الصحفيون ومجتمعاتهم المحلية
احتشد أكثر من ٣٠٠ ألف شخص في شوارع العاصمة واشنطن، حاملين لافتات مؤيدة للإجهاض، ويغنُّون أغاني احتجاجية. كانوا يأملون في توجيه رسالة إلى المحكمة العليا الأمريكية بأنهم يختلفون مع حكمها المتعلق بقضية «وبستر ضد عيادة ريبرودكتف هيلث سيرفيسيز للإجهاض»، الذي اعتقد كثيرون أنه كان دليلًا على أن المحكمة سوف تنقض قرارها في قضية «رو ضد وايد» الذي أجاز الإجهاض.
تجمع احتجاجي بهذا الحجم كان حدثًا إعلاميًّا مهمًّا؛ فقد حضر مئات من الصحفيين إلى موقع الحدث. ومن بين هؤلاء الصحفيين ليندا جرينهاوس، وهي مراسلة في صحيفة «ذا نيويورك تايمز» تغطي أخبار المحكمة العليا، لكنها لم تكن هناك لتنقل أخبار المظاهرة، كانت هناك مع المشاركين في المسيرة الذين كانوا يحتجون على القرار. ولم تكن هي المراسلة الوحيدة التي شاركت في المسيرة؛ إذ كان هناك كذلك عشرات من الصحفيين يمثلون صحفًا من كل أنحاء البلاد وسط المحتجين.
عندما عاد الصحفيون إلى غرف الأخبار في صحفهم، تلقى كثيرون منهم صفعة قوية؛ فقد تلقَّوْا رسائل من محرريهم تفيد بأنهم قد انتهكوا القواعد الأخلاقية لصحفهم. حظرت عليهم القواعد المشاركة في أي أنشطة يمكن أن تخلق — أو تبدو وكأنها تخلق — تضاربًا في المصالح.
إن نزاهة صحيفة «نيويورك تايمز» تقتضي أن يتجنب أعضاء فريق عملها أي أعمال أو تعهدات أو التزامات أو علاقات أو استثمارات من شأنها أن تخلق — أو تبدو وكأنها تخلق — تضاربًا في المصلحة مع عملهم المهني لدى صحيفة «ذا نيويورك تايمز» أو تؤثر سلبًا على استقلالية وسمعة صحيفة «ذا نيويورك تايمز».
عوقبت جرينهاوس وموظفون آخرون بصحيفة «ذا نيويورك تايمز» من جانب الصحيفة على مشاركتهم في المسيرة. وظلت جرينهاوس في دائرة المحكمة العليا؛ لأنه — حسبما قال مدير المكتب التابعة له: «لدينا يقين وثقة تامَّيْن في مهنيتها؛ إن جزءًا من مهنيتنا أن نحاول ضبط آرائنا، ولا يعني ذلك أننا بلا رأي أو محايدين.»
تلك هي المعضلة بإيجاز: يريد صحفيون كثيرون أن يكونون مشاركين في مجتمعاتهم المحلية، إلا إنهم مدركون أن هذه المشاركات يمكن أن تؤديَ إلى تضارب مصالح، أو ما يبدو وكأنه تضارب في المصالح. وقد يتسببون في جعل الجمهور يتساءل: هل هؤلاء الصحفيون قد تخلَّوْا عن استقلاليتهم وقدرتهم على نقل الأخبار بصدق؟ هذه الشكوك تُؤخذ مأخذ الجد من جانب أولئك الذين يعملون في مهنةٍ يعتمد فيها الأمر اعتمادًا كليًّا على المصداقية.
(١) الصحفيون وحرية التعبير
عندما سمع المحرر الذي تعمل معه جرينهاوس بمشاركتها في المسيرة، كان رده الأول أنها لم ترتكب أي خطأ كونها كانت تعبر عن آرائها في وقتها الخاص. لربما يكون من شأن الرؤساء في العمل في معظم المهن أن يقولوا نفس الشيء: «في العمل، عليك أن تعيش وفق قواعدنا، أما بعد العمل فأنت حر إلى حد بعيد في أن تفعل ما تريد.» إلا أن تلك ليست الطريقة التي تجري بها الأمور في الصحافة. لدى معظم الصحف والقنوات التليفزيونية سياسات عامة تحد مما يستطيع المراسلون والمحررون قوله وفعله عندما لا يكونون في العمل.
-
مراسلة مؤيدة للإجهاض كانت تعمل لدى صحيفة في منطقة جنوب فلوريدا فُصِلَت بعدما أرسلت شماعات معاطف مصغرة — كانت ترمز للإجراءات التي كانت متبعة لإحداث إجهاض وقتما كان الإجهاض غير قانوني (إذ كان إيلاج سلك على شكل شماعة المعطف وسيلة شائعة في الماضي لإحداث الإجهاض؛ وذلك كان السبب في اختيار الجماعات المؤيدة للإجهاض لشماعة المعطف رمزًا لها) — لكل عضو من أعضاء الهيئة التشريعية في ولاية فلوريدا.
-
أوقفت صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» هنري نور كاتب المقالات في مجال التكنولوجيا عن العمل دون صرف راتبه بعد أن شارك في مسيرة احتجاجية في بداية الغزو الأمريكي للعراق.7
-
محررو صحيفة «ذا نيويورك تايمز» «أبدَوْا بوضوح استنكارهم» للمراسل مايكل جوردون لتصريحه بما وصفه بأنه رأيه الشخصي المحض في أحد البرامج الحوارية التي تُعرض في وقت متأخر من الليل على شبكة «بي بي إس» التليفزيونية. دافع جوردون عن قرار الرئيس بوش بإرسال قوات إضافية إلى العراق في عام ٢٠٠٧م.8
-
استُبْعِد مراسل في صحيفة «ذا بريس ديمقراط» في مدينة سانتا روزا، بولاية كاليفورنيا، من تغطية أخبار صناعة الأخشاب بعد أن نقلت صحيفة أسبوعية عنه ثناءه على منظمي احتجاج مناهض لقطع الأشجار.9
-
انتقد بعض الصحفيين نينا توتينبرج، المراسلة المتخصصة في تغطية أخبار المحكمة العليا والفائزة بجائزة شبكة الإذاعة الوطنية العامة، عندما طلبت من قاضية المحكمة العليا روث بادير جينسبرج أن تترأس حفل زفافها. تصدت توتينبرج لهذه الانتقادات بقولها: «لقد عرفت روث جينسبرج قبل انضمامها إلى المحكمة العليا بوقت طويل. إنني مسرورة لأنها ترأست حفل زفافي، وأنا لا أعتبر هذا تعارضًا في المصالح.»10
-
طلبت مؤسسات إخبارية كثيرة من المراسلين ألا ينضموا إلى مجموعات مثل المؤسسة الوطنية للنساء أو الجمعية الوطنية للأسلحة؛ لأن هذه المؤسسات أصبحت متورطة في قضايا سياسية.
إنني أتجنب الذهاب إلى بيوت الناس، ولا أمشي أبدًا في الشوارع. لم يعد يمكنني الذهاب إلى متاجر البقالة للتسوق، ولا الخوض في محادثة مع شخص غريب، ولا البحث عن أخبار، ولا استقلال أي مركبة إلا إذا كانت سيارة مصفحة بالكامل، ولا الذهاب إلى المواقع التي تجري فيها أخبار عاجلة، ولا يمكنني أن أعْلَق بالاختناقات المرورية، ولا يمكنني التحدث باللغة الإنجليزية في الخارج، ولا يمكنني أن أنطلق في رحلة بالسيارة، ولا يمكنني أن أقول إنني أمريكية، ولا يمكنني التمهل عند نقاط التفتيش، ولا يمكنني أن أشعر بالفضول بشأن ما يقوله أو يفعله أو يشعر به الناس. إنها قائمة طويلة من الأشياء التي لا يمكنني فعلها.
(١-١) الصحفيون وخدمة المجتمع
حينما كان راندي هامر رئيس تحرير صحيفة «كرونيكل تريبيون» بمدينة ماريون، في ولاية إنديانا، طُلب منه أن يعمل كعضو في مجلس إدارة ورشة لذوي الإعاقة. كانت المؤسسة مالكة الصحيفة وصاحبة العمل — وهي سلسلة شركات جانيت، التي عادةً ما تنقل العاملين من صحيفة إلى صحيفة — قد قطعت شوطًا في حَمْل العاملين بها على أن يكونوا متصلين بمجتمعاتهم المحلية. اعتقد هامر أن ورشة عمل لذوي الإعاقة سوف تكون أمرًا مثاليًّا. وقال — مستخدمًا المنطق — إن مساعدة ذوي الإعاقة في نهاية الأمر لا يمكن أن تكون قضية مثيرة للجدل.
لكون الصحفيين كُتابًا جيدين، عادةً ما تتوقع منهم التجمعات أن يتولَّوْا أعمال العلاقات العامة الروتينية مثل إعداد الكتيبات وإخطار وسائل الإعلام بالأحداث الخاصة بتلك التجمعات. تحظر صحف كثيرة المشاركة لأن باستطاعتها التنبؤ بوجود تعارض في المصالح. إلا أن الجميع لا ينتهج تلك السياسة الاحترازية؛ ففي كنيسة كاثوليكية بالقرب من مدينة تامبا، اتهم بعض المنتميات إلى الأبرشية قِسَّهن بتلميحات جنسية من جانبه. ولوقوع ذلك في أعقاب سلسلة من الفضائح الجنسية المتورط فيها قساوسة، أصبحت المزاعم خبرًا رئيسيًّا. وعندما تحقق مراسلون من صفحة الكنيسة على شبكة الإنترنت للحصول على اسم الشخص الذي يتولى العلاقات الإعلامية، وجدوا أن أرقام الهاتف وعناوين البريد الإلكتروني تخص مكتب صحيفة «سان بيترسبرج تايمز» في مدينة تامبا. كان الشخص المتطوع المعني بالعلاقات العامة في الكنيسة هو مُراسِلةٌ بمكتب الصحيفة هناك. ومع ازدياد التحقيقات بشأن القس تعمقًا، تعاملت المراسلة مع طلبات وسائل الإعلام، وقدمت المشورة للقس بشأن كيفية الرد على أسئلة المراسلين، وأخطرت محطة تليفزيونية واحدة على الأقل بالخبر العاجل.
أُصيب الكثير من الصحفيين بالدهشة من دورها المزدوج. وقال بوب ستيل، المتخصص في الأخلاق بمعهد بوينتر، الذي يمتلك الصحيفة التي كانت المراسلة تعمل لديها: «إذا كانت المُراسِلة تسدي النصح للقس بشأن أمور جوهرية ذات أهمية إخبارية، فمن الواضح أنه لدى المراسلة ولاءان متنازعان.» قال محررو صحيفة «سان بيترسبرج تايمز» إن مسلكها لم ينتهك السياسات العامة للصحيفة، ومع ذلك فقد كانوا يودون أن لو لم تكن استخدمت رقم الهاتف والبريد الإلكتروني الخاصَّيْن بمكتبها.
(١-٢) الصحفيون والأحزاب السياسية
-
أورد تحقيق أجرته إحدى الصحف أسماء ١٧ صحفيًّا ممن دعموا مرشحًا لمنصب الحاكم بمبلغ تُقدر قيمته الإجمالية نحو ٢٥٣٠ دولارًا، وهو مبلغ ضئيل في حملة تكلفتها مليون دولار. وسرعان ما طلبوا استرداد تبرعاتهم.
-
تعرض كاتب في صحيفة «ذا نيوتن تاب»، وهي صحيفة مجتمع محلي مملوكة لصحيفة «ذا بوسطن هيرالد»، للانتقاد الشديد لكتابته لنبذة تعريفية مفعمة بالإطراء لأحد المرشحين بعد تبرع الكاتب لصالح حملته.18
-
أقر مذيع شبكة «سي بي إس» الإخبارية السابق دان راذر بأنه ارتكب «خطأً محرجًا ومؤسفًا» عندما كان هو عامل الجذب الرئيسي في حملة جمع التبرعات لصالح الحزب الديمقراطي في ولاية تكساس. أغرقت المكالمات الهاتفية شبكة «سي بي إس» الإخبارية من أُناس يقولون إن تصرف راذر أثبت ما كانوا دومًا يعتقدونه، وهو أن راذر كان منتميًا للحزب الديمقراطي ومنتحلًا هوية مراسل موضوعي.19
-
تعرض راذر للهجوم من جديد عندما تبرعت شقيقته بمبلغ ١٥٠٠ دولار لحملة كيري في عام ٢٠٠٤م.20
-
أرادت مراسلة في مدينة نوكسفيل أن تسهم «إسهامًا إيجابيًّا» في مدارسها المحلية بالترشح في انتخابات غير حزبية لمجلس إدارة إحدى المدارس. ويبدو أن السياسة العامة لصحيفتها تحظر هذا السلوك؛ فمنحها رئيس التحرير اختيارًا وهو أن تحتفظ بمهمة عضوية مجلس إدارة المدرسة التي ستتقاضى فيها ٢٥ دولارًا في الشهر، أو أن تحتفظ بعملها في الصحيفة لا أن تحتفظ بكليهما. على الرغم من أن الانتخابات كانت تخلو من التحيز الحزبي، فإن رئيس التحرير أوضح أن مجلس إدارة المدرسة أنفق مئات الآلاف من دولارات دافعي الضرائب وأن الصحيفة تغطي أخبار المدرسة تغطية نشطةً.
-
استقال مراسلون أو أُقيلوا من مؤسسات إخبارية بدءًا من صحيفة «ذا ميامي هيرالد»، وصولًا إلى صحف مدينة دولوث، بولاية مينيسوتا، ومحطة «دبليو إي إس إتش» التليفزيونية في مدينة أورلاندو، بولاية فلوريدا، عندما قرروا أن يصبحوا مرشحين سياسيين. تمنع القواعد المُنظِّمة لأغلب الصحف العاملين بغرفة الأخبار تحديدًا من الترشح لأي منصب حكومي بالانتخاب أو تقلده.
(١-٣) لماذا الحد من حقوق الصحفيين؟
يعتقد الكثير من الصحفيين أن ثمة أسبابًا عديدة ينبغي من أجلها ألا يشارك العاملون بالأخبار في القضايا العامة؛ فيذهبون إلى الاعتقاد بأنه بينما يشارك الناس في المسيرات والمنظمات التي تدعم قضايا معينة، يزداد انخراطهم المتعمق في هذه القضايا. وليس ما يبعث على القلق هو أن المراسلين قد يميلون عن عمدٍ في تناول أخبارهم؛ فمن المفترض أن المحررين يحولون دون حدوث ذلك. ومكمن الخوف هو أنهم أثناء جمع المعلومات، قد يعاملون عن غير عمدٍ الأشخاص الذين يتفقون معهم بود أكبر، وأن يعتمدوا على مستوى اللاوعي على هذه المصادر أكثر.
بينما بالفعل يحاول الصحفيون الملتزمون محاولة جادة أن يكونوا منصفين، تتبنى الثقافة السائدة في معظم غرف أخبار المدن الكبرى موقف الحق في الإجهاض من هذا النزاع، وهذا يؤدي — على الرغم من كونه غير متعمد — إلى عشرات من الأمثلة، سواء الكبيرة منها أو الصغيرة، التي لا يمكن وصفها إلا بأنها غير منصفة لمعارضي الإجهاض، سواء من ناحية المحتوى، أو اللهجة، أو الاختيار، أو اللغة، أو تعظيم الدور.
أشار شاو إلى دراسة أُجريت من جانب صحيفتَيْ «ذا نيويورك تايمز»، و«ذا واشنطن بوست»، والأخبار المسائية التي تعرضها هيئة الإذاعة الأمريكية (إيه بي سي)، وشبكة «سي بي إس» توصلت إلى أن المراسلات نقلن أقوال مؤيدي الحق في الإجهاض ضعف عدد مرات نقلهن أقوال معارضي الإجهاض. وكانت نسبة الميل وسط مراسلات الصحف من النساء هي ٣ إلى ١. في الوقت نفسه، كان المراسلون من الرجال منقسمين بالتساوي بين مؤيدي ومعارضي الحق في الإجهاض. وقال المديرون التنفيذيون للأخبار والمراسلون في هذه المؤسسات الإخبارية لشاو إنهم يرَوْن أن تغطيتهم كانت منصفة.
يساور ليونارد داوني، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة «ذا واشنطن بوست»، القلق من أن يسمح الصحفيون لآرائهم الشخصية بأن تؤديَ دون وعي إلى انحراف تغطيتهم للقضايا السياسية؛ حتى إنه يفضل ألا يُدْليَ المراسلون بأصواتهم في الانتخابات؛ فمن وجهة نظر داوني، الخوض في عملية الحكم على جدارة مرشح ما بمنصب حكومي قد يؤثر تأثيرًا خفيًّا على ما يكتبه المراسلون. ذلك كان السبب في إحجامه عن التصويت في أي انتخابات لعب دورًا في تغطية الصحيفة لها. لا تسمح صحيفة «ذا واشنطن بوست» — إلى جانب صحف مثل «ذا فيلادلفيا إنكوايرر» — للعاملين بها بالمشاركة في أي نشاط من شأنه أن يؤثر سلبًا على مصداقية الصحيفة بغض النظر عما إذا كانوا يغطون الموضوع أم لا.
لم يتعرض كثير من الصحفيين الذين شاركوا في مسيرة واشنطن لتأييد الحق في الإجهاض للإحراج من جانب رؤساء التحرير بصحفهم فحسب، بل إنهم فضلًا عن ذلك شعروا بالمرارة عندما نما إلى علمهم أن الجماعات المناهضة للإجهاض كانت تستغل مشاركتهم في المسيرة «لتثبت» حجتها الزاعمة بأن وسائل الإعلام كانت متحيزة ضدها.
(١-٤) هل تلك القيود كثيرة على نحو مبالغ فيه؟
يرى صحفيون كثيرون أن القيود المفروضة في الوقت الحالي من جانب صحف كثيرة تتدخل أكثر مما ينبغي في حياتهم الشخصية، وزعموا أنه يمكنهم أن يعبروا عن آرائهم علنًا ويستمرون مع ذلك في أداء عملهم؛ فحالما يرى الجمهور أن أخبارهم تخلو من التحيز، فلن يكون ثمة فقدان للمصداقية.
(١-٥) عندما يتسبب الأزواج والعائلة والأصدقاء في صراعات
بعدما قرر ريك هايمان الترشح لمقعد في لجنة مقاطعة باي بولاية ميشيجان، كان أحد الأمور الأولى التي فعلها هو وضع لافتة في فناء منزله الأمامي. لم يكن اختيار الكلمات مبتكرًا جدًّا: «ريك هايمان لمنصب مفوض المقاطعة»، إلا أنه سرعان ما صارت اللافتة مثيرة للجدل.
نحن نعتقد أن هذه نقطة جوهرية؛ فالصحفيون في غرف الأخبار يلزمهم الالتزام بالموضوعية، وأن يظلوا محايدين سياسيًّا. نحن نفهم أن ريك يريد أن يعلق لافتة، إلا أن جالين في هذه الحالة هي محررة في غرفة الأخبار، ونحن نطالبها بأن تمتثل لهذه السياسة العامة.
(٢) المراسلون والمجتمعات المحلية المتباينة
في فبراير ٢٠٠٤م، أثار قرار ولاية سان فرانسيسكو بالسماح لمثليي الجنس بالزواج جدلًا وطنيًّا، وصارت القضية أكثر إثارة للجدل في غرفة أخبار صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل»؛ فقد أصبحت المراسلة المختصة بأخبار مجلس المدينة وإحدى المصورات — وكلتاهما كانت تغطي قضية زواج المثليين — زوجين من بين الكثير جدًّا من الأزواج الذين قارب عددهم الأربعة آلاف، والذين اغتنموا فرصة تغيير القانون.
سرعان ما تصاعد الجدل الذي تلا ذلك متحولًا إلى التساؤل الأكبر بشأن هل يمكن للمثليين أن يغطوا الأخبار التي تتناول حقوق المثليين؟ أضاف التساؤل طبقة جديدة للجدل الدائر المتعلق بكيفية تغطية أخبار مجتمعات الأقليات، ومَن الذي ينبغي أن يُسند إليه أمر تغطية أخبار تلك المجتمعات. تعكس الشواغل التي طرحتها المراسلتان المثليتان، وطرحها مجتمع المثليين تلك، الشواغلَ التي طُرِحَت من جانب الأمريكيين من أصول أفريقية، وذوي الأصول اللاتينية، والنساء، وغير ذلك من الطوائف التي لم تُحْسِن وسائل الإعلام الإخبارية تغطية أخبار مجتمعاتها.
على الرغم من أن وسائل الإعلام الرئيسية تحاول تحسين تغطية أخبار الأمريكيين المنتمين إلى أصول أفريقية، فإنه ما زال يوجد هفوات لا تُصدق. إحدى الصحف كتبت مقطعًا حماسيًّا عن تطوير إحدى المناطق لتصبح مجتمعًا «متنوعًا عرقيًّا»، إلا أن الصور أظهرت أسرًا بيضاء تقليدية فقط. عندما طلبت الشرطة من إحدى الصحف أن تنشر صورًا جنائية تعريفية لأشخاص مشتبه في ارتكابهم جناية وكانوا يعيشون في المدينة، وافقت الصحيفة، وكانت كل الصور لرجال سود على الرغم من أنه كان يوجد أيضًا هاربون بيض، ولم يفكر أي فرد من الصحيفة في سؤال الشرطة عن ذلك التضارب.
(٢-١) النساء في غرفة الأخبار
في عام ١٩٧١م، كان نحو ٨٠ بالمائة من الصحفيين العاملين بالصحف من الرجال، وبحلول عام ١٩٨٢م كان النساء يُمثلن ثلث هؤلاء الصحفيين. والعجيب أن تلك النسبة ظلت على حالها تقريبًا بعد مرور ٢٠ عامًا؛ حيث يشكل النساء نحو ٤٠ بالمائة من القوى العاملة بالأخبار التليفزيونية. ويحافظ عدد النساء في إدارة الأخبار أيضًا على ثباته؛ فنحو ثلث كبار المحررين في الصحف الثلاثين الكبرى هم من النساء، وكذلك نحو ٢٤ بالمائة من مديري الأخبار التليفزيونية.
(٢-٢) النساء في الوسط الرياضي
كانت أكبر معركة تخوضها الصحفيات هي الوصول إلى اللاعبين؛ فالأخبار في أقسام الرياضة لا تصف فحسب ما حدث أثناء المباراة ولكن تركز على «الأسباب». من أجل ذلك، عادةً ما يُجري الكتاب الرياضيون مقابلات مع اللاعبين بعد المباريات مباشرة. في بعض الرياضات الفردية مثل التنس، تجري هذه المقابلات في قاعات الصحفيين. غَيْرَ أَنَّه في الرياضات الكبرى التي تتضمن فرقًا للمحترفين مثل كرة القدم الأمريكية والبيسبول، عادةً ما تحدث هذه المقابلات في غرف خلع الملابس الخاصة بالفرق. وأسفر هذا في بداية الأمر عن مشكلات. فقد احتج بعض الرياضيين الذكور على السماح لسيدات بدخول الغرفة بينما هم يخلعون ملابسهم ويستحمون. رد قلةٌ بالكشف عن عوراتهم للمراسلات النساء على نحو غير لائق، بينما أرسل آخرون «هدايا» من الفئران الميتة وكعكات على شكل العضو التناسلي الذكري. أجبرت بعض الفرق الكاتباتِ الرياضياتِ على الانتظار خارج غرفة خلع الملابس في الوقت الذي يجلب فيه المسئولون عن الفريق اللاعبين إليهن. وبسبب حالات التباطؤ، لاقت الكاتبات الرياضيات صعوبات في الالتزام بالمواعيد النهائية المحددة أكبر كثيرًا من تلك التي كان يواجهها الرجال. في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، رفعت كاتبة المقالات واسعة الانتشار إلينور كين وميليسا لودك من مجلة «سبورتس إيلاستريتيد» دعاوى على فرق كرة القدم الأمريكية والبيسبول المحترفة ونالتا حق المساواة في المعاملة.
عادةً ما كانت السيدات تنضم إلى الرجال في مقصورة البث في الأحداث الرياضية النسائية، ولكن في كرة القدم الأمريكية كنَّ يتراجعن إلى ما كان يُطلَق عليه باستخفاف «فتيات الخط الجانبي»، إلا أن ثمة تقدمًا يجري إحرازه؛ ففي عام ٢٠٠٦م كانت السيدات هن المعلقات الرياضيات الرئيسيات في تغطية شبكة «إي إس بي إن» الرياضية لبعض مباريات كرة القدم الأمريكية للجامعات.
(٣) سيناريوهات للمناقشة
هذه التصورات تعتمد على خبرات المراسلين والمحررين، ولقد عُدِّلَت من أجل المساحة والتأثير. في غالبية هذه المواقف، سيلتمس المراسل المشورة من محررٍ، وسيكون من شأن المحررين أن يتخذوا القرار النهائي. بَيْد أن المُدخَلات الرئيسية ستأتي من المراسل، والمحررون الجيدون سيستمعون مليًّا للمراسلين قبل اتخاذ قرار. في بعض الحالات، يمكنك أن تتحقق مما فعله المحررون الحقيقيون. ذلك لا يعني أنهم فعلوا الصواب، ولكن يمكنك مقارنة أفكارك بأفكارهم.
(٣-١) سيناريو المجتمع المحلي الأول: مجموعة زرع الأعضاء البشرية بحاجة للمساعدة
على الرغم من أن تقنيات جديدة آخذة في الحلول محل الحاجة إلى عمليات زراعة نخاع العظم، فإنها ظلت لوقت طويل أحد الخيارات في مجال علاج اللوكيميا (مرض سرطان الدم). كان للعملية بضعة جوانب قصور؛ فكان لا بد من أن يكون نسيج المتبرع مطابقًا مطابقةً ملائمةً، وكان يتعين أن يكون المتبرعون مستعدين للخضوع لعملية جراحية لانتزاع بعضٍ من نخاعهم، وهو أمر يمكن في بعض الأحيان أن يكون التعافي منه مؤلمًا.
أنت تعمل كمراسل، وتتصل بك مجموعة محلية؛ حيث تُسهم تلك المجموعة في العثور على متبرعين، وتؤدي دور دعم للمتبرعين والمتلقين. تخطط المجموعة للجمع بين متبرع بنخاع العظم وطفل في طور التعافي بفضل زرع النخاع، وتأمل المجموعة أن يُذَكِّر الخبر الناتج الناس بأهمية عمليات زراعة الأعضاء.
لقد فعلتَ كل ما يمكن فعله؛ فقد حصلتَ على الصور، وحصلت على تصريحات من المتبرع، ولديك خبر يبعث على الشعور بالرضا عن رجل يقوم بصنيع بطولي لمساعدة طفل.
تنتهج صحيفتك سياسة عامة تُجرى بمقتضاها تحريات حول المعلومات الأساسية المتعلقة بالشخصيات التي تتناولها أخبارها. عندما تجد الفرصة أخيرًا لفعل ذلك، تكتشف أن «البطل» يمتلك قائمة من وقائع القبض عليه على خلفية جرائم متعلقة بالمخدرات وأمور أخرى.
تفكر مليًّا في اختياراتك: يمكنك ببساطة أن تتناسى أمر سجله الجنائي، إلا أن قراءً كثيرين سوف يعرفون الحقيقة ويتصورون أن صحيفتك أخفت أو لم تكتشف أمر المعلومات الأساسية المتعلقة به. أو يمكنك أن تُدْرِج هذه المعلومات، إلا أنه من المؤكد أن ذلك من شأنه أن يقلل من شدة تأثير كون الرجل بطلًا. أو يمكنك أن تضغط على زر الحذف وتذهب للبحث عن خبر آخر. ماذا تقرر أن تفعل؟ (قرارات المحررين بشأن هذه الحالة في نهاية الكتاب.)
(٣-٢) سيناريو المجتمع المحلي الثاني: ساعد في جمع شمل أسرة
لنفترض أنك تمر بأسبوع صعب على الصعيد الأخلاقي، وأنت بصدد العمل على تحقيق خاص عن سائق شاحنة عانى مما يبدو أنه إساءة مذهلة في تطبيق القانون؛ ففي إحدى الليالي وهو يقود شاحنته ذات المقطورة على طريق سريع بين الولايات، تندفع سيارة في طريقه؛ وتتسبب الحادثة في إصابة ظهره إصابة بالغة وقتل السائق وطفل في السيارة. إلا أنها في الواقع لم تكن حادثة — حسبما تفصل المحاكم — فقد كان السائق يحاول الانتحار وقتل أطفاله. ما المغزى من ذلك؟ تدعي شركة التأمين أنها تغطي الحوادث وليس الأفعال المتعمَّدة، وهذه الواقعة كانت عملًا متعمَّدًا من جانب الأب. ترفض شركة التأمين أن تسدد قيمة فواتير العلاج الخاصة بالسائق، وتقر المحاكم بأن شركة التأمين ليست ملزمة بسداد هذه الفواتير بمقتضى بنود وثيقة التأمين. ومما يزيد الطين بلة أن يستفهم منه رئيسه عن استعداده للعودة إلى العمل. لا يستطيع السائق الوقوف، ناهيك عن قيادة شاحنة؛ لذا يفصله رئيسه من العمل.
تواجه الأسرة فواتير طبية ضخمة ضخامة تبعث على الذهول، ويُطردون من بيتهم عندما لا يستطيعون دفع أقساط الرهن العقاري. تلك الأسرة هي أسرة كبيرة، ويجب تقسيمها لأن أفرادها لا يستطيعون العثور على مسكن لهم جميعًا. لحسن الحظ، تعتزم إحدى المجموعات جمع التبرعات لمحاولة جمع شمل الأسرة، وتأمل المجموعة في أن تمثل تحقيقاتك الدفعة التي تحتاجها حملتهم.
عندما تُجري التحريات الخاصة بالمعلومات الأساسية المتعلقة بهذه الأسرة، يرد إلى علمك بعض المعلومات المقلقة؛ ففي وقت وقوع الحادثة، كانت الأم تواجه تهمًا تتعلق بالتحايل لاختلاس مخصصات الرعاية الاجتماعية. تتلاشى صورة الأسرة الكبيرة السعيدة قبل وقوع الحادثة، وتجد محاضر للشرطة بها أوامر بعدم التعرض حصلت عليها الأم ضد الزوج قبل بضعة أعوام، وهناك شائعات تتعلق بوقوع طلاق بينهما. هل تُدْرِج هذه المعلومات في تحقيقك الصحفي؟ (نوقشت هذه الحالة في نهاية الكتاب.)
(٣-٣) سيناريو المجتمع المحلي الثالث: مكالمة الصداقة
-
الجزء الأول: أنت مراسل في مدينة صغيرة، وقررت إحدى صديقاتك المقربات — وهي
رفيقة لك منذ المدرسة الثانوية — أن تترشح لمجلس المدينة. أنت تعرف
أنها سوف تكون شخصًا مناسبًا للوظيفة؛ فهي صادقة وذكية وذات ضمير
يقظ. حتى عندما كنتما في المدرسة الثانوية، كانت تتحدث عن انخراطها
في العمل السياسي.
تجهز صديقتك لحفل من أجل بدء الحملة الانتخابية، وتدعوك للمجيء قائلةً: «إنه سوف يكون يومًا مهمًّا في حياتي، وأود أن تكون موجودًا.»
ما الأمور التي ستأخذها في حسبانك قبل أن تتخذ قرارك؟ هل ستذهب إلى الحفل؟
- الجزء الثاني: تعطيك صديقتك ملصقًا للحملة من تلك الملصقات التي توضع على المصدات الخلفية للسيارات؛ هل تضعه على سيارتك؟
- الجزء الثالث: افترض أنك قررت الذهاب إلى حفل بدء الحملة الانتخابية، وأثناء الخطبة التي تلقيها صديقتك، تقول إنها تود أن تشكر بعض الأصدقاء الرائعين الذين ساندوها. وفي عبارة منمقة، تقول: «وأود أن أشكر على نحو خاص (وتذكر اسمك)، أفضل مراسل صحفي في المدينة! (وتواصل حديثها وهي تنظر إليك) إن حصولي على مساندتك هو أمر بالغ الأهمية لديَّ.» ويصفق مؤيدوها بحماسة. ماذا ستفعل؟
-
الجزء الرابع: يتصل منافس صديقتك برئيسك في العمل، ويقول إنه لا يعتقد أنه من
الإنصاف أن يساند المراسل الذي يغطي الحملة منافسته مساندةً
علنيةً. يلتفت رئيسك نحوك قائلًا: «إن لدينا نقصًا في العمالة،
وأنا أحتاج منك حقًّا أن تغطي الانتخابات. سوف يكون عليك أن تجد
مخرجًا من الفوضى التي أحدثتها.»
ماذا تقول للمرشح المنافس؟ تخيل نفسك مكان المرشح المنافس؛ هل كنت ستحظى بمصداقية أمام نفسك؟
(٣-٤) سيناريو المجتمع المحلي الرابع: إنه الحي الذي أقطنه
-
الجزء الأول: أنت تعمل في غرفة أخبار صغيرة، وتحمل لقب «محرر أخبار المدينة»،
وتتحمل مسئولية الأخبار المحلية. لقد عملت في هذا المكان لفترة غير
قصيرة، ولعبت دورًا في تعيين معظم المراسلين الذين يعملون لحسابك.
أحد الأخبار المحلية التي يغطيها مراسلوك هي خطة المدينة لضم مناطق
متعددة؛ وهذا الضم سيكون معناه أن هذه المناطق سوف تصبح جزءًا من
المدينة وتحصل على جميع الخدمات المتوفرة فيها، وسيعني كذلك أن
السكان سوف يدفعون ضرائب البلدية المحلية؛ مما ينجم عنه معدل ضريبة
أعلى بكثير. ومن المحتمل أن تكون هذه الفكرة محل خلاف.
ثمة مشكلة وهي أنك تقطن في إحدى المناطق التي ستُضَم. في واقع الأمر، أنت لا تظن أن منافع الوجود في المدينة تستحق التكاليف الإضافية في الضرائب. طلب جارك من جميع قاطني الحي الحضور إلى منزله لأجل وليمة عشاء مشتركة يجلب كل مشارك فيها طبقًا مختلفًا، وبهدف التباحث بشأن الضم المُقترَح للمنطقة إلى المدينة. فتتوقع لهذه المباحثة أن تكون حامية الوطيس؛ فتفكر بشأنها مليًّا، وتقرر أن تذهب (١) لأنك أحد قاطني المنطقة، و(٢) لأن ضرائبك ونمط حياتك بطريقة ما سيتأثران، و(٣) لأنك يتملكك الفضول بشأن ما سيحدث.
بعد بدء الاجتماع بفترة وجيزة، يسألك جارٌ لا تعرفه جيدًا إن كان وجودك بصفتك صحفيًّا أو أحد قاطني الحي، وهل ما يُقال في الاجتماع سيُنْشَر في الصحيفة؟ يتساءل آخر عن شعورك حيال الأمر، ويسأل هل الصحيفة تنوي كتابة مقالات افتتاحية تعرض أو تؤيد الضم؟ ما الذي ستضعه في حسبانك قبل الرد على تلك الأسئلة؟
- الجزء الثاني: بعد الاجتماع، يقرر الأشخاص المعارضون للضم أن يشكلوا لجنة عمل، ولاستشعارهم أنك تتفق مع وجهة نظرهم، يطلبون منك أن تكون عضوًا باللجنة؛ فهم لا يعرفون الكثير بشأن الكيفية التي تجري بها الأمور في مجلس المدينة، وهم متأكدون من أن بإمكانك أن تقدم لهم مشورة متخصصة. هل تقبل؟
- الجزء الثالث: على الرغم من العمل الدءوب من جانب اللجنة، يبدو أن الضم سوف يُنْجَز. إحدى المراسلات التابعات لك تعمل على خبر، إن ثَبتت صحته، فمن شأنه أن يوقف تمرير قرار الضم. إلا أنها لم تتثبت بما يكفي من التفاصيل حتى تنشره صحيفتك. هل تمرر هذه المعلومة لأعضاء اللجنة؟