الهِبات والمكافآت المالية
لا بد أنني أبدو تافهًا؛ فذات مرة قدَّم لنا مالك مقهًى بمنطقة لاند أُو ليكس بعضًا من مخبوزات كرات الدونتس المجانية — ليس حتى مخبوزات كريسبي كريم الحقيقية المحشوة بالفراولة — عندما عرف أن ثلاثة منا كانوا يعملون في صحيفة يومية. وبينما كان يسجل على آلة الكاشير مشترياتنا من القهوة في عصر ذلك اليوم، قال: «ربما يمكنكم أن تكتبوا عن مطعمي يومًا ما.» فرفضنا وتركنا المخبوزات.
(١) وداعًا أيها الغداء المجاني!
معضلة الهبات هي معضلة جديدة نسبيًّا في الصحافة الأمريكية، فعلى الرغم من أن من يسعَوْن إلى إغواء الصحفيين موجودون منذ سنوات، فنادرًا ما ورد ذكرهم في المؤلفات الأقدم عن أخلاقيات الصحافة، فلم يرَ قادة الصحافة محاولاتهم على أنها تهديد خطير لنزاهة الصحافة؛ ربما لأن الهبات لم تكن شائعة ذلك الشيوع الكبير.
تغير ذلك مع تصاعد حراك العلاقات العامة، الذي تنامى إبان عشرينيات القرن الماضي؛ إذ كان يُشار على الحكومة، والأعمال التجارية، وقطاعات المجتمع الأخرى، أن تسترضيَ رجال الصحافة وأن تسعى لنيل استحسانهم، وعادة ما كان يترجَم ذلك في صورة هدايا وتذاكر ورحلات ووجبات مجانية.
كان من المعتاد أن يكون عيد الميلاد (الكريسماس) مهرجانًا للهبات: في منتصف القرن العشرين، عادة ما كانت غرف الأخبار تبدو مثل أقسام لف وتغليف الهدايا بالمتاجر مع توالي الهدايا. بعض تلك الهدايا — مثل سلال التفاح من سيناتور شهير — كانت للجميع، وكان هناك هدايا أخرى لكُتَّاب أو محررين معينين. بمقدور صحفيين مسنين كثيرين أن يرووا حكايات عن غرف أخبار تفيض بزجاجات الويسكي، وعن صحفيين يحاولون مسرورين أن يحافظوا على القواعد الأخلاقية القديمة التي سمحت لهم بأن يستمروا في الشرب بقدر ما يستطيعون في جلسة واحدة.
ووضعت بعض الصحف مراسليها في مواقف محرجة؛ إذ كانت الصحف متدنية إلى درجة عدم دفعها نفقات سفر مراسليها؛ لذا كان المراسلون الرياضيون يُضطرون إلى الاعتماد على مسئولي الدعاية بالفرق الرياضية ليُجروا لهم ترتيبات السفر من أجل حضور المباريات، بل إنه كان من المتوقع من المراسلين السياسيين أن يقبلوا تحمل مرشحي الانتخابات الذين كانوا يغطون أخبارهم لنفقات سفرهم وإقامتهم بالغرف الفندقية.
لو مَثَّلْت تاريخ الهبات في أمريكا برسم بياني، فسيكون هناك خط آخذ في الصعود ببطء خلال عَقدي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، ويصل إلى أعلى نقطة له في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، ثم يهبط ببطء خلال السبعينيات والثمانينيات وصولًا إلى التسعينيات من القرن العشرين. وكانت زيادة المهنية في أوساط الصحفيين هي السبب وراء هذا التراجع.
ويخضع المسئولون الحكوميون أيضًا لتدقيق متزايد؛ فتضع حكومات الولايات والحكومات الفيدرالية قيودًا على أنواع السفريات التي يمكنهم تلقيها في مسعى يرمي إلى أن يبعد عن أذهان العامة تصور أن المشرعين فاسدون ومرتشون. وتضع القواعد الأخلاقية — والقوانين أحيانًا — قيودًا على الهدايا المقدمة من جانب جماعات الضغط. ويمكن أن تتسبب حتى التذاكر المجانية إلى الفعاليات الرياضية في غرامات باهظة في كثير من الأوساط.
(٢) ما المشكلة في الهبات؟
تحظر كل مدونات القواعد الأخلاقية لوسائل الإعلام تقريبًا الهبات؛ وذلك للأسباب الآتية:
(٢-١) دوافع المانحين
(٢-٢) شكوك الجمهور
(٢-٣) طبقة مميزة؟
بعد فترة وجيزة من تولي روس ويجينز منصب مدير تحرير صحيفة «ذا واشنطن بوست» في عام ١٩٤٧م، استدعى مراسل أخبار الشرطة بالصحيفة. سأله ويجينز عما إذا كان يتولى أمر إلغاء مخالفات انتظار السيارات؛ فقال له المراسل: «نعم يا سيدي.» وأضاف أنه يفعل ذلك لكل العاملين بمبنى الصحيفة: «كل ما في الأمر أنني آخذ المخالفات إلى قسم الشرطة وأعطيها لرئيس الشرطة.»
في الوقت الحالي لا يكاد يوجد مؤسسات إخبارية تسمح لموظفيها بإلغاء مخالفات انتظار السيارات؛ السبب الأول: أن هذه المؤسسات لا تقبل فكرة أن يكون مراسلوها مدينين بالفضل لرئيس الشرطة. والسبب الثاني: أن هذه المؤسسات تعرف أن الحصول على معاملة خاصة كهذه من شأنه أن يُقابل بالاستياء من جانب الجمهور، الذي لا يثق كثيرون من أفراده في وسائل الإعلام، ويعتقدون أن الصحفيين يظنون أنهم أعلى مقامًا من غيرهم من المواطنين.
(٢-٤) شبهة الرياء
صحفيون كثيرون يتحاشَوْن الهبات والعلاقات المالية الأخرى مع ذوي السلطة بسبب خوفهم من الظهور بمظهر المرائين. هذا على الرغم من أنه نادرًا ما يرد ذكر هذا الأمر في مدونات القواعد الأخلاقية. ظل المراسلون لسنوات يفتخرون بفضحهم للساسة الفاسدين والمرتشين؛ فعلى أي حال، إذا قَبِلَ رئيس لجنة مصرفية في الكونجرس عطلة مترفة مدفوعة من جانب المصرفيين، أو إذا خفف مرشح من موقفه بشأن الرقابة على بيع الأسلحة النارية بعد تلقيه مساهمة لحملته من الجمعية الوطنية للبنادق (التي تُعرف اختصارًا باسم «إن آر إيه»)، فإن ذلك يُعد خبرًا. يعتقد صحفيون كثيرون أن الموقف الأخلاقي لوسائل الإعلام في مثل هذه الأمور يصبح في مهب الريح إذا كان زملاؤهم يقبلون هدايا.
(٢-٥) ما الحقيقة المجردة للأمر؟
(٢-٦) الضغوط المباشرة من مانحي الهدايا
(٣) من يُشْتَرى مقابل قدح من القهوة؟
يعتقد المشرعون أن التبرعات لحملاتهم الانتخابية لا تؤثر على خياراتهم عند الاقتراع على أحد القوانين. ويتهكم الأطباء من فكرة أن الهدايا التي يحصلون عليها من إحدى شركات الأدوية يمكن أن تدفعهم إلى كتابة وصفات طبية بأدوية تلك الشركة … أما الناخبون والمواطنون والمرضى ودافعو الضرائب فبالكاد يمكنهم أن يكتموا ضحكاتهم الساخرة المتشككة.
(٤) هل ينبغي أن يكون ثمة قواعد مختلفة للأقسام المختلفة؟
-
ناقدة لموسيقى البوب قالت إن رئيسها كان قد أوضح لها بجلاء أنها ينبغي أن تستمع باستمرار إلى أنماط مختلفة من الموسيقى، وأن تسمع الإصدارات الجديدة، وأن تستكشف الاتجاهات الثقافية، إلا أن الصحيفة لم تكن تشتري أي أسطوانات مدمجة. وكانت الناقدة تنتظر أن تحصل على أسطوانات مجانية.
-
أراد ناقد للنبيذ إجراء اختبار مستقل لكل نبيذ كابرنيه الأحمر المُصَنَّع في ولايته، وكان من غير الوارد أن يدفع ثمن النبيذ. وإدراكًا منه أن مصانع النبيذ قد تتوقع منه تغطية محابية لها إن قدمت النبيذ للصحيفة، فإنه عوضًا عن ذلك، طلب من أحد الموزعين أن يوفر له النبيذ.
-
أراد مراسل أن يُجري تحقيقًا صحفيًّا يلعب فيه دور المستهلك حول مُبَيِّضات الأسنان، وكانت بعض الشركات قد أرسلت عينات مع بياناتها الصحفية. واشترى منتجات أخرى ليستكمل المنتجات التي كانت الصحيفة قد تلقتها، وأدرج في المقارنة المنتجات التي حصل عليها مجانًا والتي اشتراها.
(٤-١) الصحفيون المستقلون يواجهون مشكلات خاصة
الصحفيون المستقلون في المراحل الأولى هم بوجه خاص عرضة للضغوط من مانحي الهبات؛ فهم لا يستطيعون أن يتحملوا دفع تكلفة رحلة باهظة مقدمًا أملًا في بيع ما يكفي من المقالات للتربح من وراء ذلك؛ فالرحلة المجانية تجعل الأمور أيسر بكثير من الناحية المالية. تكمن المشكلة في أن عليهم أن يضمنوا استمرار تلقيهم للرحلات الترويجية.
في أغلب الأحيان، لا يرى المروجون ثمة حاجة لإخبار الكُتَّاب السياحيين بأنه يجب عليهم أن يكتبوا مقالات إيجابية؛ فهم ببساطة يطلبون أن يروا نسخًا من التحقيقات الصحفية. ويدرك الكُتَّاب السياحيون أنه إذا لم يكن المروجون مسرورين بعملهم، فإنهم سوف يتوقفون عن الحصول على رحلات مجانية، وعلى الأرجح سوف تصل حياتهم المهنية ككتَّاب مستقلين إلى نهايتها. صرح مدير سياحي سابق لصحيفة «ذا ميامي هيرالد» قائلًا: «لا يود أحدٌ أن تلتصق به سمعة كونه شخصًا يتناول الأمور السلبية؛ لأن تلك الكلمة تتناقلها الألسن.»
يوضع النقاد المستقلون في موقف مماثل يتعذر الدفاع عنه؛ إذ تريد الصحف والمجلات تقييمات نقدية يتزامن توقيتها مع افتتاح فيلم أو إطلاق منتج ما. وذلك يعني أنه يجب على الشخص الذي يعمل حرًّا أن يكون على قائمة الأشخاص الذين يُدْعَون إلى عروض الأفلام التي تسبق الافتتاح أو الذين يتلقَّوْن المنتجات قبل طرحها في الأسواق. وقد تعني التقييمات النقدية السلبية أن تُحذف أسماؤهم من القائمة. يمكن للكاتب الذي ينتمي إلى فريق العمل بالمطبوعة أن يوضح الموقف لمحرريه، الذين سوف يقدِّرون استقلاليته في أغلب الأحوال. أما في المقابل، فغالبًا ما يكتشف الأشخاص الذين يعملون مستقلين أن المجلات تُفَضِّل أن تشتري التقييمات من الأشخاص الذين يستطيعون تسليمها في الموعد المحدد.
(٥) الأعمال الخارجة عن نطاق المهنة
صار الجمع بين وظيفتين، أو بعبارة أخرى القيام بوظيفة ثانية بدوام كامل أو جزئي، أمرًا شائعًا في المجتمع المعاصر. وعلاوة على الأضرار المحتملة التي قد تلحق بالصحة، يبدو أن الجمع بين وظيفتين يسبب بضع مشكلات لمعظم من يفعلون ذلك. ومع هذا، إذا ما كنت مراسلًا، فأنت بحاجة إلى توخِّي الحذر حينما تختار تلك الوظيفة الثانية. فتأليف كتابٍ هو على الأرجح أمر مقبول، بل إنه قد يكون، رهنًا بموضوع الكتاب، أمرًا يشجعك عليه محرروك؛ فقد يجني لك الأمر بعض المال ويجلب لك ولمؤسستك الإخبارية سمعةً طيبةً. قبل أن تكتب مقالًا لمجلة وطنية، من الأفضل لك أن تحصل على إذنٍ من رئيس التحرير الذي تعمل تحت إمرته. ولكن عليك أن تحاذر إن كنت تريد أن تكتب كتيبًا ترويجيًّا لأحد العاملين المحليين في مجال تطوير الأراضي؛ فقد يؤدي ذلك إلى فصلك. تبنت الكثير من المؤسسات الإخبارية نظرة سلبية تجاه الأعمال الخارجة عن نطاق المهنة والأنشطة التي قد تجعل الجمهور يَشْتَمُّ رائحة تضارب في المصالح.
عادةً يتجنب معظم الصحفيين العاملين في الصحف والمجلات الإخبارية أي شيء له علاقة بأقسام الإعلانات بالمؤسسات التي يعملون بها؛ مراعاة لقواعد مستقرة تتعلق بالفصل الدائم بين الأخبار والإعلانات. إلا أن إنتاج الصحفيين لأقسام خاصة وُضِعَت لأجل المعلنين أصبح أمرًا أكثر شيوعًا في الوقت الحالي. في الصحف الصغيرة، قد يصل الأمر بالمراسلين أن يُطْلَب منهم كتابة مقالات إطرائية لأقسام «التقدم» السنوي التي تسلط الضوء على الشركات المحلية، وقد تستخدم أقسام الإعلانات محرري الطباعة من أجل تهيئة الأقسام بالتحقيقات والصور التي يزودهم بها المعلنون. وغالبًا يطلب الصحفيون ألا تُستعمل أسماؤهم في هذا النوع من التحقيقات.
يواجه الصحفيون العاملون في الصحافة المسموعة والمرئية صعوبة أكبر في إخفاء هوياتهم. في بعض المحطات الإذاعية والتليفزيونية المحلية، يمثل القيام بالإعلانات التجارية، وحتى الشهادات التي تستهدف تزكية مُنْتَج ما، في بعض الأحيان جانبًا من وظيفة العاملين في الأخبار. وقد يزيد هذا من دخل مقدمي نشرات الأخبار ومحطاتهم، إلا أنه ينتقص لا محالة من مصداقيتهم كمراسلين ومقدمين للأخبار. يتفادى بعض القائمين على الأخبار التليفزيونية هذه المشكلة بأن يكون لهم شخصيات متعددة. إبان فترة الثمانينيات من القرن العشرين، كان جلين رينكر معروفًا في معظم أنحاء البلاد بشخصية المتسوق السعيد في إعلانات تليفزيونية لسلسلة متاجر لبيع الأثاث. ولكن ليس في مدينة أورلاندو، بولاية فلوريدا، حيث كان يعمل مذيع أخبار يتسم بالجدية لقناة تابعة لشبكة «سي بي إس». فقد وضع رينكر فقرة مكتوبة في عقده مع وكالة الإعلان منعتها من عرض إعلاناته في إقليم وسط فلوريدا.
(٦) المسابقات والحكم على الخبر
يمكن للمسابقات أن تكون فكرة جيدة؛ فقد تُرَوِّج مؤسسة ما لمسابقة للتغطية الإخبارية والكتابة التحريرية، وتُعِد بعض المحررين وأساتذة الصحافة الموقرين كمحكِّمين. عادةً ما يُعاد طبع عمل الفائز، ويمكن أن يصبح بمنزلة نموذج يُحتذى به من جانب الصحفيين الآخرين؛ مما يؤدي — بناءً على ذلك — إلى رفع مستوى مهنة الصحافة. وقد حققت مسابقات كثيرة ذلك الهدف، ومن تلك المسابقات: جائزة بوليتزر، وجوائز التميز من جمعية الصحفيين المحترفين، وجوائز جمعية التصميم الصحفي، والكثير من المسابقات الإقليمية برعاية من المجموعات الصحفية.
-
أي من المسابقات «لا ينبغي أن تصرح أو تلمح بمعاملة تفضيلية لغرض أو موضوع ما.»
-
المسابقات المعتمدة ينبغي أن تشتمل على لجان تحكيمية «يهيمن عليها صحفيون موقرون أو أساتذة صحافة جامعيون.»
-
لا ينبغي قبول الجوائز النقدية إلا إذا كانت المسابقات تحت رعاية كاملة من روابط للصحفيين المحترفين، أو مؤسسات صحفية، أو جامعات.31
(٧) رفع كفاءة المهنة
من بين كل الشواغل الأخلاقية التي عُرِضَت في هذا الكتاب، قد يبدو أن حظر الهبات هو أقلها إنصافًا. ففي كثير من المنافذ الإخبارية، لا يلتزم أرباب دور النشر ولا مديرو المحطات بهذه القاعدة. كما أن المحررين ومديري الأخبار ذوي المرتبة العليا غالبًا ما يجنون ما يكفي من المال حتى إن حظر الهبات لا يكاد يشكل مشكلة لهم.
لا يتبقى إلا فئتان هما الأكثر تعرضًا لإغراء الهبات؛ إحداهما: شيوخ المهنة المتطفلون. جميعنا يعرف هؤلاء الناس؛ فهم يسعون دومًا إلى الحصول على كل ما تطاله أيديهم، ولا يدفعون مطلقًا الحساب، ولا يطلبون أبدًا جولة من الشراب للجميع على حسابهم، وإذا كانوا يغطُّون حدثًا يقدِّم هبات فإنهم يحاولون الحصول على المزيد. وعلى الرغم من أننا قد نجد دناءتهم مسلية؛ فإنها شيمة لا نحترمها، ولا يحترمها الجمهور؛ فهم يرسمون صورة رخيصة مبتذلة لمهنة الصحافة.
الفئة الأخرى التي تفتتن بالهبات: تتألف من الصحفيين الشبان والصحفيين الذين يعملون في مؤسسات إخبارية تمنح أجورًا منخفضة على نحو يبعث على السخرية. يمكن أن تصبح بضع تذاكر إلى مدينة الملاهي — فما بالك بعطلة مجانية — شيئًا ذا قيمة عندما يكون راتبك عند خط الفقر أو تحته. إن أصحاب المؤسسات الإعلامية الذين يضعون المشتغلين في المجال الصحفي الإخباري في هذا المأزق إنما يتسببون في ضرر للمهنة.
مع هذا، يجب أن يدرك كل الصحفيين أن الهبات ليست هدايا؛ إنها محاولات للتأثير على القرارات الصحفية الإخبارية؛ فتنص مدونة القواعد الأخلاقية الخاصة بجمعية الصحفيين المحترفين على هذا الأمر صراحة: «يتعين على الصحفيين رفض الهدايا، والخدمات، والعمولات، ورحلات السفر المجانية، والتمييز في المعاملة، وعدم الاشتغال بأعمال إضافية غير مهمتهم الأساسية، وعدم الانخراط في العمل السياسي أو الوظائف العامة أو العمل في المنظمات المجتمعية المحلية إن كانت تؤدي إلى المساس بنزاهتهم الصحفية.» إن رفض الهبات هو ثمن زهيد يؤدى من أجل مساعدة المهنة على استرداد الاحترام الذي يليق بها.
(٨) سيناريوهات للمناقشة
هذه التصورات تعتمد على خبرات المراسلين والمحررين، ولقد عُدِّلَت من أجل المساحة والتأثير. في غالبية هذه المواقف، سيلتمس المراسل المشورة من محررٍ، وسيكون من شأن المحررين أن يتخذوا القرار النهائي. بَيْد أن المُدخَلات الرئيسية ستأتي من المراسل، والمحررون الجيدون سيستمعون مليًّا للمراسلين قبل اتخاذ قرار. في بعض الحالات، يمكنك أن تتحقق مما فعله المحررون الحقيقيون؛ ذلك لا يعني أنهم فعلوا الصواب، ولكن يمكنك مقارنة أفكارك بأفكارهم.
(٨-١) سيناريو تضارب المصالح الأول: الناقد المُعوز
هذه مهمتك الأولى؛ أنت مراسل صحفي متعدد المهام، تعمل في صحيفة يومية ريفية صغيرة. أنت تشعر بالسعادة لأن لديك وظيفة تقوم فيها بما تستمتع به، ورئيس تحريرك يدعك — بقدر كبير — تكتب ما تود كتابته، ما دمت تُنتج عدد التحقيقات الذي يريده. إن مضت حياتك المهنية كما تأمل، فأنت تريد أن تصبح كاتب تحقيقات خاصة تعمل لحساب صحيفة يومية كبيرة تغطي أخبار الفنون؛ كالمسرح والسينما والموسيقى. وهكذا بدأت في تغطية أخبار الفنون والمسرح للصحيفة التي تعمل لحسابها. ليس ثمة الكثير مما يمكن تناوله، وهذا ليس بالأمر الجيد، ولكنك تُؤثر فعل ذلك على تغطية أخبار اجتماعات مجلس المدينة.
يخبرك الأشخاص الذين كتبتَ عنهم بشأن سلسلة أعمال المسرح الصيفي في مدينة كبيرة تبعد نحو ٥٠ ميلًا عن مدينتك، والجميع متحمسون للغاية بشأن هذا الأمر. السلسلة هي مزيج من المسرحيات لمسارح محترفة وفرق محلية، وتستمر طوال الصيف. يذهب كثير من الناس من مدينتك جنوبًا إلى هناك، مع أن التذاكر باهظة الثمن (بمقاييس المناطق الريفية). ويقولون إنهم شاهدوا مسرحيات لبعض أفضل الكتاب والمخرجين الشباب قبل وقت طويل من بداية عرضها على مسارح نيويورك. ويقولون لك: «حقًّا لقد كان شيئًا كنت ستود أن تغطيه.»
تتحدث إلى رئيس التحرير عن فكرتك بشأن كتابة تقييمات نقدية للمسرحيات؛ فيقول لك إن الصحيفة تنشر جداول مواعيد المسرحيات، ويرى أن ذلك كافٍ. بالإضافة إلى ذلك، ميزانية الأخبار والموظفين محدودة، وهو يفضل أن تستهلك وقتك ومال الشركة في العمل على أخبار محلية. ومع ذلك، إن كنت تود أن تتولى تغطية أخبار المسرحيات في وقتك الخاص، فهو يقول إن الصحيفة سَتُسَرُّ بنشرها تلك الأخبار. ويقول لك: «في الواقع، أظن أنها فكرة رائعة؛ فسلسلة «المسرح الجديد» قد وضعت منفردةً الولاية على الخريطة الثقافية. إنني أقترح أمرًا: إن كنت سوف تذهب مهما يكن من أمر، فإنني أعتقد أننا يمكن أن ندفع لك مخصص الأميال الذي ندفعه في الأحوال العادية، لكن سوف يلزمنا منك بعض الاستمرارية، فأنا لا أتوقع منك أن تستعرض جميع المسرحيات، ولكننا لا يمكننا أن نقيِّم مجرد مسرحية أو مسرحيتين فحسب ثم نتجاهل بقية السلسلة.»
أنت تريد أن تقوم بالأمر؛ سوف يكون تجربة عظيمة، وسوف يتيح لك مقتطفات جيدة لسيرتك الذاتية المهنية عندما تفتش عن عمل ككاتب تحقيقات خاصة.
تكتشف أن السلسلة تديرها ثلاث وكالات مختلفة: إحداها تتولى الفرق المسرحية المتجولة التي تعرض مسرحيات برودواي الموسيقية، وهذه الفرق عادة ما يؤدي الأدوار الرئيسية فيها نجوم الصف الثاني في السينما والتليفزيون في مسرحيات موسيقية تكرر إنتاجها وتستهدف الولايات الوسطى الأمريكية. ووكالة ثانية تنتج مسرحيات شهيرة بالاستعانة بمواهب محلية، من كل من الهواة والمحترفين، ووُصِفَت بأنها «مسرح مجتمع محلي جيد جدًّا». الوكالة الثالثة هي وكالة ذائعة الصِّيت، وتنتج مسرحيات جديدة لشباب من كُتاب المسرح، وتعرض إنتاجات درامية جديدة لمسرحيات كلاسيكية. ويعتبرها النقاد ضمن الفرق المسرحية الخمسة أو الستة الأرفع مستوًى في البلاد من ناحية المسرحيات الجديدة.
تتصل بمسئولة العلاقات العامة عن سلسلة مسرحيات برودواي، وتخبرها بما تريد فعله. على الفور تخبرك بأنه ليس هناك مانع، وأنها سوف تحيطك علمًا بكل المؤتمرات الصحفية، وأنها ستحرص على توفير تذكرتين لك في كل ليلة افتتاح.
عندما تتصل بالمسئولة عن العلاقات العامة لمسرح المجتمع المحلي، تخبرك بأنها عادةً لا تتلقى طلبات من صحف صغيرة تبعد ٥٠ ميلًا. إلا إنها راغبة في أن ترى إذا ما كان الأمر يمكن أن يُحْدِث مزيدًا من الاهتمام بسلسلة المسرحيات. وتقول: «نحن على علم بأننا نبيع تذاكر لأشخاص في الشمال عندك.» وتقول إنها سوف تُخْطِرُك بموعد مؤتمر صحفي مع نجوم العروض، وسوف توفر لك تذكرتين لليلة افتتاح المسرحية الأولى. وتخبرك أيضًا قائلة: «أرسل لي نسخًا مما سوف تكتب. إذا ما حصلنا على مزيد من الاهتمام من تلك المنطقة في الشمال، فسوف ننظر في أمر التوصل إلى اتفاق معك بشأن المسرحية الثانية.»
يقول لك مسئول العلاقات العامة للفرقة المسرحية رفيعة المستوى إنه سيضعك بكل سرور في القائمة البريدية، وسوف يحرص على أن تُرسل إليك كل البيانات الصحفية عبر البريد الإلكتروني. ويقول إن سعر معظم تذاكر ليالي الافتتاح هو ٩٠ دولارًا، وبعضها أعلى من ذلك. ويقول: «إنني أعلم أن المراسلين المحليين جميعهم يدفعون ثمن تذاكرهم، وأنا متيقن من أنك سوف ترغب في أن تُعامل بنفس الطريقة. أخبرني بالموعد الذي تريد المجيء فيه، وسوف نسعى لأن نحتفظ لك بأفضل المقاعد المتاحة. إن شئت، يمكننا أن نرسل الفاتورة مباشرةً إلى صحيفتك.» فتشكره بلطفٍ. أنت تعرف أنه استنادًا إلى راتبك، من المستحيل أن تستطيع دفع ٩٠ دولارًا أو ما إلى ذلك كل شهر لقاء تذاكر.
تتساءل في نفسك عما يمكنك أن تفعل؟ هل تكتب تقييمات نقدية فقط لسلسلة مسرحيات برودواي التي سوف تسمح لك بالحضور مجانًا؟ هل تكتب تقييمًا نقديًّا للمسرحية الأولى لمسرح المجتمع المحلي وتنتقي كلماتك بعناية أملًا في الحصول على تذاكر مجانية إضافية. هل تعتبر الأمر استثمارًا في مستقبلك المهني، وتشتري التذاكر، وتعود إلى حميتك القاسية التي تستطيع بها أن تعيش في حدود راتبك؟
(٨-٢) سيناريو تضارب المصالح الثاني: عدد كبير من لفائف «البوريتو»
أنت تكتب عمودًا من نوعية تلك الأعمدة ذات الاهتمامات الإنسانية عن الأمور التي تجري في مدينتك. تقرر أنت وبضعة مراسلين آخرين أن تتناولوا الغداء في مطعم مكسيكي يشتمل افتتاحه الرئيسي على خصومات كثيرة في أسعار وجبات الغداء. المكان ممتلئ عن آخره؛ لذا فأنتم مضطرون للانتظار. وأحد وسائل الترويج في الغداء أثناء أسبوع الافتتاح هو إجراء سحب؛ فيكتب الزبائن أسماءهم على بطاقات التعريف الشخصية الخاصة بهم. وإذا سُحِبَت بطاقة التعريف الخاصة بهم، يحصل الفائز على غداء مجاني لعشرة من زملائه في العمل؛ فتقرر القيام بالأمر.
بعد وقت قصير من جلوسكم، يأتيك مالك المطعم وعلى وجهه ابتسامة كبيرة ويقول لك إنك قد فزت بالسحب! ويسلمك الجائزة، وهي قسيمة لعشر وجبات بوريتو للغداء لك ولزملائك في العمل. يا ليوم سعدك! ترجع إلى غرفة الأخبار، وتبعث برسائل إلى بعض الأصدقاء عن حظك الحسن، وتسألهم إن كانوا يودون الذهاب يوم الجمعة. هذا أمر طيب؛ فالطعام المجاني هو دومًا أمرٌ مستحسن؛ حتى إنك تتصور أن هذا الأمر يمكن أن يكون مادة لفقرة واحدة في عمودك.
ثم يبدد صديق يعمل في مكتب المراجعة التحريرية أوهامك: ألم يكن فوزك بهذه السرعة في مطعم مزدحم على هذا النحو أمرًا مستغربًا؟
تبدأ أنت أيضًا في التساؤل؛ فقبول الهبات بالطبع أمر محظور. لو كان مالك المطعم قد أعطاك عشر لفائف بوريتو فحسب، لكنت اعتذرت عن قبولها. أيًّا ما كان الأمر، فبطاقة التعريف الشخصية الخاصة بك تفصح عن هويتك ومكان عملك. هل تخير مالك المطعم بطاقة التعريف الخاصة بك تملقًا لك ولصحيفتك؟
هل تعتبر الأمر مسألة حظٍّ وتقضي وقتًا طيبًا مع أصدقائك؟ هل تذكر الأمر في عمودك؟ أم أنه من الأفضل ألا تقبل الجائزة؟ (قرارات الصحيفة في نهاية الكتاب.)