التعاطف والخصوصية والمواطنون العاديون
جندي من مشاة البحرية كان ضمن أولئك الذين أُخِذوا رهائن عندما استولى الإيرانيون على السفارة الأمريكية في طهران. بعد ذلك بشهور، تلقت عائلته نبأً مفاده أن ابنهم قد يُطلَق سراحه عما قريب. كان إطلاق سراح الرهائن الاثنين والخمسين — الذي جاء بعد شهور من مفاوضات متوترة، بل محاولة إنقاذ فاشلة قامت بها القوات المسلحة الأمريكية — خبر الساعة. تدافع المراسلون من أنحاء الولاية للتواجد هناك عندما تلقت العائلة نبأ عودة ابنهم.
عسكرت وسائل الإعلام في حديقة المنزل الأمامية الموحلة، وهي منطقة لا تزيد عن مساحة تكفي سيارتين في ساحة انتظار للسيارات. أسلاك كهربائية، وهواتف، وأجهزة تليفزيون، وأجهزة مذياع، وأجهزة تسجيل صوتي، ومكبرات للصوت، وأعقاب سجائر، وأكواب للقهوة، وورق من مطاعم الوجبات السريعة تغطي الأرض. في الخلف، كان الزقاق ممتلئًا بشاحنات الأخبار التليفزيونية المكتظة بالفنيين.
في تلخيصه لتجربته، كتب كورونادو يقول: «غفل الصحفيون عن حقيقة أن أفراد عائلة جاليجوس لم يكونوا مجرد خبر بل هم بشر؛ بشر يمتلكون المشاعر والحاجة للخصوصية.»
في كاليفورنيا، قُتِل مراهق في حادثة غريبة أثناء تدريب الجري في المضمار بالمدرسة. نبه أصدقاء ومسئولون عائلته كي تتهيأ لمواجهة وسائل الإعلام، وقيل لهم إن «الأسئلة الصعبة والإصرار (من قِبَل المراسلين) قد يتسمان بالفضول ما قد يتسبب لهم في شيء من الإزعاج». ولم يمضِ وقت طويل حتى اتصلت مراسلة تليفزيونية؛ وعلى مضض قررت العائلة أن تلتقي بها، وأوضحوا بقولهم: «أردنا حقًّا أن نتشاطر قصتنا مع مدينتنا؛ فاستجمعنا قوانا وانتظرنا قدوم المراسلة.»
من الصعب ألا يتملك المرءَ الجزعُ من المراسلين في حادثة ولاية كولورادو؛ فعندما يسيء الصحفيون التصرف إلى هذه الدرجة، فإن هذا يصيب الناس بغصة في حلوقهم ويقلل من احترامهم لكل الصحفيين. كانت تجربة العائلة في ولاية كاليفورنيا شديدة الاختلاف، وهي تجربة قد تكون مألوفة أكثر مما يدرك الكثير من الناس. تسلط هاتان الواقعتان الضوء على السؤالين الرئيسيين في هذا الفصل: كيف تتعامل مع خصوصية الأشخاص العاديين الذين ينزلقون إلى الأخبار؟ ما دور التعاطف في متطلبات الصحافة اليومية؟
مما يبعث على الاستغراب أن هذا النقاش عن التعاطف في الصحافة قد يكون من شأنه أن يفاجئ كلًّا من أعضاء الجماعة الصحفية وأفراد الجمهور، ولكن لأسباب بالغة الاختلاف؛ فقد تصيب الدهشة الكثير من الصحفيين عندما يرون الحاجة للتعاطف يُنْظَر إليها كمسألة مهمة تواجه الصحافة. وحسب استطلاعات الرأي، سيكون من دواعي دهشة الجمهور أن يكتشف أن الصحفيين يعرفون حتى معنى كلمة التعاطف.
(١) متسع للإنسانية والعطف؟
يتجنب صحفيون كثيرون — وبخاصة المراسلون الصحفيون — مفهوم التعاطف؛ فهم يعتقدون أن التعاطف يتعارض مع النقل الموضوعي للأخبار، وهو الأمر الذي يحاول أغلب المراسلين أن يمارسوه على الرغم من الشكوك المنتشرة بشأن ما إذا كان قابلًا للتحقيق أو حتى مرغوبًا فيه. أحد مبادئ النقل الموضوعي للأخبار هو أن المراسلين هم مشاهدون وليسوا مشاركين فيما يقومون بتغطيته؛ فليس من المفترض أن يتورط المراسلون مع الناس في قصصهم؛ إذ من المفترض أن يكونوا مراقبين محايدين.
ثمة شاغل آخر، هو أن التعاطف سيتسبب في أن يصبح المراسلون ضعيفي الإرادة، وينسَوْن التزاماتهم بإبقاء الجمهور مطلعًا دومًا على آخر المستجدات. ذكر لويس بوكاردي — رئيس وكالة «أسوشيتد برس» — أنه عندما كان مراسلًا شابًّا يغطي أخبار المحاكم، طُلِب منه مرات كثيرة ألا ينشر أمورًا معينة في الصحيفة. وذكر أنه يخشى من أنه إذا أصبح التعاطف منتشرًا أكثر من اللازم في الصحافة؛ فسيوافق المراسلون على هذه الطلبات، ولن تجد موضوعات إخبارية تقليدية طريقها للنشر.
(١-١) هل يحسِّن التعاطف الصحافة؟
لا يعتقد الكثير من المحررين أن التعاطف يقلل من جودة العمل الذي يؤديه الصحفي، بل هم يعتقدون أن التعاطف يؤدي إلى صحافة أفضل. كثيرًا ما يود الصحفيون أن يكتبوا موضوعات صحفية تتجاوز الحقائق المجردة؛ فهم يريدون إضفاء الطابع الإنساني على المشكلات الاجتماعية بل حتى إثارة استجابة متعاطفة لدى قرائهم. ومن أجل القيام بهذا، يتعين أن تنشأ علاقة وثيقة بينهم وبين الأشخاص الذين يعانون المشكلة، وأن يجروا معهم الحديث الصحفي بطريقة تُراعى فيها مشاعرهم، وأن يَصِفوا أحوالهم باهتمام وتعاطف.
كتبت جاكي بانازينسكي سلسلة تحقيقات صحفية تحت اسم «مرض الإيدز في المَعْقِل» لصالح صحيفة «سان بول بايونير برِس». صورت التحقيقات الشهور الأخيرة من حياة رجل مصاب بمرض الإيدز. زارت بانازينسكي الرجل ورفيقه مرارًا، وأجرت أحاديث صحفية مع أصدقائه وعائلته. وإذ استشعرَت أن العلاقة كانت تذهب إلى أبعد من علاقة تقليدية بين مراسل ومصدره، بدأت في تذكير الرجلين بأنها مراسلة، وطلبت لمحرريها أن يبذلوا المزيد من الجهد في تصحيح نسختها. ولأن الأصدقاء وأفراد العائلة كانوا يتَّسمون بالصراحة والانفتاح معها، أعادت على أسماعهم قراءة الاقتباسات التي نَوَت استخدامها لتتثبت من دقتها. أدى نقلها الأمين والمتعاطف إلى إعداد تحقيقات تتسم بالحس المرهف، وقد أعطت تلك التحقيقات القراء فهمًا أعمق لأزمة مرض الإيدز. تكللت جهودها بالفوز بكل من جائزة بوليتزر وجائزة الخدمة المتميزة من جمعية الصحفيين المحترفين.
(٢) المراسلون كجوارح الطير
الصورة الماثلة في أذهان أناسٍ كثيرين، أن المراسلين هم مثل طيور جارحة بغيضة تحوم حول الكوارث والمآسي وتنقض عليها. وحتى المناصرون المتشددون للإعلام الإخباري يسلمون بأنه في بعض الأحيان سلوك الصحفيين يجعل القياس ظالمًا للطيور.
ربما يغفل عدد من الصحفيين عن صورة هذه السلوكيات البشعة في أعين الجمهور. في الكوارث الكبرى وفي وجود منافسين إعلاميين كثيرين، يتعرض البعض لضغوط هائلة تؤدي إلى أنهم لا يكترثون بالأمر. إلا أن غالبية الصحفيين لا يعملون في أوساط تتسم بهذا القدر من التنافسية العالية. ومع ذلك ينظر إليهم أيضًا الكثير من الجمهور على أنهم طيور جارحة. قد يكون السبب هو وجود اختلاف جوهري بين الجمهور والصحفيين من ناحية الكيفية التي ينبغي بها تغطية المآسي.
طرح باحثون هذه الفرضية: ماذا سيفعلون إذا ما طلب أب وأم ألا تنشر الصحيفة خبرًا عن غرق ابنهم في حفرة حصى (مَحْجَر)؟ كانت الهوة بين إجابة الجمهور وإجابة الصحفيين شاسعة؛ فقد قال نحو ٧٥ بالمائة من الجمهور إنهم سيحترمون طلب العائلة ولن ينشروا الخبر. ومن بين أولئك الذين سيكون من شأنهم نشر الخبر، يكاد لا يوجد أحد قال إنه سيذكر اسم الطفل. أحد الأشخاص قال: «إن الواقعة لم تكن جريمة ولا يضيف «الاسم» شيئًا للخبر.» شخص آخر قال إن استخدام الاسم من شأنه أن يكون تصرفًا «لا مباليًا وحقيرًا ومنعدم الإحساس.»
ما يراه الصحفيون على أنه نقل للأخبار، يراه الجمهور على أنه تطفل على فجيعة الآخرين.
(٢-١) نقل للأخبار أم تطفل
يعترف الصحفيون بالتباين المحتم بين مجتمع يشعر بالصدمة جراء فاجعة ما، والمراسلين الذين يغطون أخبار تلك الفاجعة. قال جاك آر هارت — وهو من كبار المحررين في صحيفة «ذي أوريجونيان» في مدينة بورتلاند — لندوة صحفية حول تغطية أخبار الأحداث المأساوية: «التغطية الإخبارية فعل تطفلي، والحزن يقتضي العُزلة. إن مجرد وجود [المراسلين والمصورين الفوتوغرافيين] يُعَد أمرًا يستهجنه المجتمع.»
ومع ذلك فإن الجرائم الخطيرة، وحوادث تحطم الطائرات، وما شابه، هي أخبار. ويتعين على الصحفيين تغطيتها وتغطية تداعياتها؛ إذ يتوقع القراء والمشاهدون أن يجدوا هذه الموضوعات الإخبارية. السبيل إلى ذلك — حسبما يقول الكثير من المراسلين المتمرسين — هو معاملة الضحايا على أنهم إخواننا في الإنسانية. المراسل جورج إسبير، الذي أجرى تغطية لحروب وحوادث انتحار جماعي لحساب وكالة «أسوشيتد برس»، قال للندوة: «ينبغي أن نحيط أسئلتنا بإطار من الاحترام والبحث. يتعين علينا أن نكون مرهفي الحس، ولكن ليس شديدي الحياء.»
فلتتأملوا المشهد التالي، الذي شهدته بعد كارثة أمواج تسونامي في تايلاند، في البقايا المحطمة من فندق إيميرالد بيتش ريزورت في مدينة خاو لاك: وقف ستيوارت بريسيتش — وهو طبيب كانت ابنته ذات الخمسة عشر عامًا قد فُقدت منذ أن دمرت الأمواج المنتجع — في الشمس الاستوائية يُجري معه طاقم من برنامج «جود مورنينج أمريكا» مقابلةً.
وقفوا مع الرجل الذي كانت ابنته مفقودةً، وجعلوه يصور مشاهد متعددة تتصل بقصته. طلبوا منه أن يغير زوايا التصوير من أجل الإضاءة. قال له أحدهم: «نحن شاكرون لك، أعتقد أن لدينا قدرًا كافيًا من الأشياء التي ترويها لنا. بماذا يُشعِرُكم كل هذا؟» أوقف المنتج اللقطة للحظة، وهو يأمل بصوت مرتفع وسط المشهد المدمر ألا يكون ما دخل في عينه شيئًا سوى واقي الشمس.
لقد تعقبوا د. بريسيتش وابنته الناجية من معبد إلى معبد (وكانت كل المعابد قد أصبحت محطات انتقالية مؤقتة لآلاف من الجثث) بينما كان يفتش عن ابنته. كانت توجد لوحات مُرَكَّب عليها صور مُلتقَطة للموتى لمساعدة الناس في التعرف على ذويهم.
بالطبع يتعين على طاقم الأخبار أن يكون موجودًا هناك؛ فقد كان هذا موضوعًا إخباريًّا مهمًّا عن كارثة طبيعية لا يمكن تصورها. وساعدت التقارير الإخبارية التي انتشرت في كل أنحاء العالم على جلب أموال إغاثة بلغت أكثر من ملياري دولار. بالإضافة إلى أنه في هذه الحالة تحديدًا، أرادت أسرة بريسيتش — حسبما هو ظاهر — أن تُروى قصتهم. ومع ذلك، فقد حثت مدونة القواعد الأخلاقية الخاصة بجمعية مديري أخبار الإذاعة والتليفزيون المراسلين على احترام كرامة الناس في الأخبار، وبخاصة في مواقف كهذه. السؤال المطروح هنا هو حول إذا ما كان ممكنًا استخلاص الخبر بطريقة أكثر كياسة وتعاطفًا.
(٢-٢) التعامل مع الأشخاص بشأن الأحداث المأساوية
إن كان هناك حقيقة واحدة تظهر جليةً من عشرات المقالات التي كُتِبَت حول الكيفية التي يتصرف بها الناس مباشرةً بعد وقوع حدث مأساوي، فهي أنهم يعالجون الأزمات بطرق مختلفة جدًّا. تشير الأبحاث إلى أنه حتى أفراد أطقم الطوارئ المدربون يواجهون صعوبة في تحديد كيفية تأثير الصدمات على الناس. يحذر الخبراء النفسيون المتخصصون في الصدمات الصحفيين «ألا يفترضوا أن شخصًا ما «يتحمل الأمر على نحو جيد» لمجرد أنه لا يبدو عليه أنه متأثر بالحدث المأساوي»؛ فقد يكون الشخص في حالة صدمة أو حالة انسحاب، وهو «ما قد يكون عاملًا مساعِدًا للشخص على النجاة من الفاجعة الفائقة للتصور التي ما لبثت أن حدثت». كثيرون لديهم حالة عقلية حساسة. وقد نبه خبير في سيكولوجية الصدمة إلى أنه «متى التقى مراسل مع ناجٍ من أحداث مأساوية، ثمة احتمال لأن يشهد الصحفي — بل حتى قد يُعَجِّل بحدوث — الاضطراب النفسي اللاحق للصدمة العصبية أو ما يُعرف باسم اضطراب ما بعد الصدمة».
يرغب بعض الناس الذين يمرون بمواقف مأساوية في أن تُجرى معهم مقابلات؛ فالأم التي ورد ذكرها في بداية الفصل أرادت أن تروي قصتها رغم أن ذلك كان يعني التعامل مع مراسلين بشعين. واحتد بعض أفراد العائلة غضبًا عندما لم يتصل المراسلون بهم، بل اعتمدوا عِوَضًا على الجيران الذين من الممكن أنهم لم يكونوا يعرفون الشخص معرفةً جيدةً. عندما قُتلت سيدة، اشتكت ابنتها من أن المراسلين اعتمدوا على الجيران، ولم يتحدثوا إلى أي شخص كان يعرف أمها معرفةً فعليةً. وكانت النتيجة خبرًا رَسم صورة منقوصة للسيدة.
بينما كنت أصعد الدَّرَج الأمامي للمنزل الكائن في مدينة وينتر بارك، كاد قلبي يسقط بين قدمَيَّ.
كانت السيدة التي بالداخل قد فقدت للتو ابنها في الحرب، وأنا كنت هناك لأستلم صورته من أجل الصحيفة.
تساءلت: «ماذا سيكون رأيها في هذا التطفل؟ هل ثمة أي شيء يمكنني قوله كي أواسيها؟ ما هذه المهنة التي وُضِعتُ فيها؟»
كم شعرت بالارتياح عندما بدا على السيدة المفجوعة الرضا لوجودي هناك. أخبرتني عن ابنها، وكم كانت فخورة به، وكم كانت مرتاحة لكون موته لن يمر دون تقدير. ثم تركتني أذهب لحال سبيلي ومعي صورة ابنها، سائلةً إياي أن أَعِدَها بإعادتها.
بالطبع، تلك ليست دومًا الطريقة التي تجري بها الأمور؛ ففي مناسبةٍ أخرى، اتصلت المُراسِلة هاتفيًّا بعائلة. لقد قالت: «كانت المحادثة ودية ومهذبة، وأيضًا قصيرة.» وأضافت قائلة: «كان الجرح الوجداني حديثًا جدًّا، ولم ترغب العائلة في الحديث، وهو أمر متوقع ومقبول تمامًا في ظل هذه الظروف.» لقد تفهمت الأمر ولم تُلحَّ في محاولة إقناعهم.
(٢-٣) إجراء المقابلات مع الضحايا وعائلاتهم
-
«اكفل للضحايا وعائلاتهم شعورًا بالقوة والسيطرة»: فهم يعانون ضغطًا نفسيًّا رهيبًا سلبهم شعورهم بالسيطرة. اطلب منهم أن يخبروك عندما يقولون شيئًا لا يريدون أن يُنشَر في الصحيفة. أعطهم رقم هاتفك وأخبرهم أن بإمكانهم الاتصال بك كي تتناقشا حول الخبر أو لمجرد الحديث.
-
«ناقش المسائل المتعلقة بالخصوصية والسرية في بداية المقابلة»: يمكن لهذا أن يدرأ أوجه سوء الفهم، ويؤدي إلى توطيد الثقة. أوضِح ما أنت بحاجة إليه، ومع من تنوي أن تتحدث، وإلى متى. كن حريصًا على تشجيع الضحية على أن يطرح أسئلة.
-
«تهيأ لاحتمال أنك سوف تكون أول من ينقل الأنباء السيئة»: كثيرًا ما يتصل المراسلون بعائلة ما أو يظهرون على عتبة منزلها بحثًا عن تصريحات بشأن الضحية؛ فيكتشفون أن العائلة لم تكن قد أُبلِغَت بعد. نظم أفكارك قبل أن تتصل أو تقرع جرس الباب.
-
«استأذِن»: هذا الأمر له أهمية خاصة في أي وقت تقترب فيه من «المنطقة الحميمة» الخاصة بالضحية. حتى لفتات الحرص والاهتمام يمكن أن تُحمَل على معنًى خاطئ أو تُفهَم على أنها تهديدية أو متجاوزة للحدود. اقترب منهم دون أن تكون مفكرتك في متناول يدك، وبعد ذلك اسأل إن كان يمكنك أن تدون ملاحظات. اسأل إن كان يمكنك تسجيل المقابلة. أن تقول: «هل تريد منديلًا؟» أفضل من أن تدفع عُلبة المناديل نحوهم.
-
«اجعل ملاحظاتك بسيطة»: هواة المسلسلين التليفزيونيين «إن واي بي دي بلو» و«لو آند أوردر» يعرفون أن المحققين يقولون دائمًا: «يؤسفني خسارتك.» قد تبدو العبارة ذات وقع مبتذل لفرط تكرارها على مسامعنا، ولكن استخدام عبارة نمطية الاستخدام قد يُؤتي الأثر المرجو أفضل كثيرًا من استخدام الكلمات غير المناسبة. يُلمح مفوض سابق للشرطة في مدينة نيويورك إلى أن واحدًا على الأقل من هذه المشاعر المنقولة عبر العبارات التالية ستكون دومًا ملائمة: «يؤسفني أن هذا حدث لك.» و«أنا سعيد بأنك لم تلقَ حتفك.»، و«إن ما حدث ليس خطأك.» لأن الناس في الأحداث المأساوية عادةً يلومون أنفسهم.
-
«لا تقل: «إنني أعرف شعورك»»: حتى وإن كنت تظن أنك قد تكون قاسيت من إيذاء مماثل؛ فليس في مقدور أحد أن يفهم ما يجري في ذهن شخص ما أثناء وبعد حدث مأساوي.
-
«كن دقيقًا»: الدقة هي الهدف الشامل الجامع في نقل الأخبار بوجه عام، ولكن المخاطر تكون أعلى كثيرًا عند التعامل مع الضحايا وعائلات الضحايا. نشرت صحيفة تصحيحًا عندما نقلت بالخطأ عن قس في جنازة قوله إن الرجل «كان يضع مصلحته قبل مصلحة الآخرين» بدلًا من «وضع مصلحة الآخرين قبل مصلحته». لم يكن الخطأ طفيفًا من وجهة نظر الأصدقاء والعائلات ذوي الصلة.
-
«عليك أن تُبدي حساسية خاصة عند إلقاء اللوم»: فإذا ذكرت أن الضحية كان يشرب الخمور، هل يفيد ذلك أنه كان مخمورًا. نقل الأخبار يتطلب أكثر من مجرد تفريغك لمحتويات مفكرتك، وينبغي دومًا على المحررين أن يضبطوا قرون استشعارهم ليكتشفوا أي إيعاز غير مقصود بأن الضحية كان هو المخطئ.
-
«كن منتبهًا إلى الأثر الخاص المترتب على الصور والرسوم والعرض الإجمالي»: في بعض الأحيان، يتعرض خبر حساس ولا يُستهان به للتقليل من قدره بسبب صورة رديئة أو عنوان يُغْفِل الأمور الدقيقة التي عبر عنها المراسل في الخبر.
(٣) الأسماء في الأخبار
لعقود مضت، استند الصحفيون في عملهم على فرضية أن الأسماء تمثل أخبارًا. في معظم المجتمعات، يريد الصحفيون أن يعرفوا من أُصيب أو قُتِل في حوادث السيارات وإطلاق النار وحرائق المنازل وما إلى ذلك. يُقال لشباب الصحفيين إن الأسماء جزء أساسي من التقارير الإخبارية. ومع ذلك فالأشخاص الذين تتعلق بهم الأخبار، وبخاصة أولئك الذين لم يقترفوا أي فعل غير مشروع، عادةً يكرهون رؤية أسمائهم منشورة في وسائل الإعلام.
الليلة قبل الماضية تعرضت للسرقة، وهو ما كان فرصة مهينة لي لتذكيري بأن حلفاء ضحايا الجرائم هم رجال الشرطة، وليس رجال الصحافة؛ فأي جريمة هي دون شك مهينة. يفهم رجال الشرطة هذا، ويعاملون ضحايا الجرائم كبشر، أما معظم الصحفيين فلا يفهمون هذا، ويعاملوننا كما لو كنا أغراضًا.
غير أن ذكر الأسماء يظل إحدى ركائز الصحافة؛ فالأخبار التي تحوي أسماء هي أكثر قابلية للتصديق. يريد القراء أن يعرفوا ما يحدث في مجتمعاتهم، وأن يعرفوا هوية المتورط فيما يحدث.
(٣-١) ذكر أسماء الأشخاص المتهمين بجرائم
في بعض الأحيان تنشر الشرطة أسماء أشخاص تشتبه في ارتكابهم لجريمة ما ولكن لم يُقبَض عليهم بعد ولم يدانوا. يُسبب ذلك مأزقًا للكثير من الصحفيين؛ فإيراد ذكر أسماء المشتبه فيهم قد يساعد الشرطة على الإمساك بالمجرمين، ومن المحتمل أن يُحْدِث تطورًا في الخبر. إلا أن الكثير من الصحفيين يقلق بشأن مدى عدالة اتهام شخص ما بجريمة قبل أن تتهمه الشرطة والمُدعون رسميًّا بأي شيء؛ فهم يعرفون أنه ما إن يُذكَر اسم شخص ما كمشتبه به، فسيعتقد كثيرون أن ذلك الشخص مدانٌ حتى ولو لم تجد الشرطة والمدَّعون دليلًا كافيًا على الإطلاق لتوجيه اتهامات له.
في القضايا البارزة، يمكن لمجرد ذكر اسم شخص كمشتبه فيه أن يكون هزة هائلة لخصوصيته؛ فقد كانت الشرطة على قناعة بأن تفجيرًا أثناء دورة الألعاب الأوليمبية بمدينة أتلانتا ارتكبه حارس الأمن ريتشارد جويل. وبعد تغطية مستفيضة وُضع خلالها وجه جويل على واجهة أغلب الصحف والنشرات التليفزيونية في البلاد، اتهمت الشرطة رجلًا آخر. إلا أن جويل ظل شخصية يسهل التعرف عليها في منطقة وسط جورجيا.
ارتكبت الشرطة هذا الخطأ في ولاية إنديانا؛ فقد زودت الإعلام بصور من ماكينة صراف آلي يُفترض أنها أظهرت رجلًا كان قد ارتكب جرائم عديدة. وبعدما عُرِضَت صورته على التليفزيون وفي الصحف، أقرت الشرطة أنه لم يكن المجرم على الرغم من كل شيء. ومع ذلك يمكن للمرء أن يتخيل ردود الأفعال التي تلقاها عندما دخل مصرفًا أو متجرًا للبيع بالتجزئة، ومد يده إلى جيبه ليُخْرِج حافظة نقوده.
(٣-٢) ذكر أسماء المجرمين الأحداث
(٤) تفاصيل الجرائم
في السبعينيات من القرن الماضي، رأت صحفٌ كثيرةٌ أن كلمة «اغتصاب» كانت فاضحة إلى درجة غير مقبولة كوصف للجريمة، وحظرت استخدامها؛ فكان من الممكن أن يكتب مراسل أن امرأة قد تكون «تعرضت لاعتداء إجرامي» أو «تعرضت للتحرش»، ولكنه لا يكتب «اغْتُصِبَت»، بل إن إحدى الصحف بمدينة هيوستن غيَّرت في تصريح مباشر لسيدة؛ فبدلًا من أن تصرخ قائلةً: «النجدة! أنا أتعرض للاغتصاب!» نُقِل على لسانها أنها صرخت «النجدة! أنا أتعرض لاعتداء إجرامي!»
يختلف الصحفيون في الرأي حول قدر الإيضاح والتصوير الذي ينبغي أن تكون عليه هذه الروايات؛ فعندما اغتُصِبَت إحدى مُمارِسات رياضة الهرولة اغتصابًا جماعيًّا في الحديقة المركزية لمدينة نيويورك، كانت التفاصيل المريعة للجريمة والمعلومات البالغة الخصوصية حول حياتها الجنسية السابقة جزءًا من سجل المحكمة، وكانت متاحةً للمراسلين. ونشر كثير من المراسلين جانبًا كبيرًا من هذه المعلومات. جون كوربورون، نائب الرئيس للأخبار بمحطة «دبليو بي آي إكس» التليفزيونية بنيويورك، قال: «إنها مأساة فوق المأساة التي عانتها بالفعل، ولكني لا أعتقد أن الإعلام يستطيع أن ينصرف عن خبر ما من أجل حماية خصوصيتها.»
قرر محررو صحيفة «ستار تليجرام» بمدينة فورت وورث أن يمنحوا القراء الاختيار فيما يتعلق بقدر التفصيل البياني الواضح الذي أرادوه بعد جريمة القتل بطريقة الإعدام لعاملة بملعب للجولف المصغر. حصل المراسلون على نسخ من ملفات الشرطة. أورد الموضوع الإخباري ما يلي: «الاثنان متهمان بسرقة مركز هيرست للترفيه وقتل جوناس تشيري رميًا بالرصاص، ذي الثامنة والعشرين عامًا، وهو يدافع عن حياته.» تضمنت نسخة الإنترنت رابطًا لسجلات الشرطة التي أعطت رواية أكثر وضوحًا بكثير، واشتملت على أجزاء من تقرير تشريح الجثة.
(٥) نقل أخبار الجرائم الجنسية
بعد اختطاف أطفال في مدينة سان دييجو وولاية يوتا وولاية أوريجون بفارق أسابيع بين كل حادثة اختطاف وأخرى، حولت وسائل الإعلام الإخبارية جريمة الاختطاف إلى خبر من الأخبار الرئيسية؛ فركزت البرامج الحوارية على استضافة خبراء فيما يتعلق بالخطف، بينما قدمت البرامج الإخبارية المسائية نصائح حول «الحفاظ على سلامة أطفالك.» وأبرزت تقارير حقيقة أن البلاد كانت تواجه ما أطلقت عليه إحدى شبكات الكابل «وباء الاختطاف».
لذا، عندما اختُطِفَت فتاتان مراهقتان تحت تهديد السلاح، كانت محنتهما خبرًا من الأخبار المهمة. كانت الشرطة في ولاية كاليفورنيا قد أنشأت في تلك الأيام نظامًا مبتكرًا وضع كل الهيئات الشرطية وكثيرًا من وسائل الإعلام على أهبة الاستعداد، وأمدتهم بأسماء وصور المختطَفين. شجعت الشرطة الإعلام على نشر الصور حتى يتمكن العامة من مساعدتها في تحرياتها. أدت كل المنافذ الإخبارية تقريبًا دورها، بما في ذلك وسائل إعلامية وطنية مثل صحيفة «يو إس إيه توداي» والشبكات التليفزيونية.
شبكة «إيه بي سي» الإخبارية كذلك قد حظرت أي استخدام آخر لاسميهما.
بعض الصحف كانت على وشك إصدار العدد الجديد من الصحيفة عندما سمعت بأمر الاغتصاب. في مدينة سبوكين، سحب المحررون في صحيفة «سبوكسمان ريفيو» الصفحة قبل طبع الصحيفة، وحذفوا اسمَيِ الفتاتين وصورتَيْهما. كانت صحيفتا «سان فرانسيسكو كرونيكل» و«ذا فلوريدا تايمز» في مدينة جاكسونفيل قد بدأتا بالفعل في طباعة الصحيفة. وما إن سنحت لهم الفرصة، حتى غيروا الأخبار؛ لذا لم يظهر الاسمان في الطبعات اللاحقة.
(٥-١) وجه الاعتراض على ذكر أسماء ضحايا الاغتصاب
(٥-٢) هل من العدل ذكر أسماء المتهمين؟
على الصعيد الوطني، لا ينتهي نصف وقائع الاغتصاب تقريبًا بالإدانة. وقال ما تعادل نسبته نحو واحد من كل ثمانية محررين أن صحيفتهم سوف تستخدم اسم موجه الاتهام عندما يُحْكَم بأن المدعى عليه غير مذنب. يرى كثير من الناس أن ذلك الرأي خطأ شنيع. ويشيرون إلى أن وقائع الاغتصاب يَصْعُب إثباتها؛ ففي بعض الحالات، تكون كلمة الرجل في مواجهة كلمة المرأة فحسب. فإذا ما حُكِم ببراءة الرجل، فإن المحلفين قد يكونون فقط يقصدون بذلك أن الدليل لم يكن دامغًا بما يكفي لإدانته.
(٦) سيناريوهات للمناقشة
هذه السيناريوهات تعتمد على خبرات المراسلين والمحررين، ولقد عُدِّلَت من أجل المساحة والتأثير. في غالبية هذه المواقف، سيلتمس المراسل المشورة من محررٍ، وسيكون من شأن المحررين أن يتخذوا القرار النهائي. بَيْد أن المُدخَلات الرئيسية ستأتي من المراسل، والمحررون الجيدون سيستمعون مليًّا للمراسلين قبل اتخاذ قرار. في بعض الحالات، يمكنك أن تتحقق مما فعله المحررون الحقيقيون؛ وذلك لا يعني أنهم فعلوا الأمر الصائب، ولكن يمكنك مقارنة أفكارك بأفكارهم.
(٦-١) سيناريو الخصوصية الأول: المدونات الحميمية
جندي احتياط في السادسة والأربعين من عمره في الشرق الأوسط أثناء الحرب في العراق يحالفه الحظ في نيل إجازة أعياد ليقضي عطلة عيد الميلاد مع زوجته البالغة من العمر ستة وعشرين عامًا وابنيه من زيجة سابقة، ابن في الثامنة عشرة وابنة في السادسة عشرة. بعد يومين من وصوله لبيته يُقتَل. يوجَّه الاتهام إلى زوجته، وعشيقها المراهق، ومراهق آخر.
من الواضح أنها مادة إخبارية مهمة، وأنت جزء من الفريق الذي سوف يغطيها.
تكتشف أن أفراد الأسرة الأربعة كلهم كان لديهم مدونات على الإنترنت، وكانوا منفتحين جدًّا بشأن حياتهم. قبل أن تقابل تلك الزوجة زوجها، عاشت مع امرأة وأقامتا مراسم زواج، ولم يتبين في سجلات الولاية المكان الذي كانتا تقيمان فيه. وأنهت العلاقة بعد أن التقت بالرجل الذي سيصبح عما قريب زوجها المستقبلي. كتبت في مدونتها أنها بعد زواجها مارست الجنس مع صديق ابنة زوجها البالغ من العمر ستة عشر عامًا، وكانت في علاقة مستمرة مع صبي مراهق آخر. وصفت في مدونتها ببعض الفخر كيف تمكنت من إخفاء علاقاتها عن زوجها.
ناقش الزوج في مدونته علاقة عشقه لإحدى قريباته على شبكة الإنترنت، وعندما رجع للبيت في إجازة، وثَّق في مدونته أنه استشعر أن زوجته كانت تخونه، وأنه قال لابنته إنه كان في طور التفكير في الطلاق. قالت الابنة في مدونتها إنها أبلغت زوجة أبيها بشأن تدبيراته. وقُتِل الرجل في اليوم التالي.
كذلك تضمنت مدونة الابنة ذات الستة عشر عامًا تفصيلات عن العداء المستحكم بينها وبين زوجة أبيها، وعن العلاقة الأكثر حميمية مع أبيها، وعن قُبلتها الفرنسية الشَّبِقة الأولى. مدونة الابن ذي الثمانية عشر عامًا احتوت على مجموعة منتقاة من الأغنيات التي كان قد كتبها عن الاغتصاب والقتل والجنس مع أجساد موتى. وأدت فرقته الغنائية بعض أغنياته. قال الابن إن زوجة أبيه كانت من أشد المعجبين بالفرقة الغنائية، وحضرت الكثير من جلسات التدريب.
تروي المدونات كيف عرَّف الابنان زوجة أبيهما على عشيقها المراهق والصبي المراهق الآخر المتهم بالقتل. وأقرت الابنة أنه كان لديها إعجاب شديد بأحد المراهقَيْن.
لا جدال في أن التفصيلات الواردة في المدونات تُظْهِر الخلل الذي كان موجودًا في الأسرة قبل جريمة القتل، كما أن المدونات تقدم تفصيلًا من شأنه حتمًا أن يهيمن على كثير من أحاديث القيل والقال في أماكن العمل.
ما القدر الذي يتعين أن تستخدمه من هذه المادة الخبرية؟ هل ينبغي أن تقتبس من مدونَتَي الزوج والزوجة؟ ماذا عن الاقتباس من مدونَتَي ابنَيْه؟ هل من المقبول أن تقتبس من كتابات فتاة في السادسة عشرة من عمرها بشأن مادة خبرية كهذه؟ هل ينبغي أن تقدم الصحيفة رابطًا للمدونات من موقعها الإلكتروني؟ (قرارات الصحيفة في نهاية الكتاب.)
(٦-٢) سيناريو الخصوصية الثاني: التصريح باسم الأستاذ الجامعي
أنت مراسل أخبار الشرطة في مدينة صغيرة. اتُّهم نجل أستاذ جامعي بارتكابه أربع سرقات تحت تهديد السلاح أثناء يوم المحاربين القدامى في نهاية الأسبوع. سرق نجل الأستاذ الجامعي — حسبما زُعِم — مكتبةً وصيدليةً وسيدةً كانت تستخدم ماكينة الصراف الآلي، ولاذ بالفرار بحصيلة بلغت ٦٤٠ دولارًا. وكإجراء روتيني، تتصل ببيته وتتثبت من أن الابن ذا الستة وعشرين عامًا كان يعيش في بيت والديه، وأن الأب حقًّا أستاذ جامعي في جامعة محلية. وإدراكًا منك لأهمية الحصول على وجهة نظر الجانب الآخر، تسأل هل لدى الأب أي تعليق؛ فيتردد لبضع ثوانٍ ثم يقول متمتمًا: «لا أظن ذلك.» وكذلك يرد إلى علمك أن أم الرجل كاهنة أسقفية.
- الجزء الأول: السرقات هي أخبار ذات وزن في مدينة بهذا الحجم؛ لذا أنت تعرف أنه سوف يُتَوَقَّع منك أن تكتب الخبر. علاوة على ذلك، يُعتَبر الأمر سلسلة جرائم متعاقبة يرتكبها رجل واحد؛ فهل ستورِد ذكر أنه يعيش في البيت مع والديه؟ هل ستنوه بوظيفَتَيْ والدَي الرجل؟ هل ستكتب أن والده لم يكن لديه تعليق على أفعال ابنه؟
- الجزء الثاني: الوالد أستاذ في الصحافة، وإذ إنه ليس موظفًا بصحيفتك؛ فإنه يكتب بين حين وآخر عن قضايا الإعلام لحساب الصحيفة. هل يغير ذلك على أي نحو كيفية تناولك للخبر؟
(قرارات الصحيفة في نهاية الكتاب.)
(٦-٣) سيناريو الخصوصية الثالث: ركوب الرابتور
يقرر طالب في السنة الثانية من المرحلة الثانوية، ويبلغ السادسة عشرة من عمره أن يركب لعبة الرابتور في مدينة للملاهي. تمزج الجولة في اللعبة بين سمات القفز بحبل البانجي والأرجوحة العملاقة. يرتدي الراكبون أحزمة تثبيت (تشبه أحزمة المظلات) تبقيهم في وضع أفقي وبطونهم لأسفل، ويُطْلَقون من منصة على ارتفاع يقارب ٨٠ قدمًا، فيتأرجحون بسرعة كبيرة نحو الأرض.
يُثَبَّت الشاب بالأحزمة في موضعه في اللعبة، ويُطْلَق على المنصة. وبينما تزداد سرعته متجهًا نحو الأرض، يعْلَق سلك الكابل، وينقلب الشاب بعنف؛ فيسرع به العاملون في مدينة الملاهي إلى مرفق طبي مملوك لمدينة الملاهي، وتُشَخَّص حالة الفتى على أنه يعاني من ارتجاج دماغي. ويتصل أحدهم بوالديه، ويأخذانه إلى البيت. ولأنه لم يكن هناك تدخل من عاملين بالشرطة أو الطوارئ، لم يُبلغ عن الحادثة.
بعد مرور ستة شهور، يقاضي والداه مدينة الملاهي مطالبَيْن بعدة ملايين من الدولارات. وتزعم الدعوى المقامة أن الفتى أُصيب بتلف دماغي في الحادثة، وحسب الدعوى، كان هذا الطالب مُدرجًا على قوائم التفوق، وكان بالفعل يفكر في الالتحاق بالجامعة. أما الآن فيعاني فقدانًا مؤقتًا للذاكرة ومشكلات في التركيز، وهو الآن في صفوف التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة، ويظن المعلمون أنه سيواجه صعوبة في الحصول على شهادة إتمام الدراسة الثانوية، وكذلك تغيرت طباعه وحالته المزاجية، وصار لديه أصدقاء قليلون.
تقرر أن تكتب تقريرًا صحفيًّا إخباريًّا عن الدعوى، إلا أن والدَي الفتى يتوسلان إليك ألا تذكر المشكلات التي يعاني منها ابنهما؛ لأنه إن علم الجميع بالمشكلات التي لديه، فإن ذلك يمكن أن يسبب له حرجًا، ويُلْحِق الضرر باعتداده بذاته. وهم يفضلون ألا تكتب عن الدعوى على الإطلاق، ويتساءلون: «لماذا تلفت الانتباه إلى هذا الأمر، وتُسبب له مزيدًا من الألم؟»
هل تكتب الخبر متجاهلًا اعتراضاتهم؟ أيمكنك أن تكتب الخبر ولكن دون أن تذكر اسم الفتى؟ (قرارات الصحيفة في نهاية الكتاب.)
(٦-٤) سيناريو الخصوصية الرابع: هل من الضروري ذكر اسمي هذين الصبيين الحَدَثين؟
فَتَيان في الرابعة عشرة والسادسة عشرة من عمريهما، اتُّهِما بارتكاب جناية بعد تهديدهما — حسبما زُعِم — بتفجير مدرسة ثانوية محلية وبقتل أي ضباط شرطة يستجيبون بالحضور إلى مسرح الجريمة. وقالت الشرطة: «هذان الفَتَيان قالا إنهما قناصان، وإنهما سيطلقان النار على المعلمين.» اتخذت الشرطة تدبيرًا غير تقليدي بإجلائها المعلمين والطلاب إلى كنيسة قريبة بينما كان نواب المأمور يفتشون عن الفَتَيان. سوف يُوجه إلى الشابين اتهامات باعتبارهما بالغَيْن.
هل تكتب عن الواقعة؟ هل تذكر اسمي الفَتَيين؟ (قرارات المحطة التليفزيونية في نهاية الكتاب.)
(٦-٥) سيناريو الخصوصية الخامس: هل تكشف أسرار هذا المراهق؟
عندما أُبْلِغ عن فقدان صبي في الخامسة عشرة من عمره من محل عمله بمتجر للبقالة في ضاحية راقية بالمدينة، تفاعل المجتمع المحلي مع الإنذار. قبل ذلك ببضعة أيام فقط، كان طفل آخر قد اختُطِف. وضع السكان نشرات عن المراهق المفقود على الأشجار وعلى واجهات المتاجر، وربطوا شريطًا أبيض ليُذَكِّروا أنفسهم بواقعة الاختفاء. انضمت وسائل الإعلام الإخبارية إلى السكان، ناشرةً صورًا للفتى ومقطع فيديو للأشرطة البيضاء والنشرات الموضوعة على الأشجار.
أنت مراسل لأخبار الشرطة ذو علاقات حسنة. في نفس اليوم الذي اختفى فيه الصبي، ترى أن الشرطة تلقت بلاغًا ثانيًا عن شخص مفقود، وكان رجلًا في الثلاثين من العمر، يعيش على الجهة المقابلة في نفس الشارع الذي يسكن فيه المراهق الذي أُبْلِغ أيضًا بفقدانه.
- الجزء الأول: تُسائل نفسك عما ينبغي عليك فعله: هل تُدْرِج البلاغ الثاني كجزء من خبرك عن الصبي المفقود ذي الخمسة عشر عامًا؟ هل تكتب عنه كخبرٍ ثانٍ؟ من المستبعد أن تعتمد الصحيفة بلاغًا بفقدان شخص في الثلاثين من عمره بهذه السرعة إلا إذا كانت هناك ملابسات أخرى. وإذا ما كتبتَه بالفعل كخبرٍ ثانٍ، فهل تود أن يضع المحررون الخبرين كحزمة واحدة، بمعنى نشرهما معًا في نفس الصفحة؟ ما الاستنباط الذي قد يستخلصه القراء؟
- الجزء الثاني: في مؤتمر صحفي مؤثر، لم يرغب والد الصبي في أن يتحدث عن أي صلة محتملة بين نجله والجار المفقود. وقال: «نحن نريد فقط أن نركز في إعادة (ابننا) إلى البيت، ذلك هو كل ما يشغل أذهاننا.» إن عدم اهتمام الرجل بالجار المفقود يبدو مفاجئًا بعض الشيء؛ فهل تشير إلى الجار المفقود في هذا الخبر؟
- الجزء الثالث: يعطيك ضابط شرطة خلسةً نسخة من تقرير للشرطة. قبل أسبوع، اعترف الرجل لوالدَي الصبي بأنه قد اعتدى جنسيًّا على نجلهما، وقال الرجل إنه كان سيقتل نفسه، ووصلت الشرطة في الوقت المناسب لتضعه رهن الاحتجاز الوقائي. وحسب تقارير الشرطة، قال الرجل إنه «لم يستطع أن يفهم لماذا يؤذي شخصًا كان يهتم به اهتمامًا شديدًا.» وجهت الشرطة إليه تهمة اقتراف سلوك جنسي إجرامي، وأفرج عنه قاضٍ بكفالة قدرها ٥٠٠٠ دولار، وأمره بالابتعاد عن الصبي. هل تكتب هذا الخبر؟ أنت لا تعرف كيفية ارتباطه بالاختفاء، ولا إذا ما كان الصبي على قيد الحياة. والمعتاد أنك لا تورد ذكر أسماء القُصر الذين اغتصبهم بالغون. إذن، هل تفضح صبيًّا مراهقًا قد يكون فر مع عشيقه؟ هل تقود الناس إلى أن يفترضوا أن رجلًا لديه ميول جنسية تجاه الأطفال قد اختطف الصبي؟
- الجزء الرابع: تتلقى صحيفتك نسخًا من محاضر اعترافات الرجل. يذكر بالتفصيل تقييده يدي الصبي وقدميه في رحلة تخييم، ثم إرخاءه القيود واعتداءه عليه جنسيًّا. هل تُدْخِل هذه التفصيلات الحية في خبرك؟
- الجزء الخامس: تتلقى معلومة، ويصبح في مقدورك أن تتيقن من أن الصبي قد وجَّه طلبًا للمساعدة إلى مركز يتعامل مع أسئلة المراهقين عن أمورهم الجنسية. هل تكتب ذلك الخبر؟
- الجزء السادس: يُكْتَشَف جسدا الرجل والمراهق في سيارة في محمية للحياة البرية؛ حيث قتل الرجل الصبي وقتل نفسه. يعرف المحررون أنك كنت تغطي الخبر، ويريدون إسهامك في اتخاذ قرار بشأن استخدام أيٍّ من الصور؛ إحداها صورة من أعلى عبر الزجاج الأمامي للسيارة. يمكن في الصورة رؤية سيقان الرجل والمراهق، والبندقية موجودة بين ساقَيِ الرجل، ووجهاهما غير باديَيْن للعيان، ولا توجد أيُّ دماء ظاهرة. ماذا تقول لهم؟
(قرارات الصحيفة في نهاية الكتاب.)
(٦-٦) سيناريو الخصوصية السادس: انتحار وسط المدينة
في عصر يوم مشمس، يقف رجل على حافة بناية سكنية من ١٦ طابقًا، في مدينة يبلغ تعداد قاطنيها نحو ٤٠ ألف نسمة. ويشير بأنه سوف يُقْدِم على قتل نفسه. يصل شرطي ويبدأ في الاستغراق في التكهن بشأن أمور مهمة مثل الملابسات المحيطة بالرجل ودوافعه لقتل نفسه، وفي أمور ليس لها أهمية كبيرة؛ مثل مأزق احتياجك لقضاء حاجتك بينما أنت على حافة مبنى. يظل الرجل واقفًا هناك لثلاث ساعات ونصف، ويُحَوَّل المرور في الشارع الرئيسي بوسط المدينة، ويُبلَّغ عن بعض الإعاقات في الحركة المرورية. لا يتمكن الناس من دخول البناية السكنية الأكبر في المدينة.
يتجمع حشد من الناس، ويصيح بعضهم في الرجل أن ينزل. ويحاول زوجان أن يُطَيِّرا بالونات تحتوي على رسائل إلى الأعلى نحوه، وبعد أن يُطلِقا بالونًا واحدًا، يطاردهما الشرطي، ويبتهل كثيرون بالدعاء. رجل واحد على الأقل يمضي في تسجيل الحدث بكاميرا للفيديو؛ لأن ذلك كان «أكثر شيء درامي» رآه على الإطلاق. وقال إنه قد ينتج فيلمًا وثائقيًّا من شأنه أن يقنع الناس بألا يحاولوا الانتحار.
في النهاية، وتحديدًا في حوالي الساعة ٣:٣٠ بعد الظهر، اصطحب مفاوضو الشرطة الرجل بعيدًا عن حافة المبنى. قال متحدث باسم الشرطة إنه من المستبعد أن يواجه الرجل تهمًا جنائية، وإنه كان «يائسًا على نحو واضح» بسبب طلاق مُعَلَّق ومشكلات مالية، وستقدم له الشرطة المساعدة التي احتاجها.
- الجزء الأول: فلتفترض أنك تعمل لحساب الصحيفة الرئيسية التي تخدم هذا المجتمع المحلي. هل تود أن تكتب مسودة إلى محرريك تشرح فيها الخبر، وتوضح أسباب أهليته للنشر؟ وإن كنت لا تريد ذلك، فما السبب؟ فلتفترض أنه طُلِب منك أن تكتب الخبر؛ فما الأمور التي ستدرجها فيه؟ اسم الرجل من شأنه أن يكون ضمن المعلومات المتاحة للجمهور، كما أنك شهدت بلا شك أمورًا كثيرة تحدث داخل الحشد.
- الجزء الثاني: هَب أنك تعمل في مكتب صحيفة كبرى تبعد نحو ٤٠ ميلًا، ومهمتك أن تغطي منطقة تضم مقاطعتين. وبالإضافة إلى الصحيفة الرئيسية، لديك قسم خاص موجه لهذا المنطقة، ويشتمل على قسم للأخبار. هل تكتب مسودة يتضمن وصف الخبر للمحررين في مكتبك الرئيسي لصالح الصحيفة الرئيسية؟ هل تضعه في القسم المختص بالمنطقة؟ ما التفاصيل التي من شأنك أن تُضمِّنها في الخبر؟
(قرارات الصحيفة موجودة في نهاية الكتاب.)