيًّا من «أ» أو «ب» لا يستطيع معرفة ما سيفعله الآخر. لهذا السبب تُعتبر هذه النسخة الكلاسيكية من معضلة السجين لعبة «آنية»، تمامًا مثل لعبة الصخرة-الورقة-المقص. لا تعتبر المسألة مسألة توقيت (تعتبر لعبة الصخرة-الورقة-المقص، لعبة «تزامنية» أيضًا، يُظهر كلا اللاعبين أيديهما في الوقت نفسه) بل نقص معلومات حول حركة أو حالة اللاعب الآخر. ماذا يجب أن يفعل كل سجين؟
تعتبر حالات توازن ناش سمات محورية في نظرية الألعاب، باعتبارها تمثِّل المواقف التي لا يمكن أن يتحسن فيها وضع أي لاعب من خلال اختيار أي استراتيجية متوافرة أخرى، في الوقت الذي ينتقي اللاعبون الآخرون أيضًا أفضل خياراتهم دون تغيير استراتيجياتهم. أخذت حالات التوازن هذه اسمها عن جون ناش (المولود عام ١٩٢٨)، الذي تقاسم جائزة نوبل في عام ١٩٩٤ في الاقتصاد مع راينهارد سِلتِن (المولود عام ١٩٣٠) وجون هورشاني (١٩٢٠–٢٠٠٠) لعملهم التأسيسي حول نظرية الألعاب.
تجعل المعلومات الكاملة الألعاب الآنية شائقة؛ فبدون هذا الشرط لن يكون اللاعبون قادرين على توقُّع آثار أفعالهم على سلوك اللاعبين الآخرين. تعتبر المعلومات الكاملة أيضًا افتراضًا أساسيًّا وراء النموذج النظري لسوق فعَّالة، تنافسية تمامًا، يفترض فيه أن تمتلك العوامل الفاعلة الاقتصادية — مثل المشترين والبائعين، والمستهلكين والشركات — جميع المعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات مثالية.
السجين «أ» | |||||
التخلي | التعاون | ||||
التخلي | ٥ | ٥ | ٠ | ١٠ | |
السجين «ب» | التعاون | ١٠ | ٠ | ١ | ١ |
إلا أن ذلك يعتبر افتراضًا قويًّا للغاية. تعتمد العديد من الألعاب على «المعلومات غير الكاملة»، مع غياب المعلومات لدى لاعب واحد على الأقل عن عنصر واحد على الأقل من العناصر (أ)–(ﺟ). يعتمد صنف شائق من الألعاب التي تقوم على المعلومات غير الكاملة على مفهوم «المعلومات غير المتماثلة».
(٢) المعلومات غير المتماثلة
هَبْ أننا نعامل التفاعلات بين جون ووكيل شركة التأمين عليه — واسمه مارك — باعتبارها لعبة. نعلم أن جون كثير الغفلة (ينسى جون إغلاق مصابيح سيارته) وليس محلًّا للثقة (يكذب ويحب أن يلوم زوجته على أخطائه). في المقابل، ليس لدى مارك جميع المعلومات عن جون؛ لذا تعتبر هذه حالة معلومات غير متماثلة، يمتلك فيها أحد اللاعبين المعلومات ذات الصلة بينما لا يمتلك اللاعب الآخر المعلومات الكافية. وهنا لا يمتلك مارك معلومات كافية، وهو ما قد يؤدي إلى نوعين معروفين من المشكلات: «الخطورة الأخلاقية» و«الاختيار الضار».
يتمثل سيناريو الاختيار الضار في ذلك السيناريو الذي يكون فيه لاعب كثير الغفلة مثل جون أكثر احتمالًا أن يشتري بوليصة تأمين لبطارية سيارته؛ نظرًا لأن اللاعب الذي لا يمتلك المعلومات الكافية — مثل مارك — لا يستطيع ضبط استجابته لجون (مثلًا: من خلال التفاوض حول قيمة تأمين أعلى) نظرًا لغياب المعلومات لديه (هذه هي النقطة المهمة هنا، ربما تكون هناك أسباب قانونية تقيِّد استجابة مارك حتى في حال ما إذا كانت لديه معلومات كافية).
يتمثل سيناريو الخطورة الأخلاقية في ذلك السيناريو في أنه بمجرد تأمين جون بطارية سيارته، يتصرف بصورة أقل حرصًا — مثلًا — من خلال ترك المصابيح مضاءة وجهاز الآي بود مستمرًّا في الشحن؛ نظرًا لأن مارك — اللاعب الذي لا يمتلك معلومات كافية — ليس لديه ما يكفي من المعلومات عن سلوك جون (أو لا يملك الصلاحيات القانونية لاستخدام هذه المعلومات؛ مرة أخرى: تُعتبر النقطة محل الاهتمام هنا مسألةً معلوماتية).
مثلما توضح الأمثلة، يمكن دمج كلا المشكلتين بسهولة. ونظرًا لوجود عدم تماثُل معروف في المعلومات، يميل اللاعبون الذين لا يمتلكون معلومات كافية إلى رد الفعل المبالغ فيه. سيطلب مارك الحصول على قيمة تأمينية أعلى من كل عميل؛ لأن بعض هؤلاء العملاء يشبهون جون، وهنا ستبرز الحاجة إلى لاعبين «جيدين» لإبلاغ اللاعبين الذين لا يمتلكون معلومات كافية عن أنفسهم (يحددون «أنواعهم») ومن ثَمَّ يحققون توازنًا في العلاقة غير المتماثلة. ذكرنا قبل ذلك سبنس وستيجلتز، وقد طوَّر كلٌّ منهما تحليلًا مؤثِّرًا لكيفية التغلُّب على المعلومات غير المتماثلة، وذلك من خلال «الإشارة» و«الترشيح» على الترتيب.
ربما يمكن وصف الإشارة في إطار «المعلومات المشتقة» (انظر الفصل الثاني). يوفر اللاعب المُطَّلِع معلوماتٍ موثوق بها توضِّح بصورة اشتقاقية إلى اللاعب الذي لا يمتلك معلومات كافية نوعَ اللاعب أمامه. بما أن الإشارة كانت ولا تزال مؤثِّرة للغاية في مجال نظرية التعاقد، ها هو مثال نموذجي، معدَّل قليلًا.
عندما وصلتُ أكسفورد للمرة الأولى، لم أستطع فهم لماذا يدرس طلاب كثيرون أذكياء الفلسفةَ واللاهوت، وهو ما يعرِّضهم لمخاطرة عدم الحصول على وظيفة. مَن عساه يريد جيشًا من دارسي اللاهوت والفلسفة؟ لم أدرك وقتها نظرية سبنس للإشارة. يدفع أرباب العمل — أو قد يدفعون — رواتب أعلى للمتقدمين الذين يمتلكون مهارات أفضل. في المقابل، لا يمتلك أرباب العمل معلومات كافية عن مهارات المتقدمين إلى الوظائف، الذين سيزعمون جميعًا امتلاكهم مهارات مرتفعة للغاية؛ لذا في مثل هذه الحالة من عدم تماثُل المعلومات (تعتبر عملية التوظيف قرارًا استثماريًّا يخضع لعدم اليقين)، يشير الموظفون المحتملون — من دارسي اللاهوت والفلسفة — إلى أنواعهم (مهاراتهم المرتفعة) لأرباب العمل المحتملين الذين لا يمتلكون المعلومات الكافية من خلال الحصول على درجة من مؤسسة مرموقة. تعتبر هذه العملية مكلِّفة، ليس ماليًّا فقط، بل من حيث المنافسة، والجهود، والمهارات المطلوبة، وما إلى ذلك. ولكن حتى يتسنَّى أن تقوم الإشارة بالتكلِفة بفائدتها، لا يعتبر أمرًا ذا صلة بأي موضوعات جرت دراستها (المعلومات الرئيسية) طالما أن حقيقة حصولهم على الدرجة المكلَّفة تقوم بإرسال الإشارة الصحيحة (المعلومات المشتقة).
يمكن النظر إلى عملية الترشيح باعتبارها عكس عملية الإشارة. بدلًا من وجود لاعبين لديهم معلومات يرسلون إشارات عن معلوماتهم، يحث اللاعبون الذين لا يمتلكون المعلومات الكافية اللاعبين ممَّن لديهم المعلومات على الكشف عن معلوماتهم من خلال عرض قائمة خيارات، مثلًا عدد من العقود المختلفة، بحيث تكشف اختيارات العوامل الفاعلة المطَّلعة عن معلوماتها. على سبيل المثال، ربما يعرض مارك على جون خيارات مختلفة من بوالص التأمين ذات القيم المختلفة، أو يعرض على جون الحصول على تخفيض على تأمين بطارية سيارته بحيث يتكشَّف ما إذا كان جون عميلًا ذا مخاطرة.
تتمثل إحدى طرق تغلُّب اللاعبين على مشكلة عدم امتلاكهم للمعلومات الكافية في محاولة إعادة بناء جميع الخطوات التي أدَّت إلى الموقف الذي يتعاملون معه. لهذا السبب يعقد المصرِف مقابلة مع أي عميل يقدم طلب رهن عقاري. عندما تجعل اللعبة المعلومات متوافرة بطريقة افتراضية، يُطلق على ذلك المعلومات الكاملة.
(٣) المعلومات المثالية
بما أن المعلومات الكاملة تتعلق بالعناصر (أ)–(ﺟ) للعبة (اللاعبون، الاستراتيجيات، الفوائد)، بينما تتعلق المعلومات المثالية بالعنصر (د) (الحركات أو الحالات)، يبدو جليًّا إمكانية وجود لعبة تنطوي على معلومات كاملة ومثالية، مثل لعبة الشطرنج التي تكون فيها المعلومات مكتملة ولكنها غير مثالية، مثلما رأينا في القسم السابق، وفي ظِلِّ معلومات مثالية غير مكتملة. ربما يحدث ذلك عندما يلعب اللاعبون في اللُّعْبَة نفسها لعبة «مختلفة»، ومن ثَمَّ يفتقدون بعض المعلومات حول العنصر (ب) و/أو (ﺟ). من أمثلة ذلك أن يلعب جون الشطرنج مع ابنته جيل ولكنه يحقق فائدة أكبر عند الخسارة عنها عند الفوز طالما كان يسمح لها بالفوز دون أن تلاحظ هي ذلك.
تمثِّل المعلومات المثالية ملمحًا شائقًا لبعض الألعاب التراتبية. تكون الألعاب «تراتبيةً» عندما يكون هناك ترتيب محدد سلفًا يتحرك اللاعبون وفقه، وتتوافر المعلومات لدى بعض اللاعبين على الأقل عن حركات اللاعبين الذين يسبقونهم في الحركة. لا يعتبر وجود تراتبية في الحركات مسألةً كافيةً دون إمكانية الحصول على معلومات عن هذه الحركات؛ إذ إن في هذه الحالة تعتبر اللعبة آنيةً في حقيقة الأمر ولا يمثِّل الاختلاف في الوقت أي أهمية استراتيجية. إذا كان لدى جميع اللاعبين معلومات عن جميع الحركات أو الحالات السابقة لجميع اللاعبين الآخرين، ستعتبر اللعبة التراتبية إذن لعبة معلومات مثالية. ربما يمكن وصف شيطان ماكسويل وشيطان لابلاس (انظر الفصل السادس) باعتبارهما لعبتين كاملتي المعلومات ومثاليتين يلعبهما لاعب واحد. إذا توافرت المعلومات المثالية لدى بعض اللاعبين فقط، ستعتبر اللعبة التراتبية لعبة غير مثالية المعلومات. تشمل الأمثلة في هذه الحالة لعبة سكرابل وهي لعبة لا يعلم كل لاعب أيَّ مكعب حرف يحمله اللاعب الآخر، والبوكر لنفس السبب.
في الألعاب التراتبية، يفتقد الفاعلون الذين لا يمتلكون معلومات مكتملة أو مثالية شيئًا ثمينًا، سواء أكان ذلك معلومات حول العناصر (أ)–(ﺟ) أو بعض المعلومات حول العنصر (د) للعبة. تُعرف الألعاب غير مكتملة المعلومات أيضًا باسم ألعاب بايز (انظر القسم التالي). في لعبة بايز، يجري إدخال الطبيعة — مصدر العشوائية وعدم اليقين — باعتبارها لاعبًا في اللعبة. يتمثل دور الطبيعة في جزءين. تخصص الطبيعة متغيرًا عشوائيًّا لكل لاعب، وهو المتغير الذي قد يتخذ قيمة من أنواع مختلفة (مثلًا: قد ينتمي اللاعب «أ» إلى النوع «س»، أو «ص»، أو «ع»)، كما تربط بعض الاحتمالات بتلك الأنواع. يحدد نوع اللاعب دالة الفائدة العائدة على ذلك اللاعب، ويمثل الاحتمال المصاحب للنوع احتمال أن ذلك اللاعب (الذي جرى تحديد هذا النوع له) يمثِّل هذا النوع. تشير حالة عدم اليقين هذه إلى أن هناك لاعبًا واحدًا على الأقل لا يعرف نوع اللاعب الآخر، والدالة المقابلة للفائدة العائدة على ذلك اللاعب. بناءً عليه، يمتلك اللاعبون بعض المعتقدات المبدئية حول نوع كل لاعب وإن كانوا في حاجة إلى مراجعة هذه الأنواع أثناء اللعبة، بناءً على الحركات الجديدة. وبجعل حركات الطبيعة (غير المعروفة) مصدر غياب المعلومات حول النوع؛ ومن ثَمَّ الفوائد العائدة لواحد من اللاعبين على الأقل، يمكن تحويل ألعاب المعلومات غير المكتملة إلى ألعاب معلومات غير مثالية. ربما يمكن أيضًا تحقيق توازُن ناش في ألعاب المعلومات غير المثالية ومن ثَمَّ تعميمها على حالات توازن بايز-ناش لألعاب المعلومات غير المكتملة.
متى كانت المعلومات غير كاملة أو غير مثالية، هناك حاجة عامة إلى القدرة على الحصول على المعلومات الغائبة قدر الإمكان — سواء عن اللاعبين (الأنواع، الاستراتيجيات، أو الفوائد) أو عن تاريخ اللعبة — عن طريق «توقع الماضي» من خلال المعلومات المتوافرة، للحصول على المعلومات الغائبة. تجري عملية الاستدلال العكسي هذه من خلال التفكير البايزي.
(٤) المعلومات البايزية
باعتبارها أحد فروع نظرية الاحتمالات، هناك تطبيقات عديدة للبايزية وكان من الممكن عرضها في فصول أخرى. تجري مناقشة البايزية هنا لأنها تساعدنا على فهم كيف يمكن للعوامل الفاعلة التي تفتقر إلى المعلومات مراجعة معلوماتها أو تحديثها في سياق ديناميكي يجري فيه تعديل مسارات سلوكها مع توافر المزيد من المعلومات.
يعلم جون أن المحرك لن يعمل في حال فراغ البطارية. لسوء الحظ لم يعمل المحرك؛ لذا يهاتف جون ورشة الصيانة. يخبر الميكانيكي جون أنه في ظل حقيقة أن البطارية حين تكون فارغة فإن المحرك بالتالي لا يعمل، وبما أن المحرك لا يعمل، لا بد وأن تكون هذه حالة فراغ البطارية. تعلَّم جون درسه البايزي من ابنته جيل؛ لذا يعلم أن منطق الميكانيكي مغلوط، إلا أنه يعلم أيضًا أن هذه المنطق دقيق إلى حدٍّ ما، باعتبار أن ذلك يُعَدُّ سبيلًا مختصرًا يضع الأمور في نصابها معظم الوقت، وأنه في المتوسط يعود سبب عدم عمل المحركات على الإطلاق وانعدام صوته وغير ذلك من الملاحظات، إلى فراغ البطاريات تمامًا. لقد اتخذ الميكانيكي طريقًا مختصرًا، لكنه كان عليه أن يضيف كلمة «ربما».